ليبيا في العصر الحديث

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ليبيا في العصر الحديث

    ليبيا في عصر حديث Libya - Libye
    ليبيا في العصر الحديث



    يمكن تقسيم تاريخ ليبيا الحديث والمعاصر إلى ثلاث فترات؛ تبدأ الفترة الأولى من دخول العثمانيين إليها عام 958هـ/1551م، وتستمر حتى نهاية العصر العثماني، الثانية هي فترة الاستعمار الغربي من سنة 1911م حتى الاستقلال في منتصف القرن العشرين، أما الثالثة فتبدأ مع الإعلان عن تأسيس المملكة الليبية المتحدة عام 1951 حتى اليوم.

    ليبيا في العصر العثماني:

    بعد أن أحكم العثمانيون قبضتهم على الجزائر وتونس، تمكّن طرغوت باشا قائد الأسطول العثماني من دخول طرابلس، فقضى على من كان فيها من فرسان القديس يوحنا، وقام بتنظيم إدارة البلاد فضم إلى طرابلس إقليمي برقة وفزّان، وأصبحت ليبيا بكاملها إيالة عثمانية. ومع أن الثورات ضد العثمانيين لم تهدأ فيها؛ فإن السلطنة استطاعت في نهاية الأمر أن تفرض سلطانها على البلاد حتى نهاية القرن السادس عشر، لكن الانكشارية ما لبثوا أن تمردوا على سلطة الولاة، وتمكنوا من القضاء على نفوذهم وتشكيل ديوان من قادتهم، جعلوا على رئاسته واحداً منهم، ولقّبوه بالداي على غرار ما فعل نظراؤهم في الجزائر وتونس. وكان أول من تسلم هذا المنصب منهم الداي سليمان سنة 1019هـ/1610م.

    تميّز عهد الدايات الذي استمر في ليبيا حتى سنة 1123هـ/ 1711م بالغموض؛ لكثرة الاضطرابات، وكانت العلامة الأبرز فيه ظهور شخص من الأشراف يدعى مصطفى حاز ثقة الانكشارية، وتمكّن من بسط سيطرته على معظم قبائل البلاد، وفي عهده وصل أول قنصل فرنسي إلى ليبيا سنة 1040هـ/1630م، وبعد مقتله حلّ محلّه محمّد ساقزلي الذي حظي بتأييد الانكشارية، وأنشأ فرقة من الفرسان عهد إليها بالمحافظة على الأمن بين القبائل البدوية، وبدأت ليبيا تأخذ شكلها الحديث في عهده وعهد من جاء بعده من أفراد أسرته، وفي نهاية القرن السابع عشر وبداية الثامن عشر شهدت طرابلس حوادث عنف واضطرابات دموية نتيجة للهجمات التي قام بها الأوربيون (إسبان وفرنسيون وإيطاليون) ردّاً على أعمال القرصنة التي ادعى الغربيون أن الليبيين كانوا يقومون بها ضد السفن الغربية القريبة من السواحل الإفريقية. وفي هذه الأثناء حدثت نزاعات خطيرة بين طوائف الجند العثمانيين داخل الولاية نجم عنها استيلاء أحمد القرامنلي - وهو ضابط من أصل تركي- على مقاليد الأمور، (سنة 1123هـ/1711م)؛ ليبدأ به حكم الأسرة القرامنلية التي حكمت ليبيا لأكثر من قرن.

    استطاع أحمد القرامنلي في فترة حكمه أن يقضي على منافسيه من الضباط وكبار الموظفين، وأن يتصدى لجيش عثماني أرسله السلطان لإخضاع ليبيا سنة 1124هـ/1712م، لكن السلطان أرغم في نهاية الأمر على الاعتراف به والياً عليها. واستمر أفراد أسرته من بعده يتوارثون الحكم فيما بينهم حتى سنة 1251هـ/1835م، وانقاد لهم الليبيون بسبب سمعتهم الحسنة وقدرتهم على ضبط الأمور وتحسين أوضاع البلاد في المجالات جميعها، وبلغت هذه الأسرة عصرها الذهبي في عهد علي القرامنلي (1754-1793م) الذي ازدهرت ليبيا في أيامه لعنايته الفائقة بالتجارة وتشجيع التجار الأجانب على الإقامة في طرابلس التي أصبحت من أهم المراكز التجارية على الساحل الإفريقي. ومع انصراف اهتمام التجار الليبيين إلى داخل القارة الإفريقية عبْر الصحراء، ازداد معهم اهتمام التجار والمكتشفين الأجانب؛ لتصبح ليبيا منذ ذلك الوقت قاعدة للمغامرين منهم، ينطلقون منها إلى مجاهل القارة. ولأهمية ليبيا بدأ التنافس يحتدم بين الفرنسيين والبريطانيين على الساحل الإفريقي، وكان من نتائجه أن احتل الفرنسيون الجزائر سنة 1246هـ/1830م، وغرقت ليبيا في أعقاب ذلك في حالة من الفوضى بسبب تمرّد بعض قبائل الداخل بتحريض من بريطانيا، فقامت الدولة العثمانية بتوجيه حملة بحرية إلى ليبيا تمكّنت أواخر عام 1251هـ/1835م من دخول طرابلس والقضاء على نفوذ الأسرة القرامنلية، وفرض العثمانيون نفوذهم المباشر من جديد على كامل الأقاليم الليبية. غير أن الأسرة السنوسية التي ظهرت في برقة جعلت هذه المنطقة خارج دائرة السيطرة العثمانية بسبب موالاتها للسيد محمد بن علي السنوسي الجزائري الأصل الذي كان يقيم بداية الأمر في البيضاء، وأسّس أول زاوية له فيها سنة 1259هـ/1843م، ثم انتقل إلى الجغبوب؛ ليكون بعيداً عن سلطة الدولة، وقد ذاع صيته، وكثر أتباعه الذين أقاموا عدداً من الزوايا في الصحراء والطرق التجارية المهمة، ومع الزمن تحولت علاقة السنوسيين بالدولة العثمانية وولاتها في ليبيا؛ لتصبح علاقة حسنة بالنظر إلى الدور المهم الذي اضطلع به أتباع الطريقة في مقاومة الاحتلال الفرنسي لتونس والجزائر. وبعد وفاة الشيخ محمد علي السنوسي سنة 1276هـ/1859م تولّى ولده محمد المهدي الذي انتقل إلى واحة الكفرة، وحوّل طريقته إلى منظّمة ذات طابع فكري وسياسي وعسكري؛ هدفها المحافظة على وحدة البلاد والدفاع عنها تجاه الأطماع الاستعمارية التي بدأت تتكشف عند نهاية القرن التاسع عشر؛ حينما بدا واضحاً أن الإيطاليين يتطلعون إلى احتلال ليبيا أسوة بفرنسا التي احتلّت الجزائر وتونس؛ وبريطانيا التي احتلت مصر والسودان. ولما تُوفِّي الشيخ محمد المهدي سنة 1901 خلفه ابن عمه محمد شريف السنوسي الذي أخذ على عاتقه التصدي للأطماع الإيطالية.

    - ليبيا في فترة الاستعمار الغربي:

    كانت إيطاليا بعد أن استكملت وحدتها السياسية عام 1287هـ/1870م قد أقحمت نفسها في ميدان الاستعمار، وأخذت تنافس كلاً من فرنسا وبريطانيا لمدّ نفوذها إلى إفريقيا، فقامت سنة 1305هـ/1887م بتوقيع عدة اتفاقيات ثنائية وسرية مع كل من بريطانيا وإسبانيا وألمانيا والنمسا حصلت بموجبها على اعتراف هذه الدول بحقّها في احتلال ليبيا، وفي عام 1902 اتفقت سرّاً مع فرنسا على إطلاق يدها في ليبيا مقابل إطلاق يد فرنسا في المغرب العربي ومن أجل أن تعزّز نفوذها لجأت إلى افتتاح المدارس في طرابلس، ودأبت على إرسال المبشرين وإقامة العديد من المستشفيات والمؤسسات الثقافية؛ إلى جانب إنشاء بنك روما الذي كان له دور واضح في السيطرة على الاقتصاد الزراعي عن طريق عمليات الإقراض وشراء الأراضي الزراعية بأثمان مغرية في الوقت الذي كانت الدولة العثمانية تواجه فيه ظروفاً صعبة أصبح فيها السلطان عاجزاً عن حماية نفسه. وقد استغلت إيطاليا بعض حوادث الشغب، ووجّهت إنذاراً للدولة العثمانية تطلب فيه السماح لها بالمحافظة على مصالحها الحيوية، ثم ما لبثت أن أقدمت على احتلال طرابلس وبنغازي ودرنة سنة 1911، وقامت بارتكاب مجازرها الشائنة التي لايزال عارها مرتبطاً بسمعة إيطاليا إلى اليوم (قتل ما يزيد على 20 ألف مواطن، وشنق أكثر من 1000 عدا عن أعمال ذبح العوائل نساء وأطفالاً مع التمثيل)، ومنذ ذلك الحين أخذ الشعب الليبي على عاتقه مواجهة الاستعمار الإيطالي، وخاض معارك باسلة؛ أشهرها معركة (بئر القرضابية) سنة 1915 التي قادها رمضان بك السويحلي زعيم مصراته؛ والتي مزّق فيها الليبيون الجيش الإيطالي شرّ ممزّق، واستولوا على كامل سلاحه ومعداته. وعلى إثر هذا الانتصار اشتعلت الثورات في كل مكان، واسترجع الليبيون كثيراً من المناطق والمواقع التي احتلتها إيطاليا، فلجأت إلى الاتفاق مع بريطانيا سنة 1916 ومع فرنسا سنة 1917 لمواجهة المقاومة الضارية التي أشرف عليها السنوسيون، فعمدت الدولتان الاستعماريتان إلى إحداث شرخ بين أفراد الأسرة السنوسية من خلال تأليب بعضهم على بعض غير أن غالبية المخلصين بقيادة أحمد الشريف والمجاهدين محمد العابد وأحمد المريد وعبد النبي بالخير أفسدوا على المستعمرين كل الحسابات.

    لجأت الحكومة الإيطالية بعد الحرب العالمية الأولى إلى بذل الأموال لبعض القادة، فأبرمت اتفاقاً مع السيد محمد إدريس السنوسي سنة 1920، اعترفت له بالسيادة على بعض الأقاليم، وأجرت له مرتّباً مغرياً، ومنحته لقب أمير، وعندما وصل الفاشيون إلى سدّة الحكم في إيطاليا سنة 1922 لجاؤوا إلى سياسة القتل والتنكيل بعد أن ضاعفوا من أعداد جنودهم هناك. وسجلت الفترة الممتدة من سنة 1922 إلى 1931 مرحلة نضالية تعد من مفاخر الشعب الليبي الذي تصدى للإيطاليين بقيادة المجاهد الكبير عمر المختار ورفاقه (عثمان الشاوي ويوسف أبو رحيل وغيرهم) حيث أنزلوا بالقوات الإيطالية خسائر فادحة. وقد انتهت هذه الوقائع باستشهاد عمر المختار، لكن حركة المقاومة بقيت مستمرة على الرغم من الأعمال الوحشية والقتل الجماعي الذي استهدف قرى بكاملها. وقد أجبر المستعمرون آلاف المزارعين على الرحيل من مناطقهم، وأطلقوا على ليبيا اسم (ليبيا الإيطالية). وفي عام 1939 دخلت إيطاليا الحرب إلى جانب ألمانيا، ولكن القوات الإيطالية هزمت من الجولة الأولى في الحرب، وتمكّن الجنرال مونتغمري Montgomery من دخول ليبيا؛ لتقتسمها بريطانيا مع فرنسا بحيث كانت طرابلس وبرقة وطبرق وبنغازي من نصيب بريطانيا، وفزّان وما يتبع لها من نصيب فرنسا، وسمحت الدولتان للولايات المتحدة بإقامة قاعدة في طرابلس، وبعد نهاية الحرب دعت بعض الجهات والأحزاب الوطنية التي تكوّنت في خضم هذه الأحداث إلى رفض الهيمنة الاستعمارية، ونادت مجتمعة بالاستقلال. وفي أيار/مايو 1949 أصدرت هيئة الأمم المتحدة قراراً يقضي بوضع الأقاليم الليبية تحت الحماية الغربية (فرنسا على فزّان، وإيطاليا على طرابلس، وبريطانيا على برقة)، فهبّت الأحزاب والجمعيات الوطنية معلنة رفضها لهذا القرار، وعمّت الاضطرابات أرجاء الأقاليم الليبية، فقامت الأمم المتحدة بإصدار قرار آخر من العام نفسه ينص على وحدة ليبيا واستقلالها تحت اسم المملكة الليبية المتحدة، وأصبح محمد إدريس بن محمد المهدي السنوسي ملكاً عليها تحت اسم (إدريس الأول) في كانون الأول/ديسمبر 1951م.

    ليبيا في ظل الاستقلال:

    فترة الحكم الملكي:

    كان محمد إدريس السنوسي على خلاف ابن عمه أحمد الشريف مهادناً للإيطاليين ومقرباً من البريطانيين منذ أن أبرم معهم عدة اتفاقيات، منحوه في أثنائها حكم الواحات الداخلية بصفة أمير؛ لذلك سعت بريطانيا بعد صدور قرار الأمم المتحدة القاضي باستقلال ليبيا إلى أن يكون محمد إدريس هذا ملكاً على البلاد؛ لأنها وجدت فيه ما يحقق مصالحها في ليبيا على المدى البعيد. ومنذ توليه عرش البلاد انتهج سياسة خارجية موالية للغرب، ووقّع مع كل من بريطانيا والولايات المتحدة بعض الاتفاقيات سمحت لهذه الدول بإقامة قواعد عسكرية في ليبيا. وعندما تحركت القوى الوطنية لمواجهة هذه السياسة تعرضت للملاحقة، وأصدرت الحكومة أوامرها بإلغاء الأحزاب والأنشطة السياسية. وازدادت حدة التوتر عام 1956 حينما ثبت استخدام هذه القواعد في الاعتداء على مصر، فخرجت مظاهرات مناهضة للملك وسياساته غير أن الحكومة قمعتها بمنتهى الشدة، وأودعت كثيراً من الشباب الوطني في السجون والمعتقلات. وجاء قيام الوحدة السورية المصرية عام 1958؛ ليزيد في إيمان المواطن الليبي ضرورة تصفية كل القواعد الأجنبية في بلاده. وكان هذا متزامناً مع بدء استثمار النفط مطلع ستينيات القرن الماضي؛ حينما أخذت الحاشية الملكية بتبديد هذه الثروة ومنح الامتيازات للشركات الأجنبية على هواها. وبعودة السيطرة الأجنبية على مقدرات الشعب الليبي اتسع نطاق الفساد وإبرام الصفقات المشبوهة؛ مما دفع بعض القيادات العسكرية في الجيش الليبي إلى القيام بثورتها في الأول من أيلول/سبتمبر 1969 معلنة إلغاء النظام الملكي دون إراقة دماء.

    فترة الحكم الجمهوري:

    أصدر مجلس قيادة الثورة الذي تزعمه العقيد معمر القذّافي قراراً يقضي بتكليف محمد المغربي تشكيل حكومة مدنية لم تدم طويلاً، تلتها حكومة أخرى ترأسها القذّافي نفسه قامت بتأميم المصارف، ووضعت يدها على مقدرات البلاد النفطية للحيلولة دون عبث الشركات الأجنبية، ووثقت حكومة الثورة علاقاتها مع الحكومات العربية؛ خاصة مصر والسودان وسورية، حيث أعلن فيما بعد عن إقامة اتحاد الجمهوريات العربية والذي ظلّ حبراً على ورق. وأخذت العلاقة تسوء بين ليبيا ومصر بسبب تنكّر الحكومة المصرية لبعض المبادىء الناصرية في عهد الرئيس أنور السادات الذي أخذ يتقرب شيئاً فشيئاً من الحكومات الغربية؛ وعلى الأخص الولايات المتحدة الأمريكية، في الوقت الذي أخذ يتخلى فيه تدريجياً عن العلاقات مع الاتحاد السوڤييتي. وبعد حرب تشرين الأول/أكتوبر1973 وتوقيع مصر وقف إطلاق النار؛ عدت ليبيا هذه الخطوة من جانب السادات خيانة للأمة العربية. وفي عام 1977 قطعت العلاقات الدبلوماسية نهائياً مع مصر عندما أقدم السادات على زيارة إسرائيل، ثم وقع معها اتفاق (كامب ديفيد)، ومن جانب آخر لم تكن علاقة ليبيا مع تونس بأفضل مما كانت عليه مع مصر؛ ففي عام 1974 زار القذّافي تونس، والتقى الرئيس بورقيبة في جربة، ووقّع معه ميثاق وحدة اندماجية لم تدم طويلاً لأسباب إقليمية تمثلت بعدم رضا حكومتي الجزائر والمملكة المغربية عنها، ثم احتدمت الخلافات بين تونس وليبيا مع مطلع الثمانينيات من القرن الماضي حينما استولت بعض العناصر التونسية المناوئة لنظام بورقيبة بدعم من الحكومة الليبية على بعض القواعد بهدف الوصول إلى السلطة. ومما زاد في توتير العلاقة الخلاف على الحدود في منطقة الجرف القاري بين البلدين، ثم حسمت هذه المسائل حينما التقى القذافي الحبيب بورقيبة، واتفقا على إزالة المشكلات العالقة وطي صفحة الماضي والسير معاً لتنمية الموارد الاقتصادية وتهيئة الأجواء للوصول إلى الوحدة الشاملة. وعلى العموم فإن العلاقات الليبية العربية، وعلاقة ليبيا مع دول الجوار لم تكن ثابتة في العقدين الأخيرين من القرن العشرين، وكثيراً ما كانت عرضة للتناقض. ففي سنة 1981 اتجه القذافي إلى العاصمة التشادية عارضاً على المسؤولين قيام وحدة كاملة بين البلدين، ثم دخلت قواته بعد مدة إلى إقليم أوزو؛ بحجة أنه جزء لا يتجزأ من الأراضي الليبية، وبلغت هذه المسألة ذروتها سنة 1987. وفي عام 1980 أكد القذافي اعترافه بالجمهورية العربية الصحراوية، وهو الأمر الذي رفضته المملكة المغربية، ثم عاد وسحب دعمه لجبهة البوليساريو عام 1984، ووقع مع المغرب في العام نفسه معاهدة تنص على إقامة الاتحاد العربي الإفريقي. أما على مستوى العلاقات الدولية فقد اتسمت علاقات ليبيا بالتوتر مع الغرب عموماً، وفي المقدمة الولايات المتحدة وبريطانيا، وفي عام 1984 ساءت العلاقات بين بريطانيا وليبيا في أعقاب مقتل شرطية بريطانية في لندن في أثناء تظاهرة لليبيين معارضين، وبعد سنتين ازدادت العلاقات سوءاً على خلفية شحن أسلحة ومتفجرات من قبل ليبيا إلى الجيش الجمهوري الإيرلندي، ونجم عن ذلك قطع العلاقات تماماً بين البلدين. أما الولايات المتحدة فإنها استغلّت مثل هذه الأحداث إلى جانب اغتيال الكولونيل حسن اسخال؛ وهو من المعارضين لحكم القذافي، وأحداث التفجير في مطاري فيينا وروما سنة 1985؛ لتسوِّق لفكرة مكافحة الإرهاب العالمي والدول الداعمة له، وفي طليعتها- كما ادعت- ليبيا. وفي عام 1986 تأزّمت العلاقات بين البلدين في أثناء قيام الولايات المتحدة بإجراء مناورة بحرية في خليج سرت، فتعرضت قواتها إلى القصف من جانب القوات الليبية، فقامت الولايات المتحدة بتوجيه ضربة عسكرية إلى مدينتي طرابلس وبنغازي، شاركت فيها 66 طائرة حربية، ذهب ضحيتها 37 قتيلاً من بينهم ابنة القذافي بالتبني، وجاءت حادثة سقوط الطائرة الأمريكية فوق لوكربي عام 1988 التي ذهب ضحيتها270 راكباً وطائرة أخرى فرنسية عام 1989، ذهب ضحيتها 170 راكباً فوق النيجر؛ لتزيد من حدة التوتر بين الولايات المتحدة وفرنسا من جهة وليبيا من جهة ثانية، وتمّ استصدار عدة قرارات من مجلس الأمن تقضي بفرض عقوبات لتضييق الخناق على ليبيا، واستمر الحصار أكثر من سبع سنوات، عولجت المسألة بعدها عن طريق محكمة العدل الدولية، وعلّق مجلس الأمن عقوباته؛ ولكن بعد أن دفعت ليبيا الثمن غالياً؛ إذ قدرت خسائرها ببلايين الدولارات، ومع إغلاق الملف القانوني لقضية لوكربي عام 2001 فتح الباب أمام تطبيع كامل العلاقات بين ليبيا والدول الغربية.

    كان موقف الدول العربية تجاه كل ما تعرضت إليه ليبيا على مدى العقدين الأخيرين من القرن العشرين باهتاً وخجولاً، وهو أقرب إلى التفرج مقارنة بالدور الإفريقي الأكثر فاعلية، ولا أدل على ذلك من الدور الذي قام به رئيس جنوب إفريقيا نلسون مانديلا Nelson Mandelaفي حل أزمة لوكربي؛ إضافة إلى العون الذي تلقته ليبيا من الدول الإفريقية في سنوات الحصار. لهذه الأسباب اتجه القذافي نحو الأفرقة؛ سعياً منه إلى بناء قاعدة إفريقية صلبة يمكن الرهان عليها، وقد دفعه ذلك إلى الاعتقاد أن العروبة ليست إلا مجرد اصطلاح معلّق في الهواء، وهو ما عُدَّ انقلاباً على المبادىء التي كان يؤمن بها، ويدعو إليها على مدى ثلاثين سنة، وكيفما كان فقد تميّزت سياسة القذافي مؤخراً بالحدّة والانقلاب على ما سبق أن تبناه من مواقف كموقفه الأخير تجاه الولايات المتحدة، وهو اليوم يكثف جهوداً كبيرة تجاه بعض المسائل في إفريقيا وغيرها.

    مصطفى الخطيب
يعمل...
X