عبد رازق (علي)
Abdul Razaq (Ali-) - Abdel Razaq (Ali-)
عبد الرازق (علي ـ)
(1305 ـ 1386هـ/1888 ـ 1966م)
علي بن حسن بن أحمد عبد الرازق. القاضي، والمؤرخ، والنائب، والوزير، والسياسي، والأديب اللغوي.
عاش علي عبد الرازق في بيت عريق من بيوت العلم والسياسة والقضاء في مصر، إذ كان له دور كبير وشأن يذكر في الحياة الفكرية والثقافية في النصف الأول من القرن العشرين، ولا يستطيع مؤرخ الحياة الثقافية المعاصرة في مصر أن يغفل ما كان لبيوت «آل عبد الرازق» فيها من أثر.
ولد علي عبد الرازق في قرية أبي جرج، من أعمال محافظة المنيا، وألحق بكَتاب القرية حيث تعلم القراءة والكتابة ومبادئ الحساب، وحفظ قدراً من القرآن الكريم. ثم دخل في العاشرة من عمره إلى الأزهر واتصل بكبار شيوخه، واستطاع أن يلتحق في الوقت نفسه بالجامعة المصرية القديمة.
حصل علي عبد الرازق على الشهادة العالمية من الأزهر بعد أخيه مصطفى بثلاث سنوات، وعقد على الفور لنفسه حلقة درَّس فيها متبرعاً علم البيان.
وفي عام (1912م) شد علي عبد الرازق رحاله إلى إنكلترة، فالتحق بجامعة أكسفورد وبدأ يدرس في علمي الاقتصاد والاجتماع، وأجاد اللغة الإنكليزية إجادة جعلته يقرأ كتب الاستشراق باهتمام، ولم يبق في إنكلترة إلا ثلاث سنوات، واضطر إلى العودة عام (1915م) تحت ضغط ظروف الحرب العالمية الأولى.
وبعد عودته إلى مصر عين قاضياً بمحكمة الإسكندرية الشرعية، واستمر في القضاء إلى أن ظهرت محنة الخلافة وأعلن في جرأة وصراحة أن نظام الخلافة ليس من الدين في شيء، ولم ينص عليه في كتاب أو سنة. وما كان محمد صلى الله عليه وسلم خليفة، ولا ملكاً، وإنما كان مجرد رسول يبلغ آيات ربه. ثم كانت الخلافة ولم تلبث أن جرت على المسلمين ما جرى من خصام وفرقة، وتحولت إلى ملك وراثي يعدل حيناً ويظلم أحياناً.
وقد أثارت هذه الآراء ما أثارت من جدل، أيدها فريق، وعارضها آخرون، وطغت فيها السياسة على الاعتبارات الدينية والتاريخية ورأت هيئة كبار العلماء ـ نزولاً عند رغبة أولي الشأن ـ أن تخرج علي عبد الرازق من زمرتها وأن يفصل من القضاء، وإن عارض في ذلك عبد العزيز فهمي وزير العدل واضطر إلى التخلي عن الوزارة.
ثم دارت الأيام دورتها وانغمس علي عبد الرازق في السياسة فانتخب عضواً في مجلس النواب، ثم جاوزه إلى مجلس الشيوخ، كما اختبر وزيراً للأوقاف في نهاية الأربعينيات من القرن العشرين، وأضحى قطباً من أقطاب حزب الأحرار الدستوريين. وفي عام (1948م) انتخب عضواً في مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
وإذا كانت بعض أعبائه السياسية قد صرفته عن المجمع اللغوي ـ في البداية قليلاً، فإنه تفرغ له في الخمس عشرة سنة الأخيرة ووقف عليه كثيراً من وقته وجهده فاشترك في أربع من أهم لجانه.
كان علي عبد الرازق محافظاً بفطرته، سلفياً في ميوله وتفكيره، يقول بالإصلاح ولكن في هوادة، ويأخذ بالتجديد ولكن في تحفظ، وكان يدعو إلى استقلال الفكر وحرية العقل في العلم، واجتناب تقليد العلماء وإبطال البدع والخرافات والتقاليد والعادات التي أفسدت العقائد والأخلاق. وكانت هذه التوجهات بمثابة نقد صريح وجهه لعلماء الأزهر عندما احتفلوا بمولد الإمام الشافعي. ثم أنه وضع قواعد للاجتهاد من النصوص الشرعية عندما دعا إلى ضرورة فتح باب الاجتهاد. ويظهر أنه مر بمرحلتين متميزتين:
مرحلة الشباب: تحاول أن تغير وتبدل وأن تصلح وتجدد.
ـ مرحلة الشيخوخة: تجنح إلى الهدوء والسكينة، وتنفر من المجهول وغير المألوف.
توفي علي عبد الرازق في القاهرة.
لم ينشر علي عبد الرازق كل إنتاجه فأخرج أول ما أخرج: «أمالي علي عبد الرازق» وهي رسالة في علم البيان وتاريخه، كانت طليعة التأليف البلاغي المتحرر بعض الشيء من الحواشي. ومن آرائه في الأدب واللغة: (أن في قواعد النحو كثيراً من التكلف يجعلها معقدة معسرة... وأن في الإمكان استنباط قواعد جديدة أحسن ضبطاً وأقرب تناولاً). «وكتاب الإسلام وأصول الحكم» صدر في عام (1925م)، بحث في الخلافة والحكومة في الإسلام، وهو كتاب رأي، عالج فيه مشكلة سياسية شغلت الأذهان.
وقد ردّ على هذا الكتاب هيئة كبار العلماء في بيان أصدرته للناس، كما قام بتفنيده كبار العلماء في كتب مستقلة أمثال: الإمام محمد الخضر حسين، والشيخ محمد بخيت المطيعي، ومحمد الطاهر بن عاشور وغيرهم. ومن الجدير بالذكر أن علي عبد الرازق رجع عن هذه الآراء التي وضعها في كتابه رجوعاً صريحاً أصدره في مقال نشره في مجلة رسالة الإسلام عام (1380هـ/1951م). كتاب «الإجماع في الشريعة الإسلامية» ظهر في عام (1947م)، وهو جملة من المحاضرات ألقاها على طلاب دبلوم قسم الشريعة بكلية الحقوق في جامعة القاهرة. «كتاب من آثار مصطفى عبد الرازق» أخرجه بعد وفاة شقيقه الشيخ مصطفى عبد الرازق عام (1957م)، وهو مجموعة لمقالات أخيه مصطفى صدرت بمقدمة طويلة تصلح أن تكون كتاباً مستقلاً لأنها جمعت من أخبار الأدب والعلم والسياسة في هذا العصر ما تعد به مرجعاً مهماً ومقالات متفرقة نشرت بمجلة الهلال ومجلة الثقافة والسياسة الأسبوعية.
محمد هشام النعسان
Abdul Razaq (Ali-) - Abdel Razaq (Ali-)
عبد الرازق (علي ـ)
(1305 ـ 1386هـ/1888 ـ 1966م)
علي بن حسن بن أحمد عبد الرازق. القاضي، والمؤرخ، والنائب، والوزير، والسياسي، والأديب اللغوي.
عاش علي عبد الرازق في بيت عريق من بيوت العلم والسياسة والقضاء في مصر، إذ كان له دور كبير وشأن يذكر في الحياة الفكرية والثقافية في النصف الأول من القرن العشرين، ولا يستطيع مؤرخ الحياة الثقافية المعاصرة في مصر أن يغفل ما كان لبيوت «آل عبد الرازق» فيها من أثر.
ولد علي عبد الرازق في قرية أبي جرج، من أعمال محافظة المنيا، وألحق بكَتاب القرية حيث تعلم القراءة والكتابة ومبادئ الحساب، وحفظ قدراً من القرآن الكريم. ثم دخل في العاشرة من عمره إلى الأزهر واتصل بكبار شيوخه، واستطاع أن يلتحق في الوقت نفسه بالجامعة المصرية القديمة.
حصل علي عبد الرازق على الشهادة العالمية من الأزهر بعد أخيه مصطفى بثلاث سنوات، وعقد على الفور لنفسه حلقة درَّس فيها متبرعاً علم البيان.
وفي عام (1912م) شد علي عبد الرازق رحاله إلى إنكلترة، فالتحق بجامعة أكسفورد وبدأ يدرس في علمي الاقتصاد والاجتماع، وأجاد اللغة الإنكليزية إجادة جعلته يقرأ كتب الاستشراق باهتمام، ولم يبق في إنكلترة إلا ثلاث سنوات، واضطر إلى العودة عام (1915م) تحت ضغط ظروف الحرب العالمية الأولى.
وبعد عودته إلى مصر عين قاضياً بمحكمة الإسكندرية الشرعية، واستمر في القضاء إلى أن ظهرت محنة الخلافة وأعلن في جرأة وصراحة أن نظام الخلافة ليس من الدين في شيء، ولم ينص عليه في كتاب أو سنة. وما كان محمد صلى الله عليه وسلم خليفة، ولا ملكاً، وإنما كان مجرد رسول يبلغ آيات ربه. ثم كانت الخلافة ولم تلبث أن جرت على المسلمين ما جرى من خصام وفرقة، وتحولت إلى ملك وراثي يعدل حيناً ويظلم أحياناً.
وقد أثارت هذه الآراء ما أثارت من جدل، أيدها فريق، وعارضها آخرون، وطغت فيها السياسة على الاعتبارات الدينية والتاريخية ورأت هيئة كبار العلماء ـ نزولاً عند رغبة أولي الشأن ـ أن تخرج علي عبد الرازق من زمرتها وأن يفصل من القضاء، وإن عارض في ذلك عبد العزيز فهمي وزير العدل واضطر إلى التخلي عن الوزارة.
ثم دارت الأيام دورتها وانغمس علي عبد الرازق في السياسة فانتخب عضواً في مجلس النواب، ثم جاوزه إلى مجلس الشيوخ، كما اختبر وزيراً للأوقاف في نهاية الأربعينيات من القرن العشرين، وأضحى قطباً من أقطاب حزب الأحرار الدستوريين. وفي عام (1948م) انتخب عضواً في مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
وإذا كانت بعض أعبائه السياسية قد صرفته عن المجمع اللغوي ـ في البداية قليلاً، فإنه تفرغ له في الخمس عشرة سنة الأخيرة ووقف عليه كثيراً من وقته وجهده فاشترك في أربع من أهم لجانه.
كان علي عبد الرازق محافظاً بفطرته، سلفياً في ميوله وتفكيره، يقول بالإصلاح ولكن في هوادة، ويأخذ بالتجديد ولكن في تحفظ، وكان يدعو إلى استقلال الفكر وحرية العقل في العلم، واجتناب تقليد العلماء وإبطال البدع والخرافات والتقاليد والعادات التي أفسدت العقائد والأخلاق. وكانت هذه التوجهات بمثابة نقد صريح وجهه لعلماء الأزهر عندما احتفلوا بمولد الإمام الشافعي. ثم أنه وضع قواعد للاجتهاد من النصوص الشرعية عندما دعا إلى ضرورة فتح باب الاجتهاد. ويظهر أنه مر بمرحلتين متميزتين:
مرحلة الشباب: تحاول أن تغير وتبدل وأن تصلح وتجدد.
ـ مرحلة الشيخوخة: تجنح إلى الهدوء والسكينة، وتنفر من المجهول وغير المألوف.
توفي علي عبد الرازق في القاهرة.
لم ينشر علي عبد الرازق كل إنتاجه فأخرج أول ما أخرج: «أمالي علي عبد الرازق» وهي رسالة في علم البيان وتاريخه، كانت طليعة التأليف البلاغي المتحرر بعض الشيء من الحواشي. ومن آرائه في الأدب واللغة: (أن في قواعد النحو كثيراً من التكلف يجعلها معقدة معسرة... وأن في الإمكان استنباط قواعد جديدة أحسن ضبطاً وأقرب تناولاً). «وكتاب الإسلام وأصول الحكم» صدر في عام (1925م)، بحث في الخلافة والحكومة في الإسلام، وهو كتاب رأي، عالج فيه مشكلة سياسية شغلت الأذهان.
وقد ردّ على هذا الكتاب هيئة كبار العلماء في بيان أصدرته للناس، كما قام بتفنيده كبار العلماء في كتب مستقلة أمثال: الإمام محمد الخضر حسين، والشيخ محمد بخيت المطيعي، ومحمد الطاهر بن عاشور وغيرهم. ومن الجدير بالذكر أن علي عبد الرازق رجع عن هذه الآراء التي وضعها في كتابه رجوعاً صريحاً أصدره في مقال نشره في مجلة رسالة الإسلام عام (1380هـ/1951م). كتاب «الإجماع في الشريعة الإسلامية» ظهر في عام (1947م)، وهو جملة من المحاضرات ألقاها على طلاب دبلوم قسم الشريعة بكلية الحقوق في جامعة القاهرة. «كتاب من آثار مصطفى عبد الرازق» أخرجه بعد وفاة شقيقه الشيخ مصطفى عبد الرازق عام (1957م)، وهو مجموعة لمقالات أخيه مصطفى صدرت بمقدمة طويلة تصلح أن تكون كتاباً مستقلاً لأنها جمعت من أخبار الأدب والعلم والسياسة في هذا العصر ما تعد به مرجعاً مهماً ومقالات متفرقة نشرت بمجلة الهلال ومجلة الثقافة والسياسة الأسبوعية.
محمد هشام النعسان