عبد رحيم علي دمشقي
Abdul Rahim ibn Ali al-Dimashqi - Abdel Rahim ibn Ali al-Dimashqi
عبد الرحيم بن علي الدمشقي
(565 ـ 628هـ/1169ـ 1230م)
أبو محمد مهذب الدين عبد الرحيم ابن علي بن حامد الدمشقي المعروف بالدخوار، طبيب بارع فاضل، ولد بدمشق، وبها نشأ، وأخذ علومه الأولية في مدارسها، وظهرت عليه علائم النبوغ والدأب في تحصيل العلم والاجتهاد في توسيع معارفه وآفاقه العلمية من مجالس شيوخ دمشق، درس العربية وأخذها قي مجلس الشيخ تاج الدين الكِنْديّ، واشتغل بالعلوم الحكمية على الشيخ سيف بن أبي الآمدي (ت631هـ/1233م)، وكذلك علوم المذاهب الشرعية، ودرس علم الهيئة والنجوم على يد أبي الفضل الإسرائيلي المنجم، واعتنى بحيازة معظم الآلات التي يحتاج إليها الباحث في علم الفلك والنجوم واقتناها، إضافة إلى كتب متعددة ورسائل في علم الاسطرلابات[ر]. ولكن جل اهتمامه كان ينصب على دراسة علم الطب وصناعته وفنونه حتى أتقنها، ووصل إلى أعلى مدارجها علماً وعملاً. كان أول اشتغاله في الطب في مجلس والده كحال دمشق، فتفوق على أقرانه، ومارس الكحل في بداية حياته العملية كأخيه حامد بن علي، ثم اتجه مهذب الدين إلى أطباء دمشق المشهورين بدراسته؛ فاشتغل في البداية على الشيخ رضي الدين الرحبي يوسف بن حيدرة[ر] (ت630هـ/1232م)، ثم تتلمذ على يد الطبيب موفق الدين بن المطران[ر] (ت587هـ/1191م). ولما حضر إلى دمشق الطبيب فخر الدين المارديني عام (579/1183م) دخل مجلسه ليقرأ عليه بعضاً من كتاب القانون لابن سينا[ر]. اكتسب مهذب الدين بدراسته في مجالس مشاهير شيوخ الطب بدمشق تجربة وعلماً واسعين، ممَّا أهَّله للدخول إلى العمل والممارسة في البيمارستان النوري بدمشق[ر]، وذاعت شهرته في جميع الأوساط الطبية وأوساط البلاط السلطاني وحاشيته، فاصطفاه الملك السلطان العادل الأيوبي لخدمته طبيباً للدار السلطانية، وذلك بعد أن شفاه من مرض ألم به، وقرر أن يكون بين أطباء البيمارستان النوري، ورسم له جامكية (راتباً) يتناسب وعلمه ومقامه بين أطباء دمشق وعلمائها، وجعله بعد ذلك رئيس أطباء البيمارستان وغدا مهذب الدين جليسه، وصاحب مشورته، وارتفعت مكانته وتوطدت لدى السلطان والوزراء والأمراء وجاهته. أهَّلته معالجته لأمراض السلطان العادل لرضاه، فجعله العادل رئيساً لأطباء بلاد الشام ومصر. وبعد وفاة العادل دخل مهذب الدين في خدمة الملك المعظم[ر] الذي أطلق له جامكية كبيرة، وأقر إقامته الدائمة بدمشق. وكانت بداية طريق ممارسته تدريس صناعة الطب في البيمارستان، إضافة إلى معالجة المرضى ومداواتهم الدائمة مع زملائه الأطباء، فاجتمع عليه طلاب كثيرون، كان من أبرزهم ابن أبي أُصَيبعة[ر] الذي يقول «… إنه أقام بدمشق لأجل القراءة عليه ـ ابن علي مهذب الدين ـ فقرأ عليه كتب جالينوس[ر] إذ كان مهذب الدين معجباً جداً به» ويروي ابن أبي أُصَيْبعَة في صدد ذلك «… أنه إذا سمع شيئاً من كلام جالينوس في ذكر الأمراض ومداواتها والأصول الطبية يقول: هذا هو الطب…».
لم يتوقف الطبيب مهذب الدين عبد الرحيم عن القراءة والدرس، فكان متى انتهى من عمله في البيمارستان يتوجه إلى داره لاستراحة قصيرة يستأنف بعدها الانكباب على المطالعة، إذ كان مولعاً بها، ولا يتوقف عنها، ولا عن نسخ مايراه ضرورياً، إلى أن يحين وقت دخول بعض أطباء دمشق والطلاب والعالمين بهذه الصناعة الطبية ليبحث معهم شؤون الطب وعلومه، ويحاول إفهام الطلاب بقدرة فائقة أصول صناعة الطب وفنونه. ويذكر ابن أبي أُصَيْبِعَة أن مهذب الدين كان بالإضافة إلى دراسة الطب لاينسى كتب اللغة، فكان كتاب الصحاح للجوهري إلى جانبه باستمرار، وكذلك كتاب «المجمل» لابن فارس من علماء اللغة المشهورين، ولم يكتف بذلك، بل كان يدرس كتاب «النبات» لأبي حنيفة الدينوري[ر] لاعتقاده أن النبات من أهم مصادر الأدوية، وخاصة الأدوية المفردة، ولامندوحة لكل طبيب ممارس ومعالج من دراسة علم النبات.
استمر مهذب الدين على هذا العمل، والجلوس إلى تدريس الطب، سواء في البيمارستان النوري أو في داره، إلى أن أصابه ثقل في لسانه، وعسر في فهم كلامه، واستمر مع ذلك يعمل ويستقبل الطلاب إلى أن أعياه الثقل في لسانه، فكان يكتب على لوح ما يريد إيضاحه إلى الجالسين إليه، إلى أن وهنت قواه وتوفاه الله فشيعته جموع أهالي دمشق إلى مدفنه في جبل قاسيون.
من أهم أعماله وآثاره التي خلدت ذكراه ما قام به من وقف داره ومكان سكنه لتكون مدرسة لطلاب الطب ودراسته، وأجرى عليها أوقافاً من أملاكه، وما عنده من ضياع لتأمين مصروفاتها، وما يلزمها من مصالح ومدرسين وموظفين، وجعل لكل واحد منهم راتباً، وأوصى أن يكون المدرس الأول والمشرف عليها الطبيب شرف الدين علي بن الرحبي[ر]، ويذكر النعيمي في كتابه «الدارس في تاريخ المدارس» الأطباء الذين تتالوا على التدريس فيها. ولاتزال هذه المدرسة التي تعرف باسم المدرسة الطبية الدخوارية أول مدرسة طبية بدمشق، ولاتزال إلى اليوم في محلة الصاغة العتيقة شرقي سوق المناخلية بدمشق. خلّدت ذكراه قصائد الشعراء الذين أبدعوا في مدح علمه وتقريظ أعماله وأثره العلمي في تقدم دراسة الطب.
صنف مهذب الدين عبد الرحيم كتباً متعددة منها:«كتاب ما يقع في الأدوية المفردة من التصحيف»، «تعاليق ومسائل في الطب وشكوك طبية والجواب عليها»، «مختصر كتاب الحاوي للرازي في الطب»، «كتاب الرد على شرح ابن صادق لمسائل حنين بن إسحاق»، مقالة يرد فيها على رسالة ابن الحجاج يوسف الإسرائيلي في ترتيب الأغذية اللطيفة والكثيفة في تناولها، شرح تقدمة المعرفة لأبقراط، «مختصر كتاب الأغاني للأصفهاني». ولبعض هذه الكتب مخطوطات في بعض المكتبات العالمية.
زهير حميدان
Abdul Rahim ibn Ali al-Dimashqi - Abdel Rahim ibn Ali al-Dimashqi
عبد الرحيم بن علي الدمشقي
(565 ـ 628هـ/1169ـ 1230م)
أبو محمد مهذب الدين عبد الرحيم ابن علي بن حامد الدمشقي المعروف بالدخوار، طبيب بارع فاضل، ولد بدمشق، وبها نشأ، وأخذ علومه الأولية في مدارسها، وظهرت عليه علائم النبوغ والدأب في تحصيل العلم والاجتهاد في توسيع معارفه وآفاقه العلمية من مجالس شيوخ دمشق، درس العربية وأخذها قي مجلس الشيخ تاج الدين الكِنْديّ، واشتغل بالعلوم الحكمية على الشيخ سيف بن أبي الآمدي (ت631هـ/1233م)، وكذلك علوم المذاهب الشرعية، ودرس علم الهيئة والنجوم على يد أبي الفضل الإسرائيلي المنجم، واعتنى بحيازة معظم الآلات التي يحتاج إليها الباحث في علم الفلك والنجوم واقتناها، إضافة إلى كتب متعددة ورسائل في علم الاسطرلابات[ر]. ولكن جل اهتمامه كان ينصب على دراسة علم الطب وصناعته وفنونه حتى أتقنها، ووصل إلى أعلى مدارجها علماً وعملاً. كان أول اشتغاله في الطب في مجلس والده كحال دمشق، فتفوق على أقرانه، ومارس الكحل في بداية حياته العملية كأخيه حامد بن علي، ثم اتجه مهذب الدين إلى أطباء دمشق المشهورين بدراسته؛ فاشتغل في البداية على الشيخ رضي الدين الرحبي يوسف بن حيدرة[ر] (ت630هـ/1232م)، ثم تتلمذ على يد الطبيب موفق الدين بن المطران[ر] (ت587هـ/1191م). ولما حضر إلى دمشق الطبيب فخر الدين المارديني عام (579/1183م) دخل مجلسه ليقرأ عليه بعضاً من كتاب القانون لابن سينا[ر]. اكتسب مهذب الدين بدراسته في مجالس مشاهير شيوخ الطب بدمشق تجربة وعلماً واسعين، ممَّا أهَّله للدخول إلى العمل والممارسة في البيمارستان النوري بدمشق[ر]، وذاعت شهرته في جميع الأوساط الطبية وأوساط البلاط السلطاني وحاشيته، فاصطفاه الملك السلطان العادل الأيوبي لخدمته طبيباً للدار السلطانية، وذلك بعد أن شفاه من مرض ألم به، وقرر أن يكون بين أطباء البيمارستان النوري، ورسم له جامكية (راتباً) يتناسب وعلمه ومقامه بين أطباء دمشق وعلمائها، وجعله بعد ذلك رئيس أطباء البيمارستان وغدا مهذب الدين جليسه، وصاحب مشورته، وارتفعت مكانته وتوطدت لدى السلطان والوزراء والأمراء وجاهته. أهَّلته معالجته لأمراض السلطان العادل لرضاه، فجعله العادل رئيساً لأطباء بلاد الشام ومصر. وبعد وفاة العادل دخل مهذب الدين في خدمة الملك المعظم[ر] الذي أطلق له جامكية كبيرة، وأقر إقامته الدائمة بدمشق. وكانت بداية طريق ممارسته تدريس صناعة الطب في البيمارستان، إضافة إلى معالجة المرضى ومداواتهم الدائمة مع زملائه الأطباء، فاجتمع عليه طلاب كثيرون، كان من أبرزهم ابن أبي أُصَيبعة[ر] الذي يقول «… إنه أقام بدمشق لأجل القراءة عليه ـ ابن علي مهذب الدين ـ فقرأ عليه كتب جالينوس[ر] إذ كان مهذب الدين معجباً جداً به» ويروي ابن أبي أُصَيْبعَة في صدد ذلك «… أنه إذا سمع شيئاً من كلام جالينوس في ذكر الأمراض ومداواتها والأصول الطبية يقول: هذا هو الطب…».
لم يتوقف الطبيب مهذب الدين عبد الرحيم عن القراءة والدرس، فكان متى انتهى من عمله في البيمارستان يتوجه إلى داره لاستراحة قصيرة يستأنف بعدها الانكباب على المطالعة، إذ كان مولعاً بها، ولا يتوقف عنها، ولا عن نسخ مايراه ضرورياً، إلى أن يحين وقت دخول بعض أطباء دمشق والطلاب والعالمين بهذه الصناعة الطبية ليبحث معهم شؤون الطب وعلومه، ويحاول إفهام الطلاب بقدرة فائقة أصول صناعة الطب وفنونه. ويذكر ابن أبي أُصَيْبِعَة أن مهذب الدين كان بالإضافة إلى دراسة الطب لاينسى كتب اللغة، فكان كتاب الصحاح للجوهري إلى جانبه باستمرار، وكذلك كتاب «المجمل» لابن فارس من علماء اللغة المشهورين، ولم يكتف بذلك، بل كان يدرس كتاب «النبات» لأبي حنيفة الدينوري[ر] لاعتقاده أن النبات من أهم مصادر الأدوية، وخاصة الأدوية المفردة، ولامندوحة لكل طبيب ممارس ومعالج من دراسة علم النبات.
استمر مهذب الدين على هذا العمل، والجلوس إلى تدريس الطب، سواء في البيمارستان النوري أو في داره، إلى أن أصابه ثقل في لسانه، وعسر في فهم كلامه، واستمر مع ذلك يعمل ويستقبل الطلاب إلى أن أعياه الثقل في لسانه، فكان يكتب على لوح ما يريد إيضاحه إلى الجالسين إليه، إلى أن وهنت قواه وتوفاه الله فشيعته جموع أهالي دمشق إلى مدفنه في جبل قاسيون.
من أهم أعماله وآثاره التي خلدت ذكراه ما قام به من وقف داره ومكان سكنه لتكون مدرسة لطلاب الطب ودراسته، وأجرى عليها أوقافاً من أملاكه، وما عنده من ضياع لتأمين مصروفاتها، وما يلزمها من مصالح ومدرسين وموظفين، وجعل لكل واحد منهم راتباً، وأوصى أن يكون المدرس الأول والمشرف عليها الطبيب شرف الدين علي بن الرحبي[ر]، ويذكر النعيمي في كتابه «الدارس في تاريخ المدارس» الأطباء الذين تتالوا على التدريس فيها. ولاتزال هذه المدرسة التي تعرف باسم المدرسة الطبية الدخوارية أول مدرسة طبية بدمشق، ولاتزال إلى اليوم في محلة الصاغة العتيقة شرقي سوق المناخلية بدمشق. خلّدت ذكراه قصائد الشعراء الذين أبدعوا في مدح علمه وتقريظ أعماله وأثره العلمي في تقدم دراسة الطب.
صنف مهذب الدين عبد الرحيم كتباً متعددة منها:«كتاب ما يقع في الأدوية المفردة من التصحيف»، «تعاليق ومسائل في الطب وشكوك طبية والجواب عليها»، «مختصر كتاب الحاوي للرازي في الطب»، «كتاب الرد على شرح ابن صادق لمسائل حنين بن إسحاق»، مقالة يرد فيها على رسالة ابن الحجاج يوسف الإسرائيلي في ترتيب الأغذية اللطيفة والكثيفة في تناولها، شرح تقدمة المعرفة لأبقراط، «مختصر كتاب الأغاني للأصفهاني». ولبعض هذه الكتب مخطوطات في بعض المكتبات العالمية.
زهير حميدان