"معاوية" بين القباحة والإباحة، والبديل المفترض
* خليل الطيار
تعالت الأصوات في الآونة الأخيرة ضد عمل درامي، سخرت له ميزانية مهولة لإنتاج مسلسل يحمل عنوان "معاوية" يقدم ضمن وجبة السموم الدرامية، التي تعودنا تذوقها ضمن موائد الإفطار الرمضانية! وربما هي جزء من حالة النقد المدروسة بعناية من أصحاب المسلسل أنفسهم لزيادة نسبة تسويقه، تحت قاعدة كل ممنوع مرغوب، لتصبح دعاية مجانية له!
ومهما كان النقد مباحا ضد إنتاج مسلسل يسوق عنوانه شخصية أجمعت الأمة، بتنوع هوياتها ومشارفها على قبح أفعاله ووضاعة سيرته، وتسببه بشق وحدة المسلمين، وشناعة أفعاله التي ساهمت بانهيار ثوابت الإسلام. وهو أمر مسلم به بإجماع أهل العلم والمعرفة الحقة، ولم يشذ عنها ويستسيغها إلا نفر من صلبه!
لكن السؤال الأهم، هل يستطيع النقد والاحتجاج أن يغير واقع إنتاج المسلسل ومنع بثه في أكبر محطة تلفازية تمتلك قدرة التسويق، ولها مهارتها المهنية المدعومة بمال سخي!؟
وهل فكرنا بطريقة أكثر جدوى في اختيار آليات الرد على الأكاذيب التاريخية ومواجهة تسويق النموذج التافه؟
وهل سألنا أنفسنا كمْ وضعت في حساباتها الحكومات، بوزاراتها ومؤسساتها المعنية، لتعمل ضمن خطط موازناتها على إنتاج أفلام ومسلسلات وبرامج تتحدث عن سيرة وثراء شخصياتنا العظيمة، وإظهار قيمتها، وتسويقها لجمهورنا العربي والعالمي!؟
يكفي استذكار أعمال درامية قدمت سيرة عظمائنا بشكل مثالي ، كما في فلمي "الرسالة، وعمر المختار". وكما في الإنتاج الإيراني الذي استطاع عبر عدد من الأعمال أن ينمي الأثر الدرامي الفاعل،تناولت قصص تاريخية عظيمة، ما زال تأثير الصورة الدرامية التي سوقتها عالقة في الذهان، وساهمت في تسليط الضوء على تاريخنا الإسلامي، وسير الصالحون بموضوعية وإتقان فني عالي المستوى، منها مسلسل "أهل الكهف" و "مريم العذراء" وقصة "الصديق يوسف (ع)" ومسلسل "المختار الثقفي" ومسلسل "الإمام علي"وغيرها.
النقد يحتاج معرفة الدوافع والأسباب الجوهرية للعزوف عن دعم إنتاج أعمال درامية تتحدث عن السيرة الصالحة لرموزنا وتاريخنا الإسلامي والعربي بشكل درامي صحيح ومؤثر. فهناك خفايا مؤدلجة، تقف وراء ذلك، رغم وجود الرغبة الصادقة عند الكتاب والمخرجين. لكن عماد المشكلة بصانع القرار وإرادته ودوافعه، وسياسة ومصالح أصحاب رأس المال، العنصر الفاعل والأساسي للإنتاج!
وللتذكير عندما كتب "عبد الرحمن الشرقاوي" مسرحية "الحسين ثائرا" تحركت الجهات المعنية لتقيم الدنيا ولم تقعدها حتى تمكنت من إيقافها ومنع عرضها!!
وبعدها بسنوات بقي المخرج العراقي العالمي "قاسم حول" أكثر من عشرين عاما، وهو يدور في أروقة الجهات المعنية، طارقا كل الأبواب، حتى المرجعيات المعنية من أجل دعم إنتاج فلمه عن واقعة "الطف" وإبراز شخصية الإمام الحسين (ع) الإصلاحية، والذي استغرق كتابته أكثر من عشر سنوات، راجع فيها عشرات المصادر، والتقى عشرات المراجع، أبدوا إعجابهم بمضمونه وشجعوا فكرة إنتاجه، لكن دون إذن صاغية من أحد! لينتهي به المطاف أن أودع السيناريو شاكيا متحسرا في ضريح الإمام الحسين (ع)، بعد أن أدار أهل الدار ظهورهم عن إنتاجه بمال زهيد!
وقبل أشهر تقدم مرة أخرى بفكرة مشروع إنتاج عمل درامي ضخم عن سيرة الإمام "علي"(ع)، وفيه يبني مدينة الكوفة التي ستبقى معلما سياحيا وإنتاجيا يدر أرباحا طائلة، ستكون ميزانية إنتاج الفلم خلاله لا شيء يذكر، ولم يطلب سوى مبلغ زهيد، قياسا إلى ما تقدمه المؤسسات الخارجية من ميزانيات ضخمة لإنتاج مسلسلات تسوق شخصيات خلافية، غرضها خلق فتنة، وتشيع الاختلاف في الأمة في هذا التوقيت المقصود. وتثير نزعات طائفية ومذهبية، تكشف ميول من يقف خلف إنتاجها.
التلفاز والسينما هي وسائل وأوعية لاحتواء وتقديم الأفكار والأحداث، فإن لم تدعم إنتاجها وتملأها بالأفكار التنويرية النافعة،وتتحدث بها عن تاريخك ورموزك العظيمة بموضوعية لن ينتظر خصمك حتى يملأها سما زعافا، ستجبر أجيالنا على ارتشافها، شئنا ذلك أم أبينا، بعد أن تغيرت أنماط،ووسائل التلقي،واستحالت السيطرة على تنظيمها وضبطها، لنبقى نحن نكتفي بالتباكي والنقد، الذي لا يغني لتقديم فكر نافع، ولا يمنع تسويق التفاهة، لا سيما ونحن نعيش عصرها الذهبي.
تعليق