رمزيه (ف)
Symbolism - ymbolisme
الرمزية في الفن
لم تكن الرمزية يوماً حركة فنية ثابتة الخصائص بل بدت على الدوام تياراً متعدد المشارب والرؤى، لا يجمعه إطار محدود. وهذا ما أدى إلى الكثير من الخلط في تصنيف الفنانين ضمن تيارها. وكان من نتائج ذلك أن تخلى بعض مؤرخي الفن عن مصطلح الرمزية واستعاض عنه باسم «ما بعد الانطباعية» Poste-impressionnisme أو بأسماء بعض مدارسها الفرعية الأكثر قابلية للتعيين، مثل مدرسة «جسر آفين» Pont-Aven ومدرسة «النبييّن» Les nabis.
وتعود صعوبة تحديد معالم الحركة إلى سببين رئيسين. السبب الأول هو شدة التباين في أساليب عمل الفنانين الذين شكلوا النواة الأولى للحركـة (غوغـان Gauguin، بييـر بوفيس دي شافان Pierre Puvis de Chavannes، غوستاف مورو Gustave Moreau، أوجيـن كارييـر Eugène Carrière، أوديلـون ريدون Odilon Redon …)، إذ على الرغم من اجتماع هؤلاء على أولوية الفكرة على الشكل، ومع رفضهم لكل المدارس الفنية ذات الخلفية المادية (واقعية أو انطباعية) لا يمكن استخلاص قواسم تقنية مشتركة تجمع بين أعمالهم. والسبب الثاني يعود إلى هيمنة الأدباء على الحركة في طور تكونها الأول، فقد كانت كل الكتابات النظرية الباحثة عن قواعد الرمزية تعتمد الأدب موضوعاً مركزياً لها مما لم يتح وضع أحكام معيارية تفيد في تحديد خصائص الفن الرمزي.
تعود أولى إرهاصات الرمزية في الفن إلى عام 1889 حيث ائتلفت حول الفنان غوغان مجموعة من الفنانين الانطباعيين الباحثين عن روح تشكيلية جديدة تتجاوز ما آلت إليه الانطباعية. وبعد أقل من عام ظهرت في مجلة «فـن ونقد» Art et critique مقالة للناقد والفنان موريس ديني Maurice Denis تتكلم للمرة الأولى عن الرمزية في الفن. ثم تبعتها في عامي 1891 و1892 مقالات عدة للناقد ألبير أورييه Albert Aurier في مجلة «مركور فرنسا» Mercure de France وفي «المجلة الموسوعية» La Revue encyclopédique، وفيها يحدد الكاتب ما يراه شروط العمل الفني الرمزي، وهي:
1- أن يكون فكريا لأن هدفه الأسمى التعبير عن فكرة.
2- أن يكون رمزيا يعبر عن تلك الفكرة بالشكل.
3- أن يكون توليفيا ليقدم الفكرة بشكل يمكن للجميع فهمه.
4- أن يكون ذاتياً لأن موضوع العمل لم يعد موضوعا وإنما إشارة إلى الفكرة التي أدركها الفنان.
5- أن يكون زخرفياً، وهذه نتيجة طبيعية ما دامت الشروط السابقة هي نفسها شروط العمل الزخرفي. كما يعطي في مقالة أخرى تعريفاً مختصراً للرمزية فيقول: «الرموز هي الأفكار، أما الرمزية فهي التعبير عن الأفكار بواسطة الأشكال».
لقد نهضت الرمزية على قاعدة رفض العالم القائم بكل نتاجاته الفلسفية والعلمية والفنية. وثمة في كتابات منظري الرمزية انتقادات عنيفة للوضعية وللتقدم الصناعي الذي يشوّه الكون وللمدارس الفنية التي تنصّب الواقع مثالا للجمال، كالمدرستين الطبيعية والانطباعية. غير أن هذا الموقف السلبي من العالم القائم لم يدفع الفنانين الرمزيين نحو القطيعة مع مرجعياتهم الجمالية التي تمتد من فناني عصور قريبة مثل دورر[ر] Dürer وغويا[ر] Goya وواتو[ر] Watteau حتى فن عصر النهضة، ولاسيما في القرن الخامس عشر. وكذلك لم يترك هذا الموقف السلبي الرمزية في وضع تشاؤمي محبط، لذا نرى بعض ممثليها ينفتحون على الأفكار الاشتراكية، بينما يميل آخرون نحو المسيحية.
حسان عباس
Symbolism - ymbolisme
الرمزية في الفن
لم تكن الرمزية يوماً حركة فنية ثابتة الخصائص بل بدت على الدوام تياراً متعدد المشارب والرؤى، لا يجمعه إطار محدود. وهذا ما أدى إلى الكثير من الخلط في تصنيف الفنانين ضمن تيارها. وكان من نتائج ذلك أن تخلى بعض مؤرخي الفن عن مصطلح الرمزية واستعاض عنه باسم «ما بعد الانطباعية» Poste-impressionnisme أو بأسماء بعض مدارسها الفرعية الأكثر قابلية للتعيين، مثل مدرسة «جسر آفين» Pont-Aven ومدرسة «النبييّن» Les nabis.
وتعود صعوبة تحديد معالم الحركة إلى سببين رئيسين. السبب الأول هو شدة التباين في أساليب عمل الفنانين الذين شكلوا النواة الأولى للحركـة (غوغـان Gauguin، بييـر بوفيس دي شافان Pierre Puvis de Chavannes، غوستاف مورو Gustave Moreau، أوجيـن كارييـر Eugène Carrière، أوديلـون ريدون Odilon Redon …)، إذ على الرغم من اجتماع هؤلاء على أولوية الفكرة على الشكل، ومع رفضهم لكل المدارس الفنية ذات الخلفية المادية (واقعية أو انطباعية) لا يمكن استخلاص قواسم تقنية مشتركة تجمع بين أعمالهم. والسبب الثاني يعود إلى هيمنة الأدباء على الحركة في طور تكونها الأول، فقد كانت كل الكتابات النظرية الباحثة عن قواعد الرمزية تعتمد الأدب موضوعاً مركزياً لها مما لم يتح وضع أحكام معيارية تفيد في تحديد خصائص الفن الرمزي.
تعود أولى إرهاصات الرمزية في الفن إلى عام 1889 حيث ائتلفت حول الفنان غوغان مجموعة من الفنانين الانطباعيين الباحثين عن روح تشكيلية جديدة تتجاوز ما آلت إليه الانطباعية. وبعد أقل من عام ظهرت في مجلة «فـن ونقد» Art et critique مقالة للناقد والفنان موريس ديني Maurice Denis تتكلم للمرة الأولى عن الرمزية في الفن. ثم تبعتها في عامي 1891 و1892 مقالات عدة للناقد ألبير أورييه Albert Aurier في مجلة «مركور فرنسا» Mercure de France وفي «المجلة الموسوعية» La Revue encyclopédique، وفيها يحدد الكاتب ما يراه شروط العمل الفني الرمزي، وهي:
1- أن يكون فكريا لأن هدفه الأسمى التعبير عن فكرة.
2- أن يكون رمزيا يعبر عن تلك الفكرة بالشكل.
3- أن يكون توليفيا ليقدم الفكرة بشكل يمكن للجميع فهمه.
4- أن يكون ذاتياً لأن موضوع العمل لم يعد موضوعا وإنما إشارة إلى الفكرة التي أدركها الفنان.
5- أن يكون زخرفياً، وهذه نتيجة طبيعية ما دامت الشروط السابقة هي نفسها شروط العمل الزخرفي. كما يعطي في مقالة أخرى تعريفاً مختصراً للرمزية فيقول: «الرموز هي الأفكار، أما الرمزية فهي التعبير عن الأفكار بواسطة الأشكال».
لقد نهضت الرمزية على قاعدة رفض العالم القائم بكل نتاجاته الفلسفية والعلمية والفنية. وثمة في كتابات منظري الرمزية انتقادات عنيفة للوضعية وللتقدم الصناعي الذي يشوّه الكون وللمدارس الفنية التي تنصّب الواقع مثالا للجمال، كالمدرستين الطبيعية والانطباعية. غير أن هذا الموقف السلبي من العالم القائم لم يدفع الفنانين الرمزيين نحو القطيعة مع مرجعياتهم الجمالية التي تمتد من فناني عصور قريبة مثل دورر[ر] Dürer وغويا[ر] Goya وواتو[ر] Watteau حتى فن عصر النهضة، ولاسيما في القرن الخامس عشر. وكذلك لم يترك هذا الموقف السلبي الرمزية في وضع تشاؤمي محبط، لذا نرى بعض ممثليها ينفتحون على الأفكار الاشتراكية، بينما يميل آخرون نحو المسيحية.
حسان عباس