اداء موسيقي
Musical performance - Interpretation musicale
الأداء الموسيقي
الأداء الموسيقي interpretation musicale عمل تنفيذي خاص لمؤلّفة موسيقية يقوم بأدائها العازف أو المغني أو قائد الفرقة الموسيقية( أوركسترا), ينْفذ فيها إِلى أعماق الأثر الفني الذي أعدّه المؤلف الموسيقي. ويعني الأداء عزف أو غناء العلامات أو الإِشارات الموسيقية الخاصة التي كتبها المؤلف, كما يعني سعي المؤدي إِلى إِبراز الشعور والتعبير والإِحساسات التي عناها ذلك المؤلف في عمله الموسيقي. ثم إِن الأداء نوع من عملية ابتكار شخصية يضيفها المؤدي إِلى العمل الموسيقي ترجمةً لأفكار المؤلف الكامنة في سطور مؤلفته. ولما كانت الأذن البشرية المرهفة تحس أقل الاختلافات بين الطبقات الصوتية, كما تدرك أقل الفوارق الإِيقاعية والزمنية, فإِنها قادرة على التفريق بين الأداء العادي والأداء الفذ. وقديماً كان الأداء, كما في كثير من أنواع الموسيقى الشرقية ومنها العربية, عفوياً يعتمد تناقل الألحان بين الأجيال تناقلاً سماعياً.فكان المؤدي غالباً ما يرتجل الألحان ويؤلفها. وفي العصور الوسطى, ابتكرت علامات موسيقية ساعدت المؤدي في الحفاظ على الطبقة الصوتية بصورة عامة من دون تفصيلات أخرى محددة. ولم تكن هذه الحالة تُؤلّف أية صعوبات, حسب مفهومنا الحالي, إِذ كان معظم الألحان غنائياً. ومنذ القرن السابع عشر أخذ التدوين الموسيقى, في أوربة, ينحو نحو الدقة أكثر فأكثر, فتوضحت الإِشارات والمصطلحات في تحديد الحركة والزمن ودرجات ارتفاع الأصوات وشدتها وأسلوب الأداء والتعبير وغيرها. وبرز دور المؤدي, ولاسيما العازف, وأصبح في استطاعته أداء ما توخاه المؤلف في عمله الموسيقى بالدقة المطلوبة. ومع أن التدوين الموسيقى أصبح أكثر دقة من ذي قبل, فإِنه ما زال في وسع المؤدي أن يبتدع إِحساسات موسيقية مرتجلة يُطعّم بها اللحن الأصلي. ومع تحسّن صناعة الآلات الموسيقية, حظي العازف بمجالات واسعة في المهارة والإِبداع, وأفسح كثير من المؤلفين الموسيقيين مجالاً للعازف المنفرد solist لأن يرتجل لحناً أو مقطعاً صغيراً في أدائه اللحن الأصلي, ولاسيما في قطع الحوارية[ر] (الكونشرتو) concerto, يبرز فيها مهارته في الأداء. وسميت هذه المقاطع المرتجلة بـ «القفلة» cadence[ر.الموسيقى]. وقد كتب بعض المؤلفين الموسيقيين قطعاً موسيقية خاصة لعازف مبدع شهير كالمؤلف وولتن[ر] W.Walton الذي كتب حوارية للكمان عام 1938 خاصةً بعازف الكمان العالمي هايفتس .J.Heifetz وقد أصبح كثير من كبار الموسيقيين عازفين مهرة ومبدعين في مجال الارتجال ومؤلفين أيضاً. إِلا أن بعض المؤلفين لم يتركوا مجالاً حراً للعازفين المنفردين المبدعين الآخرين للتصرف بمؤلفاتهم كأن يضيفوا عليها أو ينقصوا منها أو يبدلوا شيئاً من الزخارف اللحنية فيها, وحرصوا على تسجيل كل مشاعرهم الفنية والتعبيرية بكل دقة في مدونتهم الموسيقية ومن هؤلاء شوبان[ر] F.Chopin, وليست[ر] .F.Liszt وقد اتجه كل من العازف والمؤلف, شيئاً فشيئاً, نحو التخصص وإِتقان دوره في مجال عمله, وبرز المؤلف الموسيقي الذي يكتب قطعة موسيقية خاصة بعازف منفرد ماهر. وظهر نوع من المغنين المنفردين من أشخاص نالوا شهرة واسعة في أداء الأعمال الغنائية ولاسيما في مجال الأوبرا[ر] opera, لصفاء أصواتهم وصداحها, مثل كاروزو[ر] E.Caruso.
وفي القرن التاسع عشر, ظهر نوع جديد من الأداء لفت انتباه الجماهير وقام بدور كبير في تطور السمفونية[ر] symphony وتزايد عدد أفراد الفرقة الموسيقية, ونعني بهذا الأداء قائد الفرقة الموسيقية الملقب بالإِيطالية بالمايسترو maestro. وتنحصر مهمة القائد الأساسية في ترجمة لغة المؤلف الموسيقي وأفكاره ونقلها بكل دقة وإِخلاص إِلى الجمهور عبر العازفين, والمحافظة على تضامن جميع الآلات في الفرقة الموسيقية وإِبراز مكانتها في مختلف أجزاء العمل الموسيقي مع الحفاظ على التوازن الإِيقاعي والتناسق النغمي فيه. وقد برز كثيرون في قيادة الفرق الموسيقية في القرن العشرين, منهم توسكانيني[ر] Toscanini, وفورتفنغلر Furtwangler, وكارايان[ر] Karajan.
حسني الحريري