"عبد الله المبيض".. أقدم مبيض نحاس في "حلب"
حلب
مع أصوات الطرق على النحاس الصادرة من "سوق النحاسين" في منطقة "باب النصر" يمكنك أن تجد العم "عبد الله المبيض"، ويمكنك أن تتعرف عليه بسهولة لأن كنيته تحمل اسم مجال مهنته، ولأن هذه المهنة مرتبطة بإزالة الأوساخ العالقة على الآنية النحاسية والتي تسبب أمراضاً مختلفة، لذلك أطلق عليه لقب "المبيض"، ولأنه يعيد إلى النحاس لونه الأبيض الناصع والأحمر الناري والذهبي البراق كان وجوده مطلوباً لدرجة كبيرة، والعم "عبد الله" يعمل بهذه المهنة منذ أكثر من خمسين عاماً، هذه المهنة التي نقلها أباً عن جد وارتبط اسم عائلته بها وربما تركت في نفسه غصة عندما لم يستطع أن ينقلها لأولاده من بعده.
والعم "عبد الله" الذي ولد عام /1933/ م وهو يبلغ الآن من العمر 76 عاماً ولايزال يمارس هذه المهنة، وربما كان هو أقدم مبيض في "حلب" على رأس عمله.
eSyria زار العم "عبد الله"
في دكانه، وتعرف عليه وسأله
*
ممن تعلمت هذه المهنة؟
**«كما قلت لك بأن هذه المهنة هي مهنة أجدادي، وقد أتقنتها بفضل والدي الذي علمني إياها وأوصاني أن أحافظ عليها، وقد فعلت ما طلب مني، لأني بالدرجة الأولى أحببت وعشقت هذه المهنة طوال فترة حياتي، وكل مهنة يتقنها أي إنسان لا بد من أن يحبها، وإذا لم يكن كذلك فهذه مشكلة كبيرة لأنه لن يستطيع أن يبدع فيها، أنا لم أجبر أولادي على تعلم هذه المهنة، فأنا لدي ستة أولاد ولكل منهم مهنته الخاصة به ومجاله الذي يريد أن ينطلق به، وهذه توصية لكل أب أو لكل أخ مسؤول عن ابنه أو أخيه أن يراعي هذه المسألة».
*كيف انطلقت بمهنتك هذه؟
**«باعتباري عشقت هذه المهنة فقد أتقنتها بسرعة كبيرة، وقد ادخرت من مصروف عملي "أجرتي" ثمناً بسيطاً استطعت أن أشتري به دكاني هذه، وكانت بالأصل تزاول فيها مهنة بيع النحاسيات بكل أشكالها، وقد حولت هذه المهنة إلى مبيض للنحاس، وبما أنني أتقن عملي بشكل جيد هذا ما شجع الكثير من الناس أن يأتوا إلي لأقوم بتبييض نحاسياتهم، وقد نلت شهرة واسعة، ما جعل الكثير من الشخصيات السياسية والفنية والأدبية تزورني في كل فترة من أجل ذلك».
*ما هو سر مهنة المبيض؟
**«تعتمد مهنة المبيض على الخفة والسرعة والرشاقة أولاً، فهناك خبرة لابد من توافرها، وأنا شخصياً أمتاز بهذه الصفات، فأنا مع كبر سني فإنني ما زلت أحتفظ بخبرتي، ومازال هناك كثيرون يحضرون لي الآواني النحاسية التي يكون تبيضها صعباً عليهم لأقوم بعملية تبيضها لهم، ومعظم زبائني هم من "سوق النحاسين" وهناك كثر جداً ممن يأتون إلي من قراهم البعيدة لأنهم يثقون بي وبمهنتي، وتعتمد هذه المهنة على الرشاقة كما ذكرت فيجب الانتباه إلى الآنية كي لا تحترق حين وضعها على النار لأن مادة النحاس إن احترقت فإنها لا تنظف وإن بردت فهي لا تنظف أيضاً، ويقدر وقت تبيض الآنية بحسب درجة وساختها، فهناك آنية تحتاج لتعريضها للنار وفركها لمدة أطول من غيرها، وهناك أوانٍ يتم تبيضها بسرعة».
*ماذا تحدثنا عن هذه المهنة خلال مراحل طويلة من عمرك؟
**«بصراحة هذه المهنة وفرت لي الحياة الاجتماعية بين الناس وكسبت محبتهم واحترامهم كنت موجوداً معهم في أفراحهم وأتراحهم وفي كل المناسبات، وعلى الرغم من أنها مهنة شاقة إلا أنني أحببتها وأذكر أنه في السابق كان يقال للطفل الصغير في أول مراحل عمره "بتبرك عاقل وإلا باخدك أشغلك عند المبيض أبو فلان"، وذلك نظراً للعمل الشاق الذي يقوم به المبيض أثناء عمله إضافة إلى رائحة المواد التي تنطلق من دكانه وشكل اللباس الذي يرتديه ليحمي نفسه من النار أو من أي شيء قد يتسبب في إيذائه».
*ماذا تذكر من هذه المهنة ولن تنساه أبداً؟
**«هذه المهنة التي أطعمتني أنا وأولادي، وكانت مصدر رزقي ومصدر علاقاتي الاجتماعية بين الناس، لن أنساها أبداً مهما حييت، ولن ينساها أولادي من بعدي، وهم يفتخرون بي أمام الآخرين حين يقولون "والدي يكون "عبدالله المبيض" دكانه في الزقاق الفلاني"، فأنا نشأت في هذه الحارة وعشت مع أفرادها وأهليها، تعلمت منهم الكثير وعلموني، وتبقى أخيراً السمعة الحسنة هي التي تخلد الإنسان أولاً وأخيراً».
على الرغم من إحساسنا المغمور بالدهشة حين أعددنا هذا التقرير إلا أن بشاشة العم "عبد الله" أنستنا رائحة "الأسيد" و"القصدير"..علماً أن العم "عبد الله" عرض علينا تبييض آنية نحاسية مجاناً عنده، وللأسف عندما عدنا اكتشفنا أنه لا يوجد في بيتنا أي آنية نحاسية...
- زياد عرفة
حلب
مع أصوات الطرق على النحاس الصادرة من "سوق النحاسين" في منطقة "باب النصر" يمكنك أن تجد العم "عبد الله المبيض"، ويمكنك أن تتعرف عليه بسهولة لأن كنيته تحمل اسم مجال مهنته، ولأن هذه المهنة مرتبطة بإزالة الأوساخ العالقة على الآنية النحاسية والتي تسبب أمراضاً مختلفة، لذلك أطلق عليه لقب "المبيض"، ولأنه يعيد إلى النحاس لونه الأبيض الناصع والأحمر الناري والذهبي البراق كان وجوده مطلوباً لدرجة كبيرة، والعم "عبد الله" يعمل بهذه المهنة منذ أكثر من خمسين عاماً، هذه المهنة التي نقلها أباً عن جد وارتبط اسم عائلته بها وربما تركت في نفسه غصة عندما لم يستطع أن ينقلها لأولاده من بعده.
والعم "عبد الله" الذي ولد عام /1933/ م وهو يبلغ الآن من العمر 76 عاماً ولايزال يمارس هذه المهنة، وربما كان هو أقدم مبيض في "حلب" على رأس عمله.
هذه المهنة التي أطعمتني أنا وأولادي، وكانت مصدر رزقي ومصدر علاقاتي الاجتماعية بين الناس، لن أنساها أبداً مهما حييت، ولن ينساها أولادي من بعدي، وهم يفتخرون بي أمام الآخرين حين يقولون "والدي يكون "عبدالله المبيض" دكانه في الزقاق الفلاني"، فأنا نشأت في هذه الحارة وعشت مع أفرادها وأهليها، تعلمت منهم الكثير وعلموني، وتبقى أخيراً السمعة الحسنة هي التي تخلد الإنسان أولاً وأخيراً
eSyria زار العم "عبد الله"
في دكانه، وتعرف عليه وسأله
*
ممن تعلمت هذه المهنة؟
**«كما قلت لك بأن هذه المهنة هي مهنة أجدادي، وقد أتقنتها بفضل والدي الذي علمني إياها وأوصاني أن أحافظ عليها، وقد فعلت ما طلب مني، لأني بالدرجة الأولى أحببت وعشقت هذه المهنة طوال فترة حياتي، وكل مهنة يتقنها أي إنسان لا بد من أن يحبها، وإذا لم يكن كذلك فهذه مشكلة كبيرة لأنه لن يستطيع أن يبدع فيها، أنا لم أجبر أولادي على تعلم هذه المهنة، فأنا لدي ستة أولاد ولكل منهم مهنته الخاصة به ومجاله الذي يريد أن ينطلق به، وهذه توصية لكل أب أو لكل أخ مسؤول عن ابنه أو أخيه أن يراعي هذه المسألة».
*كيف انطلقت بمهنتك هذه؟
**«باعتباري عشقت هذه المهنة فقد أتقنتها بسرعة كبيرة، وقد ادخرت من مصروف عملي "أجرتي" ثمناً بسيطاً استطعت أن أشتري به دكاني هذه، وكانت بالأصل تزاول فيها مهنة بيع النحاسيات بكل أشكالها، وقد حولت هذه المهنة إلى مبيض للنحاس، وبما أنني أتقن عملي بشكل جيد هذا ما شجع الكثير من الناس أن يأتوا إلي لأقوم بتبييض نحاسياتهم، وقد نلت شهرة واسعة، ما جعل الكثير من الشخصيات السياسية والفنية والأدبية تزورني في كل فترة من أجل ذلك».
*ما هو سر مهنة المبيض؟
**«تعتمد مهنة المبيض على الخفة والسرعة والرشاقة أولاً، فهناك خبرة لابد من توافرها، وأنا شخصياً أمتاز بهذه الصفات، فأنا مع كبر سني فإنني ما زلت أحتفظ بخبرتي، ومازال هناك كثيرون يحضرون لي الآواني النحاسية التي يكون تبيضها صعباً عليهم لأقوم بعملية تبيضها لهم، ومعظم زبائني هم من "سوق النحاسين" وهناك كثر جداً ممن يأتون إلي من قراهم البعيدة لأنهم يثقون بي وبمهنتي، وتعتمد هذه المهنة على الرشاقة كما ذكرت فيجب الانتباه إلى الآنية كي لا تحترق حين وضعها على النار لأن مادة النحاس إن احترقت فإنها لا تنظف وإن بردت فهي لا تنظف أيضاً، ويقدر وقت تبيض الآنية بحسب درجة وساختها، فهناك آنية تحتاج لتعريضها للنار وفركها لمدة أطول من غيرها، وهناك أوانٍ يتم تبيضها بسرعة».
*ماذا تحدثنا عن هذه المهنة خلال مراحل طويلة من عمرك؟
**«بصراحة هذه المهنة وفرت لي الحياة الاجتماعية بين الناس وكسبت محبتهم واحترامهم كنت موجوداً معهم في أفراحهم وأتراحهم وفي كل المناسبات، وعلى الرغم من أنها مهنة شاقة إلا أنني أحببتها وأذكر أنه في السابق كان يقال للطفل الصغير في أول مراحل عمره "بتبرك عاقل وإلا باخدك أشغلك عند المبيض أبو فلان"، وذلك نظراً للعمل الشاق الذي يقوم به المبيض أثناء عمله إضافة إلى رائحة المواد التي تنطلق من دكانه وشكل اللباس الذي يرتديه ليحمي نفسه من النار أو من أي شيء قد يتسبب في إيذائه».
*ماذا تذكر من هذه المهنة ولن تنساه أبداً؟
**«هذه المهنة التي أطعمتني أنا وأولادي، وكانت مصدر رزقي ومصدر علاقاتي الاجتماعية بين الناس، لن أنساها أبداً مهما حييت، ولن ينساها أولادي من بعدي، وهم يفتخرون بي أمام الآخرين حين يقولون "والدي يكون "عبدالله المبيض" دكانه في الزقاق الفلاني"، فأنا نشأت في هذه الحارة وعشت مع أفرادها وأهليها، تعلمت منهم الكثير وعلموني، وتبقى أخيراً السمعة الحسنة هي التي تخلد الإنسان أولاً وأخيراً».
على الرغم من إحساسنا المغمور بالدهشة حين أعددنا هذا التقرير إلا أن بشاشة العم "عبد الله" أنستنا رائحة "الأسيد" و"القصدير"..علماً أن العم "عبد الله" عرض علينا تبييض آنية نحاسية مجاناً عنده، وللأسف عندما عدنا اكتشفنا أنه لا يوجد في بيتنا أي آنية نحاسية...