عبد الله وهب راسبي
Abdullah ibn Wahab al-Rasbi - Abdullah ibn Wahab al-Rasbi
عبد الله بن وَهْب الراسبي
(…ـ 38 هـ/ … ـ 658م)
عبد الله بن وهب الراسبي الأزدي، نسبة إلى بني راسِب بن مَيْدَعان، وهم حي من أحياء قبيلة الأزد اليمنية.
وُصف بأنه كان ذا علم ورأي وفصاحة وشجاعة، وكان من بين القراء عجباً في النسك والعبادة. وقد أدرك النبيr، وشهد فتوح العراق مع سعد بن أبي وقاص، ثم كان مع علي كرم الله وجهه في بعض حروبه، إلاّ أنه انصرف عنه لما وقع التحكيم، فأصبح رأساً من رؤوس الخوارج.
فلما عاد علي كرم الله وجهه إلى الكوفة وقف نفر من أصحابه الذين ألزموه بقبول التحكيم يعارضونه، ويطلبون منه أن يرجع عن التحكيم، وأن يعود إلى حرب معاوية، وأن يتوب عما بدر منه، كما تابوا بعد أن علموا أنهم كانوا مخطئين، لأن قبول التحكيم في رأيهم يعد كبيرة من الكبائر، فرفض علي مطلبهم، فإذا بجماعة منهم ينشقون عنه وينصرفون إلى (حَرُوراء) قرب الكوفة ويعلنون نقضهم بيعة علي، وهؤلاء هم الذين سموا فيما بعد بالخوارج.
وحين تفاقم الصراع بين علي كرم الله وجهه وهؤلاء الخوارج، ويئسوا من توبته عن التحكيم ومواصلته قتال معاوية، خلعوا إمارته، وأخذوا يبحثون عمن ينصِّبونه خليفة للمسلمين عوضاً عنه، فعرضوا ذلك على عدد من رؤوسهم، فأبوا، فنصَّبوا مَعْدان الإيادي مدة، إلاّ أنهم مالبثوا أن خلعوه،لأنه تبرأ من القَعَد الذين اعتذروا عن القتال فقعدوا عنه، فقصدوا عبد الله بن وهب الراسبي في بيته، وأجمعوا على مبايعته بالإمامة، فأخذ يمتنع عليهم تحرجاً، ويستقبلهم ويومئ إلى غيره تحرزاً، ويعتذر إليهم تكرهاً، ويدعوهم إلى التروِّي في الأمر ويقول لهم: يا قوم، استبيتوا الرأيَ، فإن ازدحام الجواب مَضَلَّة للصواب، وليس الرأيُ بالارتجال، ولا الحـزمُ بالاقتضاب، وخميرُ الـرأي خير من فطيره، وربَّ شيء غابُّه خير من طريِّه، وتأخيره خير من تقديمه.
ولما أصروا عليه وأبـوا إلاّ مبايعته لم يجـد بـداً من الإذعان لما أرادوه، فقال لهم: هاتوها، فوالله ما أقبلها رغبة في الدنيا، ولا فراراً من الموت، ولكني أقبلها لما أرجو فيها من عظيم الأجر. فبايعوه في العاشر من شوال سنة 37هـ.
وأخـذ بعد مبايعته يكفِّر الحَكَمَين ويتبرأ منهما، وممن رضي بقولهما وصوَّب أمرهما، ويقـول لأصحابه في خطبة لـه: فإن هذين الحَكَمَين قد حَكَما بغير ما أنزل الله، وقد كَفَر إخواننا حين رضوا بهما وحكَّموا الرجال في دينهم، فأقسم بمن تعنو لـه الوجوه، وتخشع لـه الأبصار، لو لم أجد على قتالهم مساعداً لقاتلتهم وحدي حتى ألقى ربي شهيداً، ثم خرج عبد الله بن وهب من الكوفة بجماعته لقتال علي، وكانوا ستة آلاف رجل تخلَّف منهم زهاء ألفين ممن أسرَّ أمره وبقي في الكوفة لايقاتل علياً ولايقاتل معه، فساروا في أربعة آلاف رجل حتى نزلوا جسر (النَّهرَوان)، وهي منطقة تقع بين بغداد وواسط، وكان عبد الله في هذا الجيش يتولى أمر الخيل كلها.
ومع هذا التعنت والاستفزاز فقد كان الإمام علي يعاملهم بسياسة المهادنة والاسترضاء والمحاجة والمناظرة، لعلهم يثوبون إلى رشدهم ويرجعون عما عزموا عليه، ويرسل إليهم الرسل لتذكيرهم بوجوب الطاعة والجنوح إلى الصواب، فما كان من عبد الله بن وهب إلاّ أن اتخذ من التحكيم ذريعة لإعلان الثورة المسلحة على عليt، وكشف مطامع الخوارج الشُّراة في الحكم حين قال لأحد هؤلاء الرسل:
نقاتلكم كي تَلْزَموا الحقَّ كلَّهُ
ونضربكمْ حتى يكونَ لنا الحكمُ
فما كاد يصلُ علياً النبأ بأنهم قد تمادوا في غيِّهم فقتلوا أحد رسله إليهم، حتى وجد أنه لامناص من قتالهم، فانطلق بجيشه إلى (النَّهْرَوان) وأمهلهم حتى يبدؤوا هم بالقتال، وما كاد يلتحم الجيشان حتى تزعزعت صفوف الخوارج، وشرعت فئة منهم تفر من المعركة، فطفق عبد الله بن وهب يحرض جماعته ويثبتهم، ويصيح في أرض النَّهروان: أنا ابن وهب الراسبي الشاري.
ومع ذلك فقد أسفرت معركة النَّهروان التي جرت سنة 38هـ عن هزيمة الخوارج أمام جيش علي، إذ استأمن منهم من استأمن، وقُتل منهم من قُتل، ولم يبق منهم سوى ألف وثمانمئة، وكان من بين القتلى عبد الله بن وهب الراسبي. وقد رثاه الشاعر الخارجي أبو بلال، مرداس بن أُدَيَّة ورثى بعض جماعته بقوله :
أبعدَ ابنِ وَهْبٍ ذي النزاهةِ والتقى
ومَنْ خاض في تلك الحروبِ المهالكا
أُحبُّ بقاءً أو أُرجِّي سلامة
وقد قَتلوا زيدَ بنَ حصنٍ ومالكا
محمّد كمال
Abdullah ibn Wahab al-Rasbi - Abdullah ibn Wahab al-Rasbi
عبد الله بن وَهْب الراسبي
(…ـ 38 هـ/ … ـ 658م)
عبد الله بن وهب الراسبي الأزدي، نسبة إلى بني راسِب بن مَيْدَعان، وهم حي من أحياء قبيلة الأزد اليمنية.
وُصف بأنه كان ذا علم ورأي وفصاحة وشجاعة، وكان من بين القراء عجباً في النسك والعبادة. وقد أدرك النبيr، وشهد فتوح العراق مع سعد بن أبي وقاص، ثم كان مع علي كرم الله وجهه في بعض حروبه، إلاّ أنه انصرف عنه لما وقع التحكيم، فأصبح رأساً من رؤوس الخوارج.
فلما عاد علي كرم الله وجهه إلى الكوفة وقف نفر من أصحابه الذين ألزموه بقبول التحكيم يعارضونه، ويطلبون منه أن يرجع عن التحكيم، وأن يعود إلى حرب معاوية، وأن يتوب عما بدر منه، كما تابوا بعد أن علموا أنهم كانوا مخطئين، لأن قبول التحكيم في رأيهم يعد كبيرة من الكبائر، فرفض علي مطلبهم، فإذا بجماعة منهم ينشقون عنه وينصرفون إلى (حَرُوراء) قرب الكوفة ويعلنون نقضهم بيعة علي، وهؤلاء هم الذين سموا فيما بعد بالخوارج.
وحين تفاقم الصراع بين علي كرم الله وجهه وهؤلاء الخوارج، ويئسوا من توبته عن التحكيم ومواصلته قتال معاوية، خلعوا إمارته، وأخذوا يبحثون عمن ينصِّبونه خليفة للمسلمين عوضاً عنه، فعرضوا ذلك على عدد من رؤوسهم، فأبوا، فنصَّبوا مَعْدان الإيادي مدة، إلاّ أنهم مالبثوا أن خلعوه،لأنه تبرأ من القَعَد الذين اعتذروا عن القتال فقعدوا عنه، فقصدوا عبد الله بن وهب الراسبي في بيته، وأجمعوا على مبايعته بالإمامة، فأخذ يمتنع عليهم تحرجاً، ويستقبلهم ويومئ إلى غيره تحرزاً، ويعتذر إليهم تكرهاً، ويدعوهم إلى التروِّي في الأمر ويقول لهم: يا قوم، استبيتوا الرأيَ، فإن ازدحام الجواب مَضَلَّة للصواب، وليس الرأيُ بالارتجال، ولا الحـزمُ بالاقتضاب، وخميرُ الـرأي خير من فطيره، وربَّ شيء غابُّه خير من طريِّه، وتأخيره خير من تقديمه.
ولما أصروا عليه وأبـوا إلاّ مبايعته لم يجـد بـداً من الإذعان لما أرادوه، فقال لهم: هاتوها، فوالله ما أقبلها رغبة في الدنيا، ولا فراراً من الموت، ولكني أقبلها لما أرجو فيها من عظيم الأجر. فبايعوه في العاشر من شوال سنة 37هـ.
وأخـذ بعد مبايعته يكفِّر الحَكَمَين ويتبرأ منهما، وممن رضي بقولهما وصوَّب أمرهما، ويقـول لأصحابه في خطبة لـه: فإن هذين الحَكَمَين قد حَكَما بغير ما أنزل الله، وقد كَفَر إخواننا حين رضوا بهما وحكَّموا الرجال في دينهم، فأقسم بمن تعنو لـه الوجوه، وتخشع لـه الأبصار، لو لم أجد على قتالهم مساعداً لقاتلتهم وحدي حتى ألقى ربي شهيداً، ثم خرج عبد الله بن وهب من الكوفة بجماعته لقتال علي، وكانوا ستة آلاف رجل تخلَّف منهم زهاء ألفين ممن أسرَّ أمره وبقي في الكوفة لايقاتل علياً ولايقاتل معه، فساروا في أربعة آلاف رجل حتى نزلوا جسر (النَّهرَوان)، وهي منطقة تقع بين بغداد وواسط، وكان عبد الله في هذا الجيش يتولى أمر الخيل كلها.
ومع هذا التعنت والاستفزاز فقد كان الإمام علي يعاملهم بسياسة المهادنة والاسترضاء والمحاجة والمناظرة، لعلهم يثوبون إلى رشدهم ويرجعون عما عزموا عليه، ويرسل إليهم الرسل لتذكيرهم بوجوب الطاعة والجنوح إلى الصواب، فما كان من عبد الله بن وهب إلاّ أن اتخذ من التحكيم ذريعة لإعلان الثورة المسلحة على عليt، وكشف مطامع الخوارج الشُّراة في الحكم حين قال لأحد هؤلاء الرسل:
نقاتلكم كي تَلْزَموا الحقَّ كلَّهُ
ونضربكمْ حتى يكونَ لنا الحكمُ
فما كاد يصلُ علياً النبأ بأنهم قد تمادوا في غيِّهم فقتلوا أحد رسله إليهم، حتى وجد أنه لامناص من قتالهم، فانطلق بجيشه إلى (النَّهْرَوان) وأمهلهم حتى يبدؤوا هم بالقتال، وما كاد يلتحم الجيشان حتى تزعزعت صفوف الخوارج، وشرعت فئة منهم تفر من المعركة، فطفق عبد الله بن وهب يحرض جماعته ويثبتهم، ويصيح في أرض النَّهروان: أنا ابن وهب الراسبي الشاري.
ومع ذلك فقد أسفرت معركة النَّهروان التي جرت سنة 38هـ عن هزيمة الخوارج أمام جيش علي، إذ استأمن منهم من استأمن، وقُتل منهم من قُتل، ولم يبق منهم سوى ألف وثمانمئة، وكان من بين القتلى عبد الله بن وهب الراسبي. وقد رثاه الشاعر الخارجي أبو بلال، مرداس بن أُدَيَّة ورثى بعض جماعته بقوله :
أبعدَ ابنِ وَهْبٍ ذي النزاهةِ والتقى
ومَنْ خاض في تلك الحروبِ المهالكا
أُحبُّ بقاءً أو أُرجِّي سلامة
وقد قَتلوا زيدَ بنَ حصنٍ ومالكا
محمّد كمال