عامر ظرب
Amer ibn al-Zarib - Amer ibn al-Zarib
عامر بن الظَّرِب
(…ـ … هـ/… ـ … م)
عامر بن الظَّرِب بن عمرو بن عياذ، وهذا الأخير هو بكر بن يشكر بن الحارث، والحارث هو عدوان بن عمرو ابن قيس بن عيلان بن مضر، وعامر شقيق سعد وعمرو وصعصعة وثعلبة، عرف بـ «حاكم العرب» أو «قاضي العرب» في الجاهلية.
عَلَمٌ من الخطباء البلغاء والرؤساء الفقهاء، أول من جلس على منبر أو سرير وتكلم، ولجلوسه على منبر سمَوّه ذا الأعواد، ونسبوا له أحكاماً وحِكَماً وعمراً طويلاً. كان من الذين يجمعون بين الشعر والنثر وبين الشعر والخطابة، فجعلت العرب من أقواله مضرب الأمثال، ومن أحكامه شرعة جرت عندهم مجرى القوانين.
كان من الأحناف الذين يدعون للإصلاح ولا يعبدون صنماً وقال في ذلك: «إني ما رأيت شيئاً خلق نفسه ولا رأيت موضعاً إلا مصنوعاً ولا جاثياً إلا ذاهباً، ولو كان يميت الناس الداء لأحياهم الدواء»، وقال: «إني أرى أموراً شتى وحتى، قيل: وما حتى؟ قال: حتى يرجع الميت حياً ويعود اللاشيء شيئاً ولذلك خُلقت السموات والأرض».
وكانت العرب لا تعدل بفهمه فهماً ولا بحكمه حكماً، وله من الأحكام ما توافق والإسلام، كحكمه في ميراث الخنثى، والخَلْع في الطلاق؛ إذ يُذكر أنه أول مَن خَلَع مِن العرب بتفريقه بين ابنته وابن أخيه، وحكمه بالقسامة فهو أول من قال بها، إذ جعل دية معاوية ابن بكر بن هوازن مئة من الإبل، كما أنه حرم الخمر وقال فيه:
إنْ أشربِ الخمرَ أشربها للذتها
وإن أدعها فإني ماقتٌ قالِ
سآلة للفتى ما ليس يملكه
ذهَّابة بعقول القوم والمالِ
أقسمت بالله أسقيها وأشربها
حتى يفرِّق ترب القبر أوصالي
(يريد لاأسقيها ولاأشربها)
وقيل إنه أول من قُرِعَت له العصا، فلما كان العرب يتحاكمون إليه غلط في بعض حكومته فقالت له ابنته (عَمْرة): «قد صرت تَهِمُ في حكمك»، فقال لبنيه: «إذا أنا زغت فقوموني واجعلوا لي أمارةً إذا سمعتها رَجعتُ»، فكانت ابنته عَمْرة تقرع له الجفنة (القصعة) بالعصا فيعود للصواب، وفي ذلك قال المتلمس (أحد شعراء الجاهلية وهو خال طرفة بن العبد):
لذي الحلم قبل اليوم ماتقرع العصا
وما عُلِّمَ الإنسان إلا ليعلما
وقال الحارث بن وعلة فيه (وهو من فرسان قضاعة وأنجادها):
زعمتمُ أنْ لا حُلومَ لنا
إن العصا قُرعت لذي الحِلْمِ
وتُعد ابنته عَمْرة من حكيمات العرب، وقد جاوزت في ذلك صحر بنت لقمان وهند بنت حابس، وقد خطبها صعصعة بن معاوية فقال له عامر بن الظَّرِب: «يا صعصعة، إنك قد أتيتني تشتري مني كبدي، وأرحم ولدي عندي، غير أني أطلبتك وأرددتك (اعطيتك ما تطلب) فالحسيب كفء الحسيب، والزوج الصالح أب بعد أب، وقد أنكحتك مخافة ألا أجد مثلك، أفر من السر إلى العلانية، أَنْصَحُ ابناً وأوْدِعُ ضعيفاً قوياً، يامعشر عدوان، خرجتْ من بين أظهركم كريمتكم من غير رغبة ولا رهبة أقسم لولا قسم الحظوظ على قدر المجدود، لما ترك الأول للآخر شيئاً يعيش به».
ومن أقواله المأثورة: «يامعشر عدوان إن الخير ألوفٌ، ولن يفارق صاحبه حتى يفارقه، وإني لم أكن حليماً حتى اتَّبعت الحكماء، ولم أكن سيدكم حتى تعبدت لكم» وقال أيضاً: «الرأي نائم والهوى يقظان ولذلك يغلب الرأي الهوى» ومما نسب إليه من أمثال العرب: «رُبَّ أكلةٍ تمنع أكلات، ورب زارعٍ لنفسه حاصدٍ سواه، من طلب شيئاً وجده» ويقول فيه ذو الإصبع العدواني:
ومنا حكم يقضي
فلا ينقض ما يقضي
وكان لرياسته بين العرب لواء وسجال؛ فحينما كان ابن الظَّرِب وقبيلته عدوان يسكنون الطائف رَئِسَ قيس بن عيلان في سيرها على خزاعة لنزع ولايتها عن مكة، إلا أن الغلبة كانت لخزاعة ونجا عامر على فرس له جواد. وقد استجار به رجل يدعى ثقيفاً فأجاره وأغناه وأكرمه وزوَّجه إحدى بناته، فتكاثر بنوه وزاحموا بني عامر فغلبوهم على الطائف فخرجت عدوان إلى تهامة، ولما جاءت قبيلة مذحج القحطانية من اليمن باحثةً عن الكلأ اصطدمت بقبائل معد النازلة في تهامة، فخرج لها عامر بن الظَّرِب فاجتمعت تحت لوائه ربيعة ومضر وقضاعة وكانت المرة الأولى التي اجتمعت فيها معد كلهاـ وكانت له الغلبة في وقعة البيداء (البيضاء)، ولم تعرف العرب اجتماعاً لمعد قط إلا على ثلاثةِ رهطٍ من رؤساء العرب: عامر بن الظَّرِب، وربيعة بن الحارث، وكليب بن ربيعة.
وعاش آخر حكام بني عدوان عمراً مديداً، حتى إنه ذُكِرَ في المعمَّرين فقيل مئتين وقيل: ثلاثمئة سنة، ويروى أن قبره كان في مكان اللات في الكعبة وعكفوا عليه.
جواد ترجمان
Amer ibn al-Zarib - Amer ibn al-Zarib
عامر بن الظَّرِب
(…ـ … هـ/… ـ … م)
عامر بن الظَّرِب بن عمرو بن عياذ، وهذا الأخير هو بكر بن يشكر بن الحارث، والحارث هو عدوان بن عمرو ابن قيس بن عيلان بن مضر، وعامر شقيق سعد وعمرو وصعصعة وثعلبة، عرف بـ «حاكم العرب» أو «قاضي العرب» في الجاهلية.
عَلَمٌ من الخطباء البلغاء والرؤساء الفقهاء، أول من جلس على منبر أو سرير وتكلم، ولجلوسه على منبر سمَوّه ذا الأعواد، ونسبوا له أحكاماً وحِكَماً وعمراً طويلاً. كان من الذين يجمعون بين الشعر والنثر وبين الشعر والخطابة، فجعلت العرب من أقواله مضرب الأمثال، ومن أحكامه شرعة جرت عندهم مجرى القوانين.
كان من الأحناف الذين يدعون للإصلاح ولا يعبدون صنماً وقال في ذلك: «إني ما رأيت شيئاً خلق نفسه ولا رأيت موضعاً إلا مصنوعاً ولا جاثياً إلا ذاهباً، ولو كان يميت الناس الداء لأحياهم الدواء»، وقال: «إني أرى أموراً شتى وحتى، قيل: وما حتى؟ قال: حتى يرجع الميت حياً ويعود اللاشيء شيئاً ولذلك خُلقت السموات والأرض».
وكانت العرب لا تعدل بفهمه فهماً ولا بحكمه حكماً، وله من الأحكام ما توافق والإسلام، كحكمه في ميراث الخنثى، والخَلْع في الطلاق؛ إذ يُذكر أنه أول مَن خَلَع مِن العرب بتفريقه بين ابنته وابن أخيه، وحكمه بالقسامة فهو أول من قال بها، إذ جعل دية معاوية ابن بكر بن هوازن مئة من الإبل، كما أنه حرم الخمر وقال فيه:
إنْ أشربِ الخمرَ أشربها للذتها
وإن أدعها فإني ماقتٌ قالِ
سآلة للفتى ما ليس يملكه
ذهَّابة بعقول القوم والمالِ
أقسمت بالله أسقيها وأشربها
حتى يفرِّق ترب القبر أوصالي
(يريد لاأسقيها ولاأشربها)
وقيل إنه أول من قُرِعَت له العصا، فلما كان العرب يتحاكمون إليه غلط في بعض حكومته فقالت له ابنته (عَمْرة): «قد صرت تَهِمُ في حكمك»، فقال لبنيه: «إذا أنا زغت فقوموني واجعلوا لي أمارةً إذا سمعتها رَجعتُ»، فكانت ابنته عَمْرة تقرع له الجفنة (القصعة) بالعصا فيعود للصواب، وفي ذلك قال المتلمس (أحد شعراء الجاهلية وهو خال طرفة بن العبد):
لذي الحلم قبل اليوم ماتقرع العصا
وما عُلِّمَ الإنسان إلا ليعلما
وقال الحارث بن وعلة فيه (وهو من فرسان قضاعة وأنجادها):
زعمتمُ أنْ لا حُلومَ لنا
إن العصا قُرعت لذي الحِلْمِ
وتُعد ابنته عَمْرة من حكيمات العرب، وقد جاوزت في ذلك صحر بنت لقمان وهند بنت حابس، وقد خطبها صعصعة بن معاوية فقال له عامر بن الظَّرِب: «يا صعصعة، إنك قد أتيتني تشتري مني كبدي، وأرحم ولدي عندي، غير أني أطلبتك وأرددتك (اعطيتك ما تطلب) فالحسيب كفء الحسيب، والزوج الصالح أب بعد أب، وقد أنكحتك مخافة ألا أجد مثلك، أفر من السر إلى العلانية، أَنْصَحُ ابناً وأوْدِعُ ضعيفاً قوياً، يامعشر عدوان، خرجتْ من بين أظهركم كريمتكم من غير رغبة ولا رهبة أقسم لولا قسم الحظوظ على قدر المجدود، لما ترك الأول للآخر شيئاً يعيش به».
ومن أقواله المأثورة: «يامعشر عدوان إن الخير ألوفٌ، ولن يفارق صاحبه حتى يفارقه، وإني لم أكن حليماً حتى اتَّبعت الحكماء، ولم أكن سيدكم حتى تعبدت لكم» وقال أيضاً: «الرأي نائم والهوى يقظان ولذلك يغلب الرأي الهوى» ومما نسب إليه من أمثال العرب: «رُبَّ أكلةٍ تمنع أكلات، ورب زارعٍ لنفسه حاصدٍ سواه، من طلب شيئاً وجده» ويقول فيه ذو الإصبع العدواني:
ومنا حكم يقضي
فلا ينقض ما يقضي
وكان لرياسته بين العرب لواء وسجال؛ فحينما كان ابن الظَّرِب وقبيلته عدوان يسكنون الطائف رَئِسَ قيس بن عيلان في سيرها على خزاعة لنزع ولايتها عن مكة، إلا أن الغلبة كانت لخزاعة ونجا عامر على فرس له جواد. وقد استجار به رجل يدعى ثقيفاً فأجاره وأغناه وأكرمه وزوَّجه إحدى بناته، فتكاثر بنوه وزاحموا بني عامر فغلبوهم على الطائف فخرجت عدوان إلى تهامة، ولما جاءت قبيلة مذحج القحطانية من اليمن باحثةً عن الكلأ اصطدمت بقبائل معد النازلة في تهامة، فخرج لها عامر بن الظَّرِب فاجتمعت تحت لوائه ربيعة ومضر وقضاعة وكانت المرة الأولى التي اجتمعت فيها معد كلهاـ وكانت له الغلبة في وقعة البيداء (البيضاء)، ولم تعرف العرب اجتماعاً لمعد قط إلا على ثلاثةِ رهطٍ من رؤساء العرب: عامر بن الظَّرِب، وربيعة بن الحارث، وكليب بن ربيعة.
وعاش آخر حكام بني عدوان عمراً مديداً، حتى إنه ذُكِرَ في المعمَّرين فقيل مئتين وقيل: ثلاثمئة سنة، ويروى أن قبره كان في مكان اللات في الكعبة وعكفوا عليه.
جواد ترجمان