حميري (سيد)
Al-Himyari (Al-Sayed-) - Al-Himyari (Al-Sayed-)
الحِمْيَريّ (السَّيِّد -)
(105-173هـ/723-789م)
أبو هاشم، وقِيْلَ: أبو عامر، إِسْماعِيْل بن محمّد بن يزيدَ بن ربيعةَ المُفَرِّغ الحِمْيَرِيّ، ورفع المَرْزُباني نسبه إلى محمد بن يزيد بن وداع الحميري، وذهب إلى أنه ليس من أحفاد ابن المفَرِّغ الشاعر الأموي المشهور. شاعرٌ عبّاسيٌّ، مُتَقَدِّمٌ مَطْبوعٌ فَحْلٌ، ظريفٌ، حَسَنُ الألفاظ، جميلُ الخِطاب، كثيرُ الشِّعر؛ وفي ذلك يُقال: إنّ أكثرَ النّاس شعراً في الجاهليّة والإسلام ثلاثةٌ: بشّار، وأبو العَتاهية، والسَّيِّد؛ فإنّه لا يُعْلم أنّ أحداً قَدَر على تَحْصِيلِ شِعْرِ أحدٍ منهم أَجْمَع.
نشأ في كَنَف أَبَوَينِ إِباضِيَّين (الإِباضِيّة: أتباع عبد الله بن إِباض المُقاعِسِيّ المُرِّي)، بالبصرة، فخالفهما واتّبع مذهب الكَيْسانيّة؛ القـائلـة بإمامة محمّد بـن الحَنَفِيّة[ر]، وذهب بعضهم إلى أنّه رجع عن الكيسانيّة، واتّبع الإماميّة، وأنكر ذلك أبو الفرج في أغانيه، فقال: وقد روى بعضُ مَنْ لم تَصِحّ روايتُه أنّه رجع عن مذهبه، وقال بمذهب الإماميّة، وله في ذلك :
تَجَعْفَرْتُ بِاسْمِ اللهِ، واللهُ أَكْبَرُ
وأَيْقَنْتُ أَنَّ اللهَ يَعْفُو ويَغْفِرُ
وما وجدنا ذلك في رواية مُحِصِّل، ولا شعرُه أيضاً مِنْ هذا الجنس، ولا في هذا المذهب، لأنّ هذا شعرٌ ضعيفٌ يتبيّن التّوليد فيه، وشعرُه في قصائده الكَيْسانيّة مُباينٌ لهذا، جَزالةً ومَتانَةً، وله رَونقٌ ومعنًى لَيْسا لِما يُذْكَر عنه في غيره.
عَلِق قلبَ السَّيِّد حُبُّ آل البيت، ومَلَكَ عليه جَنانَه، فتشيَّع لهم أَيَّما تَشَيّع، وطلب مناقبَ عليّ بن أبي طالب، كرّم الله وجهه، أعزَّ طلب، ثم ساقها في شعره، فلهجت بها الأَلْسُن، ووَعَتها الأَفْئدة، وحينما كان يُسأل عن طريق تَشَيّعه على إِباضيّة أبويه، كان يُجِيبُ بقوله: «غاصَتْ عليَّ الرّحمة غوصاً. هجر أبويه»، واعتزل مجلسهما؛ وفي ذلك تقول العبّاسة ابنتُه: «قال لي أبي: كنتُ وأنا صبيٌّ أسمع أبويّ يَثْلبان أميرَ المؤمنين، فأخرج عنهما، وأبقى جائعاً وأُؤْثرُ ذلك على الرّجوع إليهما، فأَبِيْتُ في المساجد جائعاً لحُبِّي لفِراقهما وبُغْضي إيّاهما».
أَلَّبَ السَّيِّدُ النّاس على بني أُمَيّةَ، وأَعْلَنَ في النّاس أُفُولَ نجْمهم، وصُعُودَ نجم بني العبّاس، وحين صَعِد هذا النّجم، لَهِج السَّيِّد بشرعيَّة دولتهم وأذاعها، فسُرَّ بذلك مَنْ سُرَّ منهم، من ذلك قولُهُ مُخاطباً أبا العبّاس السّفّاح، من كلمةٍ له :
دُوْنَكُمُوهَا يَا بَنِي هَاشِمٍ
فَجَدِّدُوا مِنْ عَهْدِهَا الدَّارِسَا
لَوْ خُيِّرَ المِنْبَرُ فُرْسانَهُ
ما اخْتارَ إِلاّ مِنْكُمُ فارِسَا
انقطع بشعره إلى مَدْح بني هاشم وذِكْر مناقبهم، ونَشْرِ مثالب خصومهم، ولم يُشارك شعراء عصره في موضوعات الشِّعر الأخرى إلا قليلاً، وفي ذلك يقول بشّار: «لولا أنّ هذا الرّجل قد شُغِل عنّا بمَدْح بني هاشم لَشَغَلَنا، ولو شاركنا في مَذْهَبِنا لأَتْعَبنا». وممّا يُسْتَحْسَن له قصيدته المُذْهَبَة، الّتي أوّلها :
أَيْنَ التَّطَرُّفُ بِالوَلاءِ وبِالهَوَى
أَإِلَى الكَواذِبِ مِنْ بُرُوْقِ الخُلَّبِ؟
أمّا طِراز شعر السَّيِّد بين أشعار أَكْفائه، فطِرازٌ قلَّما يُلْحَق به أو يُدانِيه، وتَأَنُّقُ الرّجل في قصائده - على كثرتها - مَشْغَلَةٌ للنّاظِرِ المُتأنّق، وفي ذلك يقول ابن المعتزّ في طبقاته: «وقصائدُهُ الجِيادُ كثيرةٌ لَوِ اشْتَغلنا بذِكْرِها لطالَ شُغْلُنا». ومن أشعاره الّتي لا يُعادِلها في العُذُوبَةِ شيءٌ، وتتَقَطَّعُ دُوْنَها الشّعراء، قوله من قصيدةٍ له :
أَمْسَى بِعَزَّةَ هذا القَلْبُ مَحْزُونَا
مُسْتَوْدِعاً سُقْماً في اللُّبِّ مَكْنُونَا
يَا عَزَّ إِنْ تُعْرِضِي عَنَّا وتَنْتَصِحِي
قَوْلَ الوُشاةِ ومَنْ يَلْحاكُمُ فِيْنَا
وتَصْرِمِي الحَبْلَ مِنْ صَبٍّ بِكُمْ كَلِفٍ
والصَّرْمُ يَخْلِقُ أَهْواءَ المُحِبِّيْنَا
نَتْرُكْ زِيارَتَكُمْ مِنْ غَيْرِ مَقْلِيَةٍ
إِنْ كانَ في تَرْكِهَا ما عَنْكِ يُسْلِيْنَا
وُسِمتْ قصائدُ السَّيِّد بالنّصاعة والوضوح، في قوّة إحكام، وحُسْنِ نمط، ولم يَشِنْها امْتِلاؤها أحاديثَ وأخباراً ومَناقِبَ ومَثالِب، بل زانها؛ إِذْ كان السَّيِّدُ ذا بَصَر بسَوْقها، وحِذْقٍ بحَشْوِها في تَضاعِيف قصائده، في ألْفاظٍ نَقيَّةٍ، خاليةٍ من التّصنّع والإِغْراب، تَهْجُم على القلب بلا حِجاب، وحينما كان يُسأل عن ذُهُوله عن استعمال الغريب، كما يفعل الشّعراء، كان يقول: «لأَنْ أقول شعراً قريباً مِنَ القُلُوب، يَلَذُّهُ مَنْ سَمِعَه، خيرٌ مِنْ أَنْ أقولَ شيئاً مُتَعَقِّداً تَضِلُّ فيه الأَوْهام».
غازَلَ السَّيِّدُ السَّبْعِين من عمره وهو ما يزال قَؤولاً للشِّعر، من ذلك قوله من كلمة له:
يَا أَهْلَ كُوْفانَ إِنِّي وامِقٌ لَكُمُ
مُذْ كُنْتُ طِفْلاً إِلَى السَّبْعِيْنَ والكبَرِ
ثمّ قَعَدَتْ به عِلَّةٌ بمدينة واسِط، حيث وافاه أجله.
مقبل التام عامر الأحمدي
Al-Himyari (Al-Sayed-) - Al-Himyari (Al-Sayed-)
الحِمْيَريّ (السَّيِّد -)
(105-173هـ/723-789م)
أبو هاشم، وقِيْلَ: أبو عامر، إِسْماعِيْل بن محمّد بن يزيدَ بن ربيعةَ المُفَرِّغ الحِمْيَرِيّ، ورفع المَرْزُباني نسبه إلى محمد بن يزيد بن وداع الحميري، وذهب إلى أنه ليس من أحفاد ابن المفَرِّغ الشاعر الأموي المشهور. شاعرٌ عبّاسيٌّ، مُتَقَدِّمٌ مَطْبوعٌ فَحْلٌ، ظريفٌ، حَسَنُ الألفاظ، جميلُ الخِطاب، كثيرُ الشِّعر؛ وفي ذلك يُقال: إنّ أكثرَ النّاس شعراً في الجاهليّة والإسلام ثلاثةٌ: بشّار، وأبو العَتاهية، والسَّيِّد؛ فإنّه لا يُعْلم أنّ أحداً قَدَر على تَحْصِيلِ شِعْرِ أحدٍ منهم أَجْمَع.
نشأ في كَنَف أَبَوَينِ إِباضِيَّين (الإِباضِيّة: أتباع عبد الله بن إِباض المُقاعِسِيّ المُرِّي)، بالبصرة، فخالفهما واتّبع مذهب الكَيْسانيّة؛ القـائلـة بإمامة محمّد بـن الحَنَفِيّة[ر]، وذهب بعضهم إلى أنّه رجع عن الكيسانيّة، واتّبع الإماميّة، وأنكر ذلك أبو الفرج في أغانيه، فقال: وقد روى بعضُ مَنْ لم تَصِحّ روايتُه أنّه رجع عن مذهبه، وقال بمذهب الإماميّة، وله في ذلك :
تَجَعْفَرْتُ بِاسْمِ اللهِ، واللهُ أَكْبَرُ
وأَيْقَنْتُ أَنَّ اللهَ يَعْفُو ويَغْفِرُ
وما وجدنا ذلك في رواية مُحِصِّل، ولا شعرُه أيضاً مِنْ هذا الجنس، ولا في هذا المذهب، لأنّ هذا شعرٌ ضعيفٌ يتبيّن التّوليد فيه، وشعرُه في قصائده الكَيْسانيّة مُباينٌ لهذا، جَزالةً ومَتانَةً، وله رَونقٌ ومعنًى لَيْسا لِما يُذْكَر عنه في غيره.
عَلِق قلبَ السَّيِّد حُبُّ آل البيت، ومَلَكَ عليه جَنانَه، فتشيَّع لهم أَيَّما تَشَيّع، وطلب مناقبَ عليّ بن أبي طالب، كرّم الله وجهه، أعزَّ طلب، ثم ساقها في شعره، فلهجت بها الأَلْسُن، ووَعَتها الأَفْئدة، وحينما كان يُسأل عن طريق تَشَيّعه على إِباضيّة أبويه، كان يُجِيبُ بقوله: «غاصَتْ عليَّ الرّحمة غوصاً. هجر أبويه»، واعتزل مجلسهما؛ وفي ذلك تقول العبّاسة ابنتُه: «قال لي أبي: كنتُ وأنا صبيٌّ أسمع أبويّ يَثْلبان أميرَ المؤمنين، فأخرج عنهما، وأبقى جائعاً وأُؤْثرُ ذلك على الرّجوع إليهما، فأَبِيْتُ في المساجد جائعاً لحُبِّي لفِراقهما وبُغْضي إيّاهما».
أَلَّبَ السَّيِّدُ النّاس على بني أُمَيّةَ، وأَعْلَنَ في النّاس أُفُولَ نجْمهم، وصُعُودَ نجم بني العبّاس، وحين صَعِد هذا النّجم، لَهِج السَّيِّد بشرعيَّة دولتهم وأذاعها، فسُرَّ بذلك مَنْ سُرَّ منهم، من ذلك قولُهُ مُخاطباً أبا العبّاس السّفّاح، من كلمةٍ له :
دُوْنَكُمُوهَا يَا بَنِي هَاشِمٍ
فَجَدِّدُوا مِنْ عَهْدِهَا الدَّارِسَا
لَوْ خُيِّرَ المِنْبَرُ فُرْسانَهُ
ما اخْتارَ إِلاّ مِنْكُمُ فارِسَا
انقطع بشعره إلى مَدْح بني هاشم وذِكْر مناقبهم، ونَشْرِ مثالب خصومهم، ولم يُشارك شعراء عصره في موضوعات الشِّعر الأخرى إلا قليلاً، وفي ذلك يقول بشّار: «لولا أنّ هذا الرّجل قد شُغِل عنّا بمَدْح بني هاشم لَشَغَلَنا، ولو شاركنا في مَذْهَبِنا لأَتْعَبنا». وممّا يُسْتَحْسَن له قصيدته المُذْهَبَة، الّتي أوّلها :
أَيْنَ التَّطَرُّفُ بِالوَلاءِ وبِالهَوَى
أَإِلَى الكَواذِبِ مِنْ بُرُوْقِ الخُلَّبِ؟
أمّا طِراز شعر السَّيِّد بين أشعار أَكْفائه، فطِرازٌ قلَّما يُلْحَق به أو يُدانِيه، وتَأَنُّقُ الرّجل في قصائده - على كثرتها - مَشْغَلَةٌ للنّاظِرِ المُتأنّق، وفي ذلك يقول ابن المعتزّ في طبقاته: «وقصائدُهُ الجِيادُ كثيرةٌ لَوِ اشْتَغلنا بذِكْرِها لطالَ شُغْلُنا». ومن أشعاره الّتي لا يُعادِلها في العُذُوبَةِ شيءٌ، وتتَقَطَّعُ دُوْنَها الشّعراء، قوله من قصيدةٍ له :
أَمْسَى بِعَزَّةَ هذا القَلْبُ مَحْزُونَا
مُسْتَوْدِعاً سُقْماً في اللُّبِّ مَكْنُونَا
يَا عَزَّ إِنْ تُعْرِضِي عَنَّا وتَنْتَصِحِي
قَوْلَ الوُشاةِ ومَنْ يَلْحاكُمُ فِيْنَا
وتَصْرِمِي الحَبْلَ مِنْ صَبٍّ بِكُمْ كَلِفٍ
والصَّرْمُ يَخْلِقُ أَهْواءَ المُحِبِّيْنَا
نَتْرُكْ زِيارَتَكُمْ مِنْ غَيْرِ مَقْلِيَةٍ
إِنْ كانَ في تَرْكِهَا ما عَنْكِ يُسْلِيْنَا
وُسِمتْ قصائدُ السَّيِّد بالنّصاعة والوضوح، في قوّة إحكام، وحُسْنِ نمط، ولم يَشِنْها امْتِلاؤها أحاديثَ وأخباراً ومَناقِبَ ومَثالِب، بل زانها؛ إِذْ كان السَّيِّدُ ذا بَصَر بسَوْقها، وحِذْقٍ بحَشْوِها في تَضاعِيف قصائده، في ألْفاظٍ نَقيَّةٍ، خاليةٍ من التّصنّع والإِغْراب، تَهْجُم على القلب بلا حِجاب، وحينما كان يُسأل عن ذُهُوله عن استعمال الغريب، كما يفعل الشّعراء، كان يقول: «لأَنْ أقول شعراً قريباً مِنَ القُلُوب، يَلَذُّهُ مَنْ سَمِعَه، خيرٌ مِنْ أَنْ أقولَ شيئاً مُتَعَقِّداً تَضِلُّ فيه الأَوْهام».
غازَلَ السَّيِّدُ السَّبْعِين من عمره وهو ما يزال قَؤولاً للشِّعر، من ذلك قوله من كلمة له:
يَا أَهْلَ كُوْفانَ إِنِّي وامِقٌ لَكُمُ
مُذْ كُنْتُ طِفْلاً إِلَى السَّبْعِيْنَ والكبَرِ
ثمّ قَعَدَتْ به عِلَّةٌ بمدينة واسِط، حيث وافاه أجله.
مقبل التام عامر الأحمدي