لذه Pleasure - Plaisir
اللذّة
اللذّة pleasure هي حالة أو شعور بالرضا والاستمتاع والبهجة ترتبط بمواقف وأحداث تُسرُّ الشخص، وتشبع رغباته. ويعدّ البحث عن اللذّة والهروب من الألم خاصتين من خصائص الكائنات الحية؛ لذا فإن الإنسان يبحث عن المفيد وما يمنحه اللذّة، ويبتعد عن غير المفيد، وما يسبب له الإزعاج، كما أن أحداث الحياة الإيجابية تُولِّد اللذّة، والأحداث السلبية تُولّد الألم. وبهذا يوجد نوعان للذّة: أحدهما سلبي ناجم عن وقف الألم، مثل لذّة الصحّة بعد الشفاء من المرض، والراحة بعد التعب، والطعام بعد الجوع. والآخر إيجابي ينجم عن بلوغ حالٍ من الطمأنينة والسلام الداخلي والسكينة، كلذّة طعام محبب في وقت عدم الجوع، ولذّة العطر، ولذّة الإستماع إلى الموسيقى وغيرها.
تعني كلمة اللذّة في الفلسفة اليونانية القديمة «المتعة» hedone؛ وهي القوة الدافعة إلى تصرفات البشر وغايتها الأخيرة. ويرى أبيقور Epicure أن اللذّة هي أساس السعادة ومبدؤها، وهي الخير الأصيل والطبيعي، وحصر السعادة في التمتع بلذات الدنيا منطلقاً في ذلك من معاينة السلوك الطبيعي للإنسان. وإذا كان الجسم عند «أفلاطون» قبراً ينبغي على النفس أن تعجل الخلاص منه بإماتة شهواته ورغباته، فإن أبيقور يعدّ القاعدة الأساسية لكل خير هي لذّة البطن، وأنه لايستطيع تصوّر الخير لو تم استثناء ملذات الذوق والبصر والسمع وكل الحواس الأخرى عند الإنسان. غير أن أبيقور يوضح أن اللذّة التي يقصدها ليست اللذات المتعلقة بالمتعة الجسدية، بل هي التي تتميز بانعدام الألم في الجسم والاضطراب في النفس. وعلى ذلك فإن اللذّة عند أبيقور عبارة عن توازن بين مختلف أعضاء الجسم ووظائفه، تدوم، وتتواصل حاضراً ومستقبلاً، وتعبّر عن الانسجام الكامل لحياة الفرد الجسمية والروحية معاً، واللذّة الحقيقية ليست كماً قابلاً للزيادة غير المحدودة بقدر كونها كيفاً محدوداً قابلاً لأن تزداد نقاوته.
ميز أبيقور بين ثلاثة أصناف من الرغبات (اللذّات) حيث إن كل رغبة هي رغبة في اللذّة والمتعة، وهي: الرغبات الطبيعية والضرورية لبقاء الفرد (كالرغبة في الطعام والشراب) والرغبات الطبيعية وغير الضرورية (كالرغبة الجنسية) والرغبات غير الطبيعية وغير الضرورية (كالرغبة في الجاه والمجد…). في حين أثبتت «الأفلاطونية» أن كل لذّة تقوم على الرغبة، وأن الرغبة تذكّر للماضي وتوقّع للمستقبل، أما «البوذية» [ر. بوذا والبوذية] فترفض فكرة اللذّة، وتأخذ بفكرة «النرفانا» وهي حالة من الفرحة الروحية.
ربط «النفعيون» - القرن التاسع عشر- اللذّة بالمنفعة التي يجب أن يتوخاها الإنسان بأيّ ثمن. ومع إطلالة القرن العشرين ظهر فرويد Freud بنظريته في التحليل النفسي، حيث رأى أن غريزة اللذّة والمتعة توجد عند الإنسان في مراحل الحياة جميعها. ولهذا يلتذ الطفل بمصّ ثدي أمه وبمصّ إبهامه أو قطعة قماش… واللعب خير شاهد على واقعية مبدأ اللذّة الذي افترضه فرويد موجهاً لسلوك الطفل وتفكيره في شتى المجالات، فهو يفعل كل ما يجلب له الشعور باللذّة والسعادة. وعموماً يسعى الإنسان جاهداً حتى الموت للحصول على اللذّة وتجنب الألم، ويتجه بطبيعته نحو مبدأ اللذّة العاجلة لمباشرة الرغبة، ولكنه يُواجَه بحقائق الطبيعة المحيطة به، فيتجنب اللذّة التي تجلب له آلاماً أكبر أو يؤجّل تحقيقها، وقد يتعرض حسب فرويد للكبت والمشكلات النفسية.
بينت بعض الدراسات (أرجايل، 1993) أن مراكز الاستمتاع pleasure centers في المخ التي تقع بالقرب من المهاد التحتاني hypothalamus وفي الجهاز النطاقي limbic system تُنتج إحساسات سارة من أجزاء مختلفة من المخ، وتزودنا بحالة اللذّة من مذاقات طيبة واستثارة جنسية واستمتاع واسترخاء وضحك ولمعان في العينين ووجه مبتسم. إن كل لذّة في جوهرها لذّة فيزيائية (طبيعية) تطول الجسم بأكمله، كما أن لذة النفس هي لذة جسمية متذكرة أو متوقعة.
تعدّ اللذّة ضرورة في حياة الإنسان، وهي علامة قوة ومنبع لها، فهي تدل على أن الإنسان يملك زيادة من القوة من جهة، كما أنها من جهة أخرى تنشط العضوية لديه، وتتكيف مع طبيعة الفعل نفسه، فالطعام- مثلاً- الذي تقبله العضوية، وتتكيف معه هو طعام لذيذ، أما الطعام الذي ترفضه العضوية فهو غير لذيذ لإنسان، وقد يكون لذيذاً لإنسان آخر. كما أن ما نراه مؤلماً عند الأكثرية قد يكون باعثاً على اللذّة عند بعضهم، مثل المقامر الذي ينشد المخاطرة الباعثة على اللذّة الفورية مع أنها في الأساس خبرة مؤلمة، وكذلك المازوخية [ر. السادية والمازوخية] التي تنشد اللذّة الجنسية من خلال الألم والتعذيب. ويشترط في تحقيق اللذّة تكامل الأحوال، فتوافر الطعام اللذيذ مع اعتلال الصحة على سبيل المثال لا يعدّ كافياً لتحقيق اللذّة. كما أن كل ألم يتصل بالأمراض النفسية إنما هو في جوهره لذة لم تتحقق. وفقدان الشعور باللذّة يجرّ خلفه فقدان الاستمتاع بالحياة.
تشمل اللذّة أنواع الخبرات الإيجابية كلها، مثل الإشباع الجسمي والراحة والاسترخاء والابتهاج عند القيام بالتأملات والنشاطات الفكرية والفنية والجمالية والاستمتاع بالنشاطات المشتركة مع الآخرين تحقيقاً لهدف معين. كما أن المشاعر الإيجابية (الاهتمام، الرضا، المتعة، السرور، السعادة…) هي استجابات لمواقف وأحداث محببة، وهي تصاحب عادة النشاطات المفيدة وتعززها. وفي المقابل فإن الألم والانزعاج والمشاعر السلبية (الضجر، الخوف، القلق، الغضب، الخجل، الاشمئزاز…) هي ردّات فعل على أحداث غير مقبولة. وهي غالباً ما تصاحب؛ وتعزز الأوضاع المزعجة والمؤلمة؛ ولهذا فإنه عندما يشعر الإنسان باللذّة يجهد للمحافظة عليها أو تجديدها، كما أن بعض الأشياء التي تولّد اللذّة تحمل معها آلاماً أكثر من اللذّة نفسها.
إن التعمق في تحليل اللذّة عند الانسان يبين تلازم اللذّة الجوهري مع قدرات الإنسان المعرفية والفكرية والاجتماعية. وإن عدم تبسيط موضوع اللذّة بعدّها ناتجة من إرضاء الحاجات الجسدية الأساسية فقط غير كاف، ولابدّ من الأخذ بعين التقدير نطاق الخبرات السارة والمُرضية التي تنتج من تفاعل الشخص مع ذاته من جهة، ومع بيئته الاجتماعية والطبيعية من جهة أخرى. إذ إن اللذّة مرافقة ومتفاعلة مع النشاطات الاجتماعية ومتممة ومحفزة لها. كما يشعر الإنسان بلذة السعادة عندما يمارس نشاطاً موجهاً نحو هدف محدد، واللذّة ليست كمالاً في حد ذاتها، بل هي نسبية؛ وتختلف من شخص إلى آخر، ولو وُلد الإنسان كاملاً لما شعر باللذّة. هذا ويشعر الإنسان باللذّة عندما يستطيع حل صراعاته الداخلية وتحقيق درجة من التكامل في شخصيته والرضا عن ذاته والنجاح في أعماله في إطار صحة نفسية متكاملة.
كمال يوسف بلان
اللذّة
اللذّة pleasure هي حالة أو شعور بالرضا والاستمتاع والبهجة ترتبط بمواقف وأحداث تُسرُّ الشخص، وتشبع رغباته. ويعدّ البحث عن اللذّة والهروب من الألم خاصتين من خصائص الكائنات الحية؛ لذا فإن الإنسان يبحث عن المفيد وما يمنحه اللذّة، ويبتعد عن غير المفيد، وما يسبب له الإزعاج، كما أن أحداث الحياة الإيجابية تُولِّد اللذّة، والأحداث السلبية تُولّد الألم. وبهذا يوجد نوعان للذّة: أحدهما سلبي ناجم عن وقف الألم، مثل لذّة الصحّة بعد الشفاء من المرض، والراحة بعد التعب، والطعام بعد الجوع. والآخر إيجابي ينجم عن بلوغ حالٍ من الطمأنينة والسلام الداخلي والسكينة، كلذّة طعام محبب في وقت عدم الجوع، ولذّة العطر، ولذّة الإستماع إلى الموسيقى وغيرها.
تعني كلمة اللذّة في الفلسفة اليونانية القديمة «المتعة» hedone؛ وهي القوة الدافعة إلى تصرفات البشر وغايتها الأخيرة. ويرى أبيقور Epicure أن اللذّة هي أساس السعادة ومبدؤها، وهي الخير الأصيل والطبيعي، وحصر السعادة في التمتع بلذات الدنيا منطلقاً في ذلك من معاينة السلوك الطبيعي للإنسان. وإذا كان الجسم عند «أفلاطون» قبراً ينبغي على النفس أن تعجل الخلاص منه بإماتة شهواته ورغباته، فإن أبيقور يعدّ القاعدة الأساسية لكل خير هي لذّة البطن، وأنه لايستطيع تصوّر الخير لو تم استثناء ملذات الذوق والبصر والسمع وكل الحواس الأخرى عند الإنسان. غير أن أبيقور يوضح أن اللذّة التي يقصدها ليست اللذات المتعلقة بالمتعة الجسدية، بل هي التي تتميز بانعدام الألم في الجسم والاضطراب في النفس. وعلى ذلك فإن اللذّة عند أبيقور عبارة عن توازن بين مختلف أعضاء الجسم ووظائفه، تدوم، وتتواصل حاضراً ومستقبلاً، وتعبّر عن الانسجام الكامل لحياة الفرد الجسمية والروحية معاً، واللذّة الحقيقية ليست كماً قابلاً للزيادة غير المحدودة بقدر كونها كيفاً محدوداً قابلاً لأن تزداد نقاوته.
ميز أبيقور بين ثلاثة أصناف من الرغبات (اللذّات) حيث إن كل رغبة هي رغبة في اللذّة والمتعة، وهي: الرغبات الطبيعية والضرورية لبقاء الفرد (كالرغبة في الطعام والشراب) والرغبات الطبيعية وغير الضرورية (كالرغبة الجنسية) والرغبات غير الطبيعية وغير الضرورية (كالرغبة في الجاه والمجد…). في حين أثبتت «الأفلاطونية» أن كل لذّة تقوم على الرغبة، وأن الرغبة تذكّر للماضي وتوقّع للمستقبل، أما «البوذية» [ر. بوذا والبوذية] فترفض فكرة اللذّة، وتأخذ بفكرة «النرفانا» وهي حالة من الفرحة الروحية.
ربط «النفعيون» - القرن التاسع عشر- اللذّة بالمنفعة التي يجب أن يتوخاها الإنسان بأيّ ثمن. ومع إطلالة القرن العشرين ظهر فرويد Freud بنظريته في التحليل النفسي، حيث رأى أن غريزة اللذّة والمتعة توجد عند الإنسان في مراحل الحياة جميعها. ولهذا يلتذ الطفل بمصّ ثدي أمه وبمصّ إبهامه أو قطعة قماش… واللعب خير شاهد على واقعية مبدأ اللذّة الذي افترضه فرويد موجهاً لسلوك الطفل وتفكيره في شتى المجالات، فهو يفعل كل ما يجلب له الشعور باللذّة والسعادة. وعموماً يسعى الإنسان جاهداً حتى الموت للحصول على اللذّة وتجنب الألم، ويتجه بطبيعته نحو مبدأ اللذّة العاجلة لمباشرة الرغبة، ولكنه يُواجَه بحقائق الطبيعة المحيطة به، فيتجنب اللذّة التي تجلب له آلاماً أكبر أو يؤجّل تحقيقها، وقد يتعرض حسب فرويد للكبت والمشكلات النفسية.
بينت بعض الدراسات (أرجايل، 1993) أن مراكز الاستمتاع pleasure centers في المخ التي تقع بالقرب من المهاد التحتاني hypothalamus وفي الجهاز النطاقي limbic system تُنتج إحساسات سارة من أجزاء مختلفة من المخ، وتزودنا بحالة اللذّة من مذاقات طيبة واستثارة جنسية واستمتاع واسترخاء وضحك ولمعان في العينين ووجه مبتسم. إن كل لذّة في جوهرها لذّة فيزيائية (طبيعية) تطول الجسم بأكمله، كما أن لذة النفس هي لذة جسمية متذكرة أو متوقعة.
تعدّ اللذّة ضرورة في حياة الإنسان، وهي علامة قوة ومنبع لها، فهي تدل على أن الإنسان يملك زيادة من القوة من جهة، كما أنها من جهة أخرى تنشط العضوية لديه، وتتكيف مع طبيعة الفعل نفسه، فالطعام- مثلاً- الذي تقبله العضوية، وتتكيف معه هو طعام لذيذ، أما الطعام الذي ترفضه العضوية فهو غير لذيذ لإنسان، وقد يكون لذيذاً لإنسان آخر. كما أن ما نراه مؤلماً عند الأكثرية قد يكون باعثاً على اللذّة عند بعضهم، مثل المقامر الذي ينشد المخاطرة الباعثة على اللذّة الفورية مع أنها في الأساس خبرة مؤلمة، وكذلك المازوخية [ر. السادية والمازوخية] التي تنشد اللذّة الجنسية من خلال الألم والتعذيب. ويشترط في تحقيق اللذّة تكامل الأحوال، فتوافر الطعام اللذيذ مع اعتلال الصحة على سبيل المثال لا يعدّ كافياً لتحقيق اللذّة. كما أن كل ألم يتصل بالأمراض النفسية إنما هو في جوهره لذة لم تتحقق. وفقدان الشعور باللذّة يجرّ خلفه فقدان الاستمتاع بالحياة.
تشمل اللذّة أنواع الخبرات الإيجابية كلها، مثل الإشباع الجسمي والراحة والاسترخاء والابتهاج عند القيام بالتأملات والنشاطات الفكرية والفنية والجمالية والاستمتاع بالنشاطات المشتركة مع الآخرين تحقيقاً لهدف معين. كما أن المشاعر الإيجابية (الاهتمام، الرضا، المتعة، السرور، السعادة…) هي استجابات لمواقف وأحداث محببة، وهي تصاحب عادة النشاطات المفيدة وتعززها. وفي المقابل فإن الألم والانزعاج والمشاعر السلبية (الضجر، الخوف، القلق، الغضب، الخجل، الاشمئزاز…) هي ردّات فعل على أحداث غير مقبولة. وهي غالباً ما تصاحب؛ وتعزز الأوضاع المزعجة والمؤلمة؛ ولهذا فإنه عندما يشعر الإنسان باللذّة يجهد للمحافظة عليها أو تجديدها، كما أن بعض الأشياء التي تولّد اللذّة تحمل معها آلاماً أكثر من اللذّة نفسها.
إن التعمق في تحليل اللذّة عند الانسان يبين تلازم اللذّة الجوهري مع قدرات الإنسان المعرفية والفكرية والاجتماعية. وإن عدم تبسيط موضوع اللذّة بعدّها ناتجة من إرضاء الحاجات الجسدية الأساسية فقط غير كاف، ولابدّ من الأخذ بعين التقدير نطاق الخبرات السارة والمُرضية التي تنتج من تفاعل الشخص مع ذاته من جهة، ومع بيئته الاجتماعية والطبيعية من جهة أخرى. إذ إن اللذّة مرافقة ومتفاعلة مع النشاطات الاجتماعية ومتممة ومحفزة لها. كما يشعر الإنسان بلذة السعادة عندما يمارس نشاطاً موجهاً نحو هدف محدد، واللذّة ليست كمالاً في حد ذاتها، بل هي نسبية؛ وتختلف من شخص إلى آخر، ولو وُلد الإنسان كاملاً لما شعر باللذّة. هذا ويشعر الإنسان باللذّة عندما يستطيع حل صراعاته الداخلية وتحقيق درجة من التكامل في شخصيته والرضا عن ذاته والنجاح في أعماله في إطار صحة نفسية متكاملة.
كمال يوسف بلان