لون Color - Couleur
اللون
اللون هو ظاهرة فيزيائية للضوء، أو هو الإدراك البصري الذي يتركه الضوء عند سقوطه على العين. وهو إحساس وليس مادة ملونة ولا حتى ناتج تحليل الضوء الأبيض. إنه الإحساس المنقول إلى الدماغ المتولد من رؤية جسم ملون مضاء.
تدخل في التعريف الدقيق لّلون ثلاثة عناصر ضرورية: نظام الاستقبال المرئي- طبيعة الجسم- الإضاءة التي تضيئه. ولون جسم ما يرتبط بالضوء الذي ينيره، إذ تبدو برتقالة بنية اللون إذا أُنيرت بضوء أخضر على سبيل المثال.
أعمال نيوتن [ر]
بما أن اللون جزء من المحيط الطبيعي للإنسان لذلك كان على مر الزمان أحد موضوعات الدراسة لديه. وفي أوائل القرن الحادي عشر الميلادي أدرك ابن الهيثم [ر] أن الإبصار يحدث نتيجة انعكاس الضوء عن الأجسام إلى العين، وأن الألوان التي تُرى في الأجسام تعتمد على الضوء الذي يسقط على هذه الأجسام وعلى بعض خواص هذه الأجسام نفسها [ر: العلوم عند العرب المسلمين].
الشكل (1)
الشكل (2)
ولم تتضح الصورة تماماً حول اللون إلا عندما قام نيوتن بتنفيذ تجربته على الضوء الأبيض باستخدام الموشور. يبين (الشكل1) هذه التجربة حيث يوضع موشور على مسار حزمة ضوئية قادمة من شق موضوع أمام أشعة الشمس. ويُستقبل الضوء الناتج على لوحة. من دون الموشور تُرى بقعة بيضاء اللون؛ ولكن لدى وضع الموشور تنزاح الحزمة وتتحلل لونياً وتصبح ذات شكل مستطيل متدرج بألوان قوس قزح يسمى الطيف الشمسي: اللون البنفسجي يليه النيلي فالأزرق فالأخضر فالأصفر فالبرتقالي وأخيراً الأحمر. وهذا مبين في الشكل(2) مع منحني الحساسية الطيفية لعين الإنسان والتي يظهر فيها أن استجابة العين ليست نفسها لجميع الألوان؛ وإنما تكون عظمى عند اللون الأصفر المخضرّ ذي طول الموجة 560 نانومتراً، وتنخفض إلى جانبي هذا اللون حتى تنعدم عند الطول الموجي 400 نانومتر وما دونه و 720 نانومتراً وما فوقه.
قام نيوتن أيضاً بإجراء تجارب أخرى فأضاف موشوراً آخر إلى تجربته لتركيب المركبات اللونية للضوء الشمسي والحصول على الضوء الأبيض. كما صنع ما يسمى قرص نيوتن؛ فوضع شرائح الألوان قطرياً على قرص دائري وقام بتدويره فحصل على شكل آخر لتركيب اللون الأبيض من مكوناته.
أعمال يونغ وماكسويل والنظريات اللونية
إن عين الإنسان ليست قادرة فقط على التحسس لألوان الطيف وإنما هي قادرة كذلك على تمييز عدد كبير من الألوان المختلفة. ولما كان من المستحيل وجود عدد هائل من المستقبلات المختلفة في شبكية عين الإنسان للقيام بذلك؛ فقد رأى يونغ Young عام 1801 أن الشبكية يجب أن تحوي ثلاثة أنواع من العناصر المستقبلة الحساسة للألوان الأحمر والأخضر و الأزرق وهذا ما سمي بنظرية الألوان الثلاثة. وقد أكدت جميع الأعمال العلمية التي تبعت أعمال يونغ هذه النظرية التي تقول إن أي لون يمكن الحصول عليه من مزج ثلاثة ألوان أساسية سواء بالنسبة إلى نظام الرؤية عند الإنسان أم بالنسبة إلى الشرائح اللونية التي تعرض عليه. وتأخذ هذه النظرية بعين الحسبان أيضاً بعض الشذوذ في رؤية الألوان عند الإنسان وخاصة مرض دالتون Dalton (عدم رؤية لون معين).
وعلى أساس هذه النظرية تم تفسير قوانين جمع الألوان وطرحها [ر: قياس الألوان]، وقدم مكسويل طريقة مبسطة لذلك هو صندوق الألوان، حيث يمكن اختيار مقدار أي لون من الألوان الأساسية الثلاثة باستخدام ثلاثة شقوق متغيرة العرض موضوعة أمام هذه الألوان الأساسية الأحمر والأخضر والأزرق، وبانكسار الضوء يمكن تمرير هذه الألوان من خلال شق وحيد لتكوين لون مركب. وبتعديل عرض كل من الشقوق الثلاثة استطاع مكسويل الحصول على أي لون عن طريق مزج هذه الألوان الثلاثة.
النظرية الأخرى للألوان هي نظرية اللون المضاد اقترحها العالم الفيزيائي الألماني إفالد هيرنغ Ewald Hering عام 1874، ويفترض فيها أنه يوجد لدى أعصاب الإنسان ودماغه آليتان للاستجابة تحتوي كل منهما على زوج من الألوان المتضادة، وهذا يعني أن آليتي الاستجابة يمكنهما إرسال إشارة بأحد اللونين فقط في وقت ما. ترسل إحدى آليتي الاستجابة إشارة إما باللون الأحمر أو الأخضر وترسل الأخرى إشارة إما باللون الأصفر أو الأزرق. وتوجد آلية ثالثة ترسل إشارة بمستوى الإضاءة. ويفسر الدماغ هذه الإشارات فيولد إحساساً باللون.
توحِّد النظريات الحديثة بين أفكار نظرية المكوِّنات الثلاثة ونظرية اللون المضاد لتصنِّف المراحل المختلفة لإبصار الألوان. ففي البداية تعمل الآلية الأولى حيث تستقبل المخاريط الموجودة في الشبكية الضوء وتولد إشارات كهربائية مناسبة، وفي المرحلة الثانية تبدأ آلية اللون المضاد بالعمل حيث تتشكل في الدماغ إشارات جديدة لتفسير اللون بعد مرورها عبر الأعصاب.
التركيب بالجمع والتركيب بالطرح
يتم مزج الألوان إما بجمع مجموعة حزم ضوئية ملونة أو بوضع مرشحات أمامها وهنا يحدث التركيب بالطرح. وفي الحياة العملية تستخدم العمليتان ولكن يحصل منهما على نتائج مختلفة تماماً.
إذا أُسقطت ثلاث دوائر ضوئية حمراء وخضراء وزرقاء على لوحة بيضاء فإن لوناً أصفر ينتج بجمع الأحمر والأخضر، وبجمع الأخضر والأزرق ينتج اللون الأزرق المخضر، وينتج البنفسجي بجمع الأزرق والأحمر، ويكون الضوء المركب الناجم عن جمع لونين أشد إضاءة من المركبتين.
أما جمع الألوان الثلاثة بنسب مناسبة فيعطي الضوء الأبيض. وهذا ما يسمى التركيب بالجمع، وهو نفسه ما يقوم به مختصو الإنارة عندما يقومون بتسليط الإضاءة الملونة على الأشياء. وهذا ما يُرى في أجهزة الإسقاط التي تستخدم ثلاثة منابع ضوئية حمراء وخضراء وزرقاء لعرض الصور الملونة، وكذلك الأمر ما يرى على شاشة التلفاز حيث يوجد آلاف من الحبيبات الصغيرة جداً والتي تتوهج بالألوان الأساسية عندما تصدمها حزمة الإلكترونات المتولدة في المدفع الإلكتروني داخل الشاشة. هذه المساحات موزعة على شكل ثلاثيات ملونة أحمر وأخضر وأزرق، وعندما يُشاهد برنامج ملون لا ترى هذه العناصر الملونة وإنما ترى نتيجة جمع هذه الألوان الثلاثة في أبصار المراقبين.
من ناحية أخرى إذا وضعت مرشحات ملونة أمام منبع ضوئي أبيض، فإن ضوءاً أحمرَ ينتج من ضم المرشح البنفسجي والمرشح الأصفر معاً، وضم المرشحين الأصفر والأخضر، المزرق يمرر الضوء الأخضر وضم المرشحين الأخضر المزرق والبنفسجي يمرر الأزرق. وهذه العملية هي عملية طرح للألوان فكل مرشح يقوم بحذف مجموعة ألوان ولا يبقى إلا اللون الذي يمر عبر المرشحين معاً. لذلك فإن الضوء الناتج يكون أقل إضاءة من الأصل. ولا يبقى في منطقة تقاطع المرشحات الثلاثة السابقة إلا الظلام أي السواد لأن هذه المرشحات تحذف مركّبات الضوء كلها.
الشكل (3)
يبيِّن (الشكل3) طريقتي تركيب الألوان سواء بالجمع أم بالطرح؛ حيث يُرى أن المنطقة المشتركة في حالة الجمع تعطي اللون الأبيض، أما في حالة الطرح فإنها تعطي اللون الأسود.
تستخدم في الطباعة أصبغه لونية لإنتاج الألوان وكل صباغ يحوي في مكوناته عناصر دقيقة تسمى الخِضاب تؤدي دور مرشح للضوء، فهي تقوم بدور امتصاص الألوان كافة ما عدا لون الصباغ نفسه، وعندما ينعكس الضوء باتجاه العين فلا يرى إلا هذا اللون.
وعند مزج طلاء أو صباغ أزرق مع صباغ أصفر ينتج لون أخضر؛ إذ إن الأزرق يقوم بامتصاص جميع الألوان مثل الأحمر والبرتقالي والأصفر، أما الصباغ الأصفر فإنه يمتص الضوء الأزرق، وعندما ينعكس الضوء الناتج يكون ذا لون أخضر.
تستخدم في الطباعة ثلاثة ألوان رئيسية: الأحمر والأصفر والأزرق، ويُحصل منها على بقية الألوان؛ فالبرتقالي ينتج من الأحمر والأصفر، والأخضر ينتج من الأصفر والأزرق، والأرجواني ينتج من الأزرق والأحمر.
التباين والألوان المتتامة
إذا نُظر بانتباه إلى جسم ملون وحُذفت الرؤية فجأة سواء بإغلاق العينين أم بإزاحة النظر فإن الشخص يرى اللون المتمم، و(الشكل4) يبين ذلك. وإنَّ حذْفَ بقعة حمراء يعطي انطباعاً أزرق مخضراً، إذ إن الأزرق المخضر متمم للأحمر. أي إن تركيب هذين اللونين بطريقة الجمع يعطي اللون الأبيض. ويقال عن لونين إنهما متتامان إذا تكوّن الضوء الأبيض عند مزجهما معاً، فالأصفر هو متتم للون الأزرق، والأخضر متتم للبنفسجي، والأحمر هو متمم للسماوي أو الأزرق المخضر.
الشكل (4)
الألوان المنسجمة والمتباينة
هناك نوعان من العلاقات اللونية: النوع الأول هو الألوان المنسجمة، والنوع الثاني هو الألوان المتباينة. وتباين الألوان هو تلك الظاهرة التي تزيد من اختلاف الألوان عن بعضها عند تجاورها، فعندما يتجاور لونان مختلفان، يكون التباين هو الزيادة في درجة الاختلاف بينهما، أي إن اللون الفاتح يبدو أفتح مما هو عليه فعلاً، واللون الغامق يظهر أغمق مما هو عليه، هذا هو التباين في درجة اللون. وهناك ظاهرة متصلة بالتباين وهي ظاهرة الانتشار البصري، وهي أن المساحة الصغيرة من لون أبيض على أرضية سوداء تبدو أكبر من مساحتها الحقيقية لأن هذه المساحة البيضاء تضيء الأرضية فتبدو أكبر من مساحتها الواقعية وتبدو الأرضية الغامقة كأنها تتناقص.
الألوان المنسجمة هي التي تتجاور وتتآلف ويجمع بينها عنصر مشترك. فعلى سبيل المثال، تعد الألوان الثلاثة الحمراء والبرتقالية والصفراء ألواناً منسجمة؛ لأن اللون البرتقالي ناشئ من مزج اللونين الأحمر والأصفر، أما الألوان المتباينة فهي تلك التي يتباعد بعضها عن بعض وينتفي العنصر المشترك بينها، فاللون الأصفر يتباين مع اللون البنفسجي، واللون الأحمر يتباين مع اللون الأخضر، واللون الأزرق يتباين مع اللون البرتقالي.
التأثير المتبادل بين لون وآخر
ترتبط الألوان ويؤثر بعضها في بعضها الآخر؛ فعندما يوضع لون في لوحة يتأثر موقعه بضياء اللون المجاور له. وهذا التغير السريع للألوان هو المعضلة الأساسية عند كل فنان، الأمر الذي يستوجب دراسة الألوان ومعرفة ما سيحدث لها قبل وضعها على اللوحة. فمثلاً: اللون البنفسجي الغامق يُظهر حدة اللون الأصفر، واللون البنفسجي الفاتح يخفف من بريقه.
الألوان والترميز
استخدم الإنسان وسائط عديدة للتعبير عن أفكاره ولنقل رسائله، وكان اللون أحد هذه الوسائل، فالأحمر عند القدماء كان يرمز إلى النار والحياة، والأزرق عند الفرس في القرن الثالث عشر كان يرمز إلى الموت، والأزرق السماوي كان يرمز إلى الحياة. وفي حضارة الإنكا Inca، كان اللون المقدس هو الأصفر، وعند الرومان كان اللون الأرجواني رمزاً للقوة.
وللآثار المعنوية والنفسية التي تتركها الألوان، أصبحت هذه تستخدم في تطبيقات عديدة مباشرة للإنسان؛ فالأحمر يستخدم للتوقف والأصفر للانتباه والأخضر للسماح بالعبور وذلك في إشارات المرور. تم أيضاً ترميز سويات الأخطار في رياضة التزلج على الثلج مثلاً باستخدام الألوان، وكذلك ترميز الموائع في الأنابيب أو الخزانات، وغير ذلك من التطبيقات.
الآثار النفسية للألوان
تترك الألوان بالنظر إليها آثاراً نفسية على الناظر؛ فهناك الألوان التي تعطي إحساساً بالحرارة وأخرى بالبرودة أو النضارة. تشمل الألوان الحارة الأحمر والبرتقالي والأصفر ومشتقاتهما، أما الألوان الباردة فتشمل البنفسجي النقي والأزرق.
توجد ألوان بارزة لامعة كالأحمر وأخرى عميقة منغلقة كالأزرق، وهذه الألوان تعطي انطباعاً واضحاً عند الإنسان فاللون الأزرق هو اللون المفضل للتعبير عن العمق والاتساع لأي مكان. والأصفر يعطي انطباع الإضاءة.
وهناك ألوان تجعل الأشياء أكبر من حجمها كالبني الغامق والأسود وألوان أخرى تجعل الجسم نفسه أكثر تهوية كالألوان الفاتحة الأزرق السماوي مثلاً. وهذا ما يجعل الأجسام تبدو أثقل وزناً إذا كان لونها غامقاً مما لو كان لونها فاتحاً.
واللون الأحمر والألوان الحارة مثيرة والأزرق مهدئ وفي الأخضر توازن.
تظهر هذه الآثار النفسية للألوان على المستوى الڤيزيولوجي، ويمكن أن تُضبط لقياس ضغط الدم وتوتر الأعصاب وعلى هذا الأساس ظهر علاج جديد هو العلاج بالألوان. ويستفاد من الآثار النفسية في الإعلانات وفي التغليف أو أماكن الاستقبال وغيرها.
اللون في الفن
إن تاريخ الفنون المرئية هو أيضاً تاريخ استخدام اللون عبر الزمن. وقد قام اللون بدورين أساسيين في الفن: دور رمزي ودور لإظهار الطبيعة. وحالياً أخذ يكسب تدريجياً صفة خاصة من خلال عكس حالات بصرية زخرفية ونفسية. إن طرق استخدامه العديدة تتعلق بمجموعة عوامل تتجاوز الإطار الجمالي كالإمكانات التقنية المتنوعة المتاحة للفنان، والعادات والأذواق الخاصة بكل مجتمع، والمحتوى الرمزي والنفسي المختلف الخاص بكل لون، وهذا يعدّ المادة الأساسية للرسم وكذلك للعمارة والنحت.
كانت المعابد والتماثيل اليونانية ما قبل الكلاسيكية ملونة على نحو واسع بالأحمر والأزرق والأصفر المحمر. وتعود القوة التعبيرية لأعمدة الكنائس الرومانية والتماثيل الغربية الإسبانية إلى تنوع الألوان الرمزية المستخدمة فيها بالنسبة إلى الأولى وإلى ألوانها الطبيعية بالنسبة إلى الأخرى.
في العصر الحالي تظهر السطوح الكبيرة وحيدة اللون للمنحوتات الصغرية الأمريكية؛ إذ تضع اللون بكل قواه الضوئية في الأبعاد الثلاثة من الفضاء.
لم يستخدم الرسامون اللون على نحو واسع إلا في القرنين التاسع عشر والعشرين فبحثوا عن تباينات وفروقات لونية كبيرة من خلال تجاور الألوان النقية في مدرسة الرسم التوحشية Fauvism في الرسم وفي بعض أعمال الفن الضوئي. أما المهتمون بالمناظر الطبيعية الإنكليز والتكعيبيون [ر: التكعيبية] فقد قدموا تباينات لونية شبه معدومة باستخدام تناغم لوني خاص. بعض الفنانين يغنون لوحاتهم بألوان متنوعة في حين يستخدم آخرون عدداً محدوداً من الألوان لدرجة استخدام لوحات وحيدة اللون.
يمكن لطبقة صباغية ملونة أن تكون رقيقة وشفافة (الألوان المائية) أوعاتمة وسميكة (الألوان الزيتية) أو سميكة وشفافة (الزجاج الملون). يعطي الأزرق المنفذ بالألوان المائية إحساساً مختلفاً عن الأزرق المنفّذ بألوان الغواش gouache أو بطريقة الطباعة الخشبية أو بالزجاج.
ويمكن أن تكون المنطقة اللونية متجانسة كلياً كما هي الحال في بعض اللوحات الإعلانية، أو على خلاف ذلك يمكن أن تكون معّدلة؛ أي مكونة من تجاور ألوان مختلفة بتباين ضعيف تجعل اللون يهتز.
يمكن تطبيق اللون بوساطة بقع لونية صغيرة أو نقطية أو بوساطة طبقات كبيرة متجانسة ولا تعطي كلا الطريقتين الانطباع نفسه. ويمكن لّلون أن يكون طبقة صباغية موضوعة على لوحة كما هي حال أغلب اللوحات أو يمكن أن يكون داخلاً في تركيب اللوحة كما هي الحال في الزجاج أو في القطع البلاستيكية التي يستخدمها بعض الرسامين المعاصرين.
إن وجود لونين إلى جوار بعضهما يعطي أثراً مختلفاً عما لو كانا مفصولين بخط أسود كما هي الحال في الزجاج أو في لوحات موندريان Mondrian، أو فيما لو كانا مفصولين بخط أبيض كالخطوط التي تظهر في الموزاييك.
ليست الألوان كينونات منعزلة، فالانطباع البصري الذي تتركه لدى المرء يتعلق بجميع الألوان التي تُستقبل في الوقت نفسه. وهذا التفاعل بين الألوان مهم جداً للرسام، فمثلاً الأحمر اللامع أو الفاتح يفقد جزءاً من قوته إذا وجد إلى جانب لون برتقالي أو أصفر أو أحمر أفتح، وعلى خلاف ذلك فإنه يظهر أكثر بريقاً إذا جاور لوناً أخضر أو لوناً أخضر مزرقاً.
الألوان المتّامة تتأثر فيما بينها والألوان المتقاربة تتخامد، وهذا يفسر جزء اً كبيراً من خصوصية لوحات فان غوغ [ر]. وتؤثر كمية الألوان وكيفية توزعها مباشرة في طريقة الإحساس بها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى شدة الإضاءة وزاوية الإنارة المستخدمة، أو حتى فترة التعرض على سطح الشبكية.
يعطي تلاؤم العين مع النبضات المتنوعة المستقبلَة عدة ظواهر مرئية متنوعة كالتباينات المتتالية وتلك المتوافقة أو الإحساس بالفضاء اللوني أو الاهتزازات البصرية.
وتبين بعض أعمال فاساريلي Vasarely وجوزيف ألبير J.Albert ولاري بونز L.Poons هذا الاستخدام للّون.
تقوم الإضاءة الملونة بدور مهم في الفن المعاصر، فبعض الفنانين كالأمريكي كريسا فاردي C.Vardea استخدم أنابيب كهربائية تحوي غازات مختلفة وتشكل ألواناً جديدة غير مألوفة في طيف اللون الأبيض، من بين هذه الغازات يُذكر الزئبق (أبيض) والكزينون (أزرق فاتح) والهليوم (أصفر) والنيون (أحمر)، والأرغون (أزرق بنفسجي)، في حين لجأ فنانون آخرون إلى استخدام العواكس الملونة أو المرشحات المختلفة للغرض نفسه.
اللون في الزخرفة (الديكور)
قد يظن بعض الناس أنه ليس من المحبَّذ حصر استخدام اللون، كعامل بيئة، ضمن قواعد صارمة، ومع ذلك فإن استخدام ألوان باردة في «ورشة» مرتفعة الحرارة أو ألوان ديناميكية منشطة في «ورشة» أخرى ذات أعمال مجهدة أو ألوان خضراء أمام أشخاص نشيطين هو أمر سليم ومفيد. أما الاستخدام العشوائي غير المدروس للألوان فيمكن أن يترك آثاراً سلبية مزعجة للنظر، وقد يخلق أجواءً موترة.
هناك مجموعة من القواعد الضابطة لاستخدام اللون مع ترك هامش من الحرية أمام المزخرفين للانطلاق والتعبير عن أفكارهم، ففي البيت مثلاً، يجب أن تكون الألوان مصممة وفقاً للقاطنين بتناغم حقيقي مدروس، وفي الأماكن العامة يجب أن توافق أكبر شريحة من المجتمع. وإذا كان من المهم معرفة كيفية تحقيق جو ملون فإنه من المهم أيضاً معرفة ما يجب عدم فعله من ارتكاب أخطاء مزعجة للمنظر والذوق. ومن الأفضل تجنب الألوان الفاقعة أو المشبعة جداً في الأماكن الكبيرة. إذ إن ذلك يسيء إلى النظر والذوق. كما يجب تجنب استخدام اللون البني المحبط أو الرمادي الكئيب في الأماكن الكبيرة لتفاعلها الضعيف مع الضوء. ومن الضروري في تنفيذ ديكور مكان ما الاهتمام بالتلوين والإضاءة المناسبين معاً، وعدم الاهتمام بأحدهما من دون الآخر.
سليم نوح
اللون
اللون هو ظاهرة فيزيائية للضوء، أو هو الإدراك البصري الذي يتركه الضوء عند سقوطه على العين. وهو إحساس وليس مادة ملونة ولا حتى ناتج تحليل الضوء الأبيض. إنه الإحساس المنقول إلى الدماغ المتولد من رؤية جسم ملون مضاء.
تدخل في التعريف الدقيق لّلون ثلاثة عناصر ضرورية: نظام الاستقبال المرئي- طبيعة الجسم- الإضاءة التي تضيئه. ولون جسم ما يرتبط بالضوء الذي ينيره، إذ تبدو برتقالة بنية اللون إذا أُنيرت بضوء أخضر على سبيل المثال.
أعمال نيوتن [ر]
بما أن اللون جزء من المحيط الطبيعي للإنسان لذلك كان على مر الزمان أحد موضوعات الدراسة لديه. وفي أوائل القرن الحادي عشر الميلادي أدرك ابن الهيثم [ر] أن الإبصار يحدث نتيجة انعكاس الضوء عن الأجسام إلى العين، وأن الألوان التي تُرى في الأجسام تعتمد على الضوء الذي يسقط على هذه الأجسام وعلى بعض خواص هذه الأجسام نفسها [ر: العلوم عند العرب المسلمين].
الشكل (1)
الشكل (2)
ولم تتضح الصورة تماماً حول اللون إلا عندما قام نيوتن بتنفيذ تجربته على الضوء الأبيض باستخدام الموشور. يبين (الشكل1) هذه التجربة حيث يوضع موشور على مسار حزمة ضوئية قادمة من شق موضوع أمام أشعة الشمس. ويُستقبل الضوء الناتج على لوحة. من دون الموشور تُرى بقعة بيضاء اللون؛ ولكن لدى وضع الموشور تنزاح الحزمة وتتحلل لونياً وتصبح ذات شكل مستطيل متدرج بألوان قوس قزح يسمى الطيف الشمسي: اللون البنفسجي يليه النيلي فالأزرق فالأخضر فالأصفر فالبرتقالي وأخيراً الأحمر. وهذا مبين في الشكل(2) مع منحني الحساسية الطيفية لعين الإنسان والتي يظهر فيها أن استجابة العين ليست نفسها لجميع الألوان؛ وإنما تكون عظمى عند اللون الأصفر المخضرّ ذي طول الموجة 560 نانومتراً، وتنخفض إلى جانبي هذا اللون حتى تنعدم عند الطول الموجي 400 نانومتر وما دونه و 720 نانومتراً وما فوقه.
قام نيوتن أيضاً بإجراء تجارب أخرى فأضاف موشوراً آخر إلى تجربته لتركيب المركبات اللونية للضوء الشمسي والحصول على الضوء الأبيض. كما صنع ما يسمى قرص نيوتن؛ فوضع شرائح الألوان قطرياً على قرص دائري وقام بتدويره فحصل على شكل آخر لتركيب اللون الأبيض من مكوناته.
أعمال يونغ وماكسويل والنظريات اللونية
إن عين الإنسان ليست قادرة فقط على التحسس لألوان الطيف وإنما هي قادرة كذلك على تمييز عدد كبير من الألوان المختلفة. ولما كان من المستحيل وجود عدد هائل من المستقبلات المختلفة في شبكية عين الإنسان للقيام بذلك؛ فقد رأى يونغ Young عام 1801 أن الشبكية يجب أن تحوي ثلاثة أنواع من العناصر المستقبلة الحساسة للألوان الأحمر والأخضر و الأزرق وهذا ما سمي بنظرية الألوان الثلاثة. وقد أكدت جميع الأعمال العلمية التي تبعت أعمال يونغ هذه النظرية التي تقول إن أي لون يمكن الحصول عليه من مزج ثلاثة ألوان أساسية سواء بالنسبة إلى نظام الرؤية عند الإنسان أم بالنسبة إلى الشرائح اللونية التي تعرض عليه. وتأخذ هذه النظرية بعين الحسبان أيضاً بعض الشذوذ في رؤية الألوان عند الإنسان وخاصة مرض دالتون Dalton (عدم رؤية لون معين).
وعلى أساس هذه النظرية تم تفسير قوانين جمع الألوان وطرحها [ر: قياس الألوان]، وقدم مكسويل طريقة مبسطة لذلك هو صندوق الألوان، حيث يمكن اختيار مقدار أي لون من الألوان الأساسية الثلاثة باستخدام ثلاثة شقوق متغيرة العرض موضوعة أمام هذه الألوان الأساسية الأحمر والأخضر والأزرق، وبانكسار الضوء يمكن تمرير هذه الألوان من خلال شق وحيد لتكوين لون مركب. وبتعديل عرض كل من الشقوق الثلاثة استطاع مكسويل الحصول على أي لون عن طريق مزج هذه الألوان الثلاثة.
النظرية الأخرى للألوان هي نظرية اللون المضاد اقترحها العالم الفيزيائي الألماني إفالد هيرنغ Ewald Hering عام 1874، ويفترض فيها أنه يوجد لدى أعصاب الإنسان ودماغه آليتان للاستجابة تحتوي كل منهما على زوج من الألوان المتضادة، وهذا يعني أن آليتي الاستجابة يمكنهما إرسال إشارة بأحد اللونين فقط في وقت ما. ترسل إحدى آليتي الاستجابة إشارة إما باللون الأحمر أو الأخضر وترسل الأخرى إشارة إما باللون الأصفر أو الأزرق. وتوجد آلية ثالثة ترسل إشارة بمستوى الإضاءة. ويفسر الدماغ هذه الإشارات فيولد إحساساً باللون.
توحِّد النظريات الحديثة بين أفكار نظرية المكوِّنات الثلاثة ونظرية اللون المضاد لتصنِّف المراحل المختلفة لإبصار الألوان. ففي البداية تعمل الآلية الأولى حيث تستقبل المخاريط الموجودة في الشبكية الضوء وتولد إشارات كهربائية مناسبة، وفي المرحلة الثانية تبدأ آلية اللون المضاد بالعمل حيث تتشكل في الدماغ إشارات جديدة لتفسير اللون بعد مرورها عبر الأعصاب.
التركيب بالجمع والتركيب بالطرح
يتم مزج الألوان إما بجمع مجموعة حزم ضوئية ملونة أو بوضع مرشحات أمامها وهنا يحدث التركيب بالطرح. وفي الحياة العملية تستخدم العمليتان ولكن يحصل منهما على نتائج مختلفة تماماً.
إذا أُسقطت ثلاث دوائر ضوئية حمراء وخضراء وزرقاء على لوحة بيضاء فإن لوناً أصفر ينتج بجمع الأحمر والأخضر، وبجمع الأخضر والأزرق ينتج اللون الأزرق المخضر، وينتج البنفسجي بجمع الأزرق والأحمر، ويكون الضوء المركب الناجم عن جمع لونين أشد إضاءة من المركبتين.
أما جمع الألوان الثلاثة بنسب مناسبة فيعطي الضوء الأبيض. وهذا ما يسمى التركيب بالجمع، وهو نفسه ما يقوم به مختصو الإنارة عندما يقومون بتسليط الإضاءة الملونة على الأشياء. وهذا ما يُرى في أجهزة الإسقاط التي تستخدم ثلاثة منابع ضوئية حمراء وخضراء وزرقاء لعرض الصور الملونة، وكذلك الأمر ما يرى على شاشة التلفاز حيث يوجد آلاف من الحبيبات الصغيرة جداً والتي تتوهج بالألوان الأساسية عندما تصدمها حزمة الإلكترونات المتولدة في المدفع الإلكتروني داخل الشاشة. هذه المساحات موزعة على شكل ثلاثيات ملونة أحمر وأخضر وأزرق، وعندما يُشاهد برنامج ملون لا ترى هذه العناصر الملونة وإنما ترى نتيجة جمع هذه الألوان الثلاثة في أبصار المراقبين.
من ناحية أخرى إذا وضعت مرشحات ملونة أمام منبع ضوئي أبيض، فإن ضوءاً أحمرَ ينتج من ضم المرشح البنفسجي والمرشح الأصفر معاً، وضم المرشحين الأصفر والأخضر، المزرق يمرر الضوء الأخضر وضم المرشحين الأخضر المزرق والبنفسجي يمرر الأزرق. وهذه العملية هي عملية طرح للألوان فكل مرشح يقوم بحذف مجموعة ألوان ولا يبقى إلا اللون الذي يمر عبر المرشحين معاً. لذلك فإن الضوء الناتج يكون أقل إضاءة من الأصل. ولا يبقى في منطقة تقاطع المرشحات الثلاثة السابقة إلا الظلام أي السواد لأن هذه المرشحات تحذف مركّبات الضوء كلها.
الشكل (3)
يبيِّن (الشكل3) طريقتي تركيب الألوان سواء بالجمع أم بالطرح؛ حيث يُرى أن المنطقة المشتركة في حالة الجمع تعطي اللون الأبيض، أما في حالة الطرح فإنها تعطي اللون الأسود.
تستخدم في الطباعة أصبغه لونية لإنتاج الألوان وكل صباغ يحوي في مكوناته عناصر دقيقة تسمى الخِضاب تؤدي دور مرشح للضوء، فهي تقوم بدور امتصاص الألوان كافة ما عدا لون الصباغ نفسه، وعندما ينعكس الضوء باتجاه العين فلا يرى إلا هذا اللون.
وعند مزج طلاء أو صباغ أزرق مع صباغ أصفر ينتج لون أخضر؛ إذ إن الأزرق يقوم بامتصاص جميع الألوان مثل الأحمر والبرتقالي والأصفر، أما الصباغ الأصفر فإنه يمتص الضوء الأزرق، وعندما ينعكس الضوء الناتج يكون ذا لون أخضر.
تستخدم في الطباعة ثلاثة ألوان رئيسية: الأحمر والأصفر والأزرق، ويُحصل منها على بقية الألوان؛ فالبرتقالي ينتج من الأحمر والأصفر، والأخضر ينتج من الأصفر والأزرق، والأرجواني ينتج من الأزرق والأحمر.
التباين والألوان المتتامة
إذا نُظر بانتباه إلى جسم ملون وحُذفت الرؤية فجأة سواء بإغلاق العينين أم بإزاحة النظر فإن الشخص يرى اللون المتمم، و(الشكل4) يبين ذلك. وإنَّ حذْفَ بقعة حمراء يعطي انطباعاً أزرق مخضراً، إذ إن الأزرق المخضر متمم للأحمر. أي إن تركيب هذين اللونين بطريقة الجمع يعطي اللون الأبيض. ويقال عن لونين إنهما متتامان إذا تكوّن الضوء الأبيض عند مزجهما معاً، فالأصفر هو متتم للون الأزرق، والأخضر متتم للبنفسجي، والأحمر هو متمم للسماوي أو الأزرق المخضر.
الشكل (4)
الألوان المنسجمة والمتباينة
هناك نوعان من العلاقات اللونية: النوع الأول هو الألوان المنسجمة، والنوع الثاني هو الألوان المتباينة. وتباين الألوان هو تلك الظاهرة التي تزيد من اختلاف الألوان عن بعضها عند تجاورها، فعندما يتجاور لونان مختلفان، يكون التباين هو الزيادة في درجة الاختلاف بينهما، أي إن اللون الفاتح يبدو أفتح مما هو عليه فعلاً، واللون الغامق يظهر أغمق مما هو عليه، هذا هو التباين في درجة اللون. وهناك ظاهرة متصلة بالتباين وهي ظاهرة الانتشار البصري، وهي أن المساحة الصغيرة من لون أبيض على أرضية سوداء تبدو أكبر من مساحتها الحقيقية لأن هذه المساحة البيضاء تضيء الأرضية فتبدو أكبر من مساحتها الواقعية وتبدو الأرضية الغامقة كأنها تتناقص.
الألوان المنسجمة هي التي تتجاور وتتآلف ويجمع بينها عنصر مشترك. فعلى سبيل المثال، تعد الألوان الثلاثة الحمراء والبرتقالية والصفراء ألواناً منسجمة؛ لأن اللون البرتقالي ناشئ من مزج اللونين الأحمر والأصفر، أما الألوان المتباينة فهي تلك التي يتباعد بعضها عن بعض وينتفي العنصر المشترك بينها، فاللون الأصفر يتباين مع اللون البنفسجي، واللون الأحمر يتباين مع اللون الأخضر، واللون الأزرق يتباين مع اللون البرتقالي.
التأثير المتبادل بين لون وآخر
ترتبط الألوان ويؤثر بعضها في بعضها الآخر؛ فعندما يوضع لون في لوحة يتأثر موقعه بضياء اللون المجاور له. وهذا التغير السريع للألوان هو المعضلة الأساسية عند كل فنان، الأمر الذي يستوجب دراسة الألوان ومعرفة ما سيحدث لها قبل وضعها على اللوحة. فمثلاً: اللون البنفسجي الغامق يُظهر حدة اللون الأصفر، واللون البنفسجي الفاتح يخفف من بريقه.
الألوان والترميز
استخدم الإنسان وسائط عديدة للتعبير عن أفكاره ولنقل رسائله، وكان اللون أحد هذه الوسائل، فالأحمر عند القدماء كان يرمز إلى النار والحياة، والأزرق عند الفرس في القرن الثالث عشر كان يرمز إلى الموت، والأزرق السماوي كان يرمز إلى الحياة. وفي حضارة الإنكا Inca، كان اللون المقدس هو الأصفر، وعند الرومان كان اللون الأرجواني رمزاً للقوة.
وللآثار المعنوية والنفسية التي تتركها الألوان، أصبحت هذه تستخدم في تطبيقات عديدة مباشرة للإنسان؛ فالأحمر يستخدم للتوقف والأصفر للانتباه والأخضر للسماح بالعبور وذلك في إشارات المرور. تم أيضاً ترميز سويات الأخطار في رياضة التزلج على الثلج مثلاً باستخدام الألوان، وكذلك ترميز الموائع في الأنابيب أو الخزانات، وغير ذلك من التطبيقات.
الآثار النفسية للألوان
تترك الألوان بالنظر إليها آثاراً نفسية على الناظر؛ فهناك الألوان التي تعطي إحساساً بالحرارة وأخرى بالبرودة أو النضارة. تشمل الألوان الحارة الأحمر والبرتقالي والأصفر ومشتقاتهما، أما الألوان الباردة فتشمل البنفسجي النقي والأزرق.
توجد ألوان بارزة لامعة كالأحمر وأخرى عميقة منغلقة كالأزرق، وهذه الألوان تعطي انطباعاً واضحاً عند الإنسان فاللون الأزرق هو اللون المفضل للتعبير عن العمق والاتساع لأي مكان. والأصفر يعطي انطباع الإضاءة.
وهناك ألوان تجعل الأشياء أكبر من حجمها كالبني الغامق والأسود وألوان أخرى تجعل الجسم نفسه أكثر تهوية كالألوان الفاتحة الأزرق السماوي مثلاً. وهذا ما يجعل الأجسام تبدو أثقل وزناً إذا كان لونها غامقاً مما لو كان لونها فاتحاً.
واللون الأحمر والألوان الحارة مثيرة والأزرق مهدئ وفي الأخضر توازن.
تظهر هذه الآثار النفسية للألوان على المستوى الڤيزيولوجي، ويمكن أن تُضبط لقياس ضغط الدم وتوتر الأعصاب وعلى هذا الأساس ظهر علاج جديد هو العلاج بالألوان. ويستفاد من الآثار النفسية في الإعلانات وفي التغليف أو أماكن الاستقبال وغيرها.
اللون في الفن
إن تاريخ الفنون المرئية هو أيضاً تاريخ استخدام اللون عبر الزمن. وقد قام اللون بدورين أساسيين في الفن: دور رمزي ودور لإظهار الطبيعة. وحالياً أخذ يكسب تدريجياً صفة خاصة من خلال عكس حالات بصرية زخرفية ونفسية. إن طرق استخدامه العديدة تتعلق بمجموعة عوامل تتجاوز الإطار الجمالي كالإمكانات التقنية المتنوعة المتاحة للفنان، والعادات والأذواق الخاصة بكل مجتمع، والمحتوى الرمزي والنفسي المختلف الخاص بكل لون، وهذا يعدّ المادة الأساسية للرسم وكذلك للعمارة والنحت.
كانت المعابد والتماثيل اليونانية ما قبل الكلاسيكية ملونة على نحو واسع بالأحمر والأزرق والأصفر المحمر. وتعود القوة التعبيرية لأعمدة الكنائس الرومانية والتماثيل الغربية الإسبانية إلى تنوع الألوان الرمزية المستخدمة فيها بالنسبة إلى الأولى وإلى ألوانها الطبيعية بالنسبة إلى الأخرى.
في العصر الحالي تظهر السطوح الكبيرة وحيدة اللون للمنحوتات الصغرية الأمريكية؛ إذ تضع اللون بكل قواه الضوئية في الأبعاد الثلاثة من الفضاء.
لم يستخدم الرسامون اللون على نحو واسع إلا في القرنين التاسع عشر والعشرين فبحثوا عن تباينات وفروقات لونية كبيرة من خلال تجاور الألوان النقية في مدرسة الرسم التوحشية Fauvism في الرسم وفي بعض أعمال الفن الضوئي. أما المهتمون بالمناظر الطبيعية الإنكليز والتكعيبيون [ر: التكعيبية] فقد قدموا تباينات لونية شبه معدومة باستخدام تناغم لوني خاص. بعض الفنانين يغنون لوحاتهم بألوان متنوعة في حين يستخدم آخرون عدداً محدوداً من الألوان لدرجة استخدام لوحات وحيدة اللون.
يمكن لطبقة صباغية ملونة أن تكون رقيقة وشفافة (الألوان المائية) أوعاتمة وسميكة (الألوان الزيتية) أو سميكة وشفافة (الزجاج الملون). يعطي الأزرق المنفذ بالألوان المائية إحساساً مختلفاً عن الأزرق المنفّذ بألوان الغواش gouache أو بطريقة الطباعة الخشبية أو بالزجاج.
ويمكن أن تكون المنطقة اللونية متجانسة كلياً كما هي الحال في بعض اللوحات الإعلانية، أو على خلاف ذلك يمكن أن تكون معّدلة؛ أي مكونة من تجاور ألوان مختلفة بتباين ضعيف تجعل اللون يهتز.
يمكن تطبيق اللون بوساطة بقع لونية صغيرة أو نقطية أو بوساطة طبقات كبيرة متجانسة ولا تعطي كلا الطريقتين الانطباع نفسه. ويمكن لّلون أن يكون طبقة صباغية موضوعة على لوحة كما هي حال أغلب اللوحات أو يمكن أن يكون داخلاً في تركيب اللوحة كما هي الحال في الزجاج أو في القطع البلاستيكية التي يستخدمها بعض الرسامين المعاصرين.
إن وجود لونين إلى جوار بعضهما يعطي أثراً مختلفاً عما لو كانا مفصولين بخط أسود كما هي الحال في الزجاج أو في لوحات موندريان Mondrian، أو فيما لو كانا مفصولين بخط أبيض كالخطوط التي تظهر في الموزاييك.
ليست الألوان كينونات منعزلة، فالانطباع البصري الذي تتركه لدى المرء يتعلق بجميع الألوان التي تُستقبل في الوقت نفسه. وهذا التفاعل بين الألوان مهم جداً للرسام، فمثلاً الأحمر اللامع أو الفاتح يفقد جزءاً من قوته إذا وجد إلى جانب لون برتقالي أو أصفر أو أحمر أفتح، وعلى خلاف ذلك فإنه يظهر أكثر بريقاً إذا جاور لوناً أخضر أو لوناً أخضر مزرقاً.
الألوان المتّامة تتأثر فيما بينها والألوان المتقاربة تتخامد، وهذا يفسر جزء اً كبيراً من خصوصية لوحات فان غوغ [ر]. وتؤثر كمية الألوان وكيفية توزعها مباشرة في طريقة الإحساس بها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى شدة الإضاءة وزاوية الإنارة المستخدمة، أو حتى فترة التعرض على سطح الشبكية.
يعطي تلاؤم العين مع النبضات المتنوعة المستقبلَة عدة ظواهر مرئية متنوعة كالتباينات المتتالية وتلك المتوافقة أو الإحساس بالفضاء اللوني أو الاهتزازات البصرية.
وتبين بعض أعمال فاساريلي Vasarely وجوزيف ألبير J.Albert ولاري بونز L.Poons هذا الاستخدام للّون.
تقوم الإضاءة الملونة بدور مهم في الفن المعاصر، فبعض الفنانين كالأمريكي كريسا فاردي C.Vardea استخدم أنابيب كهربائية تحوي غازات مختلفة وتشكل ألواناً جديدة غير مألوفة في طيف اللون الأبيض، من بين هذه الغازات يُذكر الزئبق (أبيض) والكزينون (أزرق فاتح) والهليوم (أصفر) والنيون (أحمر)، والأرغون (أزرق بنفسجي)، في حين لجأ فنانون آخرون إلى استخدام العواكس الملونة أو المرشحات المختلفة للغرض نفسه.
اللون في الزخرفة (الديكور)
قد يظن بعض الناس أنه ليس من المحبَّذ حصر استخدام اللون، كعامل بيئة، ضمن قواعد صارمة، ومع ذلك فإن استخدام ألوان باردة في «ورشة» مرتفعة الحرارة أو ألوان ديناميكية منشطة في «ورشة» أخرى ذات أعمال مجهدة أو ألوان خضراء أمام أشخاص نشيطين هو أمر سليم ومفيد. أما الاستخدام العشوائي غير المدروس للألوان فيمكن أن يترك آثاراً سلبية مزعجة للنظر، وقد يخلق أجواءً موترة.
هناك مجموعة من القواعد الضابطة لاستخدام اللون مع ترك هامش من الحرية أمام المزخرفين للانطلاق والتعبير عن أفكارهم، ففي البيت مثلاً، يجب أن تكون الألوان مصممة وفقاً للقاطنين بتناغم حقيقي مدروس، وفي الأماكن العامة يجب أن توافق أكبر شريحة من المجتمع. وإذا كان من المهم معرفة كيفية تحقيق جو ملون فإنه من المهم أيضاً معرفة ما يجب عدم فعله من ارتكاب أخطاء مزعجة للمنظر والذوق. ومن الأفضل تجنب الألوان الفاقعة أو المشبعة جداً في الأماكن الكبيرة. إذ إن ذلك يسيء إلى النظر والذوق. كما يجب تجنب استخدام اللون البني المحبط أو الرمادي الكئيب في الأماكن الكبيرة لتفاعلها الضعيف مع الضوء. ومن الضروري في تنفيذ ديكور مكان ما الاهتمام بالتلوين والإضاءة المناسبين معاً، وعدم الاهتمام بأحدهما من دون الآخر.
سليم نوح