سراقة البارقي Suraqah al-Bariqi شاعر يمانيّ الأصل، عراقيّ المنشأ والسُّكْنى...

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سراقة البارقي Suraqah al-Bariqi شاعر يمانيّ الأصل، عراقيّ المنشأ والسُّكْنى...

    سراقة البارقيّ
    (… ـ نحو 79هـ/… ـ نحو 698م)

    سراقة بن مرداس بن أسماء بن خالد البارقيّ، اشْتُهِر بسراقة بن مرداس الأصغر، فانْماز بذلك من سراقة بن مرداس الأكبر؛ وكلاهما ينتهي نسبه إلى بارقٍ ثم الأزد صَليبةً.
    شاعر يمانيّ الأصل، عراقيّ المنشأ والسُّكْنى، كان ظريفًا باهر الجمال، حلو الحديث حاضر البديهة، حَسَن التَّفَلُّت من عدوّه في المآزق، قرّبه ذلك كلّه من قلوب الملوك ومجالسهم.
    برز ذكاؤه وحسن تَفَلّته بين يَدَي خصمه، حين وقع في الأَسْر في قتاله للمختار الثَّقفيّ، ونجا من القَتْل، بقوله مخاطبًا المختار حين أمر بقتله: واللهِ يا أمينَ آل محمّد، إنّك تعلم أنّ هذا ليس باليوم الذي تقتلني فيه! قال: ففي أي يومٍ أقتلك؟ قال: يوم تضعُ كُرْسيّك على باب مدينة دمشق، فتدعو بي يومئذٍ فتضرب عُنُقي. فقال المختار لأصحابه: يا شُرطةَ الله! من يرفع حديثي؟ ثم خلّى عنه. فقال سراقةـ وكان المختار يُكَنّى أبا إسحاق:
    ألا أبلغْ أبا إسحاقَ أنِّي
    رأيتُ البُلْقَ دُهْمًا مُصْمَتاتِ
    أُرِي عَيْنَيَّ ما لم تَرْأَياهُ
    كِلانا عالمٌ بالتُّرّهاتِ
    كَفَرْتُ بوَحْيكم وجَعَلْتُ نَذْرًا
    عليَّ قِتالَكُمْ حتّى المَماتِ
    ومن آية ظَرْفه ولِيْن عبارته كلامه لجرير يوم لقيه بِمِنًى، بعد تَلاحٍ وتَهاجٍ كانا بينهما، كان الفَضْل والغَلَبة فيهما لجرير، إذْ رآه جريرٌ والنّاس مجتمعون عليه وهو يُنشد، ولم يكن جريرٌ قد رآه من قبل، فجَهَره جمالُهُ واستحسن نشيدَه، فقال جرير: من أنت؟ قال سراقة: بعضُ من أخزاه الله على يديك. قال جرير: أما واللهِ، لو عرفتك لوَهَبْتك لظَرْفك.
    أتى سراقة على كثيرٍ من أغراض الشعر، فكان الوصف والمدح والفخر والحماسة، والرثاء والهجاء والحكمة، والنّاظر في لاميّته يجدها تعِجّ بالفخر بمآثر قومه الأزد، وفيها:
    قوميْ شَنُوءةُ إنْ سألتَ بمجدِهمْ
    في صالحِ الأقوامِ أو لم تسألِ
    الدّافعينَ الذّمَّ عن أحسابِهم
    والمُكرمينَ ثَوِيَّهم في المنزلِ
    والمُطعِمينَ إذا الرّياحُ تَناوَحَتْ
    بِقَتامها في كلِّ عامٍ مُمْحِلِ
    المانِعينَ مِنَ الظُّلامةِ جارَهُم
    حتّى يَبِينَ كسَيِّدٍ لم يُتْبَلِ
    أمّا الوصف فقد أَنْهَبَهُ سراقة بائيّته واختصّ الفَرس بقسمٍ غير قليل من هذه الهِبَة، غير أنّ وصفه الفرس في بائيّته لا يكاد يخلو من الاستناد إلى مقصورة الأسعر الجُعْفِيّ، واستعارة كثيرٍ من ألفاظها، والبناء على بحرها، على فضلٍ في السَّبق وحُسْنٍ في التّقسيم للأسعر؛ وفيها يقول سراقة مقتفيًا أثر الأسعر:
    أمّا إذا استقبلتَهُ فيقودُهُ
    جِذْعٌ عَلا فوق النّخِيْلِ مُشَذَّبُ
    أمّا إذا اسْتَدبرتَهُ فتسوقُهُ
    رِجْلٌ يُقَمِّصُها وَظِيْفٌ أَحْدَبُ
    وإذا تَصَفَّحَهُ الفوارسُ مُعْرِضًا
    فيُقالُ: سِرْحانُ الغَضَى المُتَذَئِّبُ
    وله في الحكمة ما يدلّ على دُربةٍ بالنّاس، ودراية بما عليه الطِّباع تَنْقاس، من ذلك قوله:
    مُجالَسة السَّفيه سَفاهُ رأيٍ
    ومِنْ حِلْمٍ مُجالسةُ الحليمِ
    فإنّكَ والقرينَ معًا سواءٌ
    كما قُدَّ الأديمُ على الأديمِ
    أمّا هجاؤه فمُقْذِع مُوْجِع، وهو مع ذلك لا يخلو من طرافةٍ وتَفَكُّه، من ذلك هَجْوُهُ يربوعًا:
    فإِنْ أَهْجُ يربوعًا فإنِّيَ لا أرى
    لشيخِهمُ الأقصى على ناشئٍ فَضْلا
    صِغارٌ مَقارِيهمْ عِظامٌ جُعُورهُمْ
    بِطاءٌ إلى الدّاعي إذا لم يَكُنْ أَكْلا
    سواءٌ كأسْنانِ الحمارِ فلا تَرَى
    لذي شَيْبَةٍ منهمْ على ناشئٍ فَضْلا
    كان سراقة جميل الشِّعر خفيف الرّوح جيِّد القافية، ناقض جريرًا والفرزدق وغلَّب الفرردق على جرير حين عَزَّ من يَجْرؤ على ذلك، وسائر شعره ينمّ على طَبْع، فهو سهلٌ في جملته يظنّ من سمعه أنّه يقدر عليه، فإذا أراده حار في لألائه وتقطّعت دونه أنفاسه.
    نشر شعرَه حسين نصّار سنة 1947 عن مخطوطين اثنين؛ اختصّ أولهما بشعر الرّجل واقتصر عليه، واشتمل عليه الثاني في مجموع اشتمل على غيره، وكلاهما برواية النَّمَري عن السّكّري عن ابن حبيب، وقد عُورضت هذه الرواية برواية أخرى لابن الأعرابي.
    مُقْبِل التّامّ عامر الأحمدي

يعمل...
X