ماده ملونه
Colorant - Colorant
المادة الملوِّنة
المادة الملونة colorant هي المادة التي تضفي لوناً دائماً على منتج ما نتيجة تأثير غير فيزيائي على هذا المنتج. وكانت أولى المواد الملوِّنة من أصل نباتي مثل النيلة (إنديغو) indigo الملوِّن الأزرق الغامق والكركم curcuma الملوِّن النارنجي البني، أو من أصل حيواني مثل سواد العاج ivory black. كما تم إنتاج الجزء الأعظم من المواد الملوِّنة الطبيعية اصطناعاً، وبذلك نشأ إطار المواد الملونة الاصطناعية.
والملوّنات تكون على هيئة أصبغة[ر: الصباغ]dyes أو مخضّبات pigments، وهي إما طبيعية موجودة في المادة (مثل الكلوروفيل في النبات)؛ أو تخلط بها ميكانيكياً (مثل المخضِّبات الجافة في ضروب الدهان)؛ أو تمنح اللون وهي في محلول للمنتَج (مثل الأصبغة العضوية للأنسجة). وفي الواقع يصعب وضع حد فاصل واضح بين الأصبغة وبين المخضّبات. ويُطبَّق مصطلح «الملوِّن» على الأبيض والأسود إضافة إلى الألوان الحقيقية. وتدعى الأجهزة التي تُستعمل في قياس اللون مقاييس اللون[ر: قياس الألوان] colorimeters.
وليس بالضروري أن تكون المادة الملوَّنة هي نفسها ملوِّنة بل قد تلوِّن مادة أخرى؛ وذلك بتثبتها على المادة المراد صبغها.
لمحة تاريخية عن اللون واستخدامه في حضارات متباينة
يبرز اللون بحضوره اليومي في جميع ما يحيط بالإنسان، فهو يَكثُر في الطبيعة. وقد عمل الإنسان منذ بواكير مراحل الثقافة البشرية على استخدامه استخداماً واعياً ومتنوعاً، فقد طبّقه على الطبيعة بصبغ السطوح الصخرية للكهوف، حتى إنه استخدمه لصبغ جلده هو بالذات، وقد أتاحت الخدمات التي قدمها اللون اجتيازَ مجالات واسعة من الوظائف، بدءاً بتغطية سطح شيء ما، إلى تمثيل فكرة أو مفهوم على نحو رمزي.
سعت جميع الشعوب منذ القدم إلى تزيين معابدها ونصبها التذكارية بألوان عدة. ولا تزال الأعاجيب التي حققها الآشوريون والبابليون بهذا الفن التزييني، والمصريون خاصة، تثير الدهشة في المنتَجات العديدة الملوِّنة التي عرفوها، والأسلوب المتناهي بالمهارة في تحضيرها لإضفاء حيوية وألمعية عليها، ولتنظيمها وجعلها ثابتة لا تتغير. وقد عرف المصريون تقنية تثبيت الألوان، وتوصلوا عبرها إلى صبغ نسيج بصبغات مختلفة الدرجة مستخدمين المادة الملونة نفسها.
يعود نجاح استخدام الملوِّنات الطبيعية إلى آلاف السنين. وإن الحضارة المصرية القديمة والحضارات ما قبل الكولومبية في أمريكا اللاتينية - على سبيل الذكر لا الحصر - أقامت أسس ضروب الاستعمال التي امتدت من صبغ النسيج إلى صبغ الأغذية مروراً بتطبيقات جمالية محضة. وقد تنوعت خاصيات هذه المنتجات بعد ذلك بزمن طويل لتضم صَبْغَ كثير من المواد والمنتجات، وصولاً إلى تخضيب المنتجات الصيدلانية.
إن مصطلح «مُلوِّن طبيعي» قد يقود إلى بلبلة، لأنه يطبق عادة على تلك المنتجات الغذائية ذات المنشأ الحيواني أو النباتي أو المنتجات المعدنية التي يوجد فيها على شكل طبيعي أيضاً، كما تدخل في صنف الملوِّنات الطبيعية الملوِّنات الحاصلة من مواد حيوية (بيولوجية) مثل بعض الحشرات، أو التي تتكون تلقائياً عند تسخين غذاء ما أو إخضاعه لمعالجة حرارية مثل الكراميل (السكر المحروق)، إذ يكون لها التركيب والمقدرة على الصبغ مطابقين للطبيعية، إلا أنها تتعارض مع المنتجات الصنعية التي هي في الجوهر حصيلة اصطناع كيمياوي.
أولاً- الملوِّنات الطبيعية
تكون معظم الأصبغة المستخدمة لتلوين الأغذية طبيعية، أو مماثلة للطبيعية، أو مصطنعة، ويعد الطَرْطَرازين tartarazine مثالاً لعميل ملوِّن اصطناعي، في حين يعد الكاروتين carotene أو (الجزرين) ملوناً طبيعياً.
تعد الملوِّنات الطبيعية حسب منشئها أصبغة ملوِّنة حاصلة من مادة أولية حيوانية/أو نباتية على نحو رئيس، مع أن هناك أيضاً مواد ملوِّنة من نمط معدني. ويُدرَج فيما يلي أهم الملوِّنات الطبيعية:
ملوِّنات ذات أصل حيواني
تضم هذه المجموعة القُرْمُز الذي يعد أجود الملوِّنات الطبيعية. كان يستخلص قديماً بماء ساخن، وتُعرف الخلاصة المُلَوِّنة في الأسواق باسم أحمر قُرمُزية الصبار.
يأتي أحمر قرمزية الصبار من مستخلص يُحصل عليه بطبخ أجساد الحشرات الأنثى من أفراد فوق فصيلة القرمزيات وفوق فصيلة الأرْقيات[ر. الأرْقة] التي هي فوق فصيلة من الحشرات صدريات الخرطوم عائدة إلى متماثلات الأجنحة. وهو حلول قليلاً في ماء بارد، وصبغه الرئيسي هو حمض القرمز. إذا ما عولج مستخلص القرمز بملح ألمنيوم ينتج أحمر القرمز الذي هو متمخلب[ر. المعقَّد] chelate لحمض الكرمينيك carminic، وبالتحكم بنسبة حمض الكرمينيك يمكن الحصول على درجات لون صبغية تُعرف بالفريز أو الفراولة.
يستخدم هذا الملوِّن في حانوت الحلواني لتلوين الأشربة والحلوى والمربيات، وكذلك في المعلبات الغذائية (الكونسروة) النباتية، والبوظة، واللبنيات مثل اللبن والجبن الطازج، وفي منتجات اللحوم، وفي الأشربة. وتستخدم نسبة مهمة منه في صناعة مستحضرات التجميل، ولا تعرف له تأثيرات ضارة بالصحة.
أما الموناسكوس Monascos فهو ملوِّن طبيعي من أصل حيواني (أصناف ميكروبيولوجية)، ولا يظهر في اللائحة الإيجابية للملوِّنات المسموح بها في الاتحاد الأوربي ولا في الولايات المتحدة. وقد استخدم مع ذلك في الشرق منذ مئات السنين استخداماً دوائياً أو من أجل تلوين النبيذ. ينمو الموناسكوس على أرز الشرق منتجاً كتلة حمراء يمكن أن تدمج في الأغذية كما هي، أو على شكل مسحوق مجفَّف، فتبدي درجات ألوان من الأصفر إلى الأحمر.
ملوِّنات ذات منشأ نباتي
تتشكل هذه المجموعة من سلسلة من المركبات منها الأنتوسيانين anthocyanin (التي هي من الصبغات النباتية الغليكوزيدية الذوّابة النسغية المسؤولة عن أغلب التلون القرمزي والأرجواني والبنفسجي الزاهي والأزرق في النباتات العليا)، والكراميل، وأشباه الكاروتن، وضروب الكلوروفيل، واليصفور lutein، والكربون النباتي.
تنتمي ضروب الأنتوسيانين إلى صنف أشباه الفلافون flavonoid، وهي صبغات حمراء اللون وبرتقالية وزرقاء، حلولة في الماء وملوِّنة على نحو شديد، وهي على نحو عام مسؤولة عن ألوان العنب والفريز وثمرة توت السياج والتوت وضروب الخلنجيات التي لها أزهار ذات لون أبيض مخضر أو وردي، والتفاح الوردي، والذرة البيضاء. إن بالإمكان الحصول على الخلنجيات[ر] وعلى أي من النباتات السابقة لاستخدامها من أجل ملون غذائي، لكن هناك -لأسباب تجارية - مصادر أكثر استخداماً مثل قشرة العنب ومنتجات ثانوية أخرى من أجل صناعة عصير العنب والنبيذ.
تستخدم في الصناعة الغذائية منتجات حمضية مثل ضروب الهلام والمربيات، لكنها أقل من ذلك في منتجات اللحوم والألبان وصناعة الحلويات النباتية، وضروب النبيذ والكونسروة أو معلبات السمك.
ليست ضروب الأنتوسيانين مواد معروفة كلياً، وذلك لتنوعها الشديد ولأسباب أخرى، وقد غدت اليوم هدفاً لدراسات كثيرة؛ ومع ذلك فإن من المعروف أنه عندما يتناول الإنسان هذا النمط من الملوِّن فإن جزءاً كبيراً منه تخربه زمرة الجراثيم المعوية، وتحذف البقايا الممتصة عن طريق البول، وعلى نحو أساسي في الصفراء قبل حدوث بعض التحولات.
أما الكراميل فيمكن القول: إنه ملوِّن أكثر استخداماً في الصناعة الغذائية، وكان أول ملوِّن يستخدم في المشروبات الغولية، وهو أحد الملونات الأكثر استخداماً في مشروبات الكولا، وقطع الحلوى الدبقة، والبيرة، والمثلجات، والفواكة وضروب الحساء المحضَّرة، وشتى المنتَجات المختصة باللحوم.
كان الكراميل يصنع في بادئ الأمر بتسخين السكر؛ أما في الوقت الحاضر فيحصل عليه من كربوهيدرات[ر: السكريات] عدة مثل شراب الغلوكوز، ويُنتج هذا الملون أيضاً طبيعياً عندما يُطبخ لحم أو يحمّص خبز أو قهوةٌ أو رقاقات بطاطا. ومع أن نصف مكونات الكراميل تقريباً هي سكاكر قابلة للتمثل، إلا أن الكراميل لا يُعرف على نحو دقيق؛ لأن مكوناته النوعية الأخرى قليلة الامتصاص في الأمعاء.
تؤلف الأصباغ الجزرانية مجموعةً واسعة من صبغات ذات لون أصفر وبرتقالي توجد في الحمضيات والجزر والبندورة الحمراء والفلفل الأحمر والكزبرة والعصفر وصفار البيض وسمك التروتة وسمك سليمان والطحالب والخلائط الناتجة من صناعات الحمضيات وإن الصبغ الحاصل هنا هو صبغ أصفر اللون، وقد استخدم على نحو رئيس في الخبازة والمنتجات اللبنية. ونبات البندورة Solanum lycopersicum استخدامه محدود بسبب رائحته الشديدة، والفليفلة الحمراء Capsicum annuum، يُستخرج منهما الكبسانتين (الخضاب الكاروتيني الأحمر اللون إلى القرمزي). كما يستخدم زيت الفليفلة منكهاً.
أما الغردينيا Gardenia، فهي شجرة من الفصيلة الفوية ذات أزهار ضخمة بيضاء شديدة الرائحة، يستخدم لونها في صناعة ضروب الكراميل، والمعجنات الغذائية، وتحضير بيوض السمك.
طُرحت منذ بعض الوقت فرضيةٌ مفادها أن بتا الكاروتن ß carotene، أو بالأحرى الأغذية التي تحويه، قد يكون لها تأثير حافظ تجاه بعض أنماط السرطان.
إن ضروب اليخضور (الكلوروفيل) هي أصبغة خضراء موجودة في نباتات التركيب الضوئي، وقد استخدم اللون الأخضر في الفواكه والخضراوات دليلاً على الطزاجة وحالة النضج. ويضاف اليخضور على نحو عرضي إلى الزيوت والعلك والمثلجات والمشروبات المرطِّبة المنعشة، وإلى ضروب الحساء المحضَّرة والمنتجات اللبنية (الجبن والألبان).
أما الكركم Curcuma longa من الفصيلة الزنجبيلية فهو التابل الأساسي في الكاري الذي هو خليط من التوابل النباتية التي تشمل الكركم والكزبرة والقرفة والكمون والزنجبيل وحب الهال والفلفل الحريف (الأحمر) وفصوص القرنفل وجوزة الطيب، وتعطيه لونه الأصفر الشديد المتميز. ويستخدم أيضاً ملوِّناً للخردل، وفي تحضيرات من أجل ضروب الحساء والمرق، وهو في بعض المنتجات المختصة باللحوم ملوِّن تقليدي أيضاً في منتجات لبنية مثل المثلجات (البوظة).
ومن الملوِّنات النباتية الأخرى الحِناء lawsonia، وهي شجيرة تنتج أوراقها ملوناً نباتياً. تعطي الحناء على نحو عام درجة لون ضارب إلى الحمرة، لكنها تعطي بمزجها بأعشاب أخرى عدداً لا يحصى من الألوان، وإذا أُحسن استعمالها فإنها تعطي لوناً جديداً وجميلاً لا يؤذي الشعر، إضافة إلى أن استعمالها غير معقَّد.
ثانياً ـ الملونات الصنعية
وليم بركِن William Perkin مابين (1838-1907) أول من اصطنع مادة ملوِّنة عام 1856، إذ استحصل على الصباغ النهدي mauve مصادفة عندما كان يسعى إلى استحصال الكينين. ثم قام غيره باصطناع العديد من الملوّنات الأخرى. واكتشف باير صيغة النيلة عام 1883.
أما حالياً فمعظم المواد الملوِّنة تُصطنع كيمياوياً؛ إذ تصطنع المواد الملوِّنة الطبيعية إضافة إلى الألوف من الملوِّنات الاصطناعية، حتى أصبح عدد المواد الملوِّنة التي تستعمل في الصناعة يتجاوز الألفي صنف.
وكان الألماني أوتو نيكولاوس ويتOtto Nikolaus Witt ما بين (1853-1915) أول من اكتشف تأثير البنية على لون الجزيء [ر. الصباغ]. وقد بيَّن أن المركبات التي لها في بنيتها زمر معينة تكون ملوَّنة. وتدعى هذه الزمر أو المجموعات كروموفورات chromophores وتدعى المادة الملوَّنة كروموجين chromogen. والكروموفورات المهمة الشائعة هي: النتروزو NO−، النترو NO−، رابطة آزو −N2- بين زمرتين عطريتين، بنيات الكينونوئيد
، و
والكيتونات الثنائية -CO-CO-، وزمر الكيتون غير المشبعة في المركبات الحلقية.
ولكي يقوم المركب بدور الصباغ ينبغي أن يبقى الصباغ ثابتاً على النسيج ولو غُسل النسيج أو شُطِف؛ وليست جميع المواد الملوِّنة صباغات، فبعضها الذي يتميز بوجود بعض الزمر المستبدَلة والتي أطلق عليها «ويت» اسـمَ أكسـوكـرومـات auxochromes، تصبغ الصوف الحريـر مباشـرة والقطن في بعض الأحيان. والأُكسوكرومات الحقيقـية أسـاسـية[ر: الأسـس] basic وهي تشـمل NH2−، وNHR−، وNR2−، وبوجودها في الجزيء يصبح اللون أغمق، أما الأكسوكرومات الحمضية فتجعل اللون أفتح وهي SO2OH−، وCOOH−، وOH−. مثال ذلك صباغ الكريسوئيدين chrysoidine الذي صيغته C6H5NNC6H3(NH2)2 وهو ينتج من اتحاد ملح كلوريد البنزِن ديازونيوم مع ميثيل فينيلين ديامين الذي ناتج اتحاده مع حمض كلور الماء C6H5NNC6H3(NH2)2.HCl يعمل ملوِّناً للألياف النسيجية القطنية والحريرية فيمنحها اللون النارنجي (الشكل 1).
فالزمرتان NH2− في الديامين لهما خاصة جديدة، حيث نواتج التفاعل لها خاصة إنتاج أملاح ذوابة بالماء، إضافة إلى أنها يمكنها التثبت على الألياف النسيجية ما يؤدي إلى تلونها.
يمكن تصنيف الأصبغة حسب بنيتها الكيمياوية، إلا أن الصبّاغ يصعب عليه، عملياً، الاعتماد على مثل هذا التصنيف، ومن الأسهل عليه تصنيفها وفقاً لطرائق استعمالها. كما جرت محاولات عديدة لتصنيف الأصبغة في «كتالوجات» خاصة وأعطيت للأصبغة أسماء تجارية خاصة لا علاقة لها ببنيتها الكيمياوية البتة، مثل »كتالوج« شولتز، فالمركب الذي سمِّي أسود الأليزارين، على سبيل المثال، غير مشتق من الأليزارون.
استعمال المواد الملوِّنة
للمواد الملوِّنة استعمالات عديدة فهي تستعمل لتلوين النحاس، والألياف النسيجية مثل القطن والصوف والحرير ومختلف الألياف الاصطناعية مثل الأستيات والنايلون والرايون ومتعدد الاستر، والأكريليك، والورق والجلود[ر. الدباغة]، والمواد الغذائية[ر. المنكهات]، ولصناعة ضروب الأحبار، كما تستعمل في مجالات أخرى فهي تستعمل للتلوين في علم الجراثيم bacteriology، وكذلك في علم النبات، وفي التحليل النسيجي pathology أيضاً، وفي الكيمياء التحليلية، وصناعة الأدوية، والمتفجرات، وفي صناعة ضروب اللكّ والبرنيق (الفرنيش)، والدخان الملون. كما تستعمل كواشفَ حساسة في التصوير الضوئي. وللمواد الملوِّنة في اللكّ أهمية خاصة؛ واللكّ هو صباغ خاص يحصل عليه بتثبيت المادة الملوِّنة العضوية الذوابة، الطبيعية أو المصطنعة، على حامل غالباً ما يكون لا عضوياً مثل مزيج من الألومين المميه وكبريتات الباريوم. والملوِّنات تُنتَج عملياً ضمن أصناف كيمياوية رئيسية: آزوئيك (45%)، مكبرتة (20%)، وضروب انديغوئيد (12%)، وضروب الأنتراكينون (7%)، وملوِّنات التري فنيل ميتان (7%)، وأصناف أخرى (9%).
صلاح يحياوي
Colorant - Colorant
المادة الملوِّنة
المادة الملونة colorant هي المادة التي تضفي لوناً دائماً على منتج ما نتيجة تأثير غير فيزيائي على هذا المنتج. وكانت أولى المواد الملوِّنة من أصل نباتي مثل النيلة (إنديغو) indigo الملوِّن الأزرق الغامق والكركم curcuma الملوِّن النارنجي البني، أو من أصل حيواني مثل سواد العاج ivory black. كما تم إنتاج الجزء الأعظم من المواد الملوِّنة الطبيعية اصطناعاً، وبذلك نشأ إطار المواد الملونة الاصطناعية.
والملوّنات تكون على هيئة أصبغة[ر: الصباغ]dyes أو مخضّبات pigments، وهي إما طبيعية موجودة في المادة (مثل الكلوروفيل في النبات)؛ أو تخلط بها ميكانيكياً (مثل المخضِّبات الجافة في ضروب الدهان)؛ أو تمنح اللون وهي في محلول للمنتَج (مثل الأصبغة العضوية للأنسجة). وفي الواقع يصعب وضع حد فاصل واضح بين الأصبغة وبين المخضّبات. ويُطبَّق مصطلح «الملوِّن» على الأبيض والأسود إضافة إلى الألوان الحقيقية. وتدعى الأجهزة التي تُستعمل في قياس اللون مقاييس اللون[ر: قياس الألوان] colorimeters.
وليس بالضروري أن تكون المادة الملوَّنة هي نفسها ملوِّنة بل قد تلوِّن مادة أخرى؛ وذلك بتثبتها على المادة المراد صبغها.
لمحة تاريخية عن اللون واستخدامه في حضارات متباينة
يبرز اللون بحضوره اليومي في جميع ما يحيط بالإنسان، فهو يَكثُر في الطبيعة. وقد عمل الإنسان منذ بواكير مراحل الثقافة البشرية على استخدامه استخداماً واعياً ومتنوعاً، فقد طبّقه على الطبيعة بصبغ السطوح الصخرية للكهوف، حتى إنه استخدمه لصبغ جلده هو بالذات، وقد أتاحت الخدمات التي قدمها اللون اجتيازَ مجالات واسعة من الوظائف، بدءاً بتغطية سطح شيء ما، إلى تمثيل فكرة أو مفهوم على نحو رمزي.
سعت جميع الشعوب منذ القدم إلى تزيين معابدها ونصبها التذكارية بألوان عدة. ولا تزال الأعاجيب التي حققها الآشوريون والبابليون بهذا الفن التزييني، والمصريون خاصة، تثير الدهشة في المنتَجات العديدة الملوِّنة التي عرفوها، والأسلوب المتناهي بالمهارة في تحضيرها لإضفاء حيوية وألمعية عليها، ولتنظيمها وجعلها ثابتة لا تتغير. وقد عرف المصريون تقنية تثبيت الألوان، وتوصلوا عبرها إلى صبغ نسيج بصبغات مختلفة الدرجة مستخدمين المادة الملونة نفسها.
يعود نجاح استخدام الملوِّنات الطبيعية إلى آلاف السنين. وإن الحضارة المصرية القديمة والحضارات ما قبل الكولومبية في أمريكا اللاتينية - على سبيل الذكر لا الحصر - أقامت أسس ضروب الاستعمال التي امتدت من صبغ النسيج إلى صبغ الأغذية مروراً بتطبيقات جمالية محضة. وقد تنوعت خاصيات هذه المنتجات بعد ذلك بزمن طويل لتضم صَبْغَ كثير من المواد والمنتجات، وصولاً إلى تخضيب المنتجات الصيدلانية.
إن مصطلح «مُلوِّن طبيعي» قد يقود إلى بلبلة، لأنه يطبق عادة على تلك المنتجات الغذائية ذات المنشأ الحيواني أو النباتي أو المنتجات المعدنية التي يوجد فيها على شكل طبيعي أيضاً، كما تدخل في صنف الملوِّنات الطبيعية الملوِّنات الحاصلة من مواد حيوية (بيولوجية) مثل بعض الحشرات، أو التي تتكون تلقائياً عند تسخين غذاء ما أو إخضاعه لمعالجة حرارية مثل الكراميل (السكر المحروق)، إذ يكون لها التركيب والمقدرة على الصبغ مطابقين للطبيعية، إلا أنها تتعارض مع المنتجات الصنعية التي هي في الجوهر حصيلة اصطناع كيمياوي.
أولاً- الملوِّنات الطبيعية
تكون معظم الأصبغة المستخدمة لتلوين الأغذية طبيعية، أو مماثلة للطبيعية، أو مصطنعة، ويعد الطَرْطَرازين tartarazine مثالاً لعميل ملوِّن اصطناعي، في حين يعد الكاروتين carotene أو (الجزرين) ملوناً طبيعياً.
تعد الملوِّنات الطبيعية حسب منشئها أصبغة ملوِّنة حاصلة من مادة أولية حيوانية/أو نباتية على نحو رئيس، مع أن هناك أيضاً مواد ملوِّنة من نمط معدني. ويُدرَج فيما يلي أهم الملوِّنات الطبيعية:
ملوِّنات ذات أصل حيواني
تضم هذه المجموعة القُرْمُز الذي يعد أجود الملوِّنات الطبيعية. كان يستخلص قديماً بماء ساخن، وتُعرف الخلاصة المُلَوِّنة في الأسواق باسم أحمر قُرمُزية الصبار.
يأتي أحمر قرمزية الصبار من مستخلص يُحصل عليه بطبخ أجساد الحشرات الأنثى من أفراد فوق فصيلة القرمزيات وفوق فصيلة الأرْقيات[ر. الأرْقة] التي هي فوق فصيلة من الحشرات صدريات الخرطوم عائدة إلى متماثلات الأجنحة. وهو حلول قليلاً في ماء بارد، وصبغه الرئيسي هو حمض القرمز. إذا ما عولج مستخلص القرمز بملح ألمنيوم ينتج أحمر القرمز الذي هو متمخلب[ر. المعقَّد] chelate لحمض الكرمينيك carminic، وبالتحكم بنسبة حمض الكرمينيك يمكن الحصول على درجات لون صبغية تُعرف بالفريز أو الفراولة.
يستخدم هذا الملوِّن في حانوت الحلواني لتلوين الأشربة والحلوى والمربيات، وكذلك في المعلبات الغذائية (الكونسروة) النباتية، والبوظة، واللبنيات مثل اللبن والجبن الطازج، وفي منتجات اللحوم، وفي الأشربة. وتستخدم نسبة مهمة منه في صناعة مستحضرات التجميل، ولا تعرف له تأثيرات ضارة بالصحة.
أما الموناسكوس Monascos فهو ملوِّن طبيعي من أصل حيواني (أصناف ميكروبيولوجية)، ولا يظهر في اللائحة الإيجابية للملوِّنات المسموح بها في الاتحاد الأوربي ولا في الولايات المتحدة. وقد استخدم مع ذلك في الشرق منذ مئات السنين استخداماً دوائياً أو من أجل تلوين النبيذ. ينمو الموناسكوس على أرز الشرق منتجاً كتلة حمراء يمكن أن تدمج في الأغذية كما هي، أو على شكل مسحوق مجفَّف، فتبدي درجات ألوان من الأصفر إلى الأحمر.
ملوِّنات ذات منشأ نباتي
تتشكل هذه المجموعة من سلسلة من المركبات منها الأنتوسيانين anthocyanin (التي هي من الصبغات النباتية الغليكوزيدية الذوّابة النسغية المسؤولة عن أغلب التلون القرمزي والأرجواني والبنفسجي الزاهي والأزرق في النباتات العليا)، والكراميل، وأشباه الكاروتن، وضروب الكلوروفيل، واليصفور lutein، والكربون النباتي.
تنتمي ضروب الأنتوسيانين إلى صنف أشباه الفلافون flavonoid، وهي صبغات حمراء اللون وبرتقالية وزرقاء، حلولة في الماء وملوِّنة على نحو شديد، وهي على نحو عام مسؤولة عن ألوان العنب والفريز وثمرة توت السياج والتوت وضروب الخلنجيات التي لها أزهار ذات لون أبيض مخضر أو وردي، والتفاح الوردي، والذرة البيضاء. إن بالإمكان الحصول على الخلنجيات[ر] وعلى أي من النباتات السابقة لاستخدامها من أجل ملون غذائي، لكن هناك -لأسباب تجارية - مصادر أكثر استخداماً مثل قشرة العنب ومنتجات ثانوية أخرى من أجل صناعة عصير العنب والنبيذ.
تستخدم في الصناعة الغذائية منتجات حمضية مثل ضروب الهلام والمربيات، لكنها أقل من ذلك في منتجات اللحوم والألبان وصناعة الحلويات النباتية، وضروب النبيذ والكونسروة أو معلبات السمك.
ليست ضروب الأنتوسيانين مواد معروفة كلياً، وذلك لتنوعها الشديد ولأسباب أخرى، وقد غدت اليوم هدفاً لدراسات كثيرة؛ ومع ذلك فإن من المعروف أنه عندما يتناول الإنسان هذا النمط من الملوِّن فإن جزءاً كبيراً منه تخربه زمرة الجراثيم المعوية، وتحذف البقايا الممتصة عن طريق البول، وعلى نحو أساسي في الصفراء قبل حدوث بعض التحولات.
أما الكراميل فيمكن القول: إنه ملوِّن أكثر استخداماً في الصناعة الغذائية، وكان أول ملوِّن يستخدم في المشروبات الغولية، وهو أحد الملونات الأكثر استخداماً في مشروبات الكولا، وقطع الحلوى الدبقة، والبيرة، والمثلجات، والفواكة وضروب الحساء المحضَّرة، وشتى المنتَجات المختصة باللحوم.
كان الكراميل يصنع في بادئ الأمر بتسخين السكر؛ أما في الوقت الحاضر فيحصل عليه من كربوهيدرات[ر: السكريات] عدة مثل شراب الغلوكوز، ويُنتج هذا الملون أيضاً طبيعياً عندما يُطبخ لحم أو يحمّص خبز أو قهوةٌ أو رقاقات بطاطا. ومع أن نصف مكونات الكراميل تقريباً هي سكاكر قابلة للتمثل، إلا أن الكراميل لا يُعرف على نحو دقيق؛ لأن مكوناته النوعية الأخرى قليلة الامتصاص في الأمعاء.
تؤلف الأصباغ الجزرانية مجموعةً واسعة من صبغات ذات لون أصفر وبرتقالي توجد في الحمضيات والجزر والبندورة الحمراء والفلفل الأحمر والكزبرة والعصفر وصفار البيض وسمك التروتة وسمك سليمان والطحالب والخلائط الناتجة من صناعات الحمضيات وإن الصبغ الحاصل هنا هو صبغ أصفر اللون، وقد استخدم على نحو رئيس في الخبازة والمنتجات اللبنية. ونبات البندورة Solanum lycopersicum استخدامه محدود بسبب رائحته الشديدة، والفليفلة الحمراء Capsicum annuum، يُستخرج منهما الكبسانتين (الخضاب الكاروتيني الأحمر اللون إلى القرمزي). كما يستخدم زيت الفليفلة منكهاً.
أما الغردينيا Gardenia، فهي شجرة من الفصيلة الفوية ذات أزهار ضخمة بيضاء شديدة الرائحة، يستخدم لونها في صناعة ضروب الكراميل، والمعجنات الغذائية، وتحضير بيوض السمك.
طُرحت منذ بعض الوقت فرضيةٌ مفادها أن بتا الكاروتن ß carotene، أو بالأحرى الأغذية التي تحويه، قد يكون لها تأثير حافظ تجاه بعض أنماط السرطان.
إن ضروب اليخضور (الكلوروفيل) هي أصبغة خضراء موجودة في نباتات التركيب الضوئي، وقد استخدم اللون الأخضر في الفواكه والخضراوات دليلاً على الطزاجة وحالة النضج. ويضاف اليخضور على نحو عرضي إلى الزيوت والعلك والمثلجات والمشروبات المرطِّبة المنعشة، وإلى ضروب الحساء المحضَّرة والمنتجات اللبنية (الجبن والألبان).
أما الكركم Curcuma longa من الفصيلة الزنجبيلية فهو التابل الأساسي في الكاري الذي هو خليط من التوابل النباتية التي تشمل الكركم والكزبرة والقرفة والكمون والزنجبيل وحب الهال والفلفل الحريف (الأحمر) وفصوص القرنفل وجوزة الطيب، وتعطيه لونه الأصفر الشديد المتميز. ويستخدم أيضاً ملوِّناً للخردل، وفي تحضيرات من أجل ضروب الحساء والمرق، وهو في بعض المنتجات المختصة باللحوم ملوِّن تقليدي أيضاً في منتجات لبنية مثل المثلجات (البوظة).
ومن الملوِّنات النباتية الأخرى الحِناء lawsonia، وهي شجيرة تنتج أوراقها ملوناً نباتياً. تعطي الحناء على نحو عام درجة لون ضارب إلى الحمرة، لكنها تعطي بمزجها بأعشاب أخرى عدداً لا يحصى من الألوان، وإذا أُحسن استعمالها فإنها تعطي لوناً جديداً وجميلاً لا يؤذي الشعر، إضافة إلى أن استعمالها غير معقَّد.
ثانياً ـ الملونات الصنعية
وليم بركِن William Perkin مابين (1838-1907) أول من اصطنع مادة ملوِّنة عام 1856، إذ استحصل على الصباغ النهدي mauve مصادفة عندما كان يسعى إلى استحصال الكينين. ثم قام غيره باصطناع العديد من الملوّنات الأخرى. واكتشف باير صيغة النيلة عام 1883.
أما حالياً فمعظم المواد الملوِّنة تُصطنع كيمياوياً؛ إذ تصطنع المواد الملوِّنة الطبيعية إضافة إلى الألوف من الملوِّنات الاصطناعية، حتى أصبح عدد المواد الملوِّنة التي تستعمل في الصناعة يتجاوز الألفي صنف.
وكان الألماني أوتو نيكولاوس ويتOtto Nikolaus Witt ما بين (1853-1915) أول من اكتشف تأثير البنية على لون الجزيء [ر. الصباغ]. وقد بيَّن أن المركبات التي لها في بنيتها زمر معينة تكون ملوَّنة. وتدعى هذه الزمر أو المجموعات كروموفورات chromophores وتدعى المادة الملوَّنة كروموجين chromogen. والكروموفورات المهمة الشائعة هي: النتروزو NO−، النترو NO−، رابطة آزو −N2- بين زمرتين عطريتين، بنيات الكينونوئيد
، و
والكيتونات الثنائية -CO-CO-، وزمر الكيتون غير المشبعة في المركبات الحلقية.
ولكي يقوم المركب بدور الصباغ ينبغي أن يبقى الصباغ ثابتاً على النسيج ولو غُسل النسيج أو شُطِف؛ وليست جميع المواد الملوِّنة صباغات، فبعضها الذي يتميز بوجود بعض الزمر المستبدَلة والتي أطلق عليها «ويت» اسـمَ أكسـوكـرومـات auxochromes، تصبغ الصوف الحريـر مباشـرة والقطن في بعض الأحيان. والأُكسوكرومات الحقيقـية أسـاسـية[ر: الأسـس] basic وهي تشـمل NH2−، وNHR−، وNR2−، وبوجودها في الجزيء يصبح اللون أغمق، أما الأكسوكرومات الحمضية فتجعل اللون أفتح وهي SO2OH−، وCOOH−، وOH−. مثال ذلك صباغ الكريسوئيدين chrysoidine الذي صيغته C6H5NNC6H3(NH2)2 وهو ينتج من اتحاد ملح كلوريد البنزِن ديازونيوم مع ميثيل فينيلين ديامين الذي ناتج اتحاده مع حمض كلور الماء C6H5NNC6H3(NH2)2.HCl يعمل ملوِّناً للألياف النسيجية القطنية والحريرية فيمنحها اللون النارنجي (الشكل 1).
(الشكل 1) | |
يمكن تصنيف الأصبغة حسب بنيتها الكيمياوية، إلا أن الصبّاغ يصعب عليه، عملياً، الاعتماد على مثل هذا التصنيف، ومن الأسهل عليه تصنيفها وفقاً لطرائق استعمالها. كما جرت محاولات عديدة لتصنيف الأصبغة في «كتالوجات» خاصة وأعطيت للأصبغة أسماء تجارية خاصة لا علاقة لها ببنيتها الكيمياوية البتة، مثل »كتالوج« شولتز، فالمركب الذي سمِّي أسود الأليزارين، على سبيل المثال، غير مشتق من الأليزارون.
استعمال المواد الملوِّنة
للمواد الملوِّنة استعمالات عديدة فهي تستعمل لتلوين النحاس، والألياف النسيجية مثل القطن والصوف والحرير ومختلف الألياف الاصطناعية مثل الأستيات والنايلون والرايون ومتعدد الاستر، والأكريليك، والورق والجلود[ر. الدباغة]، والمواد الغذائية[ر. المنكهات]، ولصناعة ضروب الأحبار، كما تستعمل في مجالات أخرى فهي تستعمل للتلوين في علم الجراثيم bacteriology، وكذلك في علم النبات، وفي التحليل النسيجي pathology أيضاً، وفي الكيمياء التحليلية، وصناعة الأدوية، والمتفجرات، وفي صناعة ضروب اللكّ والبرنيق (الفرنيش)، والدخان الملون. كما تستعمل كواشفَ حساسة في التصوير الضوئي. وللمواد الملوِّنة في اللكّ أهمية خاصة؛ واللكّ هو صباغ خاص يحصل عليه بتثبيت المادة الملوِّنة العضوية الذوابة، الطبيعية أو المصطنعة، على حامل غالباً ما يكون لا عضوياً مثل مزيج من الألومين المميه وكبريتات الباريوم. والملوِّنات تُنتَج عملياً ضمن أصناف كيمياوية رئيسية: آزوئيك (45%)، مكبرتة (20%)، وضروب انديغوئيد (12%)، وضروب الأنتراكينون (7%)، وملوِّنات التري فنيل ميتان (7%)، وأصناف أخرى (9%).
صلاح يحياوي