عبد رحمن غافقي
Abdul Rahman al-Ghafiqi - Abdel Rahman al-Ghafiqi
عبد الرحمن الغافقي
(… ـ 114هـ/… ـ 732م)
عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي العكّي، من أمراء الأندلس وأعظم ولاتها وأقدرهم. برز قائداً في جيش والي الأندلس السَّمح بن مالك الخولاني، وفي سنة 102هـ/721م، قاد السمح بن مالك جيشاً غزا به أرض الفرنجة في غاليسيا (غاليا) انطلاقاً من «سبتمانيا» ومركزها أربونة (ناربونة) التي فتحها المسلمون قبلاً في الجزء الجنوبي الغربي من غاليسيا واتخذوها قاعدة لهم. وتقدم السمح متوغلاً في أراضي أكيتانيا وحاصر عاصمتها تولوشة (تولوز) على نهر الغارون. وحدثت معركة بين جيش السمح وجيش دوق أكيتاينا (أكويتن) الكونت «أودود». وقتل السمح فاختار الجيش عبد الرحمن ابن عبد الله الغافقي قائداً له، فرجع عبد الرحمن بالجيش إلى الجنوب نحو قاعدة ناربونة رجوعاً منظماً ومن دون تفكك، وأقرته الجماعة النافذة في البلاد والياً على الأندلس حتى يقدم الوالي الجديد، فلبث في منصبه فترة قصيرة ظهرت فيها مقدرته، واستطاع أن يخمد بوادر الخروج التي ظهرت في الولايات الشمالية، وأن يستبقي الجزية على نربونة وسواها من قواعد سبتماينا، وظل يخمد الفتن ويصلح الأمور حتى قدم عنبسة بن سحيم الكلبي والياً على الأندلس لبشر بن صفوان الكلبي والي إفريقيا والأندلس يومئذٍ تتبع ولاية إفريقيا. ثم مات عنبسة متأثراً بجراحه عند عودته من غزوه أرض الفرنجة سنة 107هـ/725م، وارتد الجيش إلى الداخل وظهر الاضطراب في الجزيرة، وتعاقب ولاة عدة بعده حتى عيّن والي إفريقيا عبيدةُ بنُ عبد الرحمن السلمي عبدَ الرحمن بنَ عبد الله الغافقي والياً على الأندلس بموافقة الخليفة الأموي في دمشق هشام بن عبد الملك، فكانت هذه الولاية هي الثانية، فرحبت الأندلس بتوليته، وأحبه الجند لعدله ورفقه، وجمعت هيبته كلمة القبائل، فتراضت مضر وحمير، وعاد الوئام إلى الإدارة والجيش. وقام عبد الرحمن بزيارة الأقاليم المختلفة، ونظم شؤونها وعهد بإدارتها إلى ذوي الكفاية والعدل، وقمع الفتن والمظالم، وأعاد إلى النصارى كنائسهم وأملاكهم، وعدل نظام الضرائب على أساس العدل والمساواة، وضبط الإدارة، وأصلح الجيش مشاركاً فيه مختلف الولايات. وأعدّ وحدات قوية مختارة من فرسان البربر بقيادة نخبة من القادة العرب، وحصّن القواعد والثغور الشمالية.
نشأ وضع جديد عندما عقد دوق أكويتن (أكيتانيا) تحالفاً مع مينوسة الحاكم المسلم لولايات البيرنيه الشمالية وسبتمانيا موثقاً هذا الحلف بمصاهرة من دون موافقة عبد الرحمن، وكانت غاية التحالف مناوأة حكومة الأندلس، فأرسل عبد الرحمن حملة اجتاحت مناطق الثائر «مينوسة» الجبلية وقتلته وأسرت زوجته ابنة دوق أكيتانيا (لامبيجيا)، التي حُمِلَت إلى دمشق وزوجت هناك من أمير مسلم.
دفعت هذه الأحداث الفرنجة والقوط إلى التحرك لمهاجمة المواقع الإسلامية، مما دفع عبد الرحمن إلى إعداد جيش كبير لاجتياح مملكة الفرنجة كلها، وكان أكبر جيش سيره المسلمون إلى غاليسيا (غاليا ـ فرنسا) منذ الفتح، وبقصد الثأر لحملة السَّمح بن مالك السابقة. وحشد عبد الرحمن قواته في (بمبلونة) جنوبي البيرينيه بعدما اخترق أراغون (الثغر الأعلى) ونافار (بلاد البشكنس) ثم عبر البيرينيه من ممرات باب شزروا (رونيسفال)، فاستولى على «آرل»، وتوجه إلى «بوردو» وهَزم الدوق وتابع الجنود تقدمهم نحو الشمال مثقلين بالغنائم. واستنجد دوق أكيتانيا أودو بـ «شارل (كارل) مارتل» صاحب السلطة الحقيقية محافظ قصر ملك فرناة الصوري تيودوريك الرابع، وأحس كارل بخطر الهجوم العربي الإسلامي على دولته، التي يسعى إلى ترسيخها، فبادر بسرعة إلى جمع جيش كبير قاده لمواجهة العرب. والتقى الجيشان في موضع بين «تور» و«بواتييه» يبعد عشرين كيلو متراً شمال شرقي بواتييه. وحدثت معركة شرسة في أوائل 114هـ وربيع 732م، استشهد فيها قائد الجيش عبد الرحمن، وتراجع الجيش بعد ذلك، وأطلق العرب على موقع المعركة اسم «بلاط الشهداء»، على أن المعركة لم تكن فاصلة، ولم تحل دون حدوث غزوات أخرى لاحقاً، إذ توغل بعد سنتين (116هـ/734م) يوسف بن عبد الرحمن، حاكم نربونة في حوض الرون، باتجاه الشمال، ولكن الغزوات اللاحقة كانت أقل عمقاً وأضيق نطاقاً. واستقر المسلمون في الأراضي التي حازوها بحملة يوسف بن عبد الرحمن مدة أربع سنوات، ردهم بعدها كارل مارتل إلى قاعدتهم نربونة، ولم يستطع فتحها إلى أن قام «بيبن» الفرنجي عام 761م باسترجاع نربونة وبذا سقط آخر معقل للمسلمين في أراضي غاليا أو (غاليش).
لم يولِ المؤرخون العرب والمسلمون بلاط الشهداء أهمية كبرى قياساً بمؤرخي الغرب، ولاسيما الحديثون منهم، الذين عدّوها معركة فاصلة في الصراع بين الإسلام والنصرانية، ردّ فيها الزحف الإسلامي عن غربي أوربا النصراني بأكمله.
وقد كان عبد الرحمن الغافقي جندياً مجيداً ظهرت مواهبه الحربية في غزوات غاليا كما كان حاكماً قديراً بارعاً في شؤون الحكم والإدارة يعمل للإصلاح. وتجمع الروايات على رفيع صفاته وتقدير عدله وحلمه وتقاه. والمعروف عنه أنه كان من التابعين روى عن عبد الله بن عمر بن عبد العزيز وعبد الله بن عياض.
يوسف الأمير علي
Abdul Rahman al-Ghafiqi - Abdel Rahman al-Ghafiqi
عبد الرحمن الغافقي
(… ـ 114هـ/… ـ 732م)
عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي العكّي، من أمراء الأندلس وأعظم ولاتها وأقدرهم. برز قائداً في جيش والي الأندلس السَّمح بن مالك الخولاني، وفي سنة 102هـ/721م، قاد السمح بن مالك جيشاً غزا به أرض الفرنجة في غاليسيا (غاليا) انطلاقاً من «سبتمانيا» ومركزها أربونة (ناربونة) التي فتحها المسلمون قبلاً في الجزء الجنوبي الغربي من غاليسيا واتخذوها قاعدة لهم. وتقدم السمح متوغلاً في أراضي أكيتانيا وحاصر عاصمتها تولوشة (تولوز) على نهر الغارون. وحدثت معركة بين جيش السمح وجيش دوق أكيتاينا (أكويتن) الكونت «أودود». وقتل السمح فاختار الجيش عبد الرحمن ابن عبد الله الغافقي قائداً له، فرجع عبد الرحمن بالجيش إلى الجنوب نحو قاعدة ناربونة رجوعاً منظماً ومن دون تفكك، وأقرته الجماعة النافذة في البلاد والياً على الأندلس حتى يقدم الوالي الجديد، فلبث في منصبه فترة قصيرة ظهرت فيها مقدرته، واستطاع أن يخمد بوادر الخروج التي ظهرت في الولايات الشمالية، وأن يستبقي الجزية على نربونة وسواها من قواعد سبتماينا، وظل يخمد الفتن ويصلح الأمور حتى قدم عنبسة بن سحيم الكلبي والياً على الأندلس لبشر بن صفوان الكلبي والي إفريقيا والأندلس يومئذٍ تتبع ولاية إفريقيا. ثم مات عنبسة متأثراً بجراحه عند عودته من غزوه أرض الفرنجة سنة 107هـ/725م، وارتد الجيش إلى الداخل وظهر الاضطراب في الجزيرة، وتعاقب ولاة عدة بعده حتى عيّن والي إفريقيا عبيدةُ بنُ عبد الرحمن السلمي عبدَ الرحمن بنَ عبد الله الغافقي والياً على الأندلس بموافقة الخليفة الأموي في دمشق هشام بن عبد الملك، فكانت هذه الولاية هي الثانية، فرحبت الأندلس بتوليته، وأحبه الجند لعدله ورفقه، وجمعت هيبته كلمة القبائل، فتراضت مضر وحمير، وعاد الوئام إلى الإدارة والجيش. وقام عبد الرحمن بزيارة الأقاليم المختلفة، ونظم شؤونها وعهد بإدارتها إلى ذوي الكفاية والعدل، وقمع الفتن والمظالم، وأعاد إلى النصارى كنائسهم وأملاكهم، وعدل نظام الضرائب على أساس العدل والمساواة، وضبط الإدارة، وأصلح الجيش مشاركاً فيه مختلف الولايات. وأعدّ وحدات قوية مختارة من فرسان البربر بقيادة نخبة من القادة العرب، وحصّن القواعد والثغور الشمالية.
نشأ وضع جديد عندما عقد دوق أكويتن (أكيتانيا) تحالفاً مع مينوسة الحاكم المسلم لولايات البيرنيه الشمالية وسبتمانيا موثقاً هذا الحلف بمصاهرة من دون موافقة عبد الرحمن، وكانت غاية التحالف مناوأة حكومة الأندلس، فأرسل عبد الرحمن حملة اجتاحت مناطق الثائر «مينوسة» الجبلية وقتلته وأسرت زوجته ابنة دوق أكيتانيا (لامبيجيا)، التي حُمِلَت إلى دمشق وزوجت هناك من أمير مسلم.
دفعت هذه الأحداث الفرنجة والقوط إلى التحرك لمهاجمة المواقع الإسلامية، مما دفع عبد الرحمن إلى إعداد جيش كبير لاجتياح مملكة الفرنجة كلها، وكان أكبر جيش سيره المسلمون إلى غاليسيا (غاليا ـ فرنسا) منذ الفتح، وبقصد الثأر لحملة السَّمح بن مالك السابقة. وحشد عبد الرحمن قواته في (بمبلونة) جنوبي البيرينيه بعدما اخترق أراغون (الثغر الأعلى) ونافار (بلاد البشكنس) ثم عبر البيرينيه من ممرات باب شزروا (رونيسفال)، فاستولى على «آرل»، وتوجه إلى «بوردو» وهَزم الدوق وتابع الجنود تقدمهم نحو الشمال مثقلين بالغنائم. واستنجد دوق أكيتانيا أودو بـ «شارل (كارل) مارتل» صاحب السلطة الحقيقية محافظ قصر ملك فرناة الصوري تيودوريك الرابع، وأحس كارل بخطر الهجوم العربي الإسلامي على دولته، التي يسعى إلى ترسيخها، فبادر بسرعة إلى جمع جيش كبير قاده لمواجهة العرب. والتقى الجيشان في موضع بين «تور» و«بواتييه» يبعد عشرين كيلو متراً شمال شرقي بواتييه. وحدثت معركة شرسة في أوائل 114هـ وربيع 732م، استشهد فيها قائد الجيش عبد الرحمن، وتراجع الجيش بعد ذلك، وأطلق العرب على موقع المعركة اسم «بلاط الشهداء»، على أن المعركة لم تكن فاصلة، ولم تحل دون حدوث غزوات أخرى لاحقاً، إذ توغل بعد سنتين (116هـ/734م) يوسف بن عبد الرحمن، حاكم نربونة في حوض الرون، باتجاه الشمال، ولكن الغزوات اللاحقة كانت أقل عمقاً وأضيق نطاقاً. واستقر المسلمون في الأراضي التي حازوها بحملة يوسف بن عبد الرحمن مدة أربع سنوات، ردهم بعدها كارل مارتل إلى قاعدتهم نربونة، ولم يستطع فتحها إلى أن قام «بيبن» الفرنجي عام 761م باسترجاع نربونة وبذا سقط آخر معقل للمسلمين في أراضي غاليا أو (غاليش).
لم يولِ المؤرخون العرب والمسلمون بلاط الشهداء أهمية كبرى قياساً بمؤرخي الغرب، ولاسيما الحديثون منهم، الذين عدّوها معركة فاصلة في الصراع بين الإسلام والنصرانية، ردّ فيها الزحف الإسلامي عن غربي أوربا النصراني بأكمله.
وقد كان عبد الرحمن الغافقي جندياً مجيداً ظهرت مواهبه الحربية في غزوات غاليا كما كان حاكماً قديراً بارعاً في شؤون الحكم والإدارة يعمل للإصلاح. وتجمع الروايات على رفيع صفاته وتقدير عدله وحلمه وتقاه. والمعروف عنه أنه كان من التابعين روى عن عبد الله بن عمر بن عبد العزيز وعبد الله بن عياض.
يوسف الأمير علي