عبد الكريم (محمد-)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عبد الكريم (محمد-)

    عبد كريم (محمد)

    Abdul Kareem (Mohammad-) - Abdel Kareem (Mohammad-)

    عبد الكريم (محمد ـ)
    (1905ـ 1989)

    محمد عبد الكريم موسيقي سوري لُقِّب بأمير البزق [ر. العود]، ولد في حي الخضر الشعبي في حمص، والده علي مرعي من أمهر عازفي العود والبزق، وهو الذي غرس فيه حب الموسيقى، وعندما توفي أبوه عام 1913 قام أخوه بتربيته، فألحقه بمدرسة ابتدائية في «باب السباع»، وعكف في الوقت نفسه على تعليمه العزف بالبزق حتى برع فيه، وصار يرافق أخاه في الحفلات والسهرات فيعزف بالبزق وأخوه بالعود فاشْتُهِرا في حمص كلها.
    أصُيب محمد عبد الكريم وهو في الرابعة عشرة من عمره إصابة بالغة في ظهره إثر حادث تصادم عنيف، سبب له عاهة دائمة احدودب ظهره نتيجة لها، وتوقف نمو جذعه. ومنذ ذلك التاريخ هجر المدرسة واهتم بالعزف على البزق اهتماماً خاصاً، حتى غدا عازفاً لا يجارى.
    رحل محمد عبد الكريم إلى حلب بعد أن غدا ماهراً في العزف بالعود الكبير والعود الصغير إضافة إلى البزق، ليذهلها بعزفه، ثم إلى دمشق التي أُدهشت ببراعته، وأطلقت عليه لقب أمير البزق ليغلب هذا اللقب على اسمه.
    قبل نشوب الثورة السورية عام 1925 بأشهر سافر عبد الكريم إلى مصر، يحدوه إليها أمل كبير، فمكث فيها مدة عامين، التقى فيهما أهل الفن والأدب في صالون الثري المعروف حسن باشا رفعت الذي كان يعزف بالعود عزفاً عادياً، وتعرف عنده إلى عازف الطنبور القدير يوسف جوهر، وعازف الجمبش [ر. العود] توفيق الألايلي، والملحن الكبير محمد القصبجي. وكان إذا عزف محمد عبد الكريم استكان المكان إلى ارتجالاته المبهرة، وسيطر الإعجاب والإبهار على الحاضرين. وذات يوم استمع إليه «ليتو باروخ» وكيل شركة أوديون للأسطوانات فعرض عليه أن يسجل له بعض الأسطوانات، ولكنه اعتذر بدعوى السفر إلى ألمانيا، وعند ذاك أعطاه باروخ تفويضاً إلى مركز الشركة في برلين ليسجل فيها.
    سافر محمد عبد الكريم إلى ألمانيا عامَ 1928، فعرض نفسه في برلين على الأطباء الذين أكدوا له أن لافائدة ترجى من وضعه الصحي بالنسبة لظهره، وأن عليه أن يتكيف ويتلاءم وهذا الوضع، وكان محمد عبد الكريم يدرك في قرارة نفسه هذه الحقيقة قبل مغادرته دمشق، فاتصل بشركة أوديون التي رحبت به، وأقامت له حفلات عدة أذهلت الألمان، ثم سجّل لها خمس أسطوانات، تضمنت كثيراً من الارتجالات ـ التقاسيم ـ والمقطوعات الموسيقية.
    في مطلع العام التالي، غادر عبد الكريم ألمانيا إلى فرنسا، ومكث في باريس بعض الوقت محاطاً برعاية الجالية السورية فيها، وأقام نزولاً عند رغبتها بعض الحفلات التي لفتت انتباه بعض المختصين بالآلات الموسيقية، الذين طلبوا منه تأخير سفره لمساعدتهم في أبحاثهم ودراستهم لها.
    لم تطل إقامة محمد عبد الكريم في فرنسا، إذ مالبث أن غادرها إلى إيطاليا في العام نفسه، فأقام في روما ونابولي وميلانو عدداً من الحفلات، ليثير وراءه عاصفة حقيقية من الإعجاب بعزفه المبهر، ولاسيما عندما عزف ببزقه ألحان النابوليتان الشعبية، التي اعتاد الإيطاليون الاستماع إليها من الماندولين والبانجو والكيتار [ر. القيثارة]، حتى لقبوه بـ باغانيني [ر] البزق.
    عاد محمد عبد الكريم إلى سورية في نهاية عام 1929، وأخذ يتنقل بين المدن السورية واللبنانية، ويتصل بمشاهير العازفين والملحنين، من أمثال: عازف الطنبور الشهير محي الدين بعيون، ويتردد إلى الأندية والمعاهد الموسيقية، ويجود على طلاب العزف بما يعرف، إلى أن قرر القيام برحلة ثانية إلى مصر، فزار في طريقه القدس، وتعرف فيها إلى كبار الموسيقين والمطربين، من أمثال يوسف بتروني ويحيى السعودي [ر] وروحي الخماش [ر]، والمطرب الناشئ آنذاك محمد غازي. وعندما حط رحاله في مصر، توافد عليه الموسيقيون والفنانون الذين عرفوه في زيارته الأولى، ووضعوا لـه برنامجاً كاملاً من اللقاءات، فقدَّم في الإذاعة المصرية فاصلاً من العزف بالبزق، وفاصلاً آخر بالاشتراك مع يوسف جوهر على الطنبور وتوفيق الألايلي على الجمبش، وزار صديقه الثري حسن باشا رفعت الذي جعل بيته للأصدقاء من الموسيقيين والأدباء، وعند هذا الصديق تعرف عبد الكريم إلى أم كلثوم التي نعمت بعزفه ونكاته و«قفشاته» الساخنة.
    شارك عبد الكريم في الندوات والجلسات الموسيقية الخاصة في مساجلات حامية مع أهل الطرب وكبار العازفين. وشارك في معارك أخرى في العزف بآلات البزق والعود، فلم يصمد أمامه أحد، ولكن ذلك عاد عليه بالأحقاد، فاضطر إلى العودة إلى دمشق عند اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939.
    وفي عام 1940 وجهت إليه إذاعة القدس دعوة رسمية ليسهم بفنه في افتتاح إذاعة القدس رسمياً. وفي أثناء إقامته التي امتدت أربع سنوات، انصرف عبد الكريم إلى التلحين، فوضع للمطربة الشابة ماري عكاوي أجمل ألحانه مثل: تانغو «يا جارتي ليلى» التي نظمها الشاعر جلال زريق، ليغدو هذا التانغو الذي غنته فيما بعد المطربة الراحلة فايزة أحمد[ر] من الألحان السائرة.
    في العام 1944 تعاقدت إذاعة الشرق الأدنى ـ لندن اليوم ـ مع محمد عبد الكريم لتسجيل بعض مقطوعاته وارتجالاته الموسيقية. فسافر إلى لندن، وسجل لإذاعتها أيضاً شعار المحطة الذي كانت تستهل به الافتتاح الرسمي.
    شارك محمد عبد الكريم في احتفالات العيد الأول للجلاء ـ في سورية ـ أسوة بالفنانين الآخرين، فعزف في الحفلات التي أقيمت ابتهاجاً بتحرر الوطن. وفي عام 1948 عُيِّن عبد الكريم عازفاً بالبزق في إذاعة دمشق، وكان يقدم كل يوم جمعة ربع ساعة من عزفه الرائع، وقد عرضت عليه الإذاعة السورية أن يشرف على الأعمال الموسيقية ولكنه آثر أن يظل عازفاً.
    في أوائل الخمسينات زار دمشق عازف القانون[ر] الصغير الفنان التركي «إسماعيل شنشيلر» الذي استضافته الإذاعة السورية، وأحضرت له عازفيها الكبار ليشاركوه في أداء التسجيلات المتفق عليها، فلم يصمد أمامه سوى قلة، إذ كانت موهبته وأسلوب عزفه الأكاديمي خارقين. وعجز كبار العازفين عن مجاراته، عدا الفنان محمد عبد الكريم الذي استدعاه مدير الإذاعة السورية آنذاك أحمد عسه وطلب إليه مجاراة العازف التركي في عزفه والتسجيل معه، وتشهد التسجيلات المحفوظة في مكتبة الإذاعة بذلك. ولم يعزف محمد عبد الكريم مع العازف شنشيلر بالبزق وحسب، وإنما عزف بالعود أيضاً، وقد أغنى الثلاثي الكبير محمد عبد الكريم وإسماعيل شنشيلر، وضارب الإيقاع الراحل محمد العاقل مكتبة الإذاعة الموسيقية بما سجلوه من أعمال ارتجالية، وأخرى تراثية خارقة، منها لونغا[ر. الصيغ الموسيقية] «شهناز» ولونغا «حجي عرفي بك» وفوكس تروت (ضرب من الموسيقى الراقصة الغربية) «سداد بك» وغيرها.
    مؤلفاته الموسيقية:
    ألف محمد عبد الكريم عدداً كبيراً من المؤلفات الموسيقية في قوالب التراث (سماعي [ر. الصيغ الموسيقية] ولونغا) تعد من أجمل وأكمل القطع الموسيقية، وهو لم يكتف في التأليف فيها، بل وبإبداع مقام موسيقي[ر. الموسيقى العربية] جديد لم يكن معروفاً في الموسيقى الشرقية قبل ذلك، وقد أطلق على هذا المقام اسم «المريوما».
    لم يلجأ محمد عبد الكريم إلى التجديد، إلا بعد أن حفظ التراث، ثم جدد من خلاله، فهو يقول:
    «التجديد ينبع من التراث، وكل تجديد لا يأتي من التراث مصيره إلى زوال». وإذا كان أحمد الأوبري أول من استخدم إيقاعات التانغو في القطر، فإن محمد عبد الكريم نقل إلينا فن «السريناد» Serenade الغربي، وألف فيه روائع تشهد له بالنبوغ والتجديد.
    كانت أفكاره الموسيقية تنافس موهبته وطموحاته في التجديد، وقطعته الموسيقية الشهيرة «المعركة الموسيقية» خير دليل على ذلك، وهي تختلف عن مؤلفاته الأخرى من النواحي كلها، ولاسيما التقنية منها، لأن عزفها يتطلب مهارة خاصة وفائقة من العازفين، وعلى الرغم من تأليفها في الستينات من القرن العشرين مازالت تتحدث بلغة العصر، وهذا يعني أن محمد عبد الكريم عندما ألفها سبق زمنه. وقد نهلت المقطوعة المذكورة من العلوم الموسيقية الغربية في الانسجام (الهارموني) مما يؤكد مدى اهتمام محمد عبد الكريم بمواكبة العلم الموسيقي السائد في العالم.
    لمحمد عبد الكريم عدا «المعركة الموسيقية» عشرات القطع الموسيقية التي حفلت بالإيقاعات الغربية الراقصة من «فالس وتانغو ورومبا وباسودوبل» (رقصات من الموسيقى الغربية) وغيرها من القطع والارتجالات، التي تعد ثروة حقيقية، وهي محفوظة في عشرات الأشرطة في مكتبة الإذاعة العربية السورية.
    مؤلفاته الغنائية:
    تعود علاقة محمد عبد الكريم بتلحين الشعر والأزجال إلى أواخر الثلاثينات، وهو وإن لم يعطها كل وقته، فقد خصَّها بأجمل ما عنده. وعندما غزا فن «المونولوغ» الغناء العربي بأنواعه كافة، أقبل محمد عبد الكريم على هذه الخطوة في حماس الفنان العالم المجدِّد الذي يعرف ما يريد، فلحن رائعته «يا جارتي ليلى» وتانغو «الحنان» لماري عكاوي، لتغدو مثالاً يحتذى في فن صياغة المونولوغ الشاعري.
    وتدفقت بعد ذلك ألحانه للمطربات والمطربين السوريين كافة، فغنوا من ألحانه كثيراً من الأغنيات التي اشتهرت في حينها، وجلها من الشعر. وأبرز هذه الأغاني قصائد «يا زهرة زانت أعالي البطاح»، و«سعاد»، و«قمر العاشق»، و«آلام الطير»، و«غرد على الأغصان».
    في الخمسينات من القرن العشرين طلبت المطربة سعاد محمد من عبد الكريم أن يلحن لها بعض الأغنيات فلم يبخل عليها، وأسهم مع الفنان محمد محسن بإعطائها عدداً من الأغاني التي جعلت من سعاد محمد عَلَمَاً معروفاً في الطرب. وتعد أغنية «محتارة يا ناس» التي لحنها لها واحدة من أجمل الأغاني التي سارت زمناً في الحياة الفنية، ورددتها شفاه الناس سنوات طويلة قبل أن تحتل غيرها من الأغاني مكانتها الزمنية من دون الفنية؛ وأعطى أيضاً المطربة نجاح سلام أغنية «رقة حسنك ودلالك» التي ساعدت على شهرتها.
    آثر محمد عبد الكريم أن يعيش وحيداً، عازفاً عن الدنيا وما فيها، إلا من النزهات اليومية التي دأب على القيام بها كل أمسية. ومنذ رحيله، رحلت معه أصداء آلته الموسيقية المفضلة «البزق» التي شاركته شهرته الموسيقية.
    صميم الشريف
يعمل...
X