عبده (طانيوس-)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عبده (طانيوس-)

    عبده (طانيوس)

    ’Abdou (Tanius-) - ’Abdou (Tanius-)

    عبده (طانيوس ـ)
    (1280ـ 1345هـ/1864ـ 1926م)

    طانيوس بن متري عبده، أديب من كبار المترجمين عن الفرنسية وأكثرهم إنتاجاً في هذا المجال، وهو شاعر نظّام، طُبِعَ جزء من ديوانه وبقي سواه بعد أن توفي، وهو موسيقيّ بارع وصحفي كبير، وُلِدَ في بيروت، وتعلّم في مدارسها، ثمّ انتقل إلى الاسكندرية كما هي حال الشاميين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، واشتغل بالموسيقى والتلحين في فرقة تمثيلية، وعمل هناك بالصحافة، وكان من المجلّين والمجدّدين فيها، ولما أُعلن الدستور العثماني عاد إلى بيروت، فأقام فيها إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى، فرجع إلى مصر، ثم عاد إلى بيروت مستشفيّاً، فتوفي فيها.
    وهو من كبار مترجمي القصص الروائية والتمثيلية عن الفرنسية، ولم يتفق لمترجم عربي أن نشر مثل العدد الذي نشره، ولذلك اتّهم بسرعة الترجمة، وخاصة أنّه لم يكن يجوّد عباراته، وإنّما تركها تنساب انسياباً، وقد اهتمّ بالمضمون أكثر من اهتمامه بالشكل، وكان ينزع في ترجماته وشعره وكتاباته في الصحف إلى لغة الحياة أكثر مما كان ينزع إلى لغة الأدب، ومن قصصه المترجمة «البؤساء» و«عشّاق فينيسيا» و«مروّضة الأسود» و«جاسوسة الكردينال»، و«روكامبول»، وهي سبعة عشر جزءاً، و«أسرار القيصرة»، و«حيّ في ضريح»، و «شارب الدماء»، و«الطبيب الروسيّ»، و«الساحر العظيم»، و«باردليان»، وهي ثلاثة أجزاء، و«الأميرة فوستا»، و«كابيتان»، و«الملكة إيزابو»، وسوى ذلك.
    كان طانيوس عبده سريع الترجمة لتلبية حاجة السوق وكثرة الطلب على إنتاجه وتحصيل لقمة العيش، وكان مثل سواه من مترجمي عصره يتصرّف بالأصل الفرنسي زيادة وحذفاً واختصاراً، وهو ذو ديباجة جميلة لسهولة التلقّي، وكانت ترجماته تتناسب وطبيعة العصر وجمهور المتلقين الذين يتوجّه إليهم النص المترجم، فقد كان المتلقي يرغب في أن يرى نفسه في هذه الترجمات، ولذلك كان المترجم يزيد على النّصّ الأصلي بما ليس فيه ليُرضي قارئه، كما كان يحذف منه ما يدرك أنّه يُغضب المتلقّي، ومن الإضافات على النص الأصلي مثلاً الأمثال العربية والأبيات الشعرية التي كانت تنطق بها هذه الشخصية الغربية أو تلك، وهي أمثال وأبيات شعرية مقحمة على النّص، ولكنها كانت تدغدغ إحساسات المتلقي وتنال رضاه.
    وقد عمل طانيوس أيضاً في الصحافة منذ يفاعته كغيره من اللبنانيين حتى وفاته، فهي مصدر رزق لكثير منهم، وخاصة في مصر، وكان لأسلوبه السهل ولغته المألوفة أثران كبيران في إرساء لغة الصحافة وتخليصها مما علق بها في عصور الانحدار من شوائب وزخرفات وتصنّع، وهذا يتلاقى وعملَهُ مترجماً للروايات التي جاءت سهلة العبارة بسيطة التراكيب، فقد اهتمّ طانيوس وزملاؤه بالمضمون فوق اهتمامهم بالشكل.
    أصدر طانيوس عبده جريدة «فصل الخطاب» سنة 1896، ثمّ توقّفت بعد فترة، كما هي حال الصحف والمجلات التي كان يصدرها الشاميون في مصر، ثم اشترك في تحرير جريدة «الأهرام»، وعمل في جريدة «البصير»، ثم أصدر مجلة الراوي في القاهرة سنة 1907، وقد خصّها بالقصة كما هو واضح من عنوانها، وهي من أولى المجلات في مصر.
    ولطانيوس عبده نظم كثير جمعه في ديوان، فَطُبِعَ الجزء الأول منه، ولايزال الثاني مخطوطاً، وقد صدر ديوانه عن مطبعة الهلال بمصر سنة 1925، وكان ينوي إصدار ما تبقّى لديه، ولكنّ المنية عاجلته في العام التالي.
    يحاول طانيوس عبده الشاعر أن يسير على درب صديقه مطران مع أنّه لا يمتلك تدفَّقه الشعري ولا لغته ولا شاعريتة المتوهجة المتماسكة، لكن طانيوس ذو لغة سهلة دون تعمّل تكلّف، ومشكلته أنّه سار وراء المحتوى شوطاً بعيداً، وقد نَهَجَ نهْجَ مطران في القصيدة القصصية، ففي قصيدته «بنت الرصيف» شيء غير قليل من قصيدة «الجنين الشهيد» لمطران، سواء من حيث موضوعها القصصي الاجتماعي، أم من حيث بنيتها القائمة على المخّمسات، والقصيدة تصوير لبنت الهوى التي دفعها الفقر والقوانين الاجتماعية إلى ذلك، وهو يُلقي اللوم والتبعة على الأهل في البيت الأول، بل إنّ هذا البيت يختصر فكرة القصيدة ومضمونها وعرضها:
    ماالذنبُ ذنبُكِ بالذي وصموكِ
    فلقد نشأتِ كما أراد ذووكِ
    ويتوصل الشاعر إلى النتيجة لأمثال هذه الأنثى التي ينبذها المجتمع في المخمس الأخير:
    واللهِ لو كنتِ الجمالَ ممثَّلاً
    ما نلتِ من نفس الأبيِّ مؤملا
    إنّ الجمالَ يجلُّ حتى يُبذلا
    فإذا تُبُذّل بات محتقراً فلا
    حُسْنٌ بلا طهرٍ وحسنِ سلوكِ
    وكذا شأن قصيدته «الريال الزائف» التي تتداخل وقصيدة «الريال المزيّف» للأخطل الصغير عنواناً وموضوعاً وحدثاًَ، فالقصيدة تحكي حكاية امرأة جميلة فقيرة ذات طفل في مجتمع فاسد، زادته الحرب فساداً على فساد، فتحكّم الأثرياء برقاب الفقراء وأعراضهم، ولما أُكرهت هذه المرأة على بيع جسدها لإنقاذ طفلها من الموت جوعاً تبيّن لها أنّ الريال زائف، فأصيبت بالجنون لما ألمّ بها من أهوال، وألقت بنفسها من شاهق، لتموت على الصخور، وليموت طفلها في اليوم نفسه من الجوع، ولتموت الفضيلة في ذلك المجتمع، وهذا ما عبر عنه البيتان الأخيران:
    جنازاتٌ شهدناها ثلاثٌ
    تسيرُ بذلك اليوم المطيرِ
    لقد قتلَ العفافَ الجوعُ قهراً
    فماتَ مع المروءةِ والضميرِ
    ومما تقدم يتبين أن طانيوس عبده مترجم أولاً، وصحفي ثانياً وشاعر ثالثاً، وقد قام بعملٍ جليّ في هذه المجالات الثلاثة، وبخاصة في تطويع اللغة العربية للترجمة والصحافة، ولكنّ اهتمامه بالمضمون كان على حساب الشكل أحياناً، وكانت السرعة بادية على أعماله في هذه المجالات، ومع ذلك فهو أحد رجالات النهضة الذين أسهموا فيها في مجالات مختلفة.
    خليل الموسى
يعمل...
X