عبدري (محمد محمد)
Al-’Abdari (Mohammad ibn Mohammad-) - Al-’Abdari (Mohammad ibn Mohammad-)
العَبْدري (محمد بن محمد ـ)
(…ـ نحو 700 هـ/… ـ نحو1300م)
أبو عبد الله، محمد بن محمد بن علي، العَبْدري، الحِيْحِي، أحد الرحَّالة العرب في القرن السابع الهجري.
تدل نسبته العَبْدري على أنه من أصل عربي قرشي يرجع إلى بني عبد الدار بن قصي بن كلاب. أما الحِيْحِي فنسبة إلى (حاحة) القبيلة البربرية القاطنة على الشاطئ الأطلسي في المغرب الأقصى قرب الصُّوَيرة (مغادور Mogador). إلاّ أن بعض الباحثين ينسبه إلى بلنسية الأندلسية، وذلك راجع إلى أن كتب التراجم لم تذكر معلومات كافية عن نشأته وحياته، ولم تحدد سنتي ولادته ووفاته، مع أنه وصف بأنه الفقيه العالم العارف المتفنن، وأن آباءه كانوا من العلماء.
لم يخلف لنا العبدري سوى رحلته العبدرية المسماة «الرحلة المغربية» التي رافقه فيها أخوه يحيى والتي أخذ بتدوينها في تِلِمْسان. ويبدو من قراءة هذه الرحلة أنه كان ذا علم جم واطلاع واسع في العلوم الإسلامية والآداب العربية، إلى جانب إتقانه اللغة البربرية.
كان القصد من رحلته هذه أداء فريضة الحج، وقد بدأها في الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة 688هـ/ 1289م، واتخذ فيها طريق إفريقيا الشمالي، فسافر براً من وراء الأطلسي قاطعاً المفازة الواقعة بين جنوبي المغرب ومدينة تلمسان، فما كاد يصل إلى مدينة الجزائر حتى غادرها إلى تونس، ثم قصد بلاد طرابلس ومصر، فمر بالإسكندرية وتابع إلى القاهرة، ثم اتجه إلى العقبة ودخل مع الركب بلاد الحجاز، فقصد مكة المكرمة ثم المدينة المنورة.
أما عودته فكانت عن طريق فلسطين، فأقام في القدس خمسة أيام حضر فيها مجلسين علميين للقاضي بدر الدين بن جماعة، ثم رحل إلى الإسكندرية، ومنها قفل راجعاً إلى بلاده في المغرب.
يستدل من دراسة مقدمة رحلته أن المؤلف لم يعتمد في تسجيل معلوماته إلاّ على خبرته الشخصية وتجربته الحسية، فجاءت الرحلة غنية بالمشاهد الحية للطبيعة من سهول وجبال وأنهار وبحار، وبأوصاف المدن والمعالم الأثرية كوصفـه لمنارة الإسـكندرية أو أهـرامات مصر أو قبـة الصخرة. وكثيـراً ما كـان يجنح إلى تصويـر الأوضـاع الاقتصادية والاجتماعية والعلمية، ويأتي على ذكر أعـلام الفقهاء في عصره، مما يدلّ على أن العبدري كان يملك حساً لمَّاحاً ولغة تصويرية حاذقة ومعرفة وثيقة بعلم الآثار والجغرافية الطبيعية والسكانية.
إلاّ أنه مع ذلك لم يكن يتحفظ في نقده اللاذع الصريح لما يصادفه من العادات المنكرة والسلوك الشائن.
من ذلك مثلاً أنه حين دخل الإسكندرية أعجبه موقعها ومناظرها ومبانيها البديعة، لكنه أخذ يندد بالمعاملة التي كان الحجاج يلقونها على أيدي الحراس الذين يبالغون في تحصيل المكوس «فمدوا في الحجاج أيديهم، وفتشوا الرجال والنساء، وألزموهم أنواعاً من المظالم، وأذاقوهم ألواناً من الهوان …».
وُيطالع المرء بين الحين والحين في تضاعيف هذه الرحلة المشوقة، قصائد ومقطعات شعرية لطيفة للمؤلف نفسه أو لغيره، فها هو ذا العبدري وقد مر به عيد الفطر وهو في القاهرة يحن إلى أولاده وأصحابه فيقول:
ذكرتُ بيومِ الفِطْر في مصرَ إذ أتى
وقوسُ النوى تَرْمي الحشا أسهمَ الكَرْبِ
فِراخاً نأى أُنسي بنأي محلِّهمْ
وصحباً كراماً ضمَّهمْ أُفُقُ الغَرْبِ
فأفطرت من قَبْلِ الغدوّ بعَبرَةٍ
غَنِيتُ بها يَومي عـن الأكلِ والشُّرْبِ
حظيت هـذه الرحلة باهتمام عـدد من المستشرقين الفرنسيين والإسبان، فقد قال عنها المستشرق الفرنسي (شيربونو): «إنني ما رأيت كتاباً عربياً مفيداً ممتعاً على درجـة رحلـة العبدري، ليـس لصحة تحقيقاته الجغرافية فقط، ولكن أيضاً لتفاصيلـه عن الآثار القديمـة، ولدراستـه للعادات، ولتقديمه لنا جُـل علماء القرن السابع الهجري المسلمين».
طبعت الرحلة ونشرت عام 1968 م في جامعة محمد الخامس في المغرب بتحقيق محمد الفاسي.
محمد كمال
Al-’Abdari (Mohammad ibn Mohammad-) - Al-’Abdari (Mohammad ibn Mohammad-)
العَبْدري (محمد بن محمد ـ)
(…ـ نحو 700 هـ/… ـ نحو1300م)
أبو عبد الله، محمد بن محمد بن علي، العَبْدري، الحِيْحِي، أحد الرحَّالة العرب في القرن السابع الهجري.
تدل نسبته العَبْدري على أنه من أصل عربي قرشي يرجع إلى بني عبد الدار بن قصي بن كلاب. أما الحِيْحِي فنسبة إلى (حاحة) القبيلة البربرية القاطنة على الشاطئ الأطلسي في المغرب الأقصى قرب الصُّوَيرة (مغادور Mogador). إلاّ أن بعض الباحثين ينسبه إلى بلنسية الأندلسية، وذلك راجع إلى أن كتب التراجم لم تذكر معلومات كافية عن نشأته وحياته، ولم تحدد سنتي ولادته ووفاته، مع أنه وصف بأنه الفقيه العالم العارف المتفنن، وأن آباءه كانوا من العلماء.
لم يخلف لنا العبدري سوى رحلته العبدرية المسماة «الرحلة المغربية» التي رافقه فيها أخوه يحيى والتي أخذ بتدوينها في تِلِمْسان. ويبدو من قراءة هذه الرحلة أنه كان ذا علم جم واطلاع واسع في العلوم الإسلامية والآداب العربية، إلى جانب إتقانه اللغة البربرية.
كان القصد من رحلته هذه أداء فريضة الحج، وقد بدأها في الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة 688هـ/ 1289م، واتخذ فيها طريق إفريقيا الشمالي، فسافر براً من وراء الأطلسي قاطعاً المفازة الواقعة بين جنوبي المغرب ومدينة تلمسان، فما كاد يصل إلى مدينة الجزائر حتى غادرها إلى تونس، ثم قصد بلاد طرابلس ومصر، فمر بالإسكندرية وتابع إلى القاهرة، ثم اتجه إلى العقبة ودخل مع الركب بلاد الحجاز، فقصد مكة المكرمة ثم المدينة المنورة.
أما عودته فكانت عن طريق فلسطين، فأقام في القدس خمسة أيام حضر فيها مجلسين علميين للقاضي بدر الدين بن جماعة، ثم رحل إلى الإسكندرية، ومنها قفل راجعاً إلى بلاده في المغرب.
يستدل من دراسة مقدمة رحلته أن المؤلف لم يعتمد في تسجيل معلوماته إلاّ على خبرته الشخصية وتجربته الحسية، فجاءت الرحلة غنية بالمشاهد الحية للطبيعة من سهول وجبال وأنهار وبحار، وبأوصاف المدن والمعالم الأثرية كوصفـه لمنارة الإسـكندرية أو أهـرامات مصر أو قبـة الصخرة. وكثيـراً ما كـان يجنح إلى تصويـر الأوضـاع الاقتصادية والاجتماعية والعلمية، ويأتي على ذكر أعـلام الفقهاء في عصره، مما يدلّ على أن العبدري كان يملك حساً لمَّاحاً ولغة تصويرية حاذقة ومعرفة وثيقة بعلم الآثار والجغرافية الطبيعية والسكانية.
إلاّ أنه مع ذلك لم يكن يتحفظ في نقده اللاذع الصريح لما يصادفه من العادات المنكرة والسلوك الشائن.
من ذلك مثلاً أنه حين دخل الإسكندرية أعجبه موقعها ومناظرها ومبانيها البديعة، لكنه أخذ يندد بالمعاملة التي كان الحجاج يلقونها على أيدي الحراس الذين يبالغون في تحصيل المكوس «فمدوا في الحجاج أيديهم، وفتشوا الرجال والنساء، وألزموهم أنواعاً من المظالم، وأذاقوهم ألواناً من الهوان …».
وُيطالع المرء بين الحين والحين في تضاعيف هذه الرحلة المشوقة، قصائد ومقطعات شعرية لطيفة للمؤلف نفسه أو لغيره، فها هو ذا العبدري وقد مر به عيد الفطر وهو في القاهرة يحن إلى أولاده وأصحابه فيقول:
ذكرتُ بيومِ الفِطْر في مصرَ إذ أتى
وقوسُ النوى تَرْمي الحشا أسهمَ الكَرْبِ
فِراخاً نأى أُنسي بنأي محلِّهمْ
وصحباً كراماً ضمَّهمْ أُفُقُ الغَرْبِ
فأفطرت من قَبْلِ الغدوّ بعَبرَةٍ
غَنِيتُ بها يَومي عـن الأكلِ والشُّرْبِ
حظيت هـذه الرحلة باهتمام عـدد من المستشرقين الفرنسيين والإسبان، فقد قال عنها المستشرق الفرنسي (شيربونو): «إنني ما رأيت كتاباً عربياً مفيداً ممتعاً على درجـة رحلـة العبدري، ليـس لصحة تحقيقاته الجغرافية فقط، ولكن أيضاً لتفاصيلـه عن الآثار القديمـة، ولدراستـه للعادات، ولتقديمه لنا جُـل علماء القرن السابع الهجري المسلمين».
طبعت الرحلة ونشرت عام 1968 م في جامعة محمد الخامس في المغرب بتحقيق محمد الفاسي.
محمد كمال