بالرغم من الشهرة الكبيرة التي استحوذت عليها الشاعرة العربية تماضر بنت عمرو بن الحارث، المعروفة باسم الخنساء، إلا أن بعض فترات حياتها لا تزال مُحاطةً بهالة من الغموض والالتباس. اشتهرت الخنساء بشعرها المسترسل الذي رثت فيه أخاها صخر بعد وفاته. كما تميزت بكونها إحدى الشاعرات المبدعات والمخضرمات اللواتي عشن في الجاهلية والإسلام. تحدثت بعض المصادر التاريخية عن استشهاد أربعة من أبناء الخنساء في معركة القادسية في السنة الخامسة عشر من الهجرة، ويتساءل كثر من الباحثين عن سبب عدم قيام الخنساء برثاء أبنائها مطلقاً.
يرى البعض أن قصة استشهاد أبناء الخنساء، مجرد قصة مُلفقة غير صحيحة، وأن بعض المتعصبين من أهل السنة قد اخترعوها للتغطية على حادثة مقتل أبناء السيدة أم البنين، زوجة علي بن أبي طالب، في معركة كربلاء سنة 61 هـ. من هي الخنساء؟ ومن هي أم البنين؟ ولماذا يربط البعض بين المرأتين؟
الخنساء: أشهر الشاعرات
هي تماضر بنت عمرو بن الحارث السلمية، وتذكر المصادر التاريخية أنها لُقّبت بالخنساء بسبب ارتفاع أرنبتي أنفها. عُرفت الخنساء بكونها واحدة من أشهر الشاعرات اللواتي ظهرن في الفترة المتأخرة من الجاهلية، كما أنها عاصرت السنوات الأولى من الدعوة المحمدية. وتحكي بعض الأخبار أنها وفدت على النبي مع قومها من بني سليم، في السنة الثامنة من الهجرة، وأن النبي كان يستنشدها ويعجبه شعرها، فكانت تنشد وهو يقول: هيه يا خنساء!
كانت القصائد التي أنشدتها الخنساء في رثاء أخويها صخر ومعاوية، من أشهر قصائدها على الإطلاق. على سبيل المثال قالت الخنساء في رثاء أخيها صخر:
أَعَــيْــنَــيَّ جُـودَا وَلَا تَـجْـمُـدَا/ أَلَا تَــبْـكِـيَـانِ لِـصَـخْـرِ الـنَّـدَى
أَلَا تَـبْـكِـيَـانِ الْـجَرِيءَ الْجَمِيعَ/ أَلَا تَـبْـكِـيَـانِ الْـفَـتَـى الـسَّـيِّدَا
رَفِـيـعَ الْـعِـمَـادِ طَـوِيـلَ الـنِّجَا/ دِ سَـــادَ عَـــشِــيــرَتَــهُ أَمْــرَدَا.
وكذلك أنشدت في رثاء أخيها معاوية:
أَلا لا أَرى في الناسِ مِثلَ معاوية/ إِذا طَرَقَت إِحدى اللَيالي بِداهِيَة.
تذكر المصادر التاريخية أن الخنساء تزوجت مرتين. في المرة الأولى من عبد العزى السلمي، وأنجبت منه ابنها أبا شجرة بن عبد العزى، ثم فارقت عبد العزى وتزوجت مرة أخرى من مرداس بن أبي عامر السلمي، فولدت منه العباس، وزيد، ومعاوية، وبنتاً اسمها عمرة. توفيت الخنساء على أرجح الأقوال وقد ناهزت السبعين عاماً في زمن خلافة عثمان بن عفان، وتحديداً في السنة الرابعة والعشرين من الهجرة.
أم البنين: زوجة علي بن أبي طالب
هي فاطمة بنت حزام الكُلّابيّة، وُلدت في السنة الخامسة للهجرة على أرجح الروايات. وتذكر المصادر أن علي بن أبي طالب قد تزوج بها عقب وفاة السيدة فاطمة الزهراء ببضعة شهور. وقيل إنه لما أراد الزواج، سأل أخاه عقيل عمن يتزوج، فرشحها عقيل له، وقال: "ليس في العرب أشجع من آبائها ولا أفرس".
يذكر الشيخ نعمة هادي الساعدي، في كتابه "أم البنين رائدة الجهاد في الإسلام"، أن أم البنين قد رأت في منامها رؤيا تبشرها بزواجها من الخليفة الرابع، وتعدها بأنها ستنجب منه أربعة من الأبناء، وذلك عندما رأت و"كأن القمر قد سقط في حجرها ومعه ثلاثة كواكب". وستفسّر تلك الرؤيا في ما بعد بأن القمر هو ابنها العباس، أما الكواكب الثلاثة فهم أبناؤها جعفر، وعثمان، وعبد الله.
تؤكد المصادر الشيعية على حسن معاملة أم البنين للحسن والحسين، ابني علي بن أبي طالب. وتذكر بعض الروايات مبالغتها في الإشفاق عليهما، حتى أنها قد طلبت من زوجها ألا يناديها باسمها، فاطمة، خوفاً من الحزن الذي يصيب الحسن والحسين عند ذكر اسم أمهما الراحلة. ولذلك اعتاد زوجها أن يناديها بكنيتها أم البنين. ولدت فاطمة بنت حزام لعلي بن أبي طالب، أربعة من الأبناء هم العباس وجعفر وعبد الله وعثمان. ورفضت الزواج مرة أخرى بعد مقتل علي بن أبي طالب على يد عبد الرحمن بن ملجم المرادي في سنة 40 هـ.
تحظى أم البنين بمقام رفيع في الذاكرة الشيعية على وجه الخصوص، وينظر إليها السواد الأعظم من الشيعة على أنها باب الحوائج الذي يقصدونه لإجابة مطالبهم، كما يعدونها واحدة من أعظم النساء اللواتي عاصرن الفترة المبكرة من الإمامة. يظهر ذلك التقدير في وصف محمد بن مكي العاملي الجزيني، المعروف بالشهيد الأول، لها بقوله: "كانت أم البنين من النساء الفاضلات، العارفات بحق أهل البيت، مخلصةً في ولائهم، ممحضة في مودتهم، ولها عندهم الجاه الوجيه، والمحل الرفيع....". تختلف الأقوال في توقيت وفاة أم البنين، والأرجح أنها توفيت في سنة 64 هـ، وأنها قد دفنت في منطقة البقيع في المدينة المنورة.
هل لعبت السياسة دوراً في المزج بين الشخصيتين؟
على الرغم من الاختلاف الكبير بين شخصيتي الخنساء وأم البنين، إلا أن هناك ملمحاً مشتركاً بينهما، إذ تحدثت المصادر التاريخية عن أن كلاً منهما قد قدمت أبناءها الأربعة، بطيب خاطر، للموت في سبيل الدفاع عن العقيدة والإيمان.
في ما يخص الخنساء، وردت قصة استشهاد أبنائها الأربعة في العديد من المصادر، ومنها على سبيل المثال كتاب "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" لابن عبد البر. جاء في هذا الكتاب أن الخنساء صحبت أبناءها الأربعة إلى أرض المعركة في موقعة القادسية في السنة الخامسة عشر من الهجرة، وأنها قد شجعتهم على خوض المعركة، وقالت لهم: "يا بنيّ إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين ووالله الذي لا إله إلا هو إنكم بنو رجل واحد، كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم ولا هجنت حسبكم ولا غبرت نسبكم وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين. واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية، يقول الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون". فإذا أصبحتم غداً إن شاء الله سالمين، فاغدوا إلى قتال عدوّكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها واضطرمت لظى على سياقها وجللت ناراً على أوراقها فتيمّموا وطيسها وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة....
تذكر القصة أن الخنساء انتظرت حتى انتهت المعركة وانتصر المسلمون، ولما عرفت بأن أبناءها الأربعة قد قتلوا في القتال، لم تجزع ولم تبكِ، ولكنها احتسبتهم شهداء عند ربهم، وصبرت في جلد تُحسد عليه.
أما في ما يخص أم البنين، فذكرت المصادر الشيعية أنها -أي أم البنين- قد شجعت أبناءها الأربعة؛ العباس، وعبد الله، وجعفر، وعثمان، على الخروج بصحبة أخيهم الحسين بن علي في طريقه إلى أرض العراق. كما أنها حرّضتهم على القتال في سبيل الدفاع عنه.
تتفق الروايات الشيعية على أن أم البنين لم تجزع لما عرفت بخبر مقتل أبنائها الأربعة بصحبة الحسين في أرض الطف في العاشر من محرم سنة 61 هـ، وعلى أنها لم تبكِ إلا لما عرفت بمقتل الحسين.
يقول محمد رضا المامقاني، في كتابه "تنقيح المقال في علم الرجال"، إنه لما جاء خبر مذبحة كربلاء لأم البنين فإنها خرجت لتعرف خبر الحسين ومن خرج معه من أولادها، فسألت أولاً عن مصير حفيد النبي، فأخبرها الرسول بمصير أبنائها واحداً بعد آخر، ثم حدثها عن مقتل الحسين، فقالت عندها: "يا هذا قطعت نياط قلبي، أولادي ومَن تحت الخضراء كلهم فداء لأبي عبد الله الحسين عليه السلام".
تتفق الروايات الشيعية على أن أم البنين كانت تخرج إلى البقيع كل يوم، فتبكي وترثي أولادها الذين قتلوا في أرض كربلاء. وفي الكثير من الأحيان كان الناس يتجمعون حولها، فيأسفون على حالها ويشفقون عليها ويستذكرون معها مصاب آل بيت النبي. وذكرت بعض المراجع أن والي المدينة الأموي مروان بن الحكم، كان يشفق عليها كلما سمع رثاءها لأبنائها. في هذا السياق، يذكر السيد محسن الأمين في كتابه "أعيان الشيعة"، بعض الأبيات الموجعة المنسوبة إلى أم البنين، ومنها:
لا تدعونـي ويـك أم البنين/ تذكريـني بليوث العريـــن
كانـت بنون لي أدعـى بهم/ والـيوم أصبحت ولا مـــن بنين
أربعة مثل نسـور الربــى/ قد واصلوا الموت بقطع الوتين
تنازع الخرصـان أشلاءهـم/ فكلهم أمسى صــريعـاً طعيـن
يا ليـت شعري أكما أخبروا/ بـــــأن عباس قطيــع اليــــمـين!
في الحقيقة، يرى البعض أن مقتل أبناء الخنساء في معركة القادسية مجرد قصة مكذوبة لا أصل لها. ويعتقد أصحاب ذلك الرأي بأن الرواة والإخباريين المدعومين من قِبل السلطة الأموية قد اختلقوا تلك القصة في سبيل التغطية على قصة استشهاد أبناء أم البنين، خصوصاً أن ذكرى فاجعة كربلاء كانت قد استشرت بين الناس في كل مكان، وصارت وصمة عار على جبين السلطة الأموية.
هناك بعض الشواهد والقرائن التي قد تُرجح كذب قصة استشهاد أبناء الخنساء الأربعة في أرض المعركة، ومن أهمها أن السيرة المبكرة لأبناء الخنساء لا تتماشى، على الإطلاق، مع ما نسب إليهم من موقف بطولي يوم معركة القادسية. على سبيل المثال تذكر المصادر التاريخية أن الابن الأكبر للخنساء، المعروف باسم أبي شجرة، قد ارتد بعد وفاة النبي وقاتل المسلمين بضراوة، ويذكر ابن الأثير المتوفى سنة 630 هـ، في كتابه "الكامل في التاريخ"، أن ابا شجرة كان يشجّع على القتال ضد المسلمين، وأنه كان ينشد:
أعمرا.
بعد هزيمته أمام خالد بن الوليد، رجع أبو شجرة إلى اعتناق الإسلام مرة أخرى، وقدِم على الخليفة الثاني عمر بن الخطاب في المدينة، فسأله أن يعطيه الأموال والعطايا فلما رفض عمر ونهره، أنشد أبو شجرة قائلاً:
ضنّ علينا أبو حفصٍ بنائله/وكل مختبطٍ يوماً له ورق.
يرى البعض أن قصة استشهاد أبناء الخنساء، مجرد قصة مُلفقة غير صحيحة، وأن بعض المتعصبين من أهل السنة قد اخترعوها للتغطية على حادثة مقتل أبناء السيدة أم البنين، زوجة علي بن أبي طالب، في معركة كربلاء سنة 61 هـ. من هي الخنساء؟ ومن هي أم البنين؟ ولماذا يربط البعض بين المرأتين؟
الخنساء: أشهر الشاعرات
هي تماضر بنت عمرو بن الحارث السلمية، وتذكر المصادر التاريخية أنها لُقّبت بالخنساء بسبب ارتفاع أرنبتي أنفها. عُرفت الخنساء بكونها واحدة من أشهر الشاعرات اللواتي ظهرن في الفترة المتأخرة من الجاهلية، كما أنها عاصرت السنوات الأولى من الدعوة المحمدية. وتحكي بعض الأخبار أنها وفدت على النبي مع قومها من بني سليم، في السنة الثامنة من الهجرة، وأن النبي كان يستنشدها ويعجبه شعرها، فكانت تنشد وهو يقول: هيه يا خنساء!
كانت القصائد التي أنشدتها الخنساء في رثاء أخويها صخر ومعاوية، من أشهر قصائدها على الإطلاق. على سبيل المثال قالت الخنساء في رثاء أخيها صخر:
أَعَــيْــنَــيَّ جُـودَا وَلَا تَـجْـمُـدَا/ أَلَا تَــبْـكِـيَـانِ لِـصَـخْـرِ الـنَّـدَى
أَلَا تَـبْـكِـيَـانِ الْـجَرِيءَ الْجَمِيعَ/ أَلَا تَـبْـكِـيَـانِ الْـفَـتَـى الـسَّـيِّدَا
رَفِـيـعَ الْـعِـمَـادِ طَـوِيـلَ الـنِّجَا/ دِ سَـــادَ عَـــشِــيــرَتَــهُ أَمْــرَدَا.
وكذلك أنشدت في رثاء أخيها معاوية:
أَلا لا أَرى في الناسِ مِثلَ معاوية/ إِذا طَرَقَت إِحدى اللَيالي بِداهِيَة.
تذكر المصادر التاريخية أن الخنساء تزوجت مرتين. في المرة الأولى من عبد العزى السلمي، وأنجبت منه ابنها أبا شجرة بن عبد العزى، ثم فارقت عبد العزى وتزوجت مرة أخرى من مرداس بن أبي عامر السلمي، فولدت منه العباس، وزيد، ومعاوية، وبنتاً اسمها عمرة. توفيت الخنساء على أرجح الأقوال وقد ناهزت السبعين عاماً في زمن خلافة عثمان بن عفان، وتحديداً في السنة الرابعة والعشرين من الهجرة.
أم البنين: زوجة علي بن أبي طالب
هي فاطمة بنت حزام الكُلّابيّة، وُلدت في السنة الخامسة للهجرة على أرجح الروايات. وتذكر المصادر أن علي بن أبي طالب قد تزوج بها عقب وفاة السيدة فاطمة الزهراء ببضعة شهور. وقيل إنه لما أراد الزواج، سأل أخاه عقيل عمن يتزوج، فرشحها عقيل له، وقال: "ليس في العرب أشجع من آبائها ولا أفرس".
يذكر الشيخ نعمة هادي الساعدي، في كتابه "أم البنين رائدة الجهاد في الإسلام"، أن أم البنين قد رأت في منامها رؤيا تبشرها بزواجها من الخليفة الرابع، وتعدها بأنها ستنجب منه أربعة من الأبناء، وذلك عندما رأت و"كأن القمر قد سقط في حجرها ومعه ثلاثة كواكب". وستفسّر تلك الرؤيا في ما بعد بأن القمر هو ابنها العباس، أما الكواكب الثلاثة فهم أبناؤها جعفر، وعثمان، وعبد الله.
تؤكد المصادر الشيعية على حسن معاملة أم البنين للحسن والحسين، ابني علي بن أبي طالب. وتذكر بعض الروايات مبالغتها في الإشفاق عليهما، حتى أنها قد طلبت من زوجها ألا يناديها باسمها، فاطمة، خوفاً من الحزن الذي يصيب الحسن والحسين عند ذكر اسم أمهما الراحلة. ولذلك اعتاد زوجها أن يناديها بكنيتها أم البنين. ولدت فاطمة بنت حزام لعلي بن أبي طالب، أربعة من الأبناء هم العباس وجعفر وعبد الله وعثمان. ورفضت الزواج مرة أخرى بعد مقتل علي بن أبي طالب على يد عبد الرحمن بن ملجم المرادي في سنة 40 هـ.
تحظى أم البنين بمقام رفيع في الذاكرة الشيعية على وجه الخصوص، وينظر إليها السواد الأعظم من الشيعة على أنها باب الحوائج الذي يقصدونه لإجابة مطالبهم، كما يعدونها واحدة من أعظم النساء اللواتي عاصرن الفترة المبكرة من الإمامة. يظهر ذلك التقدير في وصف محمد بن مكي العاملي الجزيني، المعروف بالشهيد الأول، لها بقوله: "كانت أم البنين من النساء الفاضلات، العارفات بحق أهل البيت، مخلصةً في ولائهم، ممحضة في مودتهم، ولها عندهم الجاه الوجيه، والمحل الرفيع....". تختلف الأقوال في توقيت وفاة أم البنين، والأرجح أنها توفيت في سنة 64 هـ، وأنها قد دفنت في منطقة البقيع في المدينة المنورة.
هل لعبت السياسة دوراً في المزج بين الشخصيتين؟
على الرغم من الاختلاف الكبير بين شخصيتي الخنساء وأم البنين، إلا أن هناك ملمحاً مشتركاً بينهما، إذ تحدثت المصادر التاريخية عن أن كلاً منهما قد قدمت أبناءها الأربعة، بطيب خاطر، للموت في سبيل الدفاع عن العقيدة والإيمان.
في ما يخص الخنساء، وردت قصة استشهاد أبنائها الأربعة في العديد من المصادر، ومنها على سبيل المثال كتاب "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" لابن عبد البر. جاء في هذا الكتاب أن الخنساء صحبت أبناءها الأربعة إلى أرض المعركة في موقعة القادسية في السنة الخامسة عشر من الهجرة، وأنها قد شجعتهم على خوض المعركة، وقالت لهم: "يا بنيّ إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين ووالله الذي لا إله إلا هو إنكم بنو رجل واحد، كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم ولا هجنت حسبكم ولا غبرت نسبكم وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين. واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية، يقول الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون". فإذا أصبحتم غداً إن شاء الله سالمين، فاغدوا إلى قتال عدوّكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها واضطرمت لظى على سياقها وجللت ناراً على أوراقها فتيمّموا وطيسها وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة....
تذكر القصة أن الخنساء انتظرت حتى انتهت المعركة وانتصر المسلمون، ولما عرفت بأن أبناءها الأربعة قد قتلوا في القتال، لم تجزع ولم تبكِ، ولكنها احتسبتهم شهداء عند ربهم، وصبرت في جلد تُحسد عليه.
أما في ما يخص أم البنين، فذكرت المصادر الشيعية أنها -أي أم البنين- قد شجعت أبناءها الأربعة؛ العباس، وعبد الله، وجعفر، وعثمان، على الخروج بصحبة أخيهم الحسين بن علي في طريقه إلى أرض العراق. كما أنها حرّضتهم على القتال في سبيل الدفاع عنه.
تتفق الروايات الشيعية على أن أم البنين لم تجزع لما عرفت بخبر مقتل أبنائها الأربعة بصحبة الحسين في أرض الطف في العاشر من محرم سنة 61 هـ، وعلى أنها لم تبكِ إلا لما عرفت بمقتل الحسين.
يقول محمد رضا المامقاني، في كتابه "تنقيح المقال في علم الرجال"، إنه لما جاء خبر مذبحة كربلاء لأم البنين فإنها خرجت لتعرف خبر الحسين ومن خرج معه من أولادها، فسألت أولاً عن مصير حفيد النبي، فأخبرها الرسول بمصير أبنائها واحداً بعد آخر، ثم حدثها عن مقتل الحسين، فقالت عندها: "يا هذا قطعت نياط قلبي، أولادي ومَن تحت الخضراء كلهم فداء لأبي عبد الله الحسين عليه السلام".
تتفق الروايات الشيعية على أن أم البنين كانت تخرج إلى البقيع كل يوم، فتبكي وترثي أولادها الذين قتلوا في أرض كربلاء. وفي الكثير من الأحيان كان الناس يتجمعون حولها، فيأسفون على حالها ويشفقون عليها ويستذكرون معها مصاب آل بيت النبي. وذكرت بعض المراجع أن والي المدينة الأموي مروان بن الحكم، كان يشفق عليها كلما سمع رثاءها لأبنائها. في هذا السياق، يذكر السيد محسن الأمين في كتابه "أعيان الشيعة"، بعض الأبيات الموجعة المنسوبة إلى أم البنين، ومنها:
لا تدعونـي ويـك أم البنين/ تذكريـني بليوث العريـــن
كانـت بنون لي أدعـى بهم/ والـيوم أصبحت ولا مـــن بنين
أربعة مثل نسـور الربــى/ قد واصلوا الموت بقطع الوتين
تنازع الخرصـان أشلاءهـم/ فكلهم أمسى صــريعـاً طعيـن
يا ليـت شعري أكما أخبروا/ بـــــأن عباس قطيــع اليــــمـين!
في الحقيقة، يرى البعض أن مقتل أبناء الخنساء في معركة القادسية مجرد قصة مكذوبة لا أصل لها. ويعتقد أصحاب ذلك الرأي بأن الرواة والإخباريين المدعومين من قِبل السلطة الأموية قد اختلقوا تلك القصة في سبيل التغطية على قصة استشهاد أبناء أم البنين، خصوصاً أن ذكرى فاجعة كربلاء كانت قد استشرت بين الناس في كل مكان، وصارت وصمة عار على جبين السلطة الأموية.
هناك بعض الشواهد والقرائن التي قد تُرجح كذب قصة استشهاد أبناء الخنساء الأربعة في أرض المعركة، ومن أهمها أن السيرة المبكرة لأبناء الخنساء لا تتماشى، على الإطلاق، مع ما نسب إليهم من موقف بطولي يوم معركة القادسية. على سبيل المثال تذكر المصادر التاريخية أن الابن الأكبر للخنساء، المعروف باسم أبي شجرة، قد ارتد بعد وفاة النبي وقاتل المسلمين بضراوة، ويذكر ابن الأثير المتوفى سنة 630 هـ، في كتابه "الكامل في التاريخ"، أن ابا شجرة كان يشجّع على القتال ضد المسلمين، وأنه كان ينشد:
أعمرا.
بعد هزيمته أمام خالد بن الوليد، رجع أبو شجرة إلى اعتناق الإسلام مرة أخرى، وقدِم على الخليفة الثاني عمر بن الخطاب في المدينة، فسأله أن يعطيه الأموال والعطايا فلما رفض عمر ونهره، أنشد أبو شجرة قائلاً:
ضنّ علينا أبو حفصٍ بنائله/وكل مختبطٍ يوماً له ورق.