نوس سوسيال on أبريل 10, 2023
القاهرة/ بقلم الدكتور عادل القليعي: الجدل وبناء العقل الناقد.
**المقال الأسبوعي:
للدكتور عادل القليعي
*أستاذ الفلسفة الإسلامية بآداب حلوان ورئيس قسم الفلسفة السابق.
القاهرة/ بقلم الدكتور عادل القليعي: الجدل وبناء العقل الناقد.
By نوس سوسيال on أبريل 10, 2023
المقال الأسبوعي للدكتور عادل القليعي
أستاذ الفلسفة الإسلامية بآداب حلوان ورئيس قسم الفلسفة السابق
نبدأ حديثا بطرح سؤال وسنحاول أن نجيب عليه،هذا السؤال هو،هل الفلسفة جدال؟!!
للإجابة على هذا السؤال ينبغي علينا أن نقدم تعريفا للجدل:فالجدل هو فن المحاورة وكيفية استنباط الأفكار من خلال الدخول في حوار بناء مع الآخر أيا كان موضوع المحاورة .
فقد تكون المحاورة فلسفية مع أهل الفلسفة ومحبيها،وقد يكون الحوار عقائدي حول الاعتقاد والمقارنة والمقاربة بين الأديان مثلا -بما يسمي بالمناظرات-وقد يكون الحوار ثقافي بين الأدباء أو النثار أو الشعراء-كما يحدث في الصالونات الثقافية -من خلال عرض قصة قصيرة أو ديوان شعري،أو تحليل كتاب حتى-وقد يكون الحوار على مستوى جماهيري عامي -كأن يتحاور مجموعة من عوام الناس مع بعضهم البعض حول مشكلة من المشكلات العامة -كمشكلة البطالة أو الأزمات الاقتصادية والمشكلات الإجتماعية كمشكلة العنوسة وعزوف كثير من الشباب عن الزواج.
وقد يكون الحوار علي مستوى محدود،أي عن طريق عقد ندوة محدودة العدد،يلقي المتحاور بكلمته أو يطرح فكرته ثم تدور بينه وبين الحضور نقاشات كثيرة.
وقد يكون الحوار على مستوي واسع كما يحدث في الملتقيات والمؤتمرات الثقافية كملتقي الشباب الذي يطرح قضايا الشباب ويناقش همومهم ويدور الحوار بطريقة منتظمة عن طريق عرض الرأي وقبول الرأي الآخر -وقد يكون علي مستوي أسري بين الزوج وزوجته،أو بين الزوج وأبنائه.
وهذا ما يمكننا أن نطلق – إن جاز لنا-نطلق عليه الجدل البناء الذي يعتمد على فرضيات ومقدمات تخضع للمناقشة من أجل الوصول إلي نتائج تفيدنا في واقعنا المعاصر على كافة الأصعدة والمستويات سواء السياسية أو الاقتصادية أو العلمية أوالثقافية أوالاجتماعية وهذا بدوره يؤدي إلى نهضة شاملة نحلم ونصبو إليها دوما.
إذن الجدل البناء المنهجي هو الذي يقودنا إلى الوصول إلى نتائج من الممكن من خلال مناقشتها مناقشة موضوعية نصل إلى غاية مرامنا،فالجدل هنا المقصود به الحوار وهذا لامندوحة عنه فجميعنا يقبله دون إفراط أو تفريط ،وهذا من وجهة نظري هو الجدال المحمود.
أما الجدل المرذول فهو الجدل المذهبي الذي يقوم على اللاوعي واللامبالاة والتعصب الأعمى البغيض لفكرة ما أو لمذهب ديني ما كما رأينا ذلك عند غلاة بعض الفرق الكلامية، يدخلون في مناقشات ومحاورات مذهبية لا طائل من وراءها اللهم إلا إثارة الفتنة بين الناس ولا تخرج من حواراتهم إلا بالتعصب الأعمى .
وهو ما يحدث الآن من جدالات قد تستمر طويلا بين أنصار الجماعات المتطرفة فكريا التي ترمي وتتهم الناس بالكفر بل ويصل بهم المدى إلى استباحة دم من يناقشهم بعد اتهامه بالكفر. لماذا؟!
لأنه لم يسايرهم ويتماشى مع مذهبهم كالجماعات التكفيرية الذين زعموا أنهم حماة الدين وحراس العقيدة وأنك اذا دخلت معهم في مناظرة دقيقة وموضوعية تعتمد على الفكر الحر المستنير تجد هؤلاء يلوون عنق النصوص الدينية من أجل إثبات وجهة نظرهم وتبديع وتكفير الآخر.
وهؤلاء في الحقيقة لا علم لهم ولا حتى فهم دقيق لفحوي النصوص اللهم إلا اعتمادهم علي قراءة بعض الكتب المسمومة التي تدعو إلى التطرف،مثل هؤلاء لا طائل من وراء مناقشتهم اللهم إلا النصب والتعب ومضيعة الوقت.
وكما يحدث بين الشباب وخصوصا شباب الجامعات من سجالات ومجادلات فى محاضراتهم مع اساتذتهم كأن يقوم الأستاذ بإلقاء محاضرته وفجأة يقاطعه الشباب بسؤال لا يمت من قريب ولا من بعيد للموضوع محل المحاضرة أو حتي يكون له علاقة لكن لايناقش مناقشة موضوعية بناءة وعليه أن يترك الجدال فورا.
فهذا الجدل لا ينتج عنه إلا جدلا وقد يثير بلبلة في المحاضرة وتشويش فكري لكل الحضور،فهل نتركه يستمر أم نوقفه. ؟!
أرى أن نوقفه فورا،فهذا هو الجدل من أجل الجدل أو إن شئت قل جدل لا عائد ولا طائل من وراءه إلا الظهور أمام الحضور وإثبات الذات،-وليس هذا إثبات للذات بل هو اهدار لها.
وقد يتهمك الحضور بالغباء أو بلفظ مهذب بالخواء الفكري والعبث والفوضي.
وهذا ما لانرضاه لشبابنا لماذا لأننا نهذب العقول ونهذب الأفكار حتى نستخلص منتج فكري راق يتناسب ويتماشي مع عصرنا الذي نحياه.
إذا نظرناوأمعنا النظر في تاريخ الجدل فمنذ بدء الخليقة حدث جدال طويل بين الأخوين هابيل وقابيل وانته الأمر إلى أن يقتل الأخ أخاه.
وكذلك إذا استعرضنا تاريخ الفكر الفلسفي سنجد سقراط مارس الجدل مع السوفسطائية مستخدما منهجيته المشهورة التهكم والتوليد من أجل كشف أغاليط السوفسطائية وتنوير عقول الشباب الأثيني .
وكذلك استخدم أفلاطون جدلية العلاقة بين عالم المثل وعالم المحسوس من أجل تطبيق مثال الحق والخير والجمال على الواقع .
وأيضا أرسطو استخدم الجدل مع رأس من رؤوس السفسطائية ألا وهو اقراطليوس الذي ادعي مثلما فعل جورجياس أنه لا يوجد شيئ حقيقي علي الإطلاق ودخل معه أرسطو في حوار صامت من جانب هذا الرجل ،ناطق من جانب أرسطو واكتفي الأول بتحريك إصبعه منكرا أن يكون هناك شيئ حقيقي بإشارة لا،ورد أرسطو عليه أنك مجرد أن تحرك إصبعك مشيرا به دليل على أنك موجود.
كذلك استخدم الإمام الغزالي الجدل مع بعض فلاسفة الاسلام في قضاياه المشهورة ،انكار البعث،قدم العالم ،وعلم الله بالكليات،ليس هذا وحسب بل وتكفيره إياهم.
وهذا ما أرفضه رفضا تاما فليس ثم أحد يمتلك سلاح التكفير ولاينبغي أن نكفر أحدا من أهل القبلة مهما اختلفنا معه في الرأى.
أيضا استخدم هيجل الجدل فى الوصول إلى المطلق (الله) ،وكذلك استخدمه اسبينوزا في نقده لفكرة وحدة الوجود عند محي الدين ابن عربي.
وأيضا استخدمه كانط في حديثه عن جدلية العلاقة بين المعرفة القبلية والمعرفة البعدية وكيفية الوصول إلى عالم الاشياء في ذانها والتي من خلالها نصل إلى معرفة الحق الاول.
الإنسان بطبيعته يميل إلى النقاش وإلى الجدال،حقا (وكان الانسان أكثر شيئ جدلا)،لكن لابد وإن كان حقا يبغي الوصول إلى الحق الذي يطمئن معه العقل وتهدأ به النفس عليه أن يناقش مناقشات موضوعية طارحا خلفه ما يدفعه دفعا إلى العود القهقري إلى الخلف.
نابذا التطرف الفكري والنزعات العنصرية التي تجعله يجنح جنوحا إلى جدل عقيم لايسمن ولا يغني من جوع ،جدلا أجوف يميل إلي السفسطة وقلب الحقائق ومجانبة الصواب.
وقد ظهر ذلك واضحا جليا من خلال حوارات السفسطائية قديما ،وكذلك من شبهات بعض المستشرقين وافتراءاتهم علي الحضارة الشرقية والحضارة الاسلامية والعربية علي وجه الخصوص ، وجدلهم العقيم الذي إن دل على شيئ فإنما يدل على فقدان الأرضية الحقيقية لبناء فكر صائب يستفيد منه الجميع.
فكر تحيا به الإنسانية وتسعد به وتهنأ ،والأمثلة على ذلك كثير وجورج سل ليس منا ببعيد في جدله حول القرآن الكريم وأنه من صنع البشر.
ألفه محمد ،صلى الله عليه وسلم ، وكذلك جدليته حول ترجمة القرآن وأن إحدى آياته المحكمة نزلت لأهل مكة وهي قول الله تعالي (يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا).
نقول لهذا ولأمثاله (هل عندكم من علم فتخرجوه لنا)،نحاججكم ونقارعكم ونجادلكم الرأى بالرأى والحجة بالحجة ونقارعكم الدليل بالدليل،فلايرد على الجدل العقيم بجدل عقيم مثله بل نرد بمنطق العقل القائم علي مقدمات نستخلص من خلالها نتائج تفيد واقعنا المعيش.
عادل القليعي القاهرة