عبد ربه
Ibn Abd Rabbih - Ibn Abd Rabbih
ابن عبـد ربـه
(246 ـ 328هـ/860 ـ 939م)
أحمد بن محمد بن عبد ربه بن حبيب بن حدير بن سالم، مولى هشام ابن عبد الرحمن بن معاوية، يكنى: أبا عمر. أديب شاعر، ولد بقرطبة حاضرة الأندلس، وتتلمذ على علمائها، فحصّل ثقافة إسلاميةً وعلوماً عربيةً واسعةً، وكان له «بالعلم جلالة وبالأدب رياسة وشهرة مع ديانة وصيانة... فساد بعد خمول، وأثرى بعد فقر، وأشير بالتفصيل إليه».
اتصل بعدد من أمراء بني مروان، ونال عندهم حظوة وجاهاً؛ فقد أدرك الأمير محمداً وشطراً من عهد عبد الرحمن الناصر.
له الكتاب الكبير المسمى (العقد الفريد)، وهو مقسم على خمسة وعشرين كتاباً، وتصور المؤلف كتابه عقداً كما سماه، مؤلفاً من خمس وعشرين جوهرة كريمة، اثنتا عشرة في جانب واثنتا عشرة أخرى في جانب، وجعل جوهرةً في الوسط سماها الواسطة، وقد سمّى الجواهر الاثنتي عشرة الأولى، فبدأه باللؤلؤة في السلطان، والفريدة في الحروب، والزبرجدة في الأجواد والأصفاد، وهكذا. أما الاثنتا عشرة التي في الجانب الآخر فهي الجواهر الأولى مكررة؛ فاللؤلؤة الثانية، والفريدة الثانية، والزبرجدة الثانية …، وكتاب العقد أشبه بموسوعة ثقافية تبين أحوال الحضارة الإسلامية في عصر مؤلفه، ولعل هذا ما يفسر ضمور الجانب الأندلسي فيه، والتفصيل في أخبار المشارقة، مما حمل الصاحب بن عباد على القول عنه: «هذه بضاعتنا ردت إلينا»، إشارةً إلى ما فيه من ثقافة مشرقية.
كان ابن عبد ربه جاداً رصيناً، ميالاً إلى الزهد في أواخر أيامه، وكان مع ذلك حاد الطبع، سريع الغضب، متبرماً من الناس ومن أخلاقهم، يقول في ذلك:
وأيام خَلَت من كلّ خيرٍ
ودنيا قد تَوزَّعَها الكلابُ
كلابٌ لو سألتهمُ ترابا
لقالوا عندنا انقطع الترابُ
أثّرت ثقافته في شعره فجاء رصيناً جزلاً متيناً، واعتز الأندلسيون به فزعموا أن المتنبي أُعجب بشعره وقال فيه: «يا بن عبد ربه لقد يأتيك العراق حبواً».
ونَقَلَ ابن بسام في (ذخيرته) عمن لم يسمّه رأياً في مبدعي الموشح يزعم فيه أن «ابن عبد ربه أول من سبق إلى هذا النوع من الموشحات»، وذلك بما عُرف عنه من تفنُّنٍ دفعه إلى رسم الدوائر العروضية، واستخراج فروع الوزن الواحد منها، وإن كان قد ثبت عند الدارسين مشاركة ابن عبد ربه في نظم الموشحات، من غير أن يكون هو نفسه مخترعها.
تناول شعر ابن عبد ربه معظم الأغراض الشعرية، وتميز بالجودة والجزالة، على أنه لم يكن منصرفاً للشعر، ومن الظواهر المتميزة في ديوانه ما أطلق عليه اسم (الممحَّصات) «وذلك أنه نقض كل قطعة قالها في الصبا والغزل بقطعة في المواعظ والزهد محّصها بها، كالتوبة منها والندم عليها». ومن إحدى ممحَّصاته قوله:
يا عاجزاً ليس يعفو حين يقتدرُ
ولا يُقَضَّى له من عَيْشِه وطرُ
عاين بقلبك إن العينَ غافلةٌ
عن الحقيقةِ واعلمْ أنَّها سقرُ
لم تشر المصادر إلى ديوانٍ قديم له، وقد جُمِع شعره مؤخراً وصدر في طبعات عدة، بعناية أكثر من محقق، منهم: محمد ألتونجي، دمشق، 1977، ومحمد بن تاويت، الرباط، 1978، ومحمد رضوان الداية، دمشق، ط1: 1979، ط2: 1987.
لـؤي خليل
Ibn Abd Rabbih - Ibn Abd Rabbih
ابن عبـد ربـه
(246 ـ 328هـ/860 ـ 939م)
أحمد بن محمد بن عبد ربه بن حبيب بن حدير بن سالم، مولى هشام ابن عبد الرحمن بن معاوية، يكنى: أبا عمر. أديب شاعر، ولد بقرطبة حاضرة الأندلس، وتتلمذ على علمائها، فحصّل ثقافة إسلاميةً وعلوماً عربيةً واسعةً، وكان له «بالعلم جلالة وبالأدب رياسة وشهرة مع ديانة وصيانة... فساد بعد خمول، وأثرى بعد فقر، وأشير بالتفصيل إليه».
اتصل بعدد من أمراء بني مروان، ونال عندهم حظوة وجاهاً؛ فقد أدرك الأمير محمداً وشطراً من عهد عبد الرحمن الناصر.
له الكتاب الكبير المسمى (العقد الفريد)، وهو مقسم على خمسة وعشرين كتاباً، وتصور المؤلف كتابه عقداً كما سماه، مؤلفاً من خمس وعشرين جوهرة كريمة، اثنتا عشرة في جانب واثنتا عشرة أخرى في جانب، وجعل جوهرةً في الوسط سماها الواسطة، وقد سمّى الجواهر الاثنتي عشرة الأولى، فبدأه باللؤلؤة في السلطان، والفريدة في الحروب، والزبرجدة في الأجواد والأصفاد، وهكذا. أما الاثنتا عشرة التي في الجانب الآخر فهي الجواهر الأولى مكررة؛ فاللؤلؤة الثانية، والفريدة الثانية، والزبرجدة الثانية …، وكتاب العقد أشبه بموسوعة ثقافية تبين أحوال الحضارة الإسلامية في عصر مؤلفه، ولعل هذا ما يفسر ضمور الجانب الأندلسي فيه، والتفصيل في أخبار المشارقة، مما حمل الصاحب بن عباد على القول عنه: «هذه بضاعتنا ردت إلينا»، إشارةً إلى ما فيه من ثقافة مشرقية.
كان ابن عبد ربه جاداً رصيناً، ميالاً إلى الزهد في أواخر أيامه، وكان مع ذلك حاد الطبع، سريع الغضب، متبرماً من الناس ومن أخلاقهم، يقول في ذلك:
وأيام خَلَت من كلّ خيرٍ
ودنيا قد تَوزَّعَها الكلابُ
كلابٌ لو سألتهمُ ترابا
لقالوا عندنا انقطع الترابُ
أثّرت ثقافته في شعره فجاء رصيناً جزلاً متيناً، واعتز الأندلسيون به فزعموا أن المتنبي أُعجب بشعره وقال فيه: «يا بن عبد ربه لقد يأتيك العراق حبواً».
ونَقَلَ ابن بسام في (ذخيرته) عمن لم يسمّه رأياً في مبدعي الموشح يزعم فيه أن «ابن عبد ربه أول من سبق إلى هذا النوع من الموشحات»، وذلك بما عُرف عنه من تفنُّنٍ دفعه إلى رسم الدوائر العروضية، واستخراج فروع الوزن الواحد منها، وإن كان قد ثبت عند الدارسين مشاركة ابن عبد ربه في نظم الموشحات، من غير أن يكون هو نفسه مخترعها.
تناول شعر ابن عبد ربه معظم الأغراض الشعرية، وتميز بالجودة والجزالة، على أنه لم يكن منصرفاً للشعر، ومن الظواهر المتميزة في ديوانه ما أطلق عليه اسم (الممحَّصات) «وذلك أنه نقض كل قطعة قالها في الصبا والغزل بقطعة في المواعظ والزهد محّصها بها، كالتوبة منها والندم عليها». ومن إحدى ممحَّصاته قوله:
يا عاجزاً ليس يعفو حين يقتدرُ
ولا يُقَضَّى له من عَيْشِه وطرُ
عاين بقلبك إن العينَ غافلةٌ
عن الحقيقةِ واعلمْ أنَّها سقرُ
لم تشر المصادر إلى ديوانٍ قديم له، وقد جُمِع شعره مؤخراً وصدر في طبعات عدة، بعناية أكثر من محقق، منهم: محمد ألتونجي، دمشق، 1977، ومحمد بن تاويت، الرباط، 1978، ومحمد رضوان الداية، دمشق، ط1: 1979، ط2: 1987.
لـؤي خليل