العباس بن الأحنف

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • العباس بن الأحنف

    عباس احنف

    Al-Abbas ibn al-Ahnaf - Al-Abbas ibn al-Ahnaf

    العباس بن الأحنف
    (نحو120ـ 192هـ/نحو737 ـ 807م)

    أبو الفضل، العباس بن الأحنف بن الأسود بن طلحة الحنفي اليمامي، عربي من بني حنيفة، أصله من نجد، كان آباؤه ينزلون في خراسان، واتصلوا بالعباسيين ولمع منهم عمّه حاجب، وكان شاعراً عباسياً، ولد العباس في البصرة، ونشأ وتربى ببغداد في ظل النعمة والثراء، وكان مثال العربي المهذَّب في عصره، أخذ بأسباب الترف والنعيم، وكان لذلك أثره في ذوقه المصفى وشعره الرقيق، فهو إمام الغزل العفيف في عصره، وقدوة العشاق الشرفاء، وصاحب الوجدان السليم في مجتمع بغداد الذي عرف باللهو وساد فيه المجون وشهد الشعراء الخلعاء المجان واللاهين كأبي نواس، ودِعْبِل، وأبي الشِّيص، وأبان الَّلاحقي، والحمَّادين الثلاثة، ومسلم بن الوليد، وغيرهم. وكان العباس واحداً منهم ولكن على عفة واستحياء.
    سارت أشعاره في عصر لم يكن بالضرورة عصره، ويبدو شاعراً عفيفاً يصوِّر في غزله العذري المعنوي المثل الأعلى للجمال، سواء أكان في الأميرة عليَّة بنت المهديّ، أم في فَوز الجارية التي هام بها، وأشغلَ بها شعره، وأخلص لها، وربما بدت في شعره بعيدة المنال منه.
    كان العباس ـ كما وصفه القدماء ـ من الظرفاء، ظاهر النعمة، مترفاً، حسن الهيئة، ولم يكن من الخلعاء المجّان، كان غَزِلاً، ولم يكن فاسقاً، ولكنه كان قد على الشراب ومجالس اللهو. قال الجاحظ: «لولا أن العباس أحذق الناس وأشعرهم كلاماً وخاطراً، ما قدر أن يكثر شعره في مذهب واحد لا يجاوزه، لأنه لايهجو ولايمدح ولايتكسب ولايتصرَّف» لكنه قال في المديـح والهجاء وبعض المناسبات شيئاً نزراً.
    أما (فوز) حبيبته الوحيدة، فكانت جارية لفتى العسكر محمد بن منصور، ثم اشتراها أحد شباب البرامكة، والعباس يذكرها كثيراً، ويعمّي اسمها إيغالاً في المغالطة، ولشدة التكتم في حبها، وقد ذكرها بأسماء كثيرة كظلوم وظليمة وذات الخال وسدوم وذلفاء ونرجس ونسرين، ويتردد في شعره لفظ الجارية كثيراً كقوله:
    إنما أبكي على جارية
    قادت القلبَ إليها بزمام
    وقوله:
    يا من لحَرانَ مشغوف بجارية كالشمس تبدو ضحاءً ذات إشراق
    وقد صورها العباس في شعره قصرية مترفة، منعّمة، هُيئت لها كل أسباب النعمة، كقوله:
    يا من يسائل عن فوز وصورتها إن كنت لم ترها فانظر إلى القمر
    كأنما كان في الفردوس مسكنها صارت إلى الناس للآيات والعبر
    لم يخلق الله في الدنيا لها شبهاً إنى لأحسبها ليست من البشر
    فهي جميلة عفيفة، تقية، مثقفة، حضرية، اتصفت العلاقة بينهما بالكتمان، والخوف على الحب، والتحفظ، والصبر على الهجر والصد، وآل الأمر بينهما إلى القطيعة والجفوة، فلم يدم حبهما، إذ لم يبق من أمره معها سوى هذا الشعر الحزين الطافح بالألم والشكوى، وهي الموضوعات التي أدار عليها العباس غزله العفيف.
    أما أهم الخصائص الفنية في شعره فتظهر في ذكره المظاهر الحضارية في المجتمع العباسي كتبادل الهدايا، والمراسلة، والتعرض للتهذيب الحضاري، الذي أحدثته المدنية العباسية المترفة. وكان أكثر شعره مقطوعات، ذات نَفَسٍ شعري قصير، وهذا عائد إلى طبيعة التطور الحضاري، إذ كلما تعقدت أسباب الحضارة، كان الملل يتسرب إلى نفوس الناس نتيجة الأشعار الطويلة، ولم يعد لديهم الوقت والاستعداد أن يستمعوا إلى قصائد طويلة، إضافة إلى اقتصار الشعر على الأبيات القصيرة والمجزوءة، وعلى الرغم من أن أكثر أوزان العباس طويلة، وسبب هذا عائد إلى أن أكثر غزله قصائد قصيرة إلى جانب المجزوءات، وبهذا يكون أكثر الشعراء الغَزِلين استعمالاً لأوزان الشعر المختلفة.
    أما لغة شعره فكانت سهلة، تجنح إلى الشعبية، وقد تمتح من معين الحياة اليومية، فربما استعمل تعبيرات عامية كقوله:
    جرًبتُ من هذه الدنيا شدائدها
    ما مرَّ مثل الهوى شيءٌ على رأسي
    ولهذا قال الأصمعي عن شعره: «ما يؤتى من جودة المعنى، ولكنه سخيف اللفظ». والحقيقة أن شعره قد امتاز باللفظ العذب، والمعاني الغزيرة، والخواطر الرقيقة، وكان توظيفه للبديع في شعره عفواً سهلاً. وهو ذو عاطفة قوية منطلقة كالسيل المندفع.
    كان العباس أشهر الشعراء العباسيين المختصين في محبوبة واحدة، يتغزل فيها تغزلاً معنوياً عفيفاً رقيقاً، فكان يعيش بحبه وله، وكان خال إبراهيم بن العباس الصولي الأديب الكبير.
    حققت ديوانه ونشرته في القاهرة عاتكة الخزرجي، وقدمت له بدراسة وافية.
    أحمد دهمان
يعمل...
X