لوثر (مارتين) Luther (Martin-) - Luther (Martin-) لوثر (مارتين ـ) (1483ـ 1546) مارتين لوثر Martin Luther لاهوتي ألماني، ومؤسس المذهب البروتستنتي[ر] Protestanism، وزعيم بارز لحركة الإصلاح الديني [ر] reformation، ولد في أيسلبن Eisleben في ألمانيا وتوفي فيها. كان أبوه عامل منجم، وأسرته من الفلاحين. تلقى تعليمه في ماغدبورغ Magdeburg وأيزناخ Eisenach، ونال البكالوريوس في الآداب من جامعة إرفورت Erfurt سنة 1503 ، ثم حصل على درجة الماجستير سنة 1505، ودخل في السنة نفسها سلك الرهبنة الأوغسطينية Augustinian monasticism، ورُسّم قسيساًً سنة 1507. قام بتعليم الفلسفة الأخلاقية في جامعة إرفورت (1508- 1509). ثم سافر إلى روما سنة 1511 ومكث فيها قرابة ثلاثة أشهر، فكان لذلك بالغ الأثر في تغيير منحاه الروحي والعقائدي. وفي سنة 1512 نال درجة الدكتوراه في اللاهوت، وتسلّم كرسي الكتاب المقدس في جامعة فيتنبرغ Wittenberg سنة 1513، فافتتح مسيرته بشرح على سفر التكوين Genesis والتثنية Deuteronomy، وألقى فيها سلسلة من المحاضرات حول المزامير Psalms (1513- 1515)، وحول الرسائل البولسية Paulian Letters منها الرسالة إلى أهل رومية Romans (1515- 1516)، وعلى الرسالة إلى أهل غلاطية Galatians (1516- 1517)، وعلى الرسالة إلى العبرانيين Hebrews (1517- 1518). ومن خلال تلك الشروح أرسى لوثر لاهوته الذي سماه لاهوت الصليب Cross Theology وتابع فيه الاتجاه الأوغسطيني. وكان من أهم مؤلفاته: «خطاب إلى نبلاء الأمة الألمانية» The Open Letter to the Christian Nobility of the German Nation (1520)، و«حرية المسيحي» Freedom of the Christian و«الأسر البابلي للكنيسة» Babylonian Captivity (1520) و«البابوية في روما» The Papacy in Rome (1520) و«الكتاب المقدس» The Holy Bible (1534) و«القداس الألماني ونظام الخدمة الإلهية» German Mass and Order of the Divine Service (1526) و«السلطة الزمنية» Treatise on Civil Government (1523) الذي كان بمنزلة حجر الزاوية في النظرية اللوثرية عن الدولة، و«عبودية الاختيار» De Servo Arbitrio (Bondage of the Will) (1525) و«حول العشاء السري» Confession and the Lord’s Supper (1528) و«التعليم المسيحي الأصغر» Small Catechism (1529) و«التعليم المسيحي الأكبر» Large Catechism (1529)، ورسالة «المجامع الدينية والكنائس» On the Councils and Churches (1539) ورسالة ضد «مجددي التعميد» Against Anabaptists (1536). أثرت كتابات لوثر في جميع مجالات الحياة الروحية في ألمانيا في القرنين السادس عشر والسابع عشر. ووجدت لها أنصاراً كثراً في الأوساط الشعبية، كما في أوساط الأنسيين (إراسموس [ر] Erasmus) والكهنة والرهبان، الأمر الذي دفع الكنيسة إلى محاربته، فقد عارض لوثر لاهوت الكنيسة القائم على تعاليم القديس توما الأكويني [ر] St.Aquinas، بمنهجه الساعي إلى تعقل الإيمان، مؤكداً أن اللاهوت لا يسعى إلى الفهم العقلي بل إلى السلوك العاطفي الوجداني، فقد كان لوثر أوكامي النزعة (نسبة إلى أوكام [ر] Ockham)، ففصل بين الفلسفة واللاهوت، وبين العقل والإيمان، والحب والواجب، والقانون والأناجيل، والدين والدولة. فالعقل للتفكير، والدين مناطه الإيمان. وعدّ العقل نعمة إلهية لا يخول البحث في مسائل الدين، لكنه عارض الفلسفة وخاصة اليونانية، واتهم أرسطو بأنه وثني، ولكنه لم يرفض أن يستفيد المسيحي من الفلسفة الأخلاقية. بدأ لوثر نشاطه الإصلاحي في تشرين الأول/أكتوبر سنة 1517، في عيد القديسيين vigil of all Saints عندما علّق على باب كنيسة قصر فيتنبرغ احتجاجه protest الشهير (وتسمى على أساسه أتباعه بالمحتجين أو البروتستنت Protestants) الذي يضم 95 مسألة دينية ضد صكوك الغفران indulgences الصادرة عن المرسل البابوي الراهب الدومنيكي «يوهان تتزل» Johann Tetzel (1445- 1519) في سنة 1516، لسد الحاجات المالية الكبرى التي نشأت عن بناء كنيسة القديس بطرس في روما، ومهاجماً فيها الانحرافات المذهبية والثقافية للكنيسة، وعرض آراءه للمناقشة فتقاطرت عليه الردود بين إيجاب وسلب، وانضم إليه ميلانختون Melanchton سنة 1518، وتدخل البابا ليو العاشر Leo X في النزاع، فاستدعاه إلى روما لاستجوابه في أمر قضاياه تلك، فتدخل منتخب سكسونيا الجرماني فريدريك الحكيم Elector Frederick، وأخفقت المفاوضات التي أجراها الكردينال كاجتان Cajetan وميلتتز Karl von Miltitz. وبعد مناظرة يوهان إيك Eck مع لوثر في لايبزيغ Leipzig سنة 1519 حول سلطة البابا هاجم لوثر البابوية [ر] Papacy كنظام مسيحي، ودخل حلبة الصراع كل من إراسموس وألرش فون هوتن Hutten. وأكد هجومه على مذهب الكنيسة سنة 1520 في خطابه عن «النبلاء المسيحيين في ألمانيا» و«الأسر البابلي للكنيسة»، فاتهمه البابا ليو العاشر بالهرطقة وأصدر بحقه سنة 1521 مرسوماً بالحرمان Bull of excommunication يحتوي على إحدى وأربعين قضية، وأمر بإحراق مؤلفاته. فرد لوثر على ذلك بإحراق ما بحوزته من براءات ووصايا بابوية علناً أمام حشد من علماء مدينة فيتنبرغ، فدعاه الامبراطور شارل الخامس Charles V (شارلكان) إلى حضور مجمع في مدينة فورمس Worms سنة 1521 للتراجع عن قضاياه لكن لوثر رفض فأدانه المجمع وأصدر الامبراطور أمراً بالقبض عليه، ونفيه من سائر بلاد الامبراطورية الألمانية، فلجأ إلى الدوق الكبير فريدريك الحكيم الذي أخفاه في قلعة فارتبورغ Wartburg حيث قام بترجمة العهد الجديد (عن النسخة اليونانية لأراسموس) إلى اللغة الألمانية، أتبعه لاحقاً بترجمة للعهد القديم، إلى أن اكتمل الكتاب المقدس سنة 1534. فكانت خير ترجمة حتى اليوم، وأدّت دوراً مهماً في تكوين اللغة الألمانية وروح القومية الألمانية، وعدّت من أوائل روائع النثر الألماني. عاد لوثر إلى مدينته فيتنبرغ سنة 1522 بسبب اضطرابات عنيفة نجمت عن الآراء التي روج لها الغلاة من تلاميذه، وآلت إلى فتنة محلية (حرب الفرسان 1522- 1523)، تلتها فتنة ثانية بسبب تمرد الفلاحين على النبلاء (حرب الفلاحين Peasants’War 1524- 1525)، وقف فيها لوثر حليفاً للأمراء، وأعلن سخطه على الثائرين والطغاة. ولاحقاً سنة 1525 احتدم الخلاف بينه وبين إراسموس حول مفهوم «الإرادة»، إذ أكدّ لوثر فكرة القضاء والقدر، وأقرّ بعبودية الإرادة الإنسانية، تلا ذلك سنة 1529 مساجلة ماربورغ الدينية حول سر القربان المقدس (العشاء السري) مع المصلح البروتستنتي السويسري زوينغلي [ر] Zwingli انتهت بالخلاف بينهما. وفي أثناء ذلك (1525) تزوج من كاترينا فون بورا Katharina von Bora التي تركت حياة الرهبنة سنة 1523 لتنضم إلى دعوته. تابع لوثر تنظيم الإصلاح بمساعدة ميلانختون وآخرين، وبلغ أوجه بإصدار اعتراف أغسبورغ Augsburg Confession سنة 1530، ثم أمضى سنوات حياته الباقية في زيارة الكنائس التي أخذت بحركة الإصلاح، وفي إلقاء المواعظ الدينية sermons، وفي لقاءاته مع ممثلي الكنائس الإنكليزية التي انضمت إلى حركة الإصلاح الديني، فعقد سنة 1539 مع مارتين بوسر Martin Bucer وسائر ممثلي الكنائس الألمانية المصلحة ميثاقاً سمي بميثاق فيتنبرغ. تتلخص القضايا التي طرحها لوثر في مبادئ أساسية أهمها: سيادة الكتاب المقدس وحده مصدراً للحقيقة الدينية وأصول العقيدة المسيحية، ورفض سلطة البابا وصكوك الغفران، وإدانة كل الممارسات والمعتقدات الدينية التي لم يذكرها الكتاب المقدس خاصة المراتب الكهنوتية والوساطة التي يقوم بها رجال الإكليروس في الكنيسة بين الله والإنسان، بدعوى أن كل مسيحي كاهن بذاته بفضل التعميد، وينال خلاصه بالإيمان وحده (التبرير بالإيمان) وبنعمة من الله مباشرة (مجانية النعمة الإلهية)، فالتبرير ليس «بالأعمال الجيدة» أوممارسة الطقوس. فجوهر الدين هو الإيمان، والخلاص مجاني ينعم به المسيحي بالإيمان. لذلك رفض لوثر جميع الأسرار المقدسة عدا المعمودية والعشاء الرباني الذي رأى فيه (خلافاً لزوينغلي) أن المسيح حضره فعلاً لا رمزاً. تمكن لوثر من تحقيق عدد من الإصلاحات الدينية في تلك الآونة كإغلاق الأديرة monasteries وإلغاء الرهبنة [ر] monasticism، وإلغاء أعياد القديسين وعبادة العذراء، وإزالة كثير من الشعائر والطقوس: كالاعتراف confession والقداس mass وما يناقض الإنجيل ولاسيما نظرية التحول transsubstantion في سر القربان المقدس (المناولة - العشاء السري)، وإلغاء الصوم وعدم زواج رجل الدين وإلغاء الصور والإيقونات والرسوم . كما عمل على تشجيع رجال الدين الجدد على أداء خدمة القداس بالألمانية مع الوعظ والترتيل. لقد نجحت الحركة اللوثرية في تعميم فكرها الإصلاحي وروحها القومية على عدد من الدول الأوربية، ووضع أسس الانفصال عن الامبراطورية الرومانية وكنيستها البابوية، وإنشاء كنائس وطنية إنجيلية Anglican Church رسمية في ألمانيا، كما في بلاد أوربية أخرى أمثال سويسرا وهولندا وفرنسا وإنكلترا، بيد أن اللوثرية أثرت في البلاد الاسكندنافية أكثر مما فعلت في بولندا وهنغاريا واسكتلندا وإنكلترا. سوسن بيطار