كتبت: رولا علي سلوم..رواية ( قمح ) للأستاذ " سجيع قرقماز".. حملت :بلادنا مصدر الخيرات

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كتبت: رولا علي سلوم..رواية ( قمح ) للأستاذ " سجيع قرقماز".. حملت :بلادنا مصدر الخيرات

    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	FB_IMG_1682399813836.jpg 
مشاهدات:	4 
الحجم:	75.3 كيلوبايت 
الهوية:	103746

    القمح .. المبتدى، وأساس وجود الإنسان واستمرار حياته .
    تلك الحبة بحدّ ذاتها تحمل عناصر قداستها، تحمل سبب فنائها ووجودها .. إنها تُدفن في باطن الأرض، لتنبت سنابل كثيرة، في كل سنبلة سبع أو عشر حبات من القمح، وكأنّ الله دبّ في هذه الحبة عناصر خلودها أيضا، إذ تتكاثر بسرعة هائلة، وتنتج كميات لا حدود لها .
    والإنسان بما يسبغه عليها من روحه ونفسه بدءاً بزراعتها والعناية بها من حصاد وفصل عن قشورها، ثم طحنها وعجنها وخبزها لتصبح كما نتناولها رغيفاً شهياً طيباً .. كل هذه العملية الطويلة يدّل على أنها تستحق فعلا صفة القداسة والأهمية .
    ولأنّ حبة القمح في بلادنا حملت أرواح ساكني هذه الأرض، فقد كانت مميزة، وكانت مصدر طمع الشعوب الأخرى .. وسببٌ ثالث ومهم؛ وهو الأرض التي تحنّ لليد التي غرست تلك البذور وتلقفتها بحبّ كبير .
    رواية ( قمح ) للأستاذ " سجيع قرقماز" حملت موضوعاً مهماً، وهو جدير أن يُطرح ويعرفه الجميع، فبلادنا مصدر الخيرات، ومطمع الآخرين منذ القدم.
    الموضوع جدير بالنشر، وأسلوب الكاتب سلس لا تكلّف ولاتصنّع فيه، على الرغم من أنّ أسلوب الكتابة الصحفية يتجلى واضحا؛ حيث السرد المنوّع، ونقل الخبر ، وعنصر التشويق لبعض الأحداث، ثم ذكر بعض المعلومات الجديدة عن تاريخ مدينتنا الحبيبة اللاذقية .
    كلنا يعرف تآمر الغرب على بلادنا، ولكنّ توثيق الكاتب وذكره للأسماء ، وخاصة أسماء المنقبين للبحث في الجزيرة السورية، ثم في مدينة اللاذقية، أضفى على الرواية مصداقية وواقعية هامتين .
    ثم الحديث عن حيّ الفاروس، والكنيسة الموجودة فيه، وبعض الطقوس والعادات .
    لقد وثّق الكاتب في روايته مذكرات حرب، فتحدّث عن مشاهد مؤلمة إثر الهجوم التركماني على الريف الشمالي للاذقية، وقيامهم بأبشع عمليات القتل والتنكيل على قراه وأهله.
    وثّق الكاتب معلومات عن شخصيات تركت أثراً باقياً في وجدان السوريين، مثل " خالد الأسعد" ، فذكر صموده ووفاءه وإخلاصه لسوريته، كنموذج يُعتبَر مدعاة فخر واعتزاز لنا كسوريين .
    مزج الكاتب " سجيع قرقماز" بين الحقيقة والخيال، من خلال حادثة الموت التي شعر بها، وما تحدّث به صديقه الأديب المرحوم " خالد الشريقي" بحسّه المرهف وروحه الجميلة عن صديقه المسجّى " أمين "، الميت جسداً، والحيّ روحاً .
    تُرى هل أراد الكاتب أن ينقل لنا صورةً للناس في هذا الزمن وفي هذه المدينة ؟؟؟!!!
    هل أراد أن ينقل لنا تبعات الحرب على نفوس الناس وأرواحهم المتعبة، حتى بدوا أمواتاً بهيئة أرواح حية يقظة ؟؟؟!!!!
    يقول الكاتب سجيع في روايته :" إلى نقماد الثاني ملك أوغاريت (١٣٧٠_ ١٣٤٠) في الحروب الكبرى تُعرف الأسباب المباشرة وغير المباشرة، لكنّ السبب الحقيقي لا يُعرف، فقد شهد الألف السابع قبل المسيح بداية زراعة القمح في سورية، ويشهد الألف الثالث بعد المسيح سرقة أمريكا لبذور القمح من سورية .. أمريكا تقصف حقول القمح في سورية ١٨ شباط ٢٠٢٠م " ص ٧ كلام في غاية الأهمية، القمح سبب وجود الإنسان السوري واستمراره عبر آلاف السنين وحتى يومنا هذا .. صراع الوجود ، صراع الحياة ، هذا ما يقاتلنا الغرب لأجله .
    ينقل الكاتب صوراً حية من الواقع على لسان أشخاص حقيقيين، كالقصة التي رواها " طلال سليم " والتي دارت حول مقتل زوجته وابنته إثر هجوم المسلحين على القرية، وبقاء العنزة المسماة غاندي مع جدييها حيين إلى الآن ..ص٩
    ثم حديثه مع صديقيه نادر وعلي الجردي أستاذ التاريخ عن مايكل المختص بالعصور الكلاسيكية، وكان يدير الأعمال الأثرية في تل تنينيير برفقة زوجته كاتي، تحدث عن الشك الذي كان يعتمل في قلب علي تجاه عمل مايكل، فبداية زراعة القمح كانت منذ سبعة آلاف عام تقريباً، والجزيرة السورية هي الموقع الأول الذي احتضن بذور القمح الأولى في التاريخ ص١٤
    وتحت غطاء البحث الأثري كانت البعثات الأمريكية، وكانت مهمة مور وفريقه هي الحصول على نماذج من بذور القمح لدراستها ومعرفة محتوياتها بدقة، ثم انطلاق مور من تل تنينيير في الحسكة ليتابع مهمته باتجاه الغرب وصولا إلى الإيكاردا _ المركز الدولي لأبحاث الأراضي الجافة _ حيث بذور القمح السورية، وحيث التنوع الكبير في هذه البذور ص١٤
    بعض العبارات في الرواية تأتينا بشكل صادم ..منها :
    " قضاء الجراد على محصول القمح في كاليفورنيا، ولم يسلم سوى نوع واحد من البذور المزروعة وهو القمحة السورية" ص١٦
    وقوله :" المشاهدات التي تلتقطها آلات التصوير مرعبة، قتل لمجرد القتل، لقطات تظهر قساوة الحيوان الوحيد الذي يقتل لمجرد القتل، الإنسان ، " ص١٧
    ثم يأتي توثيق الكاتب لفجر الأحد ٤ آب ٢٠١٣م، متمثلا " بانطلاق كتائب تابعة للمنظمات الإسلامية الأصول من جبل الأكراد وجبل التركمان، بدعم من الجيش التركي على الريف الشمالي لمدينة اللاذقية بينهم أعداد كبيرة من المرتزقة الليبيين والسعوديين والأيغور الصينيين والشيشان وعشرات الدول الإسلامية والأوروبية، في هجوم جماعي على عدة محاور باتجاه قرى صغيرة تابعة لناحية صلنفة .. حيث انتشرت تلك المجموعات المسلحة داخل القرى الصغيرة، وأقدموا على ذبح المدنيين، وتمت إعدامات جماعية، وخطف عشرات الأسر واحتجازهم في أماكن مجهولة، إضافة إلى فقد عدد كبير من السكان . ص١٧
    ولعل اللعب على الوتر الطائفي من أبرز الدوافع للحرب على سورية، وهذا اللعب طُبق في ريف اللاذقية، وقد فعل الإرهابيون شبيهه بحق الإيزيديين أيضا . ص١٨
    ومن مفرزات هذه الحرب نشوء مصطلحات كالحوريات، الغلمان، الغنائم، سوق النخاسة، ممارسة الجنس مع الإماء، جهاد النكاح و السبايا ...
    في رواية " قمح " الكثير الكثير من الاستطراد، يستخدمه الكاتب، لكنه استطراد مشوّق، وخاصة عندما يذكر حوادث وقصص لفتيات عانين نتيجة الخطف والاغتصاب، ويظهر ذلك في حديثه عن جوان ص١٩ ؛ تلك المرأة التي أُرسلت هي وبناتها الثلاث إلى الرقة، ثم بيعوا كسبايا. كذلك حديثه عن " راميتا" اليزيدية فائقة الجمال، والتي تزوجها مقاتل وحاولت الهرب فلم تستطع ، ثم أنجبت منه مولودها آدم .
    يعود الكاتب بعد ذكر تلك القصص ليواصل حديثه عما حصل له وهو يسقط نحو الوادي، لنقرأ عبارته " سبع محاولات للبقاء على قيد الحياة " ص١٩
    تحدّث الكاتب في " المحاولة الأولى" عن تمدده بصورة الميت، وهو على قيد الحياة، ثم صدمته بابنته صفاء التي فرحت لموته، وصدمته أيضا بزوجته التي أخذت تبحث عن وصيته كي لا يذهب إرثه لابنته فقط .. ثم حديثه عن أمنياته لو كان موته في زمن أوغاريت، ومن ثم حديثه عن القبر الأوغاريتي .. مدخل جميل للحديث عن أوغاريت، خطّه الكاتب بذكاء وحنكة ..ص٢٥
    يستفيض الكاتب في حديثه عن أوغاريت، من خلال عبارة " هاني الراهب" ص٢٧ : " خمسة آلاف عام، عمر هذا الخبز الشهي، هو الخبز نفسه الذي أكل منه جلجامش وأنكيدو" ، هذه العبارة تومئ إلى إمكانية أن تكون أوغاريت قد شهدت فعلاً بداية الزراعة في العالم، وليس القمح فقط بل ؛ في عهد ملك أوغاريت نقماد الثاني (١٣٧٠_ ١٣٤٠) تم اختراع أول أبجدية في التاريخ، مكونة من ثلاثين حرفاً، ومنها استقى الأوروبيون لغتهم، كما تمّ اكتشاف أول تنويط موسيقي، وهو يسبق تنويط فيثاغورس بمئات السنين، كما أنّ الملاحم والأساطير الأوغاريتية قد كُتبت في عهد نقماد أيضا، مايعني أنها أقدم من الإغريقية التي ندرسها في آدابنا على أنها الأقدم في العالم بحوالي سبعمئة عام . ص٣٢
    كما تحدّث عن العملة التي صنعت من مزيج النحاس والقصدير مكونا البرونز ، ثم مكانة أنطاكية؛ العاصمة السورية المفقودة التي أقامها ملك سورية سلوقس ونيكاتور عام ٣١٢ ق.م ص٣٣ ومن ثم هناك حديث مشوق وجميل عن ميري وهاني الراهب، وقصة حبهما التي لم تكتمل ..
    وفي " المحاولة الثانية للبقاء على قيد الحياة " يتحدث الكاتب سجيع قرقماز عن بابل وسرقة متحف بغداد عام ٢٠٠٣م بشكل منظم ومخطط، وسرقة الآثار والنقود تحت حملية أمريكية، واختفاء كنز نمرود، بل سرقته من قبل أمريكا .ثم التركيز على الحفاظ على بذور القمح، فهي السبب الأهم لمجيء البعثة السورية .. والحديث عن منبج التي كانت يوما بداية العقيدة الدينية السورية، والتي شهدت التسامح الديني منذ آلاف السنين ص٥٧
    هيرابوليس ..أوقيانوس السمساطي، كاتب سوري ساخر، أديب وعالم وفيلسوف، يُعتبر أول من أبحر في علم الرواية والخيال، وأول كاتب في القصة العلمية الخيالية في العالم .
    كتب لوقيانوس باللغة السورية التي كان يسميها آشورية، رافضا الكتابة بلغة المنتصر الروماني . كتب عن هيرابوليس المدينة التي كان فيها نعبد هيرابوليس وهي منبج السورية اليوم . هيرا الآشورية أو السورية وهي الربة المشهورة أترغاتيس، التي توجت آلهة للخصب إلى جانب عشتار السورية، التي صارت إيزيس المصرية، أفروديت الإغريقية، وعشتروت الفينيقية .ص٩٨
    ثم تحدّث عن قصة " سميرا ميس، حبيبة الحمام " يقول الكاتب : " يا للمسكيتة سميراميس، هل دنّستما معبدها ؟ صدّقنا يا سيدي عملنا مجبرين لكننا خرجنا بأقل الخسائر .. الخسارة خسارة، قليلة أو كبيرة ، قالها خالد بجدية كبيرة " ص١٩٠
    كلمات موجعة يوردها الكاتب عن تدمر وزنوبيا وخالد الأسعد ..
    على لسان خالد الأسعد يقول : " نخلات تدمر التي سقتها زنوبيا لن تنحني " ص١٩١
    ثم يصف مشهدا مؤلما قائلا : " هوت يد السيّاف الأمريكي، هو أمريكي من أصل سعودي، كان ينفذ آوامر الإعدام بقطع الرأس في المملكة الوهابية، وهو خبير في ذلك، هوت يد السيّاف لتقطع رأس خالد وتفصل رأسه عن جسده، استيقظت دموع أهل تدمر ثانية بعد آخر ندب وبكاء تم منذ ١٧٤٥ عاما، عندما رحلت زنوبيا، هل رؤوا فيه ظلاً لزنوبيا؟؟ هل أعاد السيّاف زنوبيا إلى مرمى نظراتهم في مسرح مشابه منذ ١٧٤٥ عاما في روما ؟ ص١٩٧
    ثم حديث مهم عن المقارنة بين ما حصل في قرطاج وما حصل في عدرا العمالية ..
    الإنسان يرمي نفسه في النار هرباً من الرومان ..وما قام به الرومان في قرطاج من إبعاد القرطاجيين عن عاصمتهم وعن مرافئهم وتحويلهم إلى شعب زراعي، ثم تقويض العاصمة من أساسها، وإضعاف القرطاجيين وحرمانهم من التجارة وتدمير صناعتهم المزدهرة وإفنلء أسطولهم التجاري ص٢١٨ ومطالبة الرومان القرطاجيين بالابتعاد عن البحر خمسة عشر ألف متر ، لأنهم صمموا على تدمير عاصمتهم ...
    مقارنات هامة يقدمها الكاتب في روايته " قمح "، ومعلومات أهم تعرفنا على مقدار ما لدينا من كنوز ثرة .. لن يكون القمح آخرها .. فهل نعتبر ونقدّر مكانة هذه الأرض العظيمة ؟؟؟
    مبارك إبداعك الجميل أستاذ سجيع ..
    رولا علي سلوم
يعمل...
X