طه حسين Taha-Hussein ناقد ومؤرخ أدبي وباحث وكاتب مقالة وروائي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • طه حسين Taha-Hussein ناقد ومؤرخ أدبي وباحث وكاتب مقالة وروائي

    حسين (طه)

    Hussein (Taha-) - Hussein (Taha-)

    حسين (طه-)
    (1307- 1393هـ/1889- 1973م)
    طه حسين ناقد ومؤرخ أدبي بارز وباحث وكاتب مقالة وروائي وكاتب قصة قصيرة ومترجم،وشاعر مقلّ وأستاذ جامعي ملهم، لم ينازعه أي من رصفائه في نعت «عميد الأدب العربي»، مثلما لا يمكن أن يجاريه أي من معاصريه في تأثيره الواسع في الحياة الأدبية في مصر والشرق العربي ولاسيما في فترة ما بين الحربين التي كادت هيمنته فيها أن تكون مطلقة.
    ولد طه حسين في عزبة الكيلو بالقرب من مغاغة في صعيد مصر لأسرة ميسورة الحال إلى حد ما، وفقد بصره في وقت مبكر نتيجة سوء علاج لمرض عيني أصابه. درس بداية في كُتَّاب القرية، ثم أرسلته أسرته إلى القاهرة لتلقي العلم في الأزهر حيث تتلمذ على يد الشيخ عبد العزيز جاويش، والشيخ سيد المرصفي، والمحقق المشهور الشيخ الشنقيطي. وعلى الرغم من أنه لم يحضر - في رأي بعضهم - دروس الشيخ محمد عبده، أو حضر عدداً قليلاً منها - في رأي بعضهم الآخر- فإنه كان من المعجبين به وبآرائه واجتهاداته.
    وفي عام 1908 التحق طه حسين بالجامعة المصرية بعد إخفاقه في نيل درجة العالمية من الأزهر لسوء علاقته بشيوخه، وقرأ هناك الأدب العربي على يد مجموعة مشهورة من المستشرقين من أمثال نللّينو Nallino وليتمان Littmann وغاستون فييت Gaston Wiet، وتأثر بآرائهم النقدية التي صدروا فيها عن النقد الفرنسي الوضعي، ونال أول درجة دكتوراه تمنحها الجامعة على رسالته التي حملت عنوان «ذكرى أبي العلاء» عام 1914م.
    أوفد عام 1915 إلى فرنسا، ومنح درجة الدكتوراه من السوربون عام 1919على رسالته «فلسفة ابن خلدون الاجتماعية» La philosophie sociale d‘Ibn khaldoun.
    ولم تكن درجة الدكتوراه كل ما عاد به من فرنسا، فقد نال الإجازة في الآداب عام 1917، وهو عام زواجه من السيدة الفرنسية سوزان برسّو Suzanne Bressau التي كان لها تأثير كبير في حياته الشخصية والعلمية، والدبلوم العالي Diplome superieur في التاريخ القديم واللغتين اليونانية واللاتينية على رسالة جامعية مرموقة تقدم بها إلى السوربون.
    تولى كرسي التاريخ القديم في الجامعة المصرية عقب عودته عام 1921، ومالبث أن استبدل به كرسي الأدب العربي عام 1925 عندما غدت الجامعة المصرية جامعة حكومية، لتبدأ فترة تأثيره الواسع في الدراسات الأدبية العربية الحديثة والتي امتدت من خلال تلاميذه إلى ما بعد الثورة المصرية.
    أصدر عام 1926 كتابه «في الشعر الجاهلي» الذي أثار عليه الأزهر والكثير من الباحثين المحافظين والمعتدلين، وذلك لما تضمنه من آراء متطرفة حول صحة الشعر الجاهلي وما تنطوي عليه من آثار في نظرة المسلمين إلى بدايات الدين الحنيف ومصدر التشريع الأول فيه. وكادت العاصفة أن تأتي على مستقبله لولا الدعم الذي تلقاه من رئيس الجامعة لطفي السيد الذي كان أباه الروحي منذ التحاقه بالجامعة في نهاية العقد الأول من القرن الماضي. وعلى أي حال فقد استرضى طه حسين قرّاءه عندما خرج عليهم في العام التالي بنسخة منقحة مهذبة من الكتاب حملت عنوان «في الأدب الجاهلي» استبعد منها معظم آرائه المثيرة للجدل.
    تولى عمادة كلية الآداب يوماً واحداً عام 1928، ومدة أطول عام 1930 نقل إثرها إلى وزارة المعارف، ومالبث أن عاد إلى الجامعة ليغدو عميداً لكلية الآداب للمرة الثالثة بين عامي 1936-1938، ثم نقل ثانية إلى وزارة المعارف «مراقباً». انتخب عضواً في مجمع اللغة العربية عام 1940، وعين رئيساً لجامعة الإسكندرية عام 1942، ثم تسلم وزارة المعارف بين عامي 1950و1952. كما أسس جامعة عين شمس، والمعهد المصري للدراسات الإسلامية في مدريد، وأحدث كرسي اللغة العربية وآدابها في جامعة أثينا في تلك الفترة. وجاءت الثورة المصرية بعد ذلك لتضع حداً نهائياً لانشغاله بالسياسة والعمل العام الذي تقلّب فيه قريباً من ثلاثة عقود.
    يعد طه حسين أول كاتب منح جائزة الدولة للأدب عام 1952، كما أنه نال وسام قلادة النيل عام 1965، وعدداً آخر من الألقاب والأوسمة وشهادات الدكتوراه الفخرية من عدد من الجامعات، كما رشح لجائزة نوبل بدعم من صديقه أندريه جيد، وتسلم جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قبل وفاته بيوم واحد. توفي في القاهرة في الثامن والعشرين من شهر تشرين الأول.
    نشر طه حسين في حياته نحواً من ألف وخمسمئة مقالة، وأربعة وثمانين مجلداً من الدراسات الأدبية، وست روايات، ورواية أخرى غير مكتملة بدأها عام 1946 وظهرت بعد وفاته عـام1975 هي «ما وراء النهر»، وخمسة مجلدات من القصص القصيرة، واثنتي عشرة قصة لم تجمع، وأحد عشر كتاباً مترجماً، وثلاثين مقالة مترجمة، وسبعة عشر كتاباً مؤلفاً بالاشتراك، وثمانية كتب محررة بالاشتراك، ومقدمات لثلاثة وأربعين كتاباً، وثلاثاً وعشرين قصيدة، لم يأذن بجمعها ونشرها في حياته.
    وكان مديراً لدار النشر المعروفة بـ «الكاتب المصري» ورئيس تحرير مجلتها المرموقة التي استقطبت أفضل أقلام كتاب مصر والعرب وعدداً من الكتاب العالميين من أمثال جان بول سارتر، وأندريه جيد، ورينيه إيتيامبل وغيرهم. كما ترجمت بعض كتبه إلى أكثر من لغة، ويكاد كتابه «الأيام» أن يصبح عنواناً للأدب العربي الحديث في الخارج. وثمة ما يشبه الإجماع على أن العقود الثلاثة الممتدة بين عامي 1920-1950 هي عقود طه حسين في الأدب العربي لتأثيره الواسع فيها في مصر وخارجها، ولاسيما في ميدان الدراسات الأدبية، والتأريخ الأدبي، والنقد الأدبي التطبيقي.
    أما نثره القصصي الذي يتميز بنزعة رومنسية غالباً، وبنزعة صوفية أحياناً، فإنه يصعب تصنيفه مع إنتاج الواقعيين. وربما كان كتابه «الأيام» وهو سيرته الذاتية الذي نشر جزؤه الأول عـام 1929، والثاني عـام 1939، والثالث عـام 1967 تحت عنوان «مذكرات طه حسين»، ثم تحت عنوان الجزء الثالث عام 1972، من أفضل ما كتب في هذا الجنس الأدبي. ذلك أن معظم رواياته التي تـشمل «أديب» (1935)، و«دعاء الكروان» (1941)، و«الحب الضائع» (1942) و«شجرة البؤس» (1943)، وغيرها، وقصصه القصيرة التي ربما كان من أبرزها مجموعته «المعذبون في الأرض» (1949)، تفتقر - في رأي تلميذه محمد مندور - إلى الإيهام بالواقع، ويعوزها التمكن من التقنيات السردية، ويغلب عليها الإسراف اللفظي الناجم فيما يبدو عن إملائه لنصوصه عامة، وتأثير تعليمه الأزهري المناهض للأجناس الأدبية الحديثة خاصة.
    وأما دراساته عن الآداب الأجنبية وترجماته لها، ولاسيما الأدب الفرنسي فقد كانت حصيلة دراسته الجامعية لها في فرنسا ورحلاته وإجازاته الطويلة فيها. وعلى الرغم من عنايته بالآداب الكلاسيكية وإخراجه عدداً من الكتب والمقالات المتصلة بها من مثل «صحف مختارة من الشعر التمثيلي عند اليونان» (1920)، «وقادة الفكر» (1925)، وغيرهما، فإنه لم يغد في يوم باحثاً في الكلاسيكيات، واستغرقه حبه للأدب العربي القديم خاصة، فانصرف إلى العناية به معظم الوقت، دون أن يهمل تمامًا النتاج المعاصر له كما في دراسته شوقي وحافظ (1933)، أو يبخل بتشجيع أصحابه كما في دراساته عن توفيق الحكيم (وخاصة مسرحيته «أهل الكهف»)، ونجيب محفوظ (ولاسيما الجزء الأول من ثلاثيته والمعنون بـ« بين القصرين») وغيرهما، أو يتردّد في خوض نقاشات حول الأدب العربي قديمه وحديثه مع معاصريه من مختلف الأجيال والمشارب والأهواء. ويكفي أن يتذكر المرء نقاشاته للعقاد والمازني وزكي مبارك ومنصور فهمي والرافعي وهيكل وساطع الحصري والعظم والعالم وأنيس ورئيف خوري حتى يتبين مدى انخراطه في الشأن العام للأدب العربي داخل مصر وخارجها.
    ومما يذكر له دفاعه المجيد عن اللغة العربية الفصيحة، ومناهضته لاستعمال اللغة العربية المحلية حتى في النثر القصصي والمسرح، وعدم مساندته لدعاة الأدب القومي (المصري) على الرغم من دعوته إلى إعلاء شأن صلة مصر الثقافية بعالم البحر المتوسط، وتشجيعه الانفتاح على الثقافة الغربية، ولاسيما في كتابه «مستقبل الثقافة في مصر» (1938) ومتابعة المستشرقين في بعض آرائهم في الأدب العربي ولاسيما ما اتصل منها بالشعر الجاهلي، الأمر الذي أثار حفيظة الكتاب العرب من ذوي النزعة القومية فانبروا للرد عليه بتأكيد أهمية الحضارة العربية الإسلامية في تاريخ مصر الطويل، وربما كان من أبرزهم المربي والمفكر العربي ساطع الحصري، والذي جمع ردوده على طه حسين في كتابه «آراء وأحاديث في الوطنية والقومية» (1944).
    ولكن التأثير الأكبر له كان في ميدان الدراسات الأدبية العربية الحديثة والذي بدأ برسالته لدرجة الدكتوراه من الجامعة المصرية 1914 والتي خص بها شاعره المفضل أبا العلاء المعري بدراسة موضوعية استلهم فيها النقد الفرنسي الوضعي الذي انسرب إلى تفكيره وكتاباته من خلال أساتذته من المستشرقين من أمثال نللّينو وليتمان وفييت وغيرهم. ولكنه مالبث أن شعر بالحاجة إلى شفع موضوعية المناهج الغربية بالمقاييس الفنية التي استند إليها في دراساته عن الشعر الجاهلي خاصة، وما أثبته منه. وعلى الرغم من إعجابه بـ «لانسون» فإن تأثيره لم يظهر في كتاباته الأولى التي تعكس تأثير تين وبرونتيير وسانت بيف، والتي تمثلها مقالاته التي جمعها لاحقاً في كتابه ذي الأجزاء الثلاثة «حديث الأربعاء» . ويعكس كتابه «مع المتنبي» (1936) تمثله لمنهج لانسون بانصراف مؤلفه إلى نصوص الشاعر .
    أما كتابه «من حديث الشعر والنثر» (1936)، فقد خصصه لشعراء العصر العباسي المجلّين من أمثال أبي تمام، والبحتري، وابن الرومي، وابن المعتز، دون أن ينـسى العودة إلى رصيفه بين ذوي البصيرة أبي العلاء المعري الذي نـشر عنه كتابين آخرين هما «مع أبي العلاء في سجنه» (1939)، و«صوت أبي العلاء» (1944).
    وكما تقدم، فإن طـه حـسين لم ينصرف تماماً عن الأدب العربي الحديث والمعاصر بل خصّص له بعض كتبـه كمـا نجد في «خصـام ونقد» (1955)، و«نقد وإصلاح» (1956)، و«من أدبنا المعاصر» (1958) التي ناقش فيها نتاج معاصريه في الأدب والنقد.
    والحقيقة التي لا يمكن إغفالها في مراجعة نتاج طه حسين الضخم هي ميله لكتابة المقالة أكثر من ميله إلى كتابة البحوث المتكاملة، التي اقتصرت على رسائله الجامعية وعدد قليل من كتبه التي قدّم فيها آراءه المستقلة المناهضة لما هو سائد في الثقافة العربية من مثل كتاب في الشعر الجاهلي (1926)، الذي استتبع سيلاً من الكتب والمقالات التي ردت على ما جاء فيه .وعلى الرغم من أن طه حسين كان من أبرز المعنيين بحق بتاريخ الأدب العربي في القرن العشرين، فإنه لم يخلّف أي تاريخ للأدب العربي، ولكن تلميذاً آخر من تلامذته أخرج عام 1970 ثلاثة مجلدات من كتاباته عنونها بـ «من تاريخ الأدب العربي» جمع فيها بعضاً من كتبه ومقالاته المتصلة بعصور الأدب العربي الأولى حتى العصر العباسي الثاني فضلاً عن بعض محاضراته التي ألقاها على طلابه . في حين ألّف تلميذه الأكبر شوقي ضيف أوسع تاريخ للأدب العربي هو «تاريخ الأدب العربي» الذي صدر منه حتى اليوم تسعة مجلدات ضخمة. وقد جمعت مؤلفاته وطبعت تحت عنوان «الأعمال الكاملة»، وتقع في ستة عشر مجلداً، تضم اثنين وثلاثين جزءاً.
    وصفوة القول أن طه حسين، الذي طالما أكد حقيقة كون الأدب نتاج عصره وبيئته وشخصية صاحبه، كان بحق مرآةً لعصره الذي زيّنه بنتاجه الغزير والمتنوع، والذي كان من أكبر الحوافز على إعادة النظر في الكثير من جوانب الثقافة العربية القديمة والحديثة؛ وعلى الرغم من سعيه المحموم للخروج من دائرة الأزهر الذي رأى فيه قيداً على تفكيره المتجدد، فإنه ظلّ أسير ملكته اللغوية التي اكتسبها من شيوخه، والتي كانت سبيله إلى قلوب أجيال متعاقبة من دارسي الأدب العربي وعقولهم- أجيال طالما رأت فيه المفكر المتبصر الحر المستقل الذي سعى في كل ما كتب إلى إثارة الأسئلة، والحفز على التفكير أكثر من تقديم الإجابات الجاهزة.
    عبد النبي اصطيف
يعمل...
X