عباس (احسان)
Abbas (Ihsan-) - Abbas (Ihsan-)
عباس (إحسان ـ)
(1920 ـ 2003م)
إحسان رشيد عبد القادر عباس، الأديب والناقد والمؤرخ، ولد في قرية عين غزال التي تقع على الطريق بين حيفا ويافا في فلسطين، تعلم الابتدائية في قريته، وأكملها للثانوية في حيفا وعكا؛ ثم أوفد للكلية العربية بالقدس فحصل على الثانوية (المترك 1939) وأهلية التعليم عام 1941، وعيِّن بعد تخرجه في التدريس بثانوية صفد حتى عام 1946حيث أوفد لدراسة الأدب العربي في جامعة فؤاد (جامعة القاهرة)، وانغمس فيها بالتعلم الذاتي من المكتبات المتوافرة بها، وتعرّف فيها كبارِ الكتاب، وأساتذة الجامعة، وخاصة شوقي ضيف، وأحمد أمين، واشترك معهما في تحقيق موسوعة «خريدة القصر، وجريدة العصر» للعماد الأصفهاني عام «1952» كما شارك في منتدى الباحث محمود محمد شاكر. وعاش فيها لذة المعرفة، وألم الفقر، ووفاء الأصدقاء الذين ضحوا لإنقاذه وعائلته من الجوع الناشئ عن الغربة والحرب مع إسرائيل، وتشرد أهله بعد تدمير الصهيونيين بالطيران قرى عين غزال، وجبع وإجزم ولجوء أهلها إلى العراق والأردن وسورية في عام 1948.
حصل من جامعة القاهرة على الإجازة بالأدب عام 1949، وعلى الماجستير عام 1951 في رسالته عن: «حياة الأدب العربي في صقلية». التحق أستاذاً بجامعة غوردن بالخرطوم (جامعة الخرطوم) منذ عام 1951، وحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة عام 1954، ومكث يدرس ويشرف على رسائل في جامعة الخرطوم حتى عام 1961، انتقل بعدها إلى التدريس في الجامعة الأمريكية في بيروت حتى عام 1986، ثم انتقل إلى عمان بالأردن، ومكث فيها حتى وفاته.
وعمل أستاذاً زائراً في جامعة برنستون في الولايات المتحدة الأمريكية بين عامي: (1975ـ1977).
ألف إحسان عباس قرابة مئة كتاب منفرداً، أو مشاركاً غيره من الأساتذة، والزملاء، وأورد بياناتها في موسوعة روبرت كامبل عن أعلام الأدب العربي المعاصر كل من وداد القاضي التي كتبت عنه عندما بلغ الستين من عمره، وأخيه بكر. وكانت الموضوعات التي طرقها تتعلق بالغربة، والتجديد في التراث العربي، وتأهيله بالإبداع والتجديد والنقد في تقنيات أدبية عديدة مثل (فن الشعر)، و(فن القصة)، (وفن المسرحية)، و(تاريخ النقد الأدبي)، كما حقق في حياته اثنتين وخمسين موسوعة في الأدب العربي لايتسع المجال لتعدادها، وكتب أيضاً في السيرة «غُربة الراعي» عام 1996.
أبرز مؤلفاته المنشورة: «تاريخ النقد الأدبي عند العرب»، وألف مع محمد نجم «النقد الأدبي ومدارسه الحديثة»، ونشر أو أسهم في نشر عدد من المصنفات التاريخية مثل «الوافي بالوفيات» لصلاح الدين بن أيبك الصفدي، و«وفيات الأعيان» لابن خلكان، و«معجم الأدباء» لياقوت الحموي، ونفح الطيب للمقّري.
ومن مؤلفاته أيضاً «من الذي سرق النار» وهي خطرات في الأدب والنقد، ويستند في هذا العنوان إلى أسطورة يونانية سُرقت فيها النار من الآلهة وأعطيت للإنسان، وفيها أشاد بتجديدات الشعراء بدر شاكر السياب، ونازك الملائكة، وعبد الوهاب البياتي، وفدوى طوقان، ومحمود درويش، وسميح القاسم، وتوفيق زياد. ويضم هذا الكتاب معظم دراساته السابقة في الإبداع الشعري، ويكررها في كتابه «اتجاهات الشعر العربي المعاصر»، و ترجم ملحمة (موبي ديك) تأليف هرمان ملفل، وهي تمثل صراع الإنسان مع الطبيعية، وترجمة إحسان عباس لها كانت دقيقة في مصطلحاتها، مما يدل على إتقانه اللغتين الإنكليزية والعربية. وترجم كتباً أخرى مع أخيه بكر في «القضية الفلسطينية».
وله «غربة الراعي» سيرة ذاتية، ويضع شعاره في الصفحة الأولى لقول هرقليطس في التغيير، ويعترف بأنه درس عدداً من السير الذاتية لكل من طه حسين وأحمد أمين والعقاد ونجيب محفوظ وإميل حبيبي في «سرايا بنت الغول» 1991، ويذكر بصراحة وصدق، وتواضع مجمل حياته العائلية والأدبية، بالتسلسل التاريخي، وبنقد مبطّن وسخرية من العقلية الدينية الجامدة، والعادات العائلية في القرى العربية، وانطباعاته في الغربة من القرية إلى حيفا وعكا، وصفد والقاهرة والخرطوم وبيروت وعمان، ويصف كل من تعرف عليه في غربته، من المشهورين وغيرهم، ويعترف بأخطائه في بعض المواقف، ويسوّغ عدم التزامه السياسي بأحزاب دينية أو شيوعية، وتمتزج نجاحاته بالتأليف بألمه في الغربة، وربما ترتبط كلمة الراعي بديوان (الرعاة) الذي يشبه عمل جبران خليل جبران وإيليا أبو ماضي، ويشعر كل من يقرأ الكتاب أنه يكتب مذكرات حياة كل فلسطيني أو عربي، ويعتقد أن كل فلسطيني عانى من الاستعمار البريطاني والصهيونية الاستيطانية وما نشأ عنها من غربة الفلسطيني بالتجارب والخبرات نفسها، أو أنه يحاكي تجربته أو ما يشبهها التي ذكرها إحسان عباس. وفي آخر هذا الكتاب يعتذر من قريبته (مريم) التي عشقت شخصاً آخر غير الذي فرضه شيخ العائله وتزوجت قاتل عمها وهربت إلى حيفا، وكان إحسان يرغب في الثأر منها في شبابه، أما في شيخوخته فيقول لها معتذراً بعد أكثر من ستين سنة» فإني إليك يا (مريم سالم خليل) أتوجه بأسفي واعتذاري، كنتُ مغموراً بقيم العائلة المستمدة من قيم الريف، حين لم أستطع أن أرى في موقفك ثورة على تقاليد هي القيود بعينها… وأجدك لم تقنعي بالثورة من أجل الحب، بل أمعنت في التحدي، حين أحببت قاتل عمك … إنني يا مريم أؤمن بأنني لم أجد في الحياة شيئاً إيجابيَّاً إلا وجدت شيئاً سلبيَّاً يجاوره ويوازيه أو يتولد عنه» وهذا التغير ونفي النفي هو شعاره في تفاصيل سيرته الذاتية، وبعد كتابه «غربة الراعي» عام 1996ذكر إبراهيم شبوح في أواسط عام 2003، أنه جلس قرب فراش إحسان عباس الغائب عن وعيه، وأراد أن يبهجه فأسمعه البَيت الأول من قصيدة عبد الجبار بن حمديس الصقلي بعد غربته عن بلده:
ذكرتُ صقلية والأسى
يهيّج النفس تذكارها
فتهيج إحسان عباس من غيبوبته وتابع قراءة القصيدة بالبيت الثاني
ولولا ملوحة ماء الدموع
حسبتُ دموعي أنهارها
حتى آخر القصيدة، وفيه يتوضح مدى ألم إحسان عباس من حرمانه من وطنه وحرمان ملايين من مواطنيه، في الماضي والحاضر، وربما المستقبل من العيش في أوطانهم، وربما أدى هذا الحرمان إلى الإنتاج الأدبي المبدع، والواسع والعميق لمؤلفاته.
أشرف إحسان عباس على عشرات الرسائل الجامعية إضافة إلى دراساته العلمية بأسلوب اهتم فيه بما (قلّ ودلّ) كما كان يردد دائماً على طلابه الذين يعدون رسائل بإشرافه في جامعة الخرطوم والجامعة الأمريكية في بيروت.
حصل إحسان عباس على جائزة الملك فيصل العالمية في الأدب عام 1980، وعلى جائزة سلطان العويس في الأدب والشعر عام 1993، وطالب باحثون مصريون بتدريس كتبه النقدية في الجامعات المصرية، أو تأسيس أقسام باسمه، كما عقدت وزارة الثقافة في الأردن بعد وفاته، في آخر حزيران 2004، ندوة دولية عنه، ومثّلت محطة لبنانية حياته في تمثيلية من ثلاث حلقات عرضت في شهر أيلول 2004، كما عقدت ندوات عديدة عن إنتاجه الأدبي في سورية ولبنان، مما جعل تسميته «شيخ النقاد العرب»، وسادن تراثه وقمر زمانه مطابقة لتقويم أعماله تقويماً شموليّاً.
فخر الدين القلا
Abbas (Ihsan-) - Abbas (Ihsan-)
عباس (إحسان ـ)
(1920 ـ 2003م)
إحسان رشيد عبد القادر عباس، الأديب والناقد والمؤرخ، ولد في قرية عين غزال التي تقع على الطريق بين حيفا ويافا في فلسطين، تعلم الابتدائية في قريته، وأكملها للثانوية في حيفا وعكا؛ ثم أوفد للكلية العربية بالقدس فحصل على الثانوية (المترك 1939) وأهلية التعليم عام 1941، وعيِّن بعد تخرجه في التدريس بثانوية صفد حتى عام 1946حيث أوفد لدراسة الأدب العربي في جامعة فؤاد (جامعة القاهرة)، وانغمس فيها بالتعلم الذاتي من المكتبات المتوافرة بها، وتعرّف فيها كبارِ الكتاب، وأساتذة الجامعة، وخاصة شوقي ضيف، وأحمد أمين، واشترك معهما في تحقيق موسوعة «خريدة القصر، وجريدة العصر» للعماد الأصفهاني عام «1952» كما شارك في منتدى الباحث محمود محمد شاكر. وعاش فيها لذة المعرفة، وألم الفقر، ووفاء الأصدقاء الذين ضحوا لإنقاذه وعائلته من الجوع الناشئ عن الغربة والحرب مع إسرائيل، وتشرد أهله بعد تدمير الصهيونيين بالطيران قرى عين غزال، وجبع وإجزم ولجوء أهلها إلى العراق والأردن وسورية في عام 1948.
حصل من جامعة القاهرة على الإجازة بالأدب عام 1949، وعلى الماجستير عام 1951 في رسالته عن: «حياة الأدب العربي في صقلية». التحق أستاذاً بجامعة غوردن بالخرطوم (جامعة الخرطوم) منذ عام 1951، وحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة عام 1954، ومكث يدرس ويشرف على رسائل في جامعة الخرطوم حتى عام 1961، انتقل بعدها إلى التدريس في الجامعة الأمريكية في بيروت حتى عام 1986، ثم انتقل إلى عمان بالأردن، ومكث فيها حتى وفاته.
وعمل أستاذاً زائراً في جامعة برنستون في الولايات المتحدة الأمريكية بين عامي: (1975ـ1977).
ألف إحسان عباس قرابة مئة كتاب منفرداً، أو مشاركاً غيره من الأساتذة، والزملاء، وأورد بياناتها في موسوعة روبرت كامبل عن أعلام الأدب العربي المعاصر كل من وداد القاضي التي كتبت عنه عندما بلغ الستين من عمره، وأخيه بكر. وكانت الموضوعات التي طرقها تتعلق بالغربة، والتجديد في التراث العربي، وتأهيله بالإبداع والتجديد والنقد في تقنيات أدبية عديدة مثل (فن الشعر)، و(فن القصة)، (وفن المسرحية)، و(تاريخ النقد الأدبي)، كما حقق في حياته اثنتين وخمسين موسوعة في الأدب العربي لايتسع المجال لتعدادها، وكتب أيضاً في السيرة «غُربة الراعي» عام 1996.
أبرز مؤلفاته المنشورة: «تاريخ النقد الأدبي عند العرب»، وألف مع محمد نجم «النقد الأدبي ومدارسه الحديثة»، ونشر أو أسهم في نشر عدد من المصنفات التاريخية مثل «الوافي بالوفيات» لصلاح الدين بن أيبك الصفدي، و«وفيات الأعيان» لابن خلكان، و«معجم الأدباء» لياقوت الحموي، ونفح الطيب للمقّري.
ومن مؤلفاته أيضاً «من الذي سرق النار» وهي خطرات في الأدب والنقد، ويستند في هذا العنوان إلى أسطورة يونانية سُرقت فيها النار من الآلهة وأعطيت للإنسان، وفيها أشاد بتجديدات الشعراء بدر شاكر السياب، ونازك الملائكة، وعبد الوهاب البياتي، وفدوى طوقان، ومحمود درويش، وسميح القاسم، وتوفيق زياد. ويضم هذا الكتاب معظم دراساته السابقة في الإبداع الشعري، ويكررها في كتابه «اتجاهات الشعر العربي المعاصر»، و ترجم ملحمة (موبي ديك) تأليف هرمان ملفل، وهي تمثل صراع الإنسان مع الطبيعية، وترجمة إحسان عباس لها كانت دقيقة في مصطلحاتها، مما يدل على إتقانه اللغتين الإنكليزية والعربية. وترجم كتباً أخرى مع أخيه بكر في «القضية الفلسطينية».
وله «غربة الراعي» سيرة ذاتية، ويضع شعاره في الصفحة الأولى لقول هرقليطس في التغيير، ويعترف بأنه درس عدداً من السير الذاتية لكل من طه حسين وأحمد أمين والعقاد ونجيب محفوظ وإميل حبيبي في «سرايا بنت الغول» 1991، ويذكر بصراحة وصدق، وتواضع مجمل حياته العائلية والأدبية، بالتسلسل التاريخي، وبنقد مبطّن وسخرية من العقلية الدينية الجامدة، والعادات العائلية في القرى العربية، وانطباعاته في الغربة من القرية إلى حيفا وعكا، وصفد والقاهرة والخرطوم وبيروت وعمان، ويصف كل من تعرف عليه في غربته، من المشهورين وغيرهم، ويعترف بأخطائه في بعض المواقف، ويسوّغ عدم التزامه السياسي بأحزاب دينية أو شيوعية، وتمتزج نجاحاته بالتأليف بألمه في الغربة، وربما ترتبط كلمة الراعي بديوان (الرعاة) الذي يشبه عمل جبران خليل جبران وإيليا أبو ماضي، ويشعر كل من يقرأ الكتاب أنه يكتب مذكرات حياة كل فلسطيني أو عربي، ويعتقد أن كل فلسطيني عانى من الاستعمار البريطاني والصهيونية الاستيطانية وما نشأ عنها من غربة الفلسطيني بالتجارب والخبرات نفسها، أو أنه يحاكي تجربته أو ما يشبهها التي ذكرها إحسان عباس. وفي آخر هذا الكتاب يعتذر من قريبته (مريم) التي عشقت شخصاً آخر غير الذي فرضه شيخ العائله وتزوجت قاتل عمها وهربت إلى حيفا، وكان إحسان يرغب في الثأر منها في شبابه، أما في شيخوخته فيقول لها معتذراً بعد أكثر من ستين سنة» فإني إليك يا (مريم سالم خليل) أتوجه بأسفي واعتذاري، كنتُ مغموراً بقيم العائلة المستمدة من قيم الريف، حين لم أستطع أن أرى في موقفك ثورة على تقاليد هي القيود بعينها… وأجدك لم تقنعي بالثورة من أجل الحب، بل أمعنت في التحدي، حين أحببت قاتل عمك … إنني يا مريم أؤمن بأنني لم أجد في الحياة شيئاً إيجابيَّاً إلا وجدت شيئاً سلبيَّاً يجاوره ويوازيه أو يتولد عنه» وهذا التغير ونفي النفي هو شعاره في تفاصيل سيرته الذاتية، وبعد كتابه «غربة الراعي» عام 1996ذكر إبراهيم شبوح في أواسط عام 2003، أنه جلس قرب فراش إحسان عباس الغائب عن وعيه، وأراد أن يبهجه فأسمعه البَيت الأول من قصيدة عبد الجبار بن حمديس الصقلي بعد غربته عن بلده:
ذكرتُ صقلية والأسى
يهيّج النفس تذكارها
فتهيج إحسان عباس من غيبوبته وتابع قراءة القصيدة بالبيت الثاني
ولولا ملوحة ماء الدموع
حسبتُ دموعي أنهارها
حتى آخر القصيدة، وفيه يتوضح مدى ألم إحسان عباس من حرمانه من وطنه وحرمان ملايين من مواطنيه، في الماضي والحاضر، وربما المستقبل من العيش في أوطانهم، وربما أدى هذا الحرمان إلى الإنتاج الأدبي المبدع، والواسع والعميق لمؤلفاته.
أشرف إحسان عباس على عشرات الرسائل الجامعية إضافة إلى دراساته العلمية بأسلوب اهتم فيه بما (قلّ ودلّ) كما كان يردد دائماً على طلابه الذين يعدون رسائل بإشرافه في جامعة الخرطوم والجامعة الأمريكية في بيروت.
حصل إحسان عباس على جائزة الملك فيصل العالمية في الأدب عام 1980، وعلى جائزة سلطان العويس في الأدب والشعر عام 1993، وطالب باحثون مصريون بتدريس كتبه النقدية في الجامعات المصرية، أو تأسيس أقسام باسمه، كما عقدت وزارة الثقافة في الأردن بعد وفاته، في آخر حزيران 2004، ندوة دولية عنه، ومثّلت محطة لبنانية حياته في تمثيلية من ثلاث حلقات عرضت في شهر أيلول 2004، كما عقدت ندوات عديدة عن إنتاجه الأدبي في سورية ولبنان، مما جعل تسميته «شيخ النقاد العرب»، وسادن تراثه وقمر زمانه مطابقة لتقويم أعماله تقويماً شموليّاً.
فخر الدين القلا