الْحَنِيْفِيَّـةُ Hanifiyya سميت ملةُ إبراهيم باَلْحَنِيْفِيَّـةِ

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الْحَنِيْفِيَّـةُ Hanifiyya سميت ملةُ إبراهيم باَلْحَنِيْفِيَّـةِ

    حنيفيه

    Hanifiyya - Hanifiyya

    الْحَنِيْفِيَّـةُ

    سميت ملةُ إبراهيم u[ر] باَلْحَنِيْفِيَّـةِ، لأنه حَنَف إلى دين الله بمعنى مال إليه، وأخلص له، وأسلم لأمره فلم يلتو عنه، ورغب عن الشرك كله.
    ولأن التوحيد من أخص أركان الحنيفية، يقترن نفي الشرك في القرآن بكل موضع ذكر فيه الحنيفية نحو: ﴿حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (البقرة 135) ﴿حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ (الحج 31) .
    وكل من كان على دينه فهو حنيف عند العرب[ر]، ويسمون بذلك من اعتزل الأَصنام وتَعبَّد؛ قال أَبو ذؤيب:
    أَقامَتْ به، كَمُقامِ الحَنيـ
    ف، شَهْريْ جُمادَى وشهرَيْ صَفَرْ
    أَراد أَنها أَقامت بهذا الـمُتَرَبَّع إقامةَ الـمُتَحَنِّفِ على هَيْكَلِه مَسْرُوراً بعَمله وتديُّنِه لما يرجوه على ذلك من الثواب.
    فيطلق الحنيف من يوحد ويحج ويضحي ويختتن ويستقبل القبلة.
    وكان عَبَدَةُ الأَوْثانِ في الجاهلية[ر] يقولون: نحن حُنَفاء على دين إبراهيم وذلك أنهم يرون الحنيفية هي الختان[ر] والحج[ر] إلى البيت الحرام[ر] أو التوجه إلى الكعبة[ر]، حيث لم يبق مشهوراً لديهم من دين إبراهيم u إلا ذلك، فصار كلُّ من اختتن وحج قيل له: حنيف.
    فلما جاء الإسلام[ر] سمَّى المسلمَ: حنيفاً. وربما يقال: إن الحنيفية قد يراد بها الدين الأول الفطري القديم في مقابل ما ظهر بعده من الشرك أو الكتابية المحرفة يهودية كانت أو نصرانية. إذ يقول الله تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (الروم 30). فالحنيفية على ذلك كانت دين من كان قبل إبراهيمu من الأنبياء مذ خلق الله آدمu. وهذا أيضا يتفق مع كون دين إبراهيم u هو الحنيفية. وفي الحديث: «أَحَبُّ الأَديان إلى اللّه الحنيفية السمْحةُ'».
    وعلى كل حال عُرف الإسلام بالدين الحنيف. وذلك أن الإسلام كدين إبراهيم u: يجمع بين عقيدة التوحيد[ر] الخالص، وشريعة الفطرة السمحة.
    فعقيدة الإسلام هي عقيدة الحنيفية في: التوحيد، ونبذ عبادة الأوثان، ونفي الشرك بجميع أشكاله، والإخلاص لله مع ذهول الروح عما سواه، والاستعداد للتضحية بتقديم أمر الله تعالى على كل ما سواه مهما بلغ، وتقديم حب الله تعالى على حب كل محبوب. ونقاء القلب عن الاعتماد على الأشياء والأسباب المادية، وتعلقه بمسبب الأسباب وحده. وفي الحديث القدسي: «خَلَقْتُ عِبادِي حُنَفاء». أَي طاهِرِي الأَعضاء من الـمَعاصِي. وقيل: أَراد أَنه خلقهم حُنفاء مؤمنين لما أَخذ عليهم الميثاقَ في قول سبحانه: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْم الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِين (الأعراف172). فلا يوجد أَحد إلا وهو مُقرّ بأَنَّ له رَبّاً وإن أَشرك به، أو اختلفوا فيه.
    وكذلك شريعة الإسلام كشريعة إبراهيم u في الوسطية والاعتدال بين الرهبانية والإباحية، وبين المادية والمعنوية، وبين المثالية والواقعية، ورعاية حاجات كل من الروح والجسد. مما يحقق المعاني السامية بأسلوب سهل سمح بعيد عن التنطع والتكلف. وفي الحديث: «بُعثْتُ بالحنيفية السَّمْحة السَّهْلةِ'».
    ولقد اتبعت ذرية إبراهيم من بني إسحاق وبني إسماعيل ملة أبيهم من بعده، فكان ذلك في بلاد الروم وبلاد العرب، وقد روي أن أيوب u عاش بعد محنته سبعين سنة بأرض الروم على دين الحنيفية، ثم تغير الروم بعده فغيروا دين إبراهيم. وبعث في نسل إسحاق u، أنبياء عدة من بني إسرائيل u يعقوب، وكان منهم من جاءهم بشرع جديد كموسى وعيسى عليهما السلام. وقد قال الله تعالى: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِين (آل عمران67-68). ولم يبعث في بني إسماعيل أي رسول بينه وبين محمد r، فاستمر العرب على ملة الحنيفية إلى أن تطاول بهم الزمان حتى ضاعت واضمحلت لديهم معالمها، فدخل فيهم الشرك والوثنية[ر]، وإن ظل فيهم معنيان مهمان من معاني الحنيفية ألا وهما: الاعتراف بأن الله سبحانه هو خالق كل شيء، والاعتراف بأن إبراهيمu كان نبياً عظيماً، هو الذي بنى الكعبة بمعاونة ابنه إسماعيلu.
    وانتهى عملياً أمر الحنيفية عامة إلى الاقتصار على الحج وتعظيم البيت الحرام، ولكن بصورة مشوهة غاية التشويه، وذلك نتيجة لدعوة عمرو بن لحي الخزاعي، حتى أقاموا الأصنام داخل الكعبة والحرم وذبحوا لها الذبائح على النصب، واستقسموا عندها بالأزلام وطافوا بالبيت عراة. وفشت فيهم بعض الفعال والعادات السيئة كقطع الطريق والزنا وشرب الخمر ووأد البنات.
    دفع كل ذلك عقلاءهم إلى النفور عما عليه عامتهم، والبحث عن المعالم الصحيحة لملة إبراهيم. فذهبوا إلى توحيد الله والإيمان بالبعث والملائكة والاقتصار على عبادة الله وحده ونبذوا الأوثان، وتمسكوا بما عرفوا من ملامح الشريعة الإبراهيمية كالصلاة والحج والتأمل في الكون والغسل والختان واجتناب الخمر والميتة وما ذبح للأصنام.
    وكان من بين هؤلاء الذين قاموا يتتبعون آثار إبراهيم u من العرب: زيد بن عمرو بن نفيل كان حنيفيا وقد مات قبل بعثة محمدr برسالة الإسلام، وقس بن ساعدة الإيادي وهو كذلك حنيفي مات قبل البعثة الشريفة، وأبو قيس صرمة بن الأسلت وقد كان حنيفيا طلب الإسلام فأدركه ومات قبل أن يسلم. وأبو ذر الغفاري قيل إنه كان حنيفيا قبل أن يسلم. فهؤلاء نموذج من جملة الذين قاموا يبحثون عن دين إبراهيم فأخذوا بما وصلهم من بقايا شريعته.
    وهناك نموذج آخر هو جماعة طلبوا ما طلبه هؤلاء، إلا أنهم لما ألْفَوا معالم الحنيفية باهتة تحولوا إلى الأخذ بغيرها من شرائع الرسل السابقين، فمن هؤلاء: ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى الذي طلب الحنيفية فتنصر ثم أسلم في مطلع البعثة قبيل وفاته على الراجح، وعثمان ابن الحويرث بن أسد بن عبد العزى فقد طلب الحنيفية فتنصر والراجح أنه مات مسلماً، وعبيد الله بن جحش بن رياب طلب الحنيفية فتنصر ثم أسلم ثم ارتد نصرانيا ومات على ذلك، وكان ممن طلبها من غير العرب سلمان الفارسي كان يطلب الدين الحق فتنصر ثم طلب الحنيفية فلما بعث محمد r أسلم معه.
    ومن الأسماء التي تُذكر في سياق من كان آخذاً بأهداب الحنيفية: خالد ابن سنان العبسي، وزهير بن أبي سلمى المزني، وعامر بن الظرب العدواني، وعبد لطابخة بن ثعلب بن وبرة من قضاعة، وعلاف بن شهاب التميمي، وكعب بن لؤي بن غالب، والنابغة الذبياني. وآخرون.
    حسان القادري

    تبدأ
    03-11-2022
    النهاية
    03-12-2022
يعمل...
X