ارجيه وفرط تحسس (امراض)
Allergy and hypersensitivity diseases - Maladies d’allergie et d’hypersensibilité
الأرجية وفرط التحسس (أمراض ـ)
عرّف فون بيركي الأرجية allergie أنها «تفاعل شاذ لجسم فرد باتجاه دخول مستضد».
وتستعمل هذه الكلمة اليوم مرادفة لفرط التحسس. ويراد بفرط التحسس hypersensibilité: حالة العضوية التي تبدو عليها تظاهرات مرضية عنيفة حين التقاء الضد مع المستضد. وقد تم تصنيف حالات فرط التحسس في البدء استناداً إلى الزمن المنقضي بين تماس البدن مع المستضد وظهور تفاعلات العضوية، فقيل بفرط الحساسية المباشر وفرط الحساسية المتأخر.
أما اليوم فتصنف الأعراض التي تظهر إلى أربعة أنماط متميزة هي: النمط الأول ويسمى فرط التحسس العاجل أو التأق، والنمط الثاني ويسمى فرط التحسس السام للخلايا h.cytotoxique، والنمط الثالث أو فرط التحسس نصف المتأخر، والنمط الرابع أو فرط التحسس الآجل.
وستعبر كلمة «الأرجية» في هذا البحث عن حالات الأرجية وحالات فرط التحسس وهناك حالة تتصل بالأرجية وهي الأتوبية atopy، وهو مصطلح يستعمل للدلالة على استعداد المرء لإظهار عدد من الأعراض السريرية، كحمى الكلأ والتهاب الأنف الأرجي والربو والإكزيمة حين تماسه مع مستأرج عادي، كغبار الطلع وغبار المنازل وغيرها. وقد يكون منشأ الاستعداد هذا وراثياً وبنيوياً، فحمى الكلأ والربو والإكزيمة يزداد تردادها في الأقرباء المباشرين للمصاب. كما ترتفع عنده الحمضات eosinophiles في الدم والمفرزات النسيجية، واستعداده لإنشاء الضد IgE عند تعرضه لبعض المواد الموجودة في البيئة. كما أن السبل الهوائية تزداد فعاليتها في الربويين عند تعرضهم لمختلف العوامل الفيزيائية، كالهواء البارد والروائح المخرشة، أو لبعض المواد الكيمياوية الداخلية المنشأ في البدن مثل الأستيل كولين [ر].
ويفترض وجود اضطراب في استقلاب 3، 5 مونوفوسفو أدينوزين الحلقي في الربويين.
وتقسم الأمراض الأرجية إلى أمراض مجموعية مثل التأق ومرض المصل، التي تصيب عدة أعضاء أو أجهزة وإلى أمراض تتظاهر في أجهزة وأعضاء معينة، وهي أمراض الأرجية التنفسية والأرجية الهضمية والأرجية الجلدية والأرجية العينية.
الأمراض المجموعية
ـ التأق: تفاعل أرجي يشكل خطراً على الحياة، ينجم في معظم الأحيان عن تحسس متواسط الـIgE تجاه مادة أجنبية هي من الدواء على الغالب، وأكثره شيوعاً تكوّن أضداد IgE في البدن عند زرق المادة (البنسلين مثلاً) للمرة الأولى، فإذا ما زرق هذا الدواء في وقت لاحق عانى المريض من ارتكاس مجموعي عاجل، تظهر فيه أعراض الشرى المتعمم وانسداد السبيل الهوائي العلوي بسبب وذمة الحنجرة وانسداد السبل الهوائية السفلية ووهط collapsus محيطي دوراني، أو فقد الوعي وقد يحدث الموت. وبمقدور أية مادة أجنبية إجمالاً إحداث التأق في الأفراد المستعدين.
يعزى ظهور أعراض التأق إلى التفاعل الضدي المستضدي العنيف الذي يؤدي إلى إطلاق كميات كبيرة من مواد تعرف بالمواد الوسيطة الكيمياوية مثل الهيستامين، والمادة بطيئة التفاعل آ «SRA- A» تؤثر في مستقبلات نسيجية مختلفة في جميع أنحاء البدن.
تستلزم خطورة التأق استعداد الطبيب لمعالجته عند حدوثه في أثناء زرق الأدوية - وخاصة البنسلين - وذلك بتهيئة محلول الأدرينالين الألفي ومضادات الهيستامين والقشرانيات، وتهيئته الوسائل الأخرى بحسب مقتضى الحال.
ـ داء المصل أو مرض المصل: هو اضطراب مناعي مجموعي وصفي، يظهر على أثر زرق مادة بروتينية مستضدية غريبة في البدن.
يحدث مرض المصل من ارتكاس ضار لبروتينات المصل الحيوانية أو البشرية عند زرقها، كزرق المصل المضاد للكزاز والمصول المضادة لسموم الأفاعي. يعد مرض المصل النموذج الوصفي لمرض المعقد المناعي. ففي النموذج الحيواني (الأرنب) تحدث الأعراض في الوقت الذي يظهر فيه الضد المتشكل ضد المستضد المزروق، أي والمستضد لا يزال في الدوران. وتتميز المعقدات المستضدية الضدية التي تتشكل إثر زرق المستضدات بعدد من الصفات تجعلها مؤذية للنسج، فهي تتوضع في الأوعية الصغيرة وترتشح في مختلف أعضاء البدن فتسبب بعض الأذيات كالتهاب الكبد والكلية، وتقوم بتثبيت المتممة، وتجذب الكريات البيض متعددة النوى إلى موضع ترسبها، فتقوم هذه الكريات عندئذ بإفراز مواد سمية تؤذي النسيج. ويتم الشفاء في هذا النموذج بعد التخلص من وجود هذه المعقدات. أما مرض المصل في الإنسان فهو يشبه مرض المصل في الحيوان (الأرنب) فيما عدا ندرة حدوث التهاب الكبد والكلية، وعدم هبوط تركيز المتممة فيه. تظهر الأعراض في مرض المصل عند تشكل أضداد مختلفة الفعالية البيولوجية على الرغم من أن هذه الأضداد تنجم عن المستضد نفسه. فتفاعل المستضد مع IgE يؤدي إلى ظهور الشرى في حين يسبب تفاعل المستضد ذاته مع IgM و IgG إصابة مفصلية.
تظهر أعراض مرض المصل بعد 7 إلى 12 يوماً من زرق المادة البروتينية الغريبة وأبرز الأعراض فيه الشرى المتمم الذي يتصف بحكة مزعجة عادة وقد تحدث الحمى والألم العضلي والاعتلال اللمفي والإصابات المفصلية. يصبح مكان الزرق منتبجاً محمراً قبل ظهور الأعراض بيوم إلى ثلاثة أيام. وقد تأتي الأعراض متسارعة في الذين سبق تعرضهم لارتكاس أرجي للمستضد الغريب نفسه، فتظهر بعد يوم إلى ثلاثة أيام فحسب، أو تأخذ مظهراً تأقياً. أما سير المرض فمحدود عادة، ويشفى المصاب في مدة أسبوع إلى عشرة أيام، ويندر حدوث التهاب القلب والتهاب الكبد والكلية فيه،وأكثر مضاعفاته خطورة متلازمة غيلان باري. والتهاب الأعصاب المحيطي.
الأمراض التي تصيب أجهزة معينة
1- متلازمات الأرجية التنفسية: وهي مزيج من النمطين الأول والرابع لفرط التحسس.
ـ أرجية الطرق التنفسية العلوية: تختلف استجابة كل من الأنف والأذن والحنجرة للأذيات الأرجية. فمخاطية البلعوم غنية بالنسيج اللمفاوي الذي يشكل مناطق ذات أهمية كبيرة للدفاع المناعي عن العضوية، لذا تكثر الحالات الالتهابية في البلعوم، وتندر فيه الحالات الأرجية الصرفة. وكذلك الحال في الأذن الباطنة، سواء أكانت دهليزية أم حلزونية. أما في الأنف فالأمر مختلف تماماً، فالغشاء المخاطي المبطن للحفرتين الأنفيتين والجيوب هو مكان ملائم لنشوء التظاهرات الأرجية، لاحتوائه على مخاطية مهدبة سطحية، فيها بناء غدي، تسهم بوجه فعّال في التظاهرات المناعية النوعية واللانوعية، كما أن تعصيب الغشاء المخاطي وتوعيته يُسهمان في التفاعلات الإفرازية والتوسعات الوعائية الشديدة والفجائية. ومن الناحية العملية فإن الأرجية في الطرق التنفسية العلوية تُعدّ أرجية أنفية - جيبية.
ـ الأرجية الأنفية الجيبية: وهي أرجية تنفسية أسبابها وسيرها السريري يشبه أسباب وسير التظاهرات القصبية. فمن الناحية التشريحية، يوجد في الحفرتين الأنفيتين القرينات التي يزداد تضخمها، وبذلك تزيد الوذمة في المخاطية وتؤدي لانسداد الأنف. كما يحصل ذلك في الجيوب الوجهية التي لها دور غير محدد من الناحية الصوتية، ولكن دورها المرضي كبير.
ويضاف إلى ذلك الوذمة التي تظهر حول فتحات النزح drainage للجيوب، مما يؤدي إلى احتباس المفرزات وتقيحها، يضاف إلى ذلك أن هذه الوذمات تزداد وتتطور لتكون السليلات polypes ولذلك يلاحظ تفاعل التهابي تحدثه مختلف المواد الوسيطة الكيمياوية وغيرها التي تنطلق بتأثير التفاعلات الأرجية. تكون هذه التأثيرات عابرة حين التعرض لغبار الطلع والتفاعلات الأرجية الخفيفة الحدة وغير المستمرة، وتتجلى بوذمة في المشيماء (الكوريون) وتوسع وعائي ونتح وارتشاح خلوي مهم، فيه كمية كبيرة من الحمضات.
وتتغير هذه الصورة التشريحية المرضية في الحالات الأكثر حدة، كما هي الحال في بعض التهابات الأنف.