اريوس Arius et Arianisme

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • اريوس Arius et Arianisme





































    Arius and Arianism - Arius et Arianisme


    آريوس والآريوسية

    (256-336م)



    وُلد آريوس Arius في ليبية سنة 256م, وفي سنة 280, سافر إِلى أنطاكية والتحق بمدرستها الشهيرة, فتتلمذ للمعلم لوقيانوس, «باعث العقلانية الآريوسية», وتدرّب على فن الفصاحة والجدل, وعبّ من معين الفلسفة الهلنستية وعلوم اللاهوت, فتخرج وقد فاق معلمه. ثم انتقل إِلى مصر حيث رُسم كاهناً سنة 310, وعُيّن خادماً لإِحدى كنائس الإِسكندرية.

    ألمّ آريوس بثقافة فلسفية واسعة ودينية عالية أهّلته لأن يصبح مفكراً عميقا, خطيباً لامعاً, وكاتباً بليغاً ومعلماً في فن الفصاحة والجدل, فأفلح في إِشاعة الفكر المسيحي بين عامة الشعب في تعابير ومصطلحات فلسفية, وأدخل إِلى اللاهوت النهج العقلاني مستخدماً في عرض الإِيمان وتفسيره المناهج الفلسفية التي اجتاحت الأوساط المسيحية آنذاك. وبتأثير منه ومن مدرستَي أنطاكية والإسكندرية انتشرت المناقشات والمجادلات الفلسفية بين الأساقفة والكهنة وعامة الشعب, وقد سيطرت على الجميع الرغبة في عرض أسرار الديانة المسيحية عرضاً عقلانياً. وتجدر الإِشارة إِلى أن آريوس تأثّر بتعاليم «الغنوصية» (مذهب العرفان الذي ازدهر في القرن الثاني للميلاد في نطاق الكنيسة المسيحية وأكد أصحابه المعرفة الروحية) وبأساطير الإِغريق وتعاليم الديانات الشرقية القديمة, وببدع مسيحية, منها: «السابيليانية» الغربية (التي تقول بوحدة المسيح مع الآب في الكيان) و«الشكلانية» (أو الحالانية) وهي بدعة المبدأ الواحد (التي تقول إِن الثالوث الأقدس ليس في الواقع إِلا أقنوماً واحداً ظهر للبشرية في أشكال أو أحوال ثلاثة), و«التبنوية» (التي تعتقد أن يسوع المسيح ليس سوى إِنسان تبنّاه الله فمنحه سلطة إِلهية).

    استخدم آريوس مفاهيم الفلسفة البشرية وحدها, فعمد في تفكيره الفلسفي في أمور الدين إِلى الاعتقاد أنه, من بين الأقانيم الثلاثة في الله, الآب وحده هو حقاً وجوهرياً إِله منذ الأزل, أما الابن فليس إِلهاً ولا الروح هو إِله. وزعم أنه كان وقتُ وُجد فيه الآب وحده, واعترف أن الابن هو قبل الدهور, لكنه خليقة وأعظم من كل خليقة مادية وغير مادية. وأضاف أنه قد يصحّ القول عن الابن إِنه إِلهي وفي صوره الآب, ولكن لا يجوز القول إِنه «من جوهر الآب» لأنه مختلف في جوهره عن الآب, والبنوّة في المسيح لا تؤخذ بالمعنى الحقيقي الكياني, بل بالمعنى المجازي الأدبي. فنتج عن هذا الرأي أن المسيح غير مساوٍ للآب, بيد أنه الوسيط بين الآب والخلائق, والوسيط في الخلق, وهو الذي, في لحظة من الأزل خلق الروح القدس. وفي هذا كله اختلق آريوس إِلهاً على صورة البشر.

    نشر آريوس آراءه الدينية مستثيراً المناقشات الفلسفية - الدينية العلنية, وقد وجد في النساء العذارى عوناً له, ساعدنه في مهمته, وقد تحمسن له ودافعن عن أفكاره حتى الدم. واستعان آريوس, لترويج مبادئه وتعاليمه, بأساليب كثيرة منها باب الأنغام لمنظومات شعبية وضعها مشبعة بتعاليمه, ينشرها ويرنّم بها الشعب في تطوافات ليلية في ضوء المشاعل. وبسبب تعاليمه المناقضة للإِيمان القويم حرمه مجمع محلّي عُقد في الإسكندرية سنة 320, فالتجأ إِلى نيقوميديا, حيث وضع كتاب «الوليمة», وهو مزيج من النثر والشعر والأناشيد الدينية الشعبية. فاتسع نفوذه وراجت تعاليمه في مختلف كنائس الشرق, فانقسم المسيحيون بين مساند له ومناوئ. وكانت لآرائه نتائج خطيرة, في تهدم كل ما أوحى الله به عن حياة الثالوث فيه, وتنكر على الجنس البشري التأله والاتحاد الحقيقي بالله, ولا تعترف للفداء بأي مفعول جذري في الطبيعة البشرية, بل تقر له فقط بتأثير أدبي وروحي.

    وحيال تفاقم التصلب في المواقف الدينية اضطر الملك قسطنطين الكبير إِلى التدخل بحزم. فدعا أساقفة الكنيسة إِلى أول مجمع مسكوني عُقد في مدينة نيقية, فالتأموا من 20 أيار حتى 19 حزيران من سنة 325م, وحددوا أن المسيح «من جوهر الآب» وأنه «واحد في الجوهر», وأقرّوا في «الدستور النيقاوي» إِيمانهم «برب واحد يسوع المسيح, ابن الله الوحيد, المولود من الآب قبل كل الدهور, نور من نور, إِله حق من إِله حق, مولود غير مخلوق, مساوٍ الآب في الجوهر» (أو بترجمة أدق «واحد مع الآب في الجوهر»). وحرم المجمع آريوس وبدعته الهدامة, ثم نفاه الملك قسطنطين, إِلا أنه عاد فعفا عنه بعد بضع سنوات. أما القديس اثناسيوس, رئيس أساقفة الإسكندرية, وركن من أركان مجمع نيقية, وإِمام المدافعين عن الإِيمان القويم و«منشد الكلمة المتجسد» وأكبر مناوئ لبدعة آريوس, فقد رفض استقباله في الإسكندرية, فسعى له أتباعه أن يلتحق بأكليروس القسطنطينية. بيد أنه توفي سنة 336 قبل دخوله تلك المدينة.

    والآريوسية Arianisme اتخذت اسمها من آريوس, فروّجت تعاليمه من بعده حتى القرن الخامس. واتسع نفوذها بمؤازرة بعض الملوك المسيحيين وبالتئام مجامع محلية لأتباعها. وكانت مدة قرنين تذر قرنها, وهي بين مدٍّ وجزر, بحسب معتقد ونفوذ الملوك آنذاك. فمنهم (قسطنطيوس بن قسطنطين) من ساندوا تعاليمها ودافعوا عن أتباعها ولاحقوا مناوئيها وناصبوهم العداء وبطشوا بهم, ومنهم (ثاوضوسيوس الكبير) من قاوموها ودحضوها ولاحقوا أتباعها. وكانت بدعة آريوس تربة خصبة وممهدة لنشوء البدع اللاحقة, منها «النسطورية» و«المونوفيزية» (أو بدعة الطبيعة الواحدة), وبدعة شهود يهوه في عصرنا.

    متري هاجي اثناسيو

يعمل...
X