لومونوسف (ميخاييل فاسيليفيتش) Lomonosov (Mikhail Vasilyevich-) - Lomonosov (Mikhail Vasilyevich-)
لومونوسوڤ (ميخائيل ڤاسيلييفتش ـ)
(1711ـ 1765)
ميخائيل ڤاسيلييڤتش لومونوسوڤ Mikhail Vasilyevitch Lomonosov عالم موسوعي روسي له مساهمات في العلوم الطبيعية والأدب، وهو من واضعي أسس اللغة الأدبية الروسية المعاصرة وصرفها ونحوها، وداعية إلى نشر الثقافة القومية وتطوير العلوم والاقتصاد، وهو مؤسس جامعة موسكو التي تحمل اليوم اسمه. وُلد في قرية دنيسوڤكا Denisovka الواقعة على نهر دوينا شمال غربي روسيا لأسرة متوسطة الحال، وكان أبوه عاملاً حكومياً وصياد سمك. شب على التقاليد الديمقراطية الروسية الشمالية السابقة لعصر بطرس الأكبر [ر]، حيث كان معظم سكان المنطقة على اتصال بالبحارة والتجار الأجانب، بعيداً عن العزلة التي هيمنت على مناطق روسيا الأخرى في العصور الوسطى. تعلم القراءة والكتابة في سن مبكرة، وأولع بالدراسة. قرأ وهو ما يزال في العاشرة ما استطاع الحصول عليه من كتب في النحو والحساب والنظم والإيقاع. وبعد أن أخفق بالالتحاق بالكلية العسكرية، سافر في عام 1730 إلى موسكو، والتحق بالأكاديمية السلاڤية - اليونانية - اللاتينية، من دون أن يصرح بأصله المتواضع. وتمكن في سنوات خمس في الأكاديمية من استيعاب منهاج الدراسة المقرر ثماني سنوات. وقد مكنته الدراسة في الأكاديمية من تعرف المعالم الثقافية في موسكو، وقراءة ما وقعت عليه يده من مخطوطات في الأدب الروسي القديم، ونظم في هذه المرحلة قصائده الأولى. كذلك ساعده إلمامه باليونانية واللاتينية على الاطلاع على الثقافات الكلاسيكية القديمة.
زار لومونوسوڤ كييڤ وأكاديميتها، واطلع على اللغة والثقافة الأكرانية. وبعد عودته انتقل إلى بطرسبورغ مع طلاب آخرين لإكمال الدراسة في أكاديمية العلوم هناك. أوفد إلى جامعة ماربورغ Marburg في سكسونيا (ألمانيا) لدراسة التعدين، حيث أمضى ثلاث سنوات واكتسب معارف واسعة في الفيزياء والكيمياء وعلم المعادن والفلسفة، وخبرة في صناعة الزجاج، كما تعلم اللغات الألمانية والفرنسية والإيطالية والإنكليزية، واطلع على آدابها.
ومع انشغاله بالعلوم دأب لومونوسوڤ على قراءة الشعر الروسي ونظمه، توصل إلى وضع نظرية منسقة عن نظم الشعر المقطعي - المنغم، وسطرها في كتاب عنوانه: «رسالة حول قواعد نظم الشعر الروسي» Pismo o pravilakh rossiyskovo stikhotvorstva (1737) ما يزال يحتل مكانة بارزة في تاريخ الأدب الروسي. وضع نصب عينيه - لما عاد إلى الوطن - بناء ثقافة روسية جديدة تجمع بين العلم والأدب واللغة. وعمل حتى أواخر أيامه في أكاديمية العلوم الروسية، حيث كان في نزاع مستمر مع المسؤولين فيها، وجلهم من الأجانب أو النبلاء المتنفذين وأزلامهم الذين لم يقدروا هذا العلامة الشاب حق قدره. ومع كل العوائق والعراقيل فقد اتسعت دائرة اهتمامات لومونوسوڤ وترك بصمات لا تمحى في ميادين العلوم كافة. غير أن مزاجه الحاد و قوته البدنية أوقعاه في مشكلات غير محمودة العواقب، فاعتقل ومكث في السجن نحو سبعة أشهر. وقد عمد وهو في السجن إلى إنجاز خطة كتاب كان قد شرع فيه في ماربورغ عنوانه: «276 ملاحظة حول الفيزياء وفلسفة الجسيمات» 276zametok po fizike I korpukulyarnoy filosofi ضمنه أفكاره الرائدة في العلوم. ونظم في هذه الفترة قصيدتين بعث بهما إلى القيصرة إليزابيث فأمرت بتسريحه وإعادته إلى وظيفته.
عُيِّن لومونوسوڤ بعد خروجه من السجن أستاذاً في الأكاديمية، فنشط للبحث العلمي ونشر باللغة اللاتينية عدة دراسات أهمها نظرية ميكانيكية الحرارة نتيجة دوران جزيئات المادة التي شرحها في كتبه: «تأملات في أسباب البرودة والحرارة» Meditationes de calores et frigoris causa (1747) و«نظرية تجريبية حول قوة الهواء المرنة» Tentamen theoriae de vi aëris elastika (1748). وتعود آراء لومونوسوڤ حول كهربة الجو والطبيعة الكهربائية للفجر (الضوء) القطبي إلى عام 1753، وقد شرحها في كتابه «نظرية الكهرباء» Theoria electricitates (1756). وكان قد طلب تزويده بمختبر للعلوم، حصل عليه في عام 1748، وتحمس له فأجرى في ثلاث سنوات نحو أربعة آلاف تجربة علمية سجلها في سجل المختبر. ثم كتب مقالاً بعنوان: «كلمة عن فائدة الكيمياء» Slovo o polze khimi (1751) و«رسالة إلى ي. ي. شوڤالوڤو عن فائدة الزجاج» Pismo k I.I. Shuvalovu o polse stekla (1752) وقصيدة إلى القيصرة إليزابيث ضمنها نجاحه في الجمع بين التجريد والتطبيق العملي. ودفعه حماسه للتدريس إلى تأليف «مدخل علم الكيمياء الفيزيائية»، وإليه ينسب فضل تصنيف هذا العلم.
وفي مجال الفلسفة تركزت آراء لومونوسوڤ على الصراع بين التجريبية والعقلانية الذي بلغ أوجه في القرن السابع عشر، وترجم كتاب «دراسات في الفلسفة التجريبية» لكريستيان وولف Christian Wolff إلى اللغة الروسية. غير أنه لم ينحز شخصياً إلى أي اتجاه من تلك الاتجاهات، بل حاول أن يضع لنفسه منظومة فلسفية متناسقة تستند إلى خبرته الشخصية، مع مراعاة مبادئ المحاكمة المنطقية عندما لا تكفي الطرائق التجريبية. وقد رأى في الظواهر الطبيعية عمليات تغير مستمرة استنبط منها نظريته حول وحدة الظواهر الطبيعية وبنية المادة، وشرحها في كتابه «كلمة عن أصل الضوء» Slovo o proiskhozhdeni sveta (1756). وفي عام 1760 نشر كتابه «تأملات في الجوامد والموائع» Meditationes de solido et fluido، الذي ضمّنه قانونه حول انحفاظ المادة والطاقة (قانون لومونوسوڤ). وفي عام 1761 اكتشف لومونوسوڤ وجود جو لكوكب الزهرة. ومن إنجازاته العلمية الأخرى نقضه نظرية الفلوجستون للمادة التي كانت مقبولة في عصره ويظن أنها تساعد على الاحتراق كالأكسجين، وكذلك نظرية الغازات، و طرحه نظرية موجية الضوء، وبحوثه في أصل التربة والفحم والنفط والكهرمان، وهو أول من سجل درجة تجمد الزئبق، ووضع ثبتاً بأسماء 3000 مركب معدني وغير ذلك.
احتلت اهتمامات لومونوسوڤ بجغرافية روسيا ومساعيه إلى إيجاد طريق بحري شمالي، ودراسته الجليديات والزراعة والغابات حيزاً مهماً بين سائر العلوم. وتشهد أعماله في مجال التاريخ على تعمقه في البحث وإيراده شواهد كثيرة على أصالة التراث الشعبي واللغة. وكان دائم السعي للاستفادة من منجزات العلم في التطبيقات العملية، وتطوير قدرة روسيا الإنتاجية، والنهوض بالمستوى المادي والثقافي للسكان. وألف لهذه الغاية كتابه «مناقشة حول دقة أكبر للطرق البحرية» Rassuzhdeniye o bolshey tochnosti morskogo puti و«مناقشة حول أصل الجبال الجليدية في بحار الشمال» Rassuzhdeniye o proskhozhdeni ledyanykh gor v severnykh moryakh، و«وصف موجز لمختلف الرحلات في بحار الشمال» Kratkoe opisaniye raznykh puteshestvy po severnym moryam و«في الطبقات الأرضية» O sloyakh zemnykh. وهي إسهامات كبيرة ومهمة تجمع بين العلم والتطور التجاري واستثمار ثروات الأرض.
أما ما يتصل باللغة الروسية فقد وضع لومونوسوڤ مؤلفات كثيرة منها كتابه المهم «قواعد الروسية» Rossiyskaya grammatika (1755)، تناول فيه الصيغ السلاڤية والروسية العامية التي حددت قوالب اللغة الروسية الأدبية وخصائصها، وهو من أوائل الكتب في هذا المجال، وكذلك كتابه «دليل موجز في البلاغة» Kratkoe rukovodstvo k krasnorechye (1748) وهو أول كتاب في البلاغة باللغة الروسية، وضع فيه نهاية لاحتكار الدوائر الكنسية لتعليم اللغة اللاتينية، وكتابه «في فوائد الكتب الكنسية للغة الروسية» O polze knig tserkovikh v rossiskom yasike (1757)، وكتابه الموجز «المدونة التاريخية الروسية المختصرة» Kratkoy rossiyskoy letopisets بإيعاز من القيصرة التي طلبت أيضاً آراءه حول إعادة تنظيم التعليم. وبدءاً من عام 1755 تضمنت اهتماماته متابعة تطوير جامعة موسكو التي كان قد رسم خططاً لها. كما اختير عضواً عن الأكاديمية في مجلس إدارة الجامعة فأجرى فيها إصلاحات جعلت منها مركزاً فكرياً عصرياً وثيق الصلة بالحياة في روسيا.
أما ما يتصل بإبداعات لومونوسوڤ الشعرية فيمكن القول إنها تحتل مكانة مميزة في أعماله، وقد اشتهر عنه قوله: «قرض الشعر متعتي، والفيزياء ممارستي» فقد ابتدأ بفن المقاطع التقليدي، وساعدته دراسته للشعر الغنائي القديم وفنون الشعر الأوربي السائدة في عصره على نظم قصائد روسية منوعة. كان يؤمن بالتنوير تحت قيادة ملوك حكماء يعنون بتطوير البلاد اقتصادياً وثقافياً. كذلك طور في قصائده الفلسفية - التي امتدحها بوشكين - مفاهيمه العالمية القريبة من المادية الجدلية. وتتضح الملامح الأساسية لشعر لومونوسوڤ في مجموعته الشعرية: «حديث مع أناكريون» Razgovor s Anacreonom حيث يركز على المواطنة والوطنية، ومكانة روسيا في السياسة المعاصرة، وإدراكه مكانته شاعراً.
ومع كل التقدير والمكانة العلمية والأدبية التي احتلها ظل لومونوسوڤ يعيش حياة متواضعة، محاطاً بأسرته وأصدقائه، ولا يغادر مسكنه ولا مختبره الذي أقيم في حديقة منزله إلا ليذهب إلى الأكاديمية. وقد ذاع صيته، وعرفته الأوساط العلمية والأدبية في الخارج، غير أن المضايقات التي عاناها وخاصة بعد وفاة القيصرة إليزابيث أتعبته جسدياً وانتهت بوفاته. ومع أن الامبراطورة كاترين الثانية شيعته بمراسم دفن لائقة في بطرسبورغ فقد حرصت على التحفظ على جميع أعماله ومنع نشرها ولاسيما تلك التي حملت أفكاراً إنسانية، وعملت على إبرازه شاعراً للقصر ومؤيداً للحكم الملكي وسلطة الكنيسة، ولم يفرج عن تلك الوثائق إلا في العهد السوڤييتي، حيث تناولها العلماء بالبحث والدراسة ونشرت أكاديمية العلوم السوڤييتية أعماله في مجموعة من عشرة مجلدات عنوانها: «ميخائيل لومونوسوڤ: المجموعة الكاملة لمؤلفاته» Polnoye sobraniye sochinenye (1950- 1959).
عبد الوهاب علاف، محمد وليد الجلاد
لومونوسوڤ (ميخائيل ڤاسيلييفتش ـ)
(1711ـ 1765)
ميخائيل ڤاسيلييڤتش لومونوسوڤ Mikhail Vasilyevitch Lomonosov عالم موسوعي روسي له مساهمات في العلوم الطبيعية والأدب، وهو من واضعي أسس اللغة الأدبية الروسية المعاصرة وصرفها ونحوها، وداعية إلى نشر الثقافة القومية وتطوير العلوم والاقتصاد، وهو مؤسس جامعة موسكو التي تحمل اليوم اسمه. وُلد في قرية دنيسوڤكا Denisovka الواقعة على نهر دوينا شمال غربي روسيا لأسرة متوسطة الحال، وكان أبوه عاملاً حكومياً وصياد سمك. شب على التقاليد الديمقراطية الروسية الشمالية السابقة لعصر بطرس الأكبر [ر]، حيث كان معظم سكان المنطقة على اتصال بالبحارة والتجار الأجانب، بعيداً عن العزلة التي هيمنت على مناطق روسيا الأخرى في العصور الوسطى. تعلم القراءة والكتابة في سن مبكرة، وأولع بالدراسة. قرأ وهو ما يزال في العاشرة ما استطاع الحصول عليه من كتب في النحو والحساب والنظم والإيقاع. وبعد أن أخفق بالالتحاق بالكلية العسكرية، سافر في عام 1730 إلى موسكو، والتحق بالأكاديمية السلاڤية - اليونانية - اللاتينية، من دون أن يصرح بأصله المتواضع. وتمكن في سنوات خمس في الأكاديمية من استيعاب منهاج الدراسة المقرر ثماني سنوات. وقد مكنته الدراسة في الأكاديمية من تعرف المعالم الثقافية في موسكو، وقراءة ما وقعت عليه يده من مخطوطات في الأدب الروسي القديم، ونظم في هذه المرحلة قصائده الأولى. كذلك ساعده إلمامه باليونانية واللاتينية على الاطلاع على الثقافات الكلاسيكية القديمة.
زار لومونوسوڤ كييڤ وأكاديميتها، واطلع على اللغة والثقافة الأكرانية. وبعد عودته انتقل إلى بطرسبورغ مع طلاب آخرين لإكمال الدراسة في أكاديمية العلوم هناك. أوفد إلى جامعة ماربورغ Marburg في سكسونيا (ألمانيا) لدراسة التعدين، حيث أمضى ثلاث سنوات واكتسب معارف واسعة في الفيزياء والكيمياء وعلم المعادن والفلسفة، وخبرة في صناعة الزجاج، كما تعلم اللغات الألمانية والفرنسية والإيطالية والإنكليزية، واطلع على آدابها.
ومع انشغاله بالعلوم دأب لومونوسوڤ على قراءة الشعر الروسي ونظمه، توصل إلى وضع نظرية منسقة عن نظم الشعر المقطعي - المنغم، وسطرها في كتاب عنوانه: «رسالة حول قواعد نظم الشعر الروسي» Pismo o pravilakh rossiyskovo stikhotvorstva (1737) ما يزال يحتل مكانة بارزة في تاريخ الأدب الروسي. وضع نصب عينيه - لما عاد إلى الوطن - بناء ثقافة روسية جديدة تجمع بين العلم والأدب واللغة. وعمل حتى أواخر أيامه في أكاديمية العلوم الروسية، حيث كان في نزاع مستمر مع المسؤولين فيها، وجلهم من الأجانب أو النبلاء المتنفذين وأزلامهم الذين لم يقدروا هذا العلامة الشاب حق قدره. ومع كل العوائق والعراقيل فقد اتسعت دائرة اهتمامات لومونوسوڤ وترك بصمات لا تمحى في ميادين العلوم كافة. غير أن مزاجه الحاد و قوته البدنية أوقعاه في مشكلات غير محمودة العواقب، فاعتقل ومكث في السجن نحو سبعة أشهر. وقد عمد وهو في السجن إلى إنجاز خطة كتاب كان قد شرع فيه في ماربورغ عنوانه: «276 ملاحظة حول الفيزياء وفلسفة الجسيمات» 276zametok po fizike I korpukulyarnoy filosofi ضمنه أفكاره الرائدة في العلوم. ونظم في هذه الفترة قصيدتين بعث بهما إلى القيصرة إليزابيث فأمرت بتسريحه وإعادته إلى وظيفته.
عُيِّن لومونوسوڤ بعد خروجه من السجن أستاذاً في الأكاديمية، فنشط للبحث العلمي ونشر باللغة اللاتينية عدة دراسات أهمها نظرية ميكانيكية الحرارة نتيجة دوران جزيئات المادة التي شرحها في كتبه: «تأملات في أسباب البرودة والحرارة» Meditationes de calores et frigoris causa (1747) و«نظرية تجريبية حول قوة الهواء المرنة» Tentamen theoriae de vi aëris elastika (1748). وتعود آراء لومونوسوڤ حول كهربة الجو والطبيعة الكهربائية للفجر (الضوء) القطبي إلى عام 1753، وقد شرحها في كتابه «نظرية الكهرباء» Theoria electricitates (1756). وكان قد طلب تزويده بمختبر للعلوم، حصل عليه في عام 1748، وتحمس له فأجرى في ثلاث سنوات نحو أربعة آلاف تجربة علمية سجلها في سجل المختبر. ثم كتب مقالاً بعنوان: «كلمة عن فائدة الكيمياء» Slovo o polze khimi (1751) و«رسالة إلى ي. ي. شوڤالوڤو عن فائدة الزجاج» Pismo k I.I. Shuvalovu o polse stekla (1752) وقصيدة إلى القيصرة إليزابيث ضمنها نجاحه في الجمع بين التجريد والتطبيق العملي. ودفعه حماسه للتدريس إلى تأليف «مدخل علم الكيمياء الفيزيائية»، وإليه ينسب فضل تصنيف هذا العلم.
وفي مجال الفلسفة تركزت آراء لومونوسوڤ على الصراع بين التجريبية والعقلانية الذي بلغ أوجه في القرن السابع عشر، وترجم كتاب «دراسات في الفلسفة التجريبية» لكريستيان وولف Christian Wolff إلى اللغة الروسية. غير أنه لم ينحز شخصياً إلى أي اتجاه من تلك الاتجاهات، بل حاول أن يضع لنفسه منظومة فلسفية متناسقة تستند إلى خبرته الشخصية، مع مراعاة مبادئ المحاكمة المنطقية عندما لا تكفي الطرائق التجريبية. وقد رأى في الظواهر الطبيعية عمليات تغير مستمرة استنبط منها نظريته حول وحدة الظواهر الطبيعية وبنية المادة، وشرحها في كتابه «كلمة عن أصل الضوء» Slovo o proiskhozhdeni sveta (1756). وفي عام 1760 نشر كتابه «تأملات في الجوامد والموائع» Meditationes de solido et fluido، الذي ضمّنه قانونه حول انحفاظ المادة والطاقة (قانون لومونوسوڤ). وفي عام 1761 اكتشف لومونوسوڤ وجود جو لكوكب الزهرة. ومن إنجازاته العلمية الأخرى نقضه نظرية الفلوجستون للمادة التي كانت مقبولة في عصره ويظن أنها تساعد على الاحتراق كالأكسجين، وكذلك نظرية الغازات، و طرحه نظرية موجية الضوء، وبحوثه في أصل التربة والفحم والنفط والكهرمان، وهو أول من سجل درجة تجمد الزئبق، ووضع ثبتاً بأسماء 3000 مركب معدني وغير ذلك.
احتلت اهتمامات لومونوسوڤ بجغرافية روسيا ومساعيه إلى إيجاد طريق بحري شمالي، ودراسته الجليديات والزراعة والغابات حيزاً مهماً بين سائر العلوم. وتشهد أعماله في مجال التاريخ على تعمقه في البحث وإيراده شواهد كثيرة على أصالة التراث الشعبي واللغة. وكان دائم السعي للاستفادة من منجزات العلم في التطبيقات العملية، وتطوير قدرة روسيا الإنتاجية، والنهوض بالمستوى المادي والثقافي للسكان. وألف لهذه الغاية كتابه «مناقشة حول دقة أكبر للطرق البحرية» Rassuzhdeniye o bolshey tochnosti morskogo puti و«مناقشة حول أصل الجبال الجليدية في بحار الشمال» Rassuzhdeniye o proskhozhdeni ledyanykh gor v severnykh moryakh، و«وصف موجز لمختلف الرحلات في بحار الشمال» Kratkoe opisaniye raznykh puteshestvy po severnym moryam و«في الطبقات الأرضية» O sloyakh zemnykh. وهي إسهامات كبيرة ومهمة تجمع بين العلم والتطور التجاري واستثمار ثروات الأرض.
أما ما يتصل باللغة الروسية فقد وضع لومونوسوڤ مؤلفات كثيرة منها كتابه المهم «قواعد الروسية» Rossiyskaya grammatika (1755)، تناول فيه الصيغ السلاڤية والروسية العامية التي حددت قوالب اللغة الروسية الأدبية وخصائصها، وهو من أوائل الكتب في هذا المجال، وكذلك كتابه «دليل موجز في البلاغة» Kratkoe rukovodstvo k krasnorechye (1748) وهو أول كتاب في البلاغة باللغة الروسية، وضع فيه نهاية لاحتكار الدوائر الكنسية لتعليم اللغة اللاتينية، وكتابه «في فوائد الكتب الكنسية للغة الروسية» O polze knig tserkovikh v rossiskom yasike (1757)، وكتابه الموجز «المدونة التاريخية الروسية المختصرة» Kratkoy rossiyskoy letopisets بإيعاز من القيصرة التي طلبت أيضاً آراءه حول إعادة تنظيم التعليم. وبدءاً من عام 1755 تضمنت اهتماماته متابعة تطوير جامعة موسكو التي كان قد رسم خططاً لها. كما اختير عضواً عن الأكاديمية في مجلس إدارة الجامعة فأجرى فيها إصلاحات جعلت منها مركزاً فكرياً عصرياً وثيق الصلة بالحياة في روسيا.
أما ما يتصل بإبداعات لومونوسوڤ الشعرية فيمكن القول إنها تحتل مكانة مميزة في أعماله، وقد اشتهر عنه قوله: «قرض الشعر متعتي، والفيزياء ممارستي» فقد ابتدأ بفن المقاطع التقليدي، وساعدته دراسته للشعر الغنائي القديم وفنون الشعر الأوربي السائدة في عصره على نظم قصائد روسية منوعة. كان يؤمن بالتنوير تحت قيادة ملوك حكماء يعنون بتطوير البلاد اقتصادياً وثقافياً. كذلك طور في قصائده الفلسفية - التي امتدحها بوشكين - مفاهيمه العالمية القريبة من المادية الجدلية. وتتضح الملامح الأساسية لشعر لومونوسوڤ في مجموعته الشعرية: «حديث مع أناكريون» Razgovor s Anacreonom حيث يركز على المواطنة والوطنية، ومكانة روسيا في السياسة المعاصرة، وإدراكه مكانته شاعراً.
ومع كل التقدير والمكانة العلمية والأدبية التي احتلها ظل لومونوسوڤ يعيش حياة متواضعة، محاطاً بأسرته وأصدقائه، ولا يغادر مسكنه ولا مختبره الذي أقيم في حديقة منزله إلا ليذهب إلى الأكاديمية. وقد ذاع صيته، وعرفته الأوساط العلمية والأدبية في الخارج، غير أن المضايقات التي عاناها وخاصة بعد وفاة القيصرة إليزابيث أتعبته جسدياً وانتهت بوفاته. ومع أن الامبراطورة كاترين الثانية شيعته بمراسم دفن لائقة في بطرسبورغ فقد حرصت على التحفظ على جميع أعماله ومنع نشرها ولاسيما تلك التي حملت أفكاراً إنسانية، وعملت على إبرازه شاعراً للقصر ومؤيداً للحكم الملكي وسلطة الكنيسة، ولم يفرج عن تلك الوثائق إلا في العهد السوڤييتي، حيث تناولها العلماء بالبحث والدراسة ونشرت أكاديمية العلوم السوڤييتية أعماله في مجموعة من عشرة مجلدات عنوانها: «ميخائيل لومونوسوڤ: المجموعة الكاملة لمؤلفاته» Polnoye sobraniye sochinenye (1950- 1959).
عبد الوهاب علاف، محمد وليد الجلاد