ابن حمديس الصقلّي Ibn Hamdis as-Siqilli شاعر مبدع

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ابن حمديس الصقلّي Ibn Hamdis as-Siqilli شاعر مبدع

    حمديس صقلي

    Ibn Hamdis as-Siqilli - Ibn Hamdis as-Siqilli

    ابن حمديس الصقلّي
    (447-527هـ/1055-1133م)

    عبد الجبار بن أبي بكر بن محمد بن حمديس، شاعر مبدع. ولد في مدينة سرقوسة أجمل مدن الساحل الشرقي لصقلية، وهو عربي ينتمي إلى قبيلة الأزد لكنه لم يفتخر بهذا النسب بل افتخر بأنه من «بني الثغر» اعتزازاً بوطنه الذي نشأ فيه أكثر من اعتزازه بالقبيلة.
    نشأ في بيئة محافظة لها اتصال بالثقافة الدينية والطبية والأدبية وفي محيط أسرة متديّنة عُرف منها جدّه وأبوه بالتقى، فتزود بثقافة تنامت وتعمَّقت وصُقلت مع الأيام وشملت العروض والنحو والتاريخ وطبائع الحيوان.
    عرف ابن حمديس لهو الشباب وشرب الخمر والحب والفتك، وشارك في بعض الغزوات في إيطالية، وذهب وهو في سن العشرين إلى صحراء إفريقية مُستجلياً الحياة فيها مصاحباً العرب ورفيقاً للسيف وبقي فيها مدة ثم عاد، وهنا تبدت عنده أولى مشاعر الحنين إلى وطنه فقال:
    مالي أطيلُ إلى الديارِ تغرّباً
    أفِبالتغرب كان طالع مولدي
    وكانت نشأة ابن حمديس في صقلية، في حقبة سيطر الروم فيها على البحر المتوسط وغدا سفر البحر خطرا،ً وكثرت فيها الإغارات المتضادة بين العرب الصقليين وبين الروم في البر الإيطالي، مما أشاع في الجزيرة جواً من القلق والترقب ودفع كثيراً من الصقليين إلى الهجرة إلى مصر وقليلاً إلى الأندلس. وغَلَبَ الشاعر ابن حمديس طموحه ورغبة السفر والهجرة فاتجه إلى الأندلس مجذوباً بسحرها، وفضلها على القيروان التي ضربتها قبائل العرب الهلالية وقضت فيها على سلطان المعز بن باديس من بني زيري، فتشتت شعراء القيروان وأدباؤها في كل اتجاه.
    وقد يكون سحر بلاط المعتمد بن عباد في إشبيلية حينئذ ومكانة الأدب فيه واستشرافه مستقبلاً لامعاً في محيطه، من أسباب إقدام الشاعر على الهجرة، وقد تألم لفراق أهله ووداعهم وتملَّكه إحساس خفي بتخليه عن الوطن وأورثه شعوراً بالذنب ظل يَخِزُه عمره.
    وكان الشاعر في الرابعة والعشرين في ريعان الشباب حين هاجر، وتختزن ذاكرته ضروباً من الذكريات ظلت زاداً لنفسه الحالمة بالعودة إلى وطنه الجميل ذي الطبيعة الخلابة، والنازعة إلى عهد الشباب المتوثب الحافل بالتجارب،ولقي في الأندلس المعتمد ابن عباد ونال استحسانه وعطاياه، واستغرقته الحياة الأندلسية بعض الاستغراق، وصار يرتاد مجالس الشراب والرقص،وكان الشاعران غالب ابن رباح المشهور بالحجّام وعبد الله بن مالك القرطبي من أقرب الشعراء إليه، وأطال المدائح في المعتمد وفي ابنه الرشيد، مشيداً بجهاده وشجاعته وبالنصر خاصة في معركة الزلاقة الشهيرة (479هـ/1086م) بين المرابطين والأندلسيين من جهة وبين نصارى الإسبان من جهة ثانية.
    حَمَيْتَ حمى الإسلام إذ ذُدْتَ دونه
    هزبراً ورشَّحت الرشيد له شبلاً
    وحقق ابن حمديس المال والشهرة وانسجم مع جمال بيئة الأندلس الشبيهة ببيئة صقلية، بيد أنه ظل يتتبع أخبار صقلية وجهاد أهليها ويدعو إلى التمسك بالوطن ويذم الغربة.
    ولله أرضٌ إن عَدِمتم هواءها
    فأهواؤكم في الأرض منثورةُ النظم
    وعزّكم يفضي إلى الذل والنوى
    من البَيْن ترمي الشمل منكم بما ترمي
    فإنَّ بلاد الناس ليست بلادكم
    ولا جارها والخِلْم كالجار والخِلم
    (الخِلم: الصديق الخالص)
    وقد أسي على وطنه وانتحب بعد سقوط سرقوسة بيد الروم وصار يائساً
    لقد رّتُ أرضي أن تعود لقومها
    فساءت ظنوني ثم أصبحت يائساً
    صقلية كادَ الزمانُ بلادَها
    وكانت على أهلِ الزمانِ محارسا
    وتوالت على ابن حمديس الحوادث المؤلمة، منها أخبار صقلية المحزنة وغرق القائد الصقلي الشجاع ابن عباد، وموت والده الذي حضه على البر وعمل الخير وموت أقربائه وأصدقائه في الحروب
    ووقعت على الشاعر الضربتان القاصمتان، فقد سقطت سائر صقلية بيد الروم، وأطاح يوسف بن تاشفين المرابطي، بالمعتمد بن عباد، ملك إشبيلية وصديق ابن حمديس، بعد معركة الزلاقة وسجنه في أغمات بإفريقية، فتردد الشاعر على ابن عباد في محبسه وفاءً ورثى أيامه وغادر الأندلس إلى إفريقية، فأقام فيها ما يزيد على نصف عمره منتقلاً بين بلدان كثيرة منها (أغمات، سلا، المهدية، بجاية، بونة، قابس، سفاقس، ميورقة، سبتة) يمدح ليعيش ويستشعر الإقلال.
    اتصل ابن حمديس ببني زيري في تونس وجوارها، وأقبل على تميم بن المعز ثم ابنه يحيى وبعده على علي والحسن من أمرائهم. ولما اضطربت الأحوال ببني زيري اتصل بأقربائهم بني حماد في بجاية (الجزائر) وبني خراسان وأخيراً ببني حمدون وزراء بني زيري في بجاية.
    وفي هذه المدينة مات محزوناً بعد أن بلغ الثمانين وأقلع عن الشراب وفقد بصره وماتت زوجته أم ولديه أبي بكر وعمر وماتت ابنته، وكانت شعلة شاعريته وحنينه إلى صقلية قد تناقصتا وقتئذ.
    يعد ابن حمديس من أهم شعراء الأندلس والمغرب في عصره ومن أكثرهم نجاحاً في التعبير عن الطبيعتين الجميلتين الرقيقتين العذبتين الصقلية والأندلسية. ففي صقلية يقول:
    بلداً أعارتها الحمامَةُ طوقَها
    وكساها حلَّةَ ريشه الطاووسُ
    وكأنَّ هاتيكَ الشقائقَ قهوةٌ
    وكأنَّ ساحاتِ الديارِ كؤوسُ
    ولابن حمديس ديوان شعر أكثره جيد، وقد أثنى على شاعريته ابن بسام في كتابه الذخيرة «شاعر ماهر يقرطس أغراض المعاني البديعة ويعبر عنها بالألفاظ النفيسة الرقيقة ويتصرف في التشبيه ويغوص في بحر الكلام على درّ المعنى الغريب».
    وتتوقد شاعريته عندما يلامس وصف الطبيعة أو الحنين إلى الوطن المفقود.
    ولو أن أرضي حرّةٌ لاتَّبعتها
    بعزم يقدُّ السير ضربة لازبِ
    ولكن أرضي لا عدمتُ فكاكَها
    من الأسر في أيدي العلوج الغواصبِ
    وله في مجال الحكمة أشعار كثيرة منها:
    أمْطَتْكَ همّتُك العزيمة فاركب
    لا تلقينّ عصاك دون المطلب
    مَنْ سالَم الضعفاء راموا حربه
    فالبس لكل الناس شكةَ َمحرَبِ
    لا يكذب الإنسان رائدُ عقله
    فامرر تُمجَّ وكن عذوباً تُشرَب
    وعفَّ ابن حمديس عامداً عن الهجاء وقال:
    ولَرُبَّ محتقَرٍ تركت جوابه
    والليث يأنف عن جواب الثعلبِ
    إني لأغمد من لساني مُنْصلاً
    لو شئت صمّم وهو دامي المضربِ
    حمديس صقلي

    Ibn Hamdis as-Siqilli - Ibn Hamdis as-Siqilli

    ابن حمديس الصقلّي
    (447-527هـ/1055-1133م)

    عبد الجبار بن أبي بكر بن محمد بن حمديس، شاعر مبدع. ولد في مدينة سرقوسة أجمل مدن الساحل الشرقي لصقلية، وهو عربي ينتمي إلى قبيلة الأزد لكنه لم يفتخر بهذا النسب بل افتخر بأنه من «بني الثغر» اعتزازاً بوطنه الذي نشأ فيه أكثر من اعتزازه بالقبيلة.
    نشأ في بيئة محافظة لها اتصال بالثقافة الدينية والطبية والأدبية وفي محيط أسرة متديّنة عُرف منها جدّه وأبوه بالتقى، فتزود بثقافة تنامت وتعمَّقت وصُقلت مع الأيام وشملت العروض والنحو والتاريخ وطبائع الحيوان.
    عرف ابن حمديس لهو الشباب وشرب الخمر والحب والفتك، وشارك في بعض الغزوات في إيطالية، وذهب وهو في سن العشرين إلى صحراء إفريقية مُستجلياً الحياة فيها مصاحباً العرب ورفيقاً للسيف وبقي فيها مدة ثم عاد، وهنا تبدت عنده أولى مشاعر الحنين إلى وطنه فقال:
    مالي أطيلُ إلى الديارِ تغرّباً
    أفِبالتغرب كان طالع مولدي
    وكانت نشأة ابن حمديس في صقلية، في حقبة سيطر الروم فيها على البحر المتوسط وغدا سفر البحر خطرا،ً وكثرت فيها الإغارات المتضادة بين العرب الصقليين وبين الروم في البر الإيطالي، مما أشاع في الجزيرة جواً من القلق والترقب ودفع كثيراً من الصقليين إلى الهجرة إلى مصر وقليلاً إلى الأندلس. وغَلَبَ الشاعر ابن حمديس طموحه ورغبة السفر والهجرة فاتجه إلى الأندلس مجذوباً بسحرها، وفضلها على القيروان التي ضربتها قبائل العرب الهلالية وقضت فيها على سلطان المعز بن باديس من بني زيري، فتشتت شعراء القيروان وأدباؤها في كل اتجاه.
    وقد يكون سحر بلاط المعتمد بن عباد في إشبيلية حينئذ ومكانة الأدب فيه واستشرافه مستقبلاً لامعاً في محيطه، من أسباب إقدام الشاعر على الهجرة، وقد تألم لفراق أهله ووداعهم وتملَّكه إحساس خفي بتخليه عن الوطن وأورثه شعوراً بالذنب ظل يَخِزُه عمره.
    وكان الشاعر في الرابعة والعشرين في ريعان الشباب حين هاجر، وتختزن ذاكرته ضروباً من الذكريات ظلت زاداً لنفسه الحالمة بالعودة إلى وطنه الجميل ذي الطبيعة الخلابة، والنازعة إلى عهد الشباب المتوثب الحافل بالتجارب،ولقي في الأندلس المعتمد ابن عباد ونال استحسانه وعطاياه، واستغرقته الحياة الأندلسية بعض الاستغراق، وصار يرتاد مجالس الشراب والرقص،وكان الشاعران غالب ابن رباح المشهور بالحجّام وعبد الله بن مالك القرطبي من أقرب الشعراء إليه، وأطال المدائح في المعتمد وفي ابنه الرشيد، مشيداً بجهاده وشجاعته وبالنصر خاصة في معركة الزلاقة الشهيرة (479هـ/1086م) بين المرابطين والأندلسيين من جهة وبين نصارى الإسبان من جهة ثانية.
    حَمَيْتَ حمى الإسلام إذ ذُدْتَ دونه
    هزبراً ورشَّحت الرشيد له شبلاً
    وحقق ابن حمديس المال والشهرة وانسجم مع جمال بيئة الأندلس الشبيهة ببيئة صقلية، بيد أنه ظل يتتبع أخبار صقلية وجهاد أهليها ويدعو إلى التمسك بالوطن ويذم الغربة.
    ولله أرضٌ إن عَدِمتم هواءها
    فأهواؤكم في الأرض منثورةُ النظم
    وعزّكم يفضي إلى الذل والنوى
    من البَيْن ترمي الشمل منكم بما ترمي
    فإنَّ بلاد الناس ليست بلادكم
    ولا جارها والخِلْم كالجار والخِلم
    (الخِلم: الصديق الخالص)
    وقد أسي على وطنه وانتحب بعد سقوط سرقوسة بيد الروم وصار يائساً
    لقد رّتُ أرضي أن تعود لقومها
    فساءت ظنوني ثم أصبحت يائساً
    صقلية كادَ الزمانُ بلادَها
    وكانت على أهلِ الزمانِ محارسا
    وتوالت على ابن حمديس الحوادث المؤلمة، منها أخبار صقلية المحزنة وغرق القائد الصقلي الشجاع ابن عباد، وموت والده الذي حضه على البر وعمل الخير وموت أقربائه وأصدقائه في الحروب
    ووقعت على الشاعر الضربتان القاصمتان، فقد سقطت سائر صقلية بيد الروم، وأطاح يوسف بن تاشفين المرابطي، بالمعتمد بن عباد، ملك إشبيلية وصديق ابن حمديس، بعد معركة الزلاقة وسجنه في أغمات بإفريقية، فتردد الشاعر على ابن عباد في محبسه وفاءً ورثى أيامه وغادر الأندلس إلى إفريقية، فأقام فيها ما يزيد على نصف عمره منتقلاً بين بلدان كثيرة منها (أغمات، سلا، المهدية، بجاية، بونة، قابس، سفاقس، ميورقة، سبتة) يمدح ليعيش ويستشعر الإقلال.
    اتصل ابن حمديس ببني زيري في تونس وجوارها، وأقبل على تميم بن المعز ثم ابنه يحيى وبعده على علي والحسن من أمرائهم. ولما اضطربت الأحوال ببني زيري اتصل بأقربائهم بني حماد في بجاية (الجزائر) وبني خراسان وأخيراً ببني حمدون وزراء بني زيري في بجاية.
    وفي هذه المدينة مات محزوناً بعد أن بلغ الثمانين وأقلع عن الشراب وفقد بصره وماتت زوجته أم ولديه أبي بكر وعمر وماتت ابنته، وكانت شعلة شاعريته وحنينه إلى صقلية قد تناقصتا وقتئذ.
    يعد ابن حمديس من أهم شعراء الأندلس والمغرب في عصره ومن أكثرهم نجاحاً في التعبير عن الطبيعتين الجميلتين الرقيقتين العذبتين الصقلية والأندلسية. ففي صقلية يقول:
    بلداً أعارتها الحمامَةُ طوقَها
    وكساها حلَّةَ ريشه الطاووسُ
    وكأنَّ هاتيكَ الشقائقَ قهوةٌ
    وكأنَّ ساحاتِ الديارِ كؤوسُ
    ولابن حمديس ديوان شعر أكثره جيد، وقد أثنى على شاعريته ابن بسام في كتابه الذخيرة «شاعر ماهر يقرطس أغراض المعاني البديعة ويعبر عنها بالألفاظ النفيسة الرقيقة ويتصرف في التشبيه ويغوص في بحر الكلام على درّ المعنى الغريب».
    وتتوقد شاعريته عندما يلامس وصف الطبيعة أو الحنين إلى الوطن المفقود.
    ولو أن أرضي حرّةٌ لاتَّبعتها
    بعزم يقدُّ السير ضربة لازبِ
    ولكن أرضي لا عدمتُ فكاكَها
    من الأسر في أيدي العلوج الغواصبِ
    وله في مجال الحكمة أشعار كثيرة منها:
    أمْطَتْكَ همّتُك العزيمة فاركب
    لا تلقينّ عصاك دون المطلب
    مَنْ سالَم الضعفاء راموا حربه
    فالبس لكل الناس شكةَ َمحرَبِ
    لا يكذب الإنسان رائدُ عقله
    فامرر تُمجَّ وكن عذوباً تُشرَب
    وعفَّ ابن حمديس عامداً عن الهجاء وقال:
    ولَرُبَّ محتقَرٍ تركت جوابه
    والليث يأنف عن جواب الثعلبِ
    إني لأغمد من لساني مُنْصلاً
    لو شئت صمّم وهو دامي المضربِ
    يوسف الأمير علي


يعمل...
X