عاشوراء

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عاشوراء

    عاشوراء

    Ashura’ - Ashura’

    عاشوراء

    إن يوم عاشوراء يوم مخضرم عند أهل الأديان، وقديم الذكرى، عند اليهود وعرب الجاهلية والمسلمين جميعاً من أهل السنة والشيعة، مع اختلاف المقصد، وهو اليوم العاشر من شهر تشري أول شهور التقويم العبري، ويسمى أصلاً عيد الكبور، أو صوم الكبور، كفارة عن بني إسرائيل لاتخاذهم العجل، فإذا صادف يوم سبت سمي عاشوراء، واتخذوه عيداً، وكانوا يحسبون يوم عاشوراء بحساب السنين الشمسية، وهو عند المسلمين: اليوم العاشر من شهر الله المحرَّم أول الشهور العربية في التوقيت الإسلامي. قال القرطبي: عاشوراء معدول عن عاشرة، للمبالغة والتعظيم، وهو في الأصل صفة الليلة العاشرة، لأنه مأخوذ من العشر الذي هو اسم العدد، واليوم مضاف إليها، فإذا قيل: يوم عاشوراء، فكأنه قيل: يوم الليلة العاشرة، إلا أنهم لما عدلوا به عن الصفة غلبت عليه الاسمية، فامتنعوا عن الموصوف، فحذفوا الليلة، فصار هذا اللفظ علماً على اليوم العاشر، أي إنه اليوم المضاف لليلة الماضية.
    وكان أهل الجاهلية العربية، ومنهم قريش في مكة المكرمة يعظِّمونه، لأنه يوم كانت تستر فيه الكعبة، فهم ـ كما روي عن عبد الله بن عمر ـ يصومون يوم عاشوراء تعظيماً له، متأثرين بذلك من الشرع السالف، فكانوا يعظمونه بكسوة الكعبة المشرفة وغير ذلك، وكان المسلمون يصومونه على سبيل الوجوب قبل أن يشرع صيام رمضان، ثم نسخ الوجوب.
    وبعد الأمر بصوم رمضان ظل صوم هذا اليوم سُنّة مؤكدة، فيكره تركه، مع صوم اليوم التاسع قبله (تاسوعاء) لمخالفة نظام اليهود. روى البخاري وغيره عن ابن عباس وغيره، قال: قدم النبيr المدينة ـ أي وأقام إلى يوم عاشوراء ـ فرأى اليهود تصوم عاشوراء، فقال: «ما هذا؟» قالوا: يوم صالح نجّى الله فيه موسى وبني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى، فقال: «أنا أحق بموسى منكم»، فصامه وأمر بصيامه، ولفظ البخاري: «أنتم أحق بموسى منهم فصوموا». فصار صومه سُنَّة، يكفر الذنوب الصغائر عن السنة الماضية، كما روى مسلم وغيره عن أبي قتادة، ولفظ ابن ماجة قال الراوي: «صيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي بعدها» وصامه النبيr مرة واحدة، في عام، أذ حيث قال فيما رواه مسلم وأبو داود: «ولئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع».
    وبذلك صار صومه قربة وشـكراً لله تعالى لنجاة موسـىu وغرق فرعون، وكان عيسىuيصومه، فصار أيضاً معظماً عند النصارى؛ لأنه مما لم ينسخ من شريعة موسىu، وأكثر الأحكام إنما يتلقاها النصارى من «التوراة».
    وصار الاحتياط صوم اليومين التاسع، والعاشر، أو الحادي عشر بدلاً من التاسع، لكراهة صوم يوم عاشوراء منفرداً عن التاسع أو عن الحادي عشر في رأي الحنفية والشافعية.
    قال الشوكاني: «والظاهر أن الأحوط صوم ثلاثة أيام: التاسع والعاشر والحادي عشر، أي لضمان تحقيق المقصود من الشكر، لأن عاشوراء أفضل من تاسوعاء، وخشية نقص الهلال ووقوع الغلط».
    ويسن في هذا اليوم التوسعة في النفقة على الأهل والأقارب، بل يندب فيه اثنتا عشرة خصلة جمعها بعض المالكية ـ ما عدا ذكر عيادة المريض الذي يسن فيه أيضاً ـ في قوله:
    صم، صلّ، صلْ، زر عالماً، ثم اغتسل
    رأسَ اليتيم امسح، تصدق، واكتحل
    وسِّع على العيال، قلِّم ظفرا
    وسورة الإخلاص قل ألفاً تصل
    واعتاد المسلمون السُّنة في أغلب البلاد الإسلامية في بلاد الشام والمغرب ومصر وغيرها إظهار الفرح في عاشوراء، عملاً بالسنة، وأداءً لحق الشكر على نبي الله موسىu، ثم خفَّت أو انعدمت غالباً مظاهر الاحتفال فيه، مراعاة لذكرى الحادث الأليم بمقتل الإمام الحسينt في كربلاء يوم الجمعة في العاشر من المحرم عام 61هـ على يد قائد جيش يزيد بن معاوية، فصار يوم حزن وكآبة عند المسلمين ولاسيما الشيعة، الذين ما زالوا يظهرون الكرب في هذا اليوم باللطم وأحياناً بضرب الرأس والجسد حتى يسيل الدم.
    وليوم عاشوراء عند المغاربة عناية خاصة غير الصوم فيه؛ إذ تجمع الصدقات فيه، ويتردد طلاب المدارس القرآنية من بيت إلى بيت وهم يرتلون ويجمعون المال لمعلميهم، ويزورون قبور الموتى فتسقى تربتها وتوضع أغصان الآس عليها، ويحتفلون بهذا العيد بتقديم مأكولات معينة كالفطائر المحشوة عادة بالفاكهة والعصائد، ولاسيما البيض والطيور الداجنة.
    وتختلف الاحتفالات الشعبية بهذا اليوم من منطقة إلى أخرى، فهي بقايا تقاليد قديمة لمجتمع زراعي يرمز إلى انتهاء سنة وولادة أخرى، مثل إشعال النار ثم إلقاؤها في الماء، ثم يغتسلون فيه، وتقدم الأضاحي في مراكش، وتصنع الدمى المتحركة، وتقام مهرجانات واحتفالات متنوعة في مراكش وأوران الغربية، وعلى حدود الصحراء، وفيها، وفي تونس وليبيا.
    والذي آل إليه شأن عاشوراء أن اليهود والنصارى تخلّوا عن صوم يوم عاشوراء، وعن جعله عيداً، وظل أهل السنة المسلمون أوفياء للمبدأ، فهم أو أغلبهم يصومونه شكراً لله تعالى على نجاة موسىu، وتحوَّل اليوم عند الشيعة إلى مأتم وندب، ونواح وبكاء ولطم على الخدود وضرب للجسد بسبب مقتل الشهيد أبي عبد الله الحسينtفيه؛ إذ يعدونه يوم حزن يتصدقون فيه ويتقربون إلى الله تعالى.
    وهبة الزحيلي
يعمل...
X