عاصفه مغنطيسيه وفجر قطبي
Magnetic storm and aurora polaris - Tempête magnétique et aurore polaire
العاصفة المغنطيسية والفجر القطبي
العاصفة المغنطيسية magnetic storm هي نشاط مغنطيسي شديد يشوِّه خطوط الحقل المغنطيسي الموزعة في الفضاء، وينشأ بسبب التغيرات الطارئة على منابع الحقل المغنطيسي المتجاورة، وتظهر آثاره على المواد المغنطيسية أو الأيونات على شكل طاقة إشعاع كهرمغنطيسي.
يمكن رصد تلك العواصف المغنطيسية في الجمل الفيزيائية الصغيرة كالبلورات، وبعض الموائع الحاوية على البلازما، إذ تكون الإلكترونات فيها هي الشحنات الرئيسية، أو مادة البلازما، ويمكن رصدها في الجمل الفيزيائية الكبيرة كالغلاف الجوي، وما بين الأجرام السماوية، حيث تكون الإلكترونات والبروتونات المكوِّن الرئيسي للرياح النجمية والشمسية، ولكن يتم الرصد بمراقبة الآثار وذلك لضعف طاقة الحقل المغنطيسي مقارنةً بطاقة الحقل الكهربائي الذي تحمله الأيونات المتأثرة بالعاصفة والموجودة في منطقتها.
فعلى السطح الخارجي للنجوم تتوافر حقول مغنطيسية ومادة متأينة، وقد أمكن رصد العواصف المغنطيسية الشمسية على سطوحها، ووضع العلماء نموذجاً فيزيائياً يبين أن حدوث شرخٍ أو اضطرابٍ عنيفين على سطح الشمس بسبب اصطدام أجرام سماوية بها أو زلازل شمسية قوية يولِّد عواصف مغنطيسية تعطي البلازما على سطحها طاقة إضافية تسرّع حركتها، مما يولِّد الفورانات والهالات الشمسية، ويؤثر في حجم الكلف الشمسية وعددها.
وتجتمع خطوط الحقل المغنطيسي الأرضي في الغلاف الجوي مع الحقول المغنطيسية القادمة من الفضاء ومن الشمس بصورة رئيسية، لتنتج ما يسمى بالحقل المغنطيسي المعدَّل، وهو حاصل جمع متَّجهي (شعاعي) للحقول المغنطيسية المختلفة الموجودة في الغلاف الجوي. يتفاعل ذلك الحقل والبلازما والغازات المتأينة في الجو بآليةٍ تولِّد عواصف مغنطيسية متفاوتة الشدة تدعى بالعواصف العالمية Worldwide extent of magnetic disturbance لأنها تغطي منطقة واسعة من الغلاف الجوي الأرضي، وتحدث أكثر قرب القطب الشمالي والقطب الجنوبي للأرض حيث تكون شدة الحقل في العاصفة في حدود s1000γ حيث s1γ =10-5G. المصدر الرئيسي الخارجي للأيونات هي الرياح الشمسية والنجمية المتولدة عن النشاط السطحي والباطني للنجوم (والشمس خاصةً) والمواد المرافقة لها مؤلفة من الإلكترونات والبروتونات بنسبة أكبر من 99% بسرعة (400 ـ1000) كيلومتر في الثانية، وهي تصدم الغلاف الجوي الأرضي بطاقة حركية هائلة وباستمرار فتفاعل والغلافَ المغنطيسيَّ الأرضيَّ، وهو الحقل المغنطيسي المعدَّل عموماً، ويمكن إهمال أثر الرياح النجمية الواردة إلى سطح الأرض بالمقارنة مع الرياح الشمسية، أو تجمعان معاً.
إن ظهور قوة لورنتز H.A.Lorenz هو النتيجة الأهم لتفاعل الحقل المغنطيسي المعدَّل للأرض مع بلازما الرياح الشمسية، ويكون اتجاه قوة لورنتز المؤثرة في الجسيمات المتأينة المتحركة باتجاه الرياح الشمسية عمودياً دوماً على المستوي المتشكل من متجه سرعة الرياح الشمسية ومتَّجه حقل التحريض المغنطيسي المتولد عن حركة تيار الأيونات في الحقل المغنطيسي المعدَّل، هذا يعني أن قوة لورنتز ستحرف الجسيمات عن مسارها باستمرار ما دامت تحت تأثير الحقل لترسم مساراً دائرياً أو حلزونياً، مما يولد ظواهر حقلية، أهمها العواصف المغنطيسية العالمية وتأيين غازات الغلاف الجوي، وظاهرة الشفق (الفجر) القطبيpolar aurora.
العواصف المغنطيسية العالمية
تتحرك البلازما بأشكالها المختلفة في أثناء العاصفة المغنطيسية العالمية حركة اضطرابية، وتتحرّك على شكل غيمة بيضوية شفقية auroral oval، يزداد حجمها باستمرار مع حركتها فتتضخم، فتولِّد تغيرات واضحة في الإشارات الكهرمغنطيسية التي تصل سطح الأرض، وقد تصطدم بالغلاف الأيوني (الأيونوسفير)، فتولِّد ما يُسمّى بالعواصف المغنطيسية الفرعية magnetic substorm، وتكون قريبة جداً من الطبقة الغازية المتأينة، فتنشأ عنها ظواهر ضوئية متعدّدة يمكن تسجيلها أو رؤية جزء منها في القسم الليلي (المظلم) من الكرة الأرضية. ويمكن تقدير شدة العاصفة المغنطيسية من الأثر الكهرمغنطيسي المتولد، لأن طبقة الأيونوسفير تقسم إلى ثلاث مناطق (D,E,F)، المنطقة D أقرب إلى الأرض وعلى الحد الفاصل مع منطقة الستراتوسفير، ولذلك يندر وصول آثار العاصفة المغنطيسية إليها، والمنطقة Eتقع في بداية منطقة الأيونوسفير من جهة الأرض، وتتميز بوجود أيونات جزيئات غازية كجزيئات الأكسجين والآزوت، أما المنطقة F فتحوي أيونات ذرات غازية كذرات الأكسجين والآزوت. ومن ثم تقسم العواصف المغنطيسية العالمية أيضاً من حيث نشاطها إلى عاصفة مغنطيسية فرعية Eوأخرى F، ويمكن التفريق بينهما بوساطة الطيف الكهرمغنطيسي لكلٍّ منها.
قد تحدث العواصف العالمية بصورة مفاجئة لاضطرابٍ مفاجئ وزيادة في الطاقة الواصلة، أو تدريجية نتيجة ازدياد التوتر بفعل ازدياد زمن التعرّض للرياح الشمسية، ثم تفريغ عاصف للطاقة بزمن مديد أطول من العواصف المفاجئة. ويبين مظهرها المصور من الأقمار الصناعية بنية شبه حلقية (إهليلجية) قطرها نحو2000كيلومتر تقريباً، وتنتشر على خطوط العرض 60 ْـ80 ْ بصورة رئيسية، تتسع في حالة النشاط الشمسي القوي، وقد يمكن رؤية آثارها من خطوط العرض 40 ْ كما حدث في أمريكا الشمالية عام 1958م.
الفجر القطبي أو الشفق القطبي
تشوِّه الرياح الشمسية تناظر الحقل المغنطيسي الأرضي، فتضغطه في الجبهة (وهو القسم النهاري) حتى تصل إلى حدود الغلاف المغنطيسي إلى 20مرة نصف قطر الأرض تقريباً، ويمتد الفَصُّ lobe الآخر من الغلاف (وهو القسم الليلي) على شكل ذيل مغنطيسي magnetotail إلى 80ـ100مرة نصف قطر الأرض كما يظهر في الشكل (1). أي يظهر فيه الرياح الشمسية، وأحزمة فان ألن الإشعاعية، وصفيحة البلازما، والمولد الشفقي القطبي في الذيل المغنطيسي، وتتفاعل الرياح الشمسية والغلاف المغنطيسي الأرضي كما يأتي:
ـ جزء من البلازما ذو الطاقة الضعيفة (أقل من 10000إلكترون فولط) ينساق وخطوطَ الحقل المغنطيسي ويُنْقَلُ إلى الذيل المغنطيسي.
ـ جزء من البلازما ذو الطاقة المتوسطة والعالية (قريب من 20000إلكترون فولط) يدخل الغلاف المغنطيسي الأرضي، فتحجز وفق طاقتها ضمن منطقتين تعرفان بحزامي فان ألن Van Allen radiation belts.
ـ جزء من البلازما يخترق الغلاف المغنطيسي الأرضي (طاقته أكثر من 20000إلكترون فولط)، ويتعرّض لامتصاص عن طريق تفاعلات نووية هادئة في الإيونوسفير والستراتوسفير، ولايصل منه شيء تقريباً إلى سطح الأرض.
يعتمد النموذج الفيزيائي على تفاعل الحقل المغنطيسي الأرضي والبلازما، حيث تظهر قوة لورنتز فتتحرك بفعلها البلازما السالبة لولبياً مع خطوط الحقل المغنطيسي عكس اتجاه البلازما الموجبة، وهكذا تنفصل البلازما، ويتولدَّ حقل كهربائي بين الأيونات السالبة والموجبة، وهذا يسرّع حركة الأيونات وفق مركبة متجه الانسياق العمودية على متجه التحريض المغنطيسيBوالحقل الكهربائي E، وتتجمع الشحنات وسط الذيل في منطقة تسمّى صفيحة البلازما، وهكذا تتحول الطاقة الحركية للبلازما إلى طاقة كهربائية؛ وبما أن الذيل المغنطيسي له قطب مغنطيسي شمالي وآخر جنوبي، والبلازما مؤلفة من أيونات سالبة وموجبة، فإن صفيحة البلازما تجمع الأيونات وتصبح كمولِّد كهربائي، يسمَّى المولد الشفقي القطبي Auroral generator، له فَرْقُ كُمونٍ (جهد) كهربائي potential كبير جداً بين طرفيه يفوق 100 كيلو فولط، وهو كافٍ لتأمين الطاقة اللازمة لعاصفة عالمية، ولحدوث الشفق القطبي.
هنا ينقسم النموذج إلى اتجاهين مقترحين:
أ ـ تزداد الطاقة المختزنة في صفيحة البلازما، ويتوتر الوضع داخلها، وينفصل جزء منها يسمى «البلازمود» يبتعد سريعاً عن الذيل المغنطيسي مولِّداً اضطراباً عنيفاً مفاجئاً أو متدرجاً، و ينتج منه قربَ القطبين الستارة الشفقيةcurtain - veil.
ب ـ ينشأ بسبب فرق الكمون الكبير بين طرفي المولد الشفقي القطبي منفثان شفقيانelectrojets للمولد الشفقي، يعملان على تفريغ الطاقة الكهربائية في القطبين الشمالي والجنوبي للأرض كلما أصبح الحقل الكهربائي بين طرفي المسريين كافياً للتفريغ. وإذا كان التفريغ شديداً يتولد تيار كهربائي معاكس من الإلكترونات بعد التفريغ، يتحرّك بطاقة حركية عنيفة، يتولد عنها العواصف المغنطيسية الفرعية، وعند اصطدامه بالأيونوسفير يثير الذرات والغازات هناك. فتقوم بإصدار أشعة كهرمغنطيسية لدى عودتها إلى سويتها الأساسية.
تدعم أرصاد الأقمار الصناعية وصورها التفسير (ب) أكثر، مع أن كلا التفسيرين يسهمان في فهم ظواهر جوية أخرى أيضاً.
تتحرّك البلازما مع خطوط العاصفة المغنطيسية، وتقدر شدة التيار الكهربائي المرافق بمليون أمبير، فإذا كان حجم البلازما أو شدّة العاصفة كبيرين تتولّد عاصفة مغنطيسية فرعية تصطدم بالأيونوسفير محدثةً الشفق القطبي، وهي ليست نادرة، لأنها تحدث بين 4 و5مرات يومياً، ولكن لا تُرى إلا تلك التي يصدر عنها إشعاع كهرمغنطيسي مرئي ليلاً، علماً أن القسم الأكبر من حوادث الشفق القطبي تحدث نهاراً فتؤثر في الأقمار الصناعية والاتصالات.
كتب المؤرخون المسلمون عن رصد تلك الظواهر ووصفوها بدقة (انظر مثلاً الكامل في التاريخ في حوادث عام 367هـ)، قال: «ظهرت بالشام وحمص وحلب بعد العشاء حمرة عظيمة كأنها الحجر، وصارت كالعمد البيض حتى سدّت الأفق ودامت حتى الفجر وخفي بسببها ضوء القمر»، وبدأ الحديث عن تفسيرها في الغرب أواخر القرن التاسع عشر بعد أن فهم العلماء الحقل المغنطيسي الأرضي والتيارات الكهربائية المتحرّضة، وكان الفيزيائي الهولندي كلاي Klay أول من رصد الأثر القطبي polar effect في الظواهر القطبية، لدراستها عام 1927م، وبيـــَّن أن إضاءة الأشعة الكونية تكون أشد ما يمكن عند القطب. ولم يوضع للظاهرة نموذج فيزيائي واضح إلا في ستينات القرن العشرين،لضرورة دراسة هذه الظاهرة، ومعالجة آثارها في الاتصالات والأقمار الصناعية.
يتوقف لون الشفق القطبي على الذرات والجزيئات المتوافرة في الأيونوسفير في أثناء التفريغ، وأبرز ألوانها الأخضر المبيض 55507نانومتر الصادر عن الأكسجين، ويصدر عن الآزوت (النتروجين) اللون القرنفلي، أما اللون الأحمر 630.0نانومتر فقد يصدر عن انتقالات الذرات Na, N,O، وبعض تلك الانتقالات محظورة في ضوء قوانين الفيزياء الذرية والأطياف، ولذلك فهي غير مفهومة بعد. وتوجد في طيف الشفق القطبي أطوال موجية فوق بنفسجية وتحت حمراء وغيرها، ويرافق الظاهرة صدور أصوات عالية التردُّد أمكن تسجيل جزء منها في بعض الحالات.
شرح الأمريكي سون اتشي أكاسوفوSyun-ichi Akasofu النموذجَ الحديثَ لآلية حدوث الشفق القطبي وتوصَّل وتلميذه بيرولت Paul Perrault إلى أنَّ الاستطاعة المستهلكة في الشفق القطبي E هي حاصل ضرب سرعة الريح الشمسية Vm بمربع شدّة الحقل المغنطيسي He وبالأس الرابع لجيب نصف الزاوية القطبية θ مقيسة من القطب الشمالي (حيث θ عند القطب = 0).
E = Vm . He 2. sin 4 θ
ثم استنتج عالم الظواهر الجوية الألماني م. بودوفكين Mikhail Pudovkin هذه العلاقة نظرياً، وتؤدي كمية الاستطاعة الطاقية المختزنة دوراً مهماً في تحديد حجم الشفق القطبي، وطاقة المولِّد الشفقي.
تطوُّر الشفق القطبي
وجد العلماء أن مواقع الكلف الشمسية تغيّر من قيمة النشاط الشمسي، ولها أثرٌ كبير في شدّة العواصف المغنطيسية الأيونية المولِّدة للشفق القطبي ونمطها. فعندما يكون موقع الاضطراب الشمسي قريباً من خط استواء الشمس تنطلق الريح منها لتصدم الغلاف الجوي الأرضي في جبهته مباشرة، مما يضغطه أكثر في جزئه النهاري وتتشوه خطوط الحقل المغنطيسي إجمالاً، فتكون الطاقة الحركية المتحولة إلى طاقة كهربائية في المولد الشفقي أكبر، وعندها يبدو الشفق القطبي أكثر سطوعاً وامتداداً في الفضاء، أما إذا كان النشاط الشمسي أقرب إلى محيط قرصها، فإن الاتجاه الرئيسي لنفثة الرياح الشمسية يكون بعيداً وتصل إلى الأرض كمية قليلة منه.
ذكر أن الشكل الهندسي للعاصفة المغنطيسية العالمية بيضوي، وقد رصد العلماء مراحل تطور الشكل البيضوي وعلاقته بالاتجاه السائد لخطوط الحقل المغنطيسي المعدّل بمساعدة الأقمار الصناعية، ويبين الشكل (2) توزع أحد حوادث الشفق القطبي القوية في القطب الشمالي، وتطور قطر الشكل البيضوي مع الزمن، إذ يتلاشى ويتشتت باقترابه من القسم النهاري.
يكون الشكل البيضوي الشفقي صغيراً إذا كان متجه الرياح الشمسية شمالياً، ولا ترى إشعاعاته غالباً (الشكل 3)، وعند دوران الحقل نحو الجنوب يتوسع الشكل البيضوي ويُرى قسم من إشعاعاته. تتوسع العاصفة بعد ساعة تقريباً، وتولد العاصفة المغنطيسية الفرعية المتلألئة. ومع عودة متجه الحقل إلى الشمال يصغر الشكل البيضوي الشفقي، وتستقيم الستارة أكثر، ثم يتلاشى، ويعم ضوء قطبي عام وباهت.
يتميز الشفق القطبي من حيث إصداره للضوء عن بقية الظواهر الجوية الضوئية بأنه ضوء غير منتظم منتشر على جبهة واسعة وأشبه بالرايات وأعمدة النور، ومن حيث أنه ظاهرة أيونية بطاقته الكبيرة جداً، وأن مكوِّنه الرئيسي حركة الإلكترونات السالبة والبروتونات الموجبة.
يؤثر الشفق القطبي في الاتصالات اللاسلكية بسبب الاضطراب العنيف الذي تولده العواصف الشفقية الفرعية في طبقة الأيونوسفير، وفي عمل الأقمار الصناعية أيضاً، ولكنه بالغ الأهمية للكرة الأرضية لأنه بمنزلة الآلية الأساسية لتفريغ الطاقة الحركية للرياح الشمسية، ويقدّر العلماء كمية الطاقة المفرَّغَة بهذه الآلية بمليون ميغا واط مخزّنة في المولّد الشفقي.
تم تسجيل ظواهر شفق قطبي في كواكب عدّة حدثت بالآلية نفسها، وخاصّة في المشتري، حيث تستمر العواصف ذات المصدر المغنطيسي فيه فترة طويلة جداً.
تحدث ظواهر مشابهة للشفق القطبي من حيث التعريف، إذ تنتشر أشعة كهرمغنطيسية متنوعة من تفاعل البلازما والحقل المغنطيسي وإثارة الذرات والجزيئات المنتشرة حول النجوم أو ما بينها وتلونها كستارة أو وردة، وهي ظواهر تتحرك سريعاً وتنتشر في الفضاء، كاتساع حلقة نوفاسجينغ novasejeng التي اكتشفت عام 1992م، والتي بلغ تغير قطرها 35بليون كيلو متر في سبعة أشهر، ولكن تختلف ظاهرة الشفق القطبي عن تلك الظواهر بأن الطاقة المصروفة في الشفق القطبي تأتي من الطاقة المختزّنة في صفيحة البلازما في الغلاف الجوي المغنطيسي للكوكب، في حين تأتي الطاقة المصروفة للظواهر السطحية في النجوم من بنية سطح النجم مع طاقة الثقالة.
فواز سيوف
Magnetic storm and aurora polaris - Tempête magnétique et aurore polaire
العاصفة المغنطيسية والفجر القطبي
العاصفة المغنطيسية magnetic storm هي نشاط مغنطيسي شديد يشوِّه خطوط الحقل المغنطيسي الموزعة في الفضاء، وينشأ بسبب التغيرات الطارئة على منابع الحقل المغنطيسي المتجاورة، وتظهر آثاره على المواد المغنطيسية أو الأيونات على شكل طاقة إشعاع كهرمغنطيسي.
يمكن رصد تلك العواصف المغنطيسية في الجمل الفيزيائية الصغيرة كالبلورات، وبعض الموائع الحاوية على البلازما، إذ تكون الإلكترونات فيها هي الشحنات الرئيسية، أو مادة البلازما، ويمكن رصدها في الجمل الفيزيائية الكبيرة كالغلاف الجوي، وما بين الأجرام السماوية، حيث تكون الإلكترونات والبروتونات المكوِّن الرئيسي للرياح النجمية والشمسية، ولكن يتم الرصد بمراقبة الآثار وذلك لضعف طاقة الحقل المغنطيسي مقارنةً بطاقة الحقل الكهربائي الذي تحمله الأيونات المتأثرة بالعاصفة والموجودة في منطقتها.
فعلى السطح الخارجي للنجوم تتوافر حقول مغنطيسية ومادة متأينة، وقد أمكن رصد العواصف المغنطيسية الشمسية على سطوحها، ووضع العلماء نموذجاً فيزيائياً يبين أن حدوث شرخٍ أو اضطرابٍ عنيفين على سطح الشمس بسبب اصطدام أجرام سماوية بها أو زلازل شمسية قوية يولِّد عواصف مغنطيسية تعطي البلازما على سطحها طاقة إضافية تسرّع حركتها، مما يولِّد الفورانات والهالات الشمسية، ويؤثر في حجم الكلف الشمسية وعددها.
وتجتمع خطوط الحقل المغنطيسي الأرضي في الغلاف الجوي مع الحقول المغنطيسية القادمة من الفضاء ومن الشمس بصورة رئيسية، لتنتج ما يسمى بالحقل المغنطيسي المعدَّل، وهو حاصل جمع متَّجهي (شعاعي) للحقول المغنطيسية المختلفة الموجودة في الغلاف الجوي. يتفاعل ذلك الحقل والبلازما والغازات المتأينة في الجو بآليةٍ تولِّد عواصف مغنطيسية متفاوتة الشدة تدعى بالعواصف العالمية Worldwide extent of magnetic disturbance لأنها تغطي منطقة واسعة من الغلاف الجوي الأرضي، وتحدث أكثر قرب القطب الشمالي والقطب الجنوبي للأرض حيث تكون شدة الحقل في العاصفة في حدود s1000γ حيث s1γ =10-5G. المصدر الرئيسي الخارجي للأيونات هي الرياح الشمسية والنجمية المتولدة عن النشاط السطحي والباطني للنجوم (والشمس خاصةً) والمواد المرافقة لها مؤلفة من الإلكترونات والبروتونات بنسبة أكبر من 99% بسرعة (400 ـ1000) كيلومتر في الثانية، وهي تصدم الغلاف الجوي الأرضي بطاقة حركية هائلة وباستمرار فتفاعل والغلافَ المغنطيسيَّ الأرضيَّ، وهو الحقل المغنطيسي المعدَّل عموماً، ويمكن إهمال أثر الرياح النجمية الواردة إلى سطح الأرض بالمقارنة مع الرياح الشمسية، أو تجمعان معاً.
إن ظهور قوة لورنتز H.A.Lorenz هو النتيجة الأهم لتفاعل الحقل المغنطيسي المعدَّل للأرض مع بلازما الرياح الشمسية، ويكون اتجاه قوة لورنتز المؤثرة في الجسيمات المتأينة المتحركة باتجاه الرياح الشمسية عمودياً دوماً على المستوي المتشكل من متجه سرعة الرياح الشمسية ومتَّجه حقل التحريض المغنطيسي المتولد عن حركة تيار الأيونات في الحقل المغنطيسي المعدَّل، هذا يعني أن قوة لورنتز ستحرف الجسيمات عن مسارها باستمرار ما دامت تحت تأثير الحقل لترسم مساراً دائرياً أو حلزونياً، مما يولد ظواهر حقلية، أهمها العواصف المغنطيسية العالمية وتأيين غازات الغلاف الجوي، وظاهرة الشفق (الفجر) القطبيpolar aurora.
العواصف المغنطيسية العالمية
الشكل (1) بنية الغلاف المغنطيسي الأرضي المعدل |
قد تحدث العواصف العالمية بصورة مفاجئة لاضطرابٍ مفاجئ وزيادة في الطاقة الواصلة، أو تدريجية نتيجة ازدياد التوتر بفعل ازدياد زمن التعرّض للرياح الشمسية، ثم تفريغ عاصف للطاقة بزمن مديد أطول من العواصف المفاجئة. ويبين مظهرها المصور من الأقمار الصناعية بنية شبه حلقية (إهليلجية) قطرها نحو2000كيلومتر تقريباً، وتنتشر على خطوط العرض 60 ْـ80 ْ بصورة رئيسية، تتسع في حالة النشاط الشمسي القوي، وقد يمكن رؤية آثارها من خطوط العرض 40 ْ كما حدث في أمريكا الشمالية عام 1958م.
الفجر القطبي أو الشفق القطبي
تشوِّه الرياح الشمسية تناظر الحقل المغنطيسي الأرضي، فتضغطه في الجبهة (وهو القسم النهاري) حتى تصل إلى حدود الغلاف المغنطيسي إلى 20مرة نصف قطر الأرض تقريباً، ويمتد الفَصُّ lobe الآخر من الغلاف (وهو القسم الليلي) على شكل ذيل مغنطيسي magnetotail إلى 80ـ100مرة نصف قطر الأرض كما يظهر في الشكل (1). أي يظهر فيه الرياح الشمسية، وأحزمة فان ألن الإشعاعية، وصفيحة البلازما، والمولد الشفقي القطبي في الذيل المغنطيسي، وتتفاعل الرياح الشمسية والغلاف المغنطيسي الأرضي كما يأتي:
ـ جزء من البلازما ذو الطاقة الضعيفة (أقل من 10000إلكترون فولط) ينساق وخطوطَ الحقل المغنطيسي ويُنْقَلُ إلى الذيل المغنطيسي.
ـ جزء من البلازما ذو الطاقة المتوسطة والعالية (قريب من 20000إلكترون فولط) يدخل الغلاف المغنطيسي الأرضي، فتحجز وفق طاقتها ضمن منطقتين تعرفان بحزامي فان ألن Van Allen radiation belts.
ـ جزء من البلازما يخترق الغلاف المغنطيسي الأرضي (طاقته أكثر من 20000إلكترون فولط)، ويتعرّض لامتصاص عن طريق تفاعلات نووية هادئة في الإيونوسفير والستراتوسفير، ولايصل منه شيء تقريباً إلى سطح الأرض.
يعتمد النموذج الفيزيائي على تفاعل الحقل المغنطيسي الأرضي والبلازما، حيث تظهر قوة لورنتز فتتحرك بفعلها البلازما السالبة لولبياً مع خطوط الحقل المغنطيسي عكس اتجاه البلازما الموجبة، وهكذا تنفصل البلازما، ويتولدَّ حقل كهربائي بين الأيونات السالبة والموجبة، وهذا يسرّع حركة الأيونات وفق مركبة متجه الانسياق العمودية على متجه التحريض المغنطيسيBوالحقل الكهربائي E، وتتجمع الشحنات وسط الذيل في منطقة تسمّى صفيحة البلازما، وهكذا تتحول الطاقة الحركية للبلازما إلى طاقة كهربائية؛ وبما أن الذيل المغنطيسي له قطب مغنطيسي شمالي وآخر جنوبي، والبلازما مؤلفة من أيونات سالبة وموجبة، فإن صفيحة البلازما تجمع الأيونات وتصبح كمولِّد كهربائي، يسمَّى المولد الشفقي القطبي Auroral generator، له فَرْقُ كُمونٍ (جهد) كهربائي potential كبير جداً بين طرفيه يفوق 100 كيلو فولط، وهو كافٍ لتأمين الطاقة اللازمة لعاصفة عالمية، ولحدوث الشفق القطبي.
هنا ينقسم النموذج إلى اتجاهين مقترحين:
أ ـ تزداد الطاقة المختزنة في صفيحة البلازما، ويتوتر الوضع داخلها، وينفصل جزء منها يسمى «البلازمود» يبتعد سريعاً عن الذيل المغنطيسي مولِّداً اضطراباً عنيفاً مفاجئاً أو متدرجاً، و ينتج منه قربَ القطبين الستارة الشفقيةcurtain - veil.
ب ـ ينشأ بسبب فرق الكمون الكبير بين طرفي المولد الشفقي القطبي منفثان شفقيانelectrojets للمولد الشفقي، يعملان على تفريغ الطاقة الكهربائية في القطبين الشمالي والجنوبي للأرض كلما أصبح الحقل الكهربائي بين طرفي المسريين كافياً للتفريغ. وإذا كان التفريغ شديداً يتولد تيار كهربائي معاكس من الإلكترونات بعد التفريغ، يتحرّك بطاقة حركية عنيفة، يتولد عنها العواصف المغنطيسية الفرعية، وعند اصطدامه بالأيونوسفير يثير الذرات والغازات هناك. فتقوم بإصدار أشعة كهرمغنطيسية لدى عودتها إلى سويتها الأساسية.
تدعم أرصاد الأقمار الصناعية وصورها التفسير (ب) أكثر، مع أن كلا التفسيرين يسهمان في فهم ظواهر جوية أخرى أيضاً.
تتحرّك البلازما مع خطوط العاصفة المغنطيسية، وتقدر شدة التيار الكهربائي المرافق بمليون أمبير، فإذا كان حجم البلازما أو شدّة العاصفة كبيرين تتولّد عاصفة مغنطيسية فرعية تصطدم بالأيونوسفير محدثةً الشفق القطبي، وهي ليست نادرة، لأنها تحدث بين 4 و5مرات يومياً، ولكن لا تُرى إلا تلك التي يصدر عنها إشعاع كهرمغنطيسي مرئي ليلاً، علماً أن القسم الأكبر من حوادث الشفق القطبي تحدث نهاراً فتؤثر في الأقمار الصناعية والاتصالات.
كتب المؤرخون المسلمون عن رصد تلك الظواهر ووصفوها بدقة (انظر مثلاً الكامل في التاريخ في حوادث عام 367هـ)، قال: «ظهرت بالشام وحمص وحلب بعد العشاء حمرة عظيمة كأنها الحجر، وصارت كالعمد البيض حتى سدّت الأفق ودامت حتى الفجر وخفي بسببها ضوء القمر»، وبدأ الحديث عن تفسيرها في الغرب أواخر القرن التاسع عشر بعد أن فهم العلماء الحقل المغنطيسي الأرضي والتيارات الكهربائية المتحرّضة، وكان الفيزيائي الهولندي كلاي Klay أول من رصد الأثر القطبي polar effect في الظواهر القطبية، لدراستها عام 1927م، وبيـــَّن أن إضاءة الأشعة الكونية تكون أشد ما يمكن عند القطب. ولم يوضع للظاهرة نموذج فيزيائي واضح إلا في ستينات القرن العشرين،لضرورة دراسة هذه الظاهرة، ومعالجة آثارها في الاتصالات والأقمار الصناعية.
يتوقف لون الشفق القطبي على الذرات والجزيئات المتوافرة في الأيونوسفير في أثناء التفريغ، وأبرز ألوانها الأخضر المبيض 55507نانومتر الصادر عن الأكسجين، ويصدر عن الآزوت (النتروجين) اللون القرنفلي، أما اللون الأحمر 630.0نانومتر فقد يصدر عن انتقالات الذرات Na, N,O، وبعض تلك الانتقالات محظورة في ضوء قوانين الفيزياء الذرية والأطياف، ولذلك فهي غير مفهومة بعد. وتوجد في طيف الشفق القطبي أطوال موجية فوق بنفسجية وتحت حمراء وغيرها، ويرافق الظاهرة صدور أصوات عالية التردُّد أمكن تسجيل جزء منها في بعض الحالات.
شرح الأمريكي سون اتشي أكاسوفوSyun-ichi Akasofu النموذجَ الحديثَ لآلية حدوث الشفق القطبي وتوصَّل وتلميذه بيرولت Paul Perrault إلى أنَّ الاستطاعة المستهلكة في الشفق القطبي E هي حاصل ضرب سرعة الريح الشمسية Vm بمربع شدّة الحقل المغنطيسي He وبالأس الرابع لجيب نصف الزاوية القطبية θ مقيسة من القطب الشمالي (حيث θ عند القطب = 0).
E = Vm . He 2. sin 4 θ
ثم استنتج عالم الظواهر الجوية الألماني م. بودوفكين Mikhail Pudovkin هذه العلاقة نظرياً، وتؤدي كمية الاستطاعة الطاقية المختزنة دوراً مهماً في تحديد حجم الشفق القطبي، وطاقة المولِّد الشفقي.
تطوُّر الشفق القطبي
الشكل (2) ستارة الشفق القطبي في القطب الشمالي |
ذكر أن الشكل الهندسي للعاصفة المغنطيسية العالمية بيضوي، وقد رصد العلماء مراحل تطور الشكل البيضوي وعلاقته بالاتجاه السائد لخطوط الحقل المغنطيسي المعدّل بمساعدة الأقمار الصناعية، ويبين الشكل (2) توزع أحد حوادث الشفق القطبي القوية في القطب الشمالي، وتطور قطر الشكل البيضوي مع الزمن، إذ يتلاشى ويتشتت باقترابه من القسم النهاري.
الشكل (3) تطور الشكل البيضوي الشفقي وعلاقة ذلك باتجاه الحقل المغنطيسي فيأثناء العاصفة |
يتميز الشفق القطبي من حيث إصداره للضوء عن بقية الظواهر الجوية الضوئية بأنه ضوء غير منتظم منتشر على جبهة واسعة وأشبه بالرايات وأعمدة النور، ومن حيث أنه ظاهرة أيونية بطاقته الكبيرة جداً، وأن مكوِّنه الرئيسي حركة الإلكترونات السالبة والبروتونات الموجبة.
يؤثر الشفق القطبي في الاتصالات اللاسلكية بسبب الاضطراب العنيف الذي تولده العواصف الشفقية الفرعية في طبقة الأيونوسفير، وفي عمل الأقمار الصناعية أيضاً، ولكنه بالغ الأهمية للكرة الأرضية لأنه بمنزلة الآلية الأساسية لتفريغ الطاقة الحركية للرياح الشمسية، ويقدّر العلماء كمية الطاقة المفرَّغَة بهذه الآلية بمليون ميغا واط مخزّنة في المولّد الشفقي.
تم تسجيل ظواهر شفق قطبي في كواكب عدّة حدثت بالآلية نفسها، وخاصّة في المشتري، حيث تستمر العواصف ذات المصدر المغنطيسي فيه فترة طويلة جداً.
تحدث ظواهر مشابهة للشفق القطبي من حيث التعريف، إذ تنتشر أشعة كهرمغنطيسية متنوعة من تفاعل البلازما والحقل المغنطيسي وإثارة الذرات والجزيئات المنتشرة حول النجوم أو ما بينها وتلونها كستارة أو وردة، وهي ظواهر تتحرك سريعاً وتنتشر في الفضاء، كاتساع حلقة نوفاسجينغ novasejeng التي اكتشفت عام 1992م، والتي بلغ تغير قطرها 35بليون كيلو متر في سبعة أشهر، ولكن تختلف ظاهرة الشفق القطبي عن تلك الظواهر بأن الطاقة المصروفة في الشفق القطبي تأتي من الطاقة المختزّنة في صفيحة البلازما في الغلاف الجوي المغنطيسي للكوكب، في حين تأتي الطاقة المصروفة للظواهر السطحية في النجوم من بنية سطح النجم مع طاقة الثقالة.
فواز سيوف