عتابي (كلثوم عمر)
Al-’Atabi (Kulthum ibn Amr-) - Al-’Atabi (Kulthum ibn Amr-)
العَتَّابي (كُلثوم بن عمرو ـ)
(…ـ 220هـ/… ـ 835 م)
كُلثوم بن عمرو بن أيوب بن عُبيد بن حُبيش بن أَوس بن مسـعود بن عمرو بن كُلثوم العَتًَّابيُّ التَغْلبيُّ، والعَتَّابيُّ نسـبة إلى بَني عَتَّـاب، من وَلَدِ عمرو بن كلثوم الشَّاعرِ الجاهليِّ صاحبِ المعلَّقة. أديبٌ كاتبٌ شاعرٌ، من شـعراء الدَّولة العبَّاسيَّة، شاميٌّ من أهل قِنَّسْرِيْنَ ناحيةَ حِمْصَ، ومن ساكني بغداد.
كان منقطعاً إلى البَرامِكَة، فوصفوه للرَّشيد ووصلوه به، فبلغ عنده مبلغاً عظيماً، وحَظِيَ بعد ذلك عند المأمون ولَطُفَتْ مَنْزِلَتُه منه، و رُمِيَ عند هارون الرشيد بوشايةٍ، فهرب إلى اليمن، فسعى الفضلُ بن يحيى البرمكي بأخذ الأمان له من الرَّشيد، فأمَّنَـهُ وعاد، وله في ذلك اعتذارياتٌ، وهو مشبَّهٌ في حسن الاعتذار بالنَّابغة الذُّبيانيِّ، قال ياقوت الحَمَويُّ: «كان حسنَ الاعتذار في رسائله وشعرِه، ويُشَبَّهُ في المُحْدَثين بالنَّابغة في الجاهليَّة». من رائق اعتذاره إلى الرشيد قولُه:
جعلْتُ رجاءَ العفوِ عُذراً وشُـبْتُه
بهيبـــةِ إمَّا غافرٍ أو مُعاقِبِ
وكنْتُ إذا ما خِفْتُ حادثَ نَبْـوَةٍ
جعلْتُكَ حِصْناً من حَذارِ النَّوائبِ
فأنْزَلَ بي هجرانُكَ اليـأسَ بعدما
حَلَلْتُ بوادٍ منك رَحْبِ المَشارِبِ
حَنانَيــكَ إنِّي لم أكنْ بِعْتُ عِزَّةً
بِذُلٍّ، وأَحْرَزْتُ المُنى بالمواهبِ
فقد سُـمْتَني الهجرانَ حتَّى أَذَقْتَني
عقوبـةَ زَلاَّتي وسـوءِ مَناقِبي
ظلَّ وفيّاً للبرامكةِ يذكرُ صنائعَهم، فمن قوله في جعفر بن يحيى حين شفع له عند الرشيد»
ما زِلْتُ في غَمَراتِ الموتِ مُطَّرحاً
يضيقُ عنِّي وَسيعُ الرَّأيِ من حِيَلي
فلم تزلْ دائباً تســعى بلُطْفِكَ لي
حتَّى اختلسْتَ حياتي من يَدَي أَجَلي
ينمُّ مدحُه على فطنته بما يَسُــرُّ ممدوحَهُ فَيُحْسِنُ مخاطبتَهُ بذلك. ولا يُذْكَرُ العَتَّابيُّ عند أهل الأدب إلاَّ وذُكِرَ قولُه في هارون:
مُسْتَنْبِطٌ عَزَماتِ القَلْبِ من فِكَرٍ
ما بَينَهُــنَّ وبيـنَ اللهِ مَعْمـورُ
فُتَّ المَمادِحَ إلاَّ أنَّ أَلْسُـــنَنا
مُسْـتَنْطَقاتٌ بما تحوي الضَّمائيرُ
وللعَتَّابيِّ شعرٌ في الحكمة تظهر فيه رجاحةُ عقله وسَعَةُ خبرته في الحياة، فمن ذلك قوله:
إنِّي بَلَوتُ النَّاسَ في حالاتِهم
وخَبِرْتُ ما وصلوا منَ الأَنْسابِ
فإذا القَرابةُ لا تُقَرِّبُ قاطِعـاً
وإذا المَوَدَّةُ أَوكَدُ الأســـبابِ
وله شعرٌ في الفخر يذكر فيه جدَّه الشَّاعرَ الجاهليَّ عمرو بن كلثوم:
إنِّي امرؤٌ هَدَمَ الإقتارُ مأَثَرَتِي
واجتاحَ ما بَنَتِ الأيَّامُ من خَطَرِي
أيَّامَ عمرو بن كلثومٍ يسـوِّدُه
حَيّا ربيعــةَ والأفنْاءُ من مُضَرِ
أَرُومةٌ عَطَّلتْني مِنْ مكارِمِهـا
كالقَوس عَطَّلَها الرَّامي مِنَ الوَتَرِ
قيل: في شعره تَكَلُّفٌ، ونفاه آخرون، قال أبو بكر أحمد بن سهل: تذاكرنا شعر العَتَّابيِّ، فقال بعضنا: فيه تَكَلُّفٌ، ونصره بعضُنا، فقال شيخٌ حاضرٌ: وَيْحَكُمْ ! أيُقالُ إنَّ في شعره تَكَلُّفاً، وهو القائل:
رُسُلُ الضَّميرِ إليكَ تَتْرَى
بالشَّـوقِ ظالعةً وحَسْرى
ما جفَّ للعينيــن بَعْـ
دَكَ يا قريرَ العينِ مَجْرى
فاسْــلَمْ سَــلِمْتَ مُبَرّأً
مِنْ صَبْوَتِي أَبْـداً مُعَرَّى
إنَّ الصَّبابـــةَ لمْ تَدَعْ
منِّي سِـوى عَظْمٍ مُبَرَّا
كان يَقِظَ المُخَيِّلَةِ، بارعاً في التَّصوير، وهو القائل واصفاً:
أَرِقْتُ للبرقِ يخبو ثم يَأْتَلِقُ
يُخفيـه طَوراً ويُبْديـه لنا الأُفُقُ
كأنَّه غُرَّةٌ شَــهباءُ لائحةٌ
في وجه دَهْماءَ ما في جِلْدِها بَلَقُ
أو ثغرُ زِنْجِيَّةٍ تَفْتَرُّ ضاحكة
تبدو مَشــافِرُها طَوراً وتَنْطَبِقُ
ذكره ابن المُعْتَزِّ في طبقات شعرائه فقال: «وأشعار العَتَّابيِّ كلُّها عيونٌ ليس فيها بيتٌ ساقط».
أما نثره فلا يَقِلُّ جودةً عن شعره، له رسائلُ رشيقةٌ، وأقوالٌ في الحِكم سائرةٌ، روى بعضَها الزَّمَخْشَرِيُّ في «ربيع الأبرار»، فمن ذلك قوله: «مجالسةُ الجاهل مرضُ العَقْل»، و«من ضَنَّ ببِشْرِهِ كان بمعروفه أضنّ»، و«الأقلام مطايا الأذهان». وله رسائل ذكرت المصادر بعضها.
للعَتَّابيُّ تصانيفُ منها: «كتاب المنطق»، و«كتاب فنون الأدب»، و«الخيل»، و«كتاب الألفاظ».
علي أبو زيد
Al-’Atabi (Kulthum ibn Amr-) - Al-’Atabi (Kulthum ibn Amr-)
العَتَّابي (كُلثوم بن عمرو ـ)
(…ـ 220هـ/… ـ 835 م)
كُلثوم بن عمرو بن أيوب بن عُبيد بن حُبيش بن أَوس بن مسـعود بن عمرو بن كُلثوم العَتًَّابيُّ التَغْلبيُّ، والعَتَّابيُّ نسـبة إلى بَني عَتَّـاب، من وَلَدِ عمرو بن كلثوم الشَّاعرِ الجاهليِّ صاحبِ المعلَّقة. أديبٌ كاتبٌ شاعرٌ، من شـعراء الدَّولة العبَّاسيَّة، شاميٌّ من أهل قِنَّسْرِيْنَ ناحيةَ حِمْصَ، ومن ساكني بغداد.
كان منقطعاً إلى البَرامِكَة، فوصفوه للرَّشيد ووصلوه به، فبلغ عنده مبلغاً عظيماً، وحَظِيَ بعد ذلك عند المأمون ولَطُفَتْ مَنْزِلَتُه منه، و رُمِيَ عند هارون الرشيد بوشايةٍ، فهرب إلى اليمن، فسعى الفضلُ بن يحيى البرمكي بأخذ الأمان له من الرَّشيد، فأمَّنَـهُ وعاد، وله في ذلك اعتذارياتٌ، وهو مشبَّهٌ في حسن الاعتذار بالنَّابغة الذُّبيانيِّ، قال ياقوت الحَمَويُّ: «كان حسنَ الاعتذار في رسائله وشعرِه، ويُشَبَّهُ في المُحْدَثين بالنَّابغة في الجاهليَّة». من رائق اعتذاره إلى الرشيد قولُه:
جعلْتُ رجاءَ العفوِ عُذراً وشُـبْتُه
بهيبـــةِ إمَّا غافرٍ أو مُعاقِبِ
وكنْتُ إذا ما خِفْتُ حادثَ نَبْـوَةٍ
جعلْتُكَ حِصْناً من حَذارِ النَّوائبِ
فأنْزَلَ بي هجرانُكَ اليـأسَ بعدما
حَلَلْتُ بوادٍ منك رَحْبِ المَشارِبِ
حَنانَيــكَ إنِّي لم أكنْ بِعْتُ عِزَّةً
بِذُلٍّ، وأَحْرَزْتُ المُنى بالمواهبِ
فقد سُـمْتَني الهجرانَ حتَّى أَذَقْتَني
عقوبـةَ زَلاَّتي وسـوءِ مَناقِبي
ظلَّ وفيّاً للبرامكةِ يذكرُ صنائعَهم، فمن قوله في جعفر بن يحيى حين شفع له عند الرشيد»
ما زِلْتُ في غَمَراتِ الموتِ مُطَّرحاً
يضيقُ عنِّي وَسيعُ الرَّأيِ من حِيَلي
فلم تزلْ دائباً تســعى بلُطْفِكَ لي
حتَّى اختلسْتَ حياتي من يَدَي أَجَلي
ينمُّ مدحُه على فطنته بما يَسُــرُّ ممدوحَهُ فَيُحْسِنُ مخاطبتَهُ بذلك. ولا يُذْكَرُ العَتَّابيُّ عند أهل الأدب إلاَّ وذُكِرَ قولُه في هارون:
مُسْتَنْبِطٌ عَزَماتِ القَلْبِ من فِكَرٍ
ما بَينَهُــنَّ وبيـنَ اللهِ مَعْمـورُ
فُتَّ المَمادِحَ إلاَّ أنَّ أَلْسُـــنَنا
مُسْـتَنْطَقاتٌ بما تحوي الضَّمائيرُ
وللعَتَّابيِّ شعرٌ في الحكمة تظهر فيه رجاحةُ عقله وسَعَةُ خبرته في الحياة، فمن ذلك قوله:
إنِّي بَلَوتُ النَّاسَ في حالاتِهم
وخَبِرْتُ ما وصلوا منَ الأَنْسابِ
فإذا القَرابةُ لا تُقَرِّبُ قاطِعـاً
وإذا المَوَدَّةُ أَوكَدُ الأســـبابِ
وله شعرٌ في الفخر يذكر فيه جدَّه الشَّاعرَ الجاهليَّ عمرو بن كلثوم:
إنِّي امرؤٌ هَدَمَ الإقتارُ مأَثَرَتِي
واجتاحَ ما بَنَتِ الأيَّامُ من خَطَرِي
أيَّامَ عمرو بن كلثومٍ يسـوِّدُه
حَيّا ربيعــةَ والأفنْاءُ من مُضَرِ
أَرُومةٌ عَطَّلتْني مِنْ مكارِمِهـا
كالقَوس عَطَّلَها الرَّامي مِنَ الوَتَرِ
قيل: في شعره تَكَلُّفٌ، ونفاه آخرون، قال أبو بكر أحمد بن سهل: تذاكرنا شعر العَتَّابيِّ، فقال بعضنا: فيه تَكَلُّفٌ، ونصره بعضُنا، فقال شيخٌ حاضرٌ: وَيْحَكُمْ ! أيُقالُ إنَّ في شعره تَكَلُّفاً، وهو القائل:
رُسُلُ الضَّميرِ إليكَ تَتْرَى
بالشَّـوقِ ظالعةً وحَسْرى
ما جفَّ للعينيــن بَعْـ
دَكَ يا قريرَ العينِ مَجْرى
فاسْــلَمْ سَــلِمْتَ مُبَرّأً
مِنْ صَبْوَتِي أَبْـداً مُعَرَّى
إنَّ الصَّبابـــةَ لمْ تَدَعْ
منِّي سِـوى عَظْمٍ مُبَرَّا
كان يَقِظَ المُخَيِّلَةِ، بارعاً في التَّصوير، وهو القائل واصفاً:
أَرِقْتُ للبرقِ يخبو ثم يَأْتَلِقُ
يُخفيـه طَوراً ويُبْديـه لنا الأُفُقُ
كأنَّه غُرَّةٌ شَــهباءُ لائحةٌ
في وجه دَهْماءَ ما في جِلْدِها بَلَقُ
أو ثغرُ زِنْجِيَّةٍ تَفْتَرُّ ضاحكة
تبدو مَشــافِرُها طَوراً وتَنْطَبِقُ
ذكره ابن المُعْتَزِّ في طبقات شعرائه فقال: «وأشعار العَتَّابيِّ كلُّها عيونٌ ليس فيها بيتٌ ساقط».
أما نثره فلا يَقِلُّ جودةً عن شعره، له رسائلُ رشيقةٌ، وأقوالٌ في الحِكم سائرةٌ، روى بعضَها الزَّمَخْشَرِيُّ في «ربيع الأبرار»، فمن ذلك قوله: «مجالسةُ الجاهل مرضُ العَقْل»، و«من ضَنَّ ببِشْرِهِ كان بمعروفه أضنّ»، و«الأقلام مطايا الأذهان». وله رسائل ذكرت المصادر بعضها.
للعَتَّابيُّ تصانيفُ منها: «كتاب المنطق»، و«كتاب فنون الأدب»، و«الخيل»، و«كتاب الألفاظ».
علي أبو زيد