لعب
Play - Le jeu
اللعب
اللعب play نشاط حر موجَّه أو غير موجَّه، يطلق على الحركات أو الأعمال الجسمية والنفسية، يزاوله الإنسان والفصائل الحيوانية تحت تأثير ميل فطري، وتختلف مدته باختلاف أمد الطفولة، فكلما طالت مدة الطفولة ـ وهي طويلة لدى الإنسان ـ طال الزمن الذي تستغرقه نزعة اللعب. وينظر إلى اللعب على أنه جزء مهم من حياة الطفل.
يتضح من كتاب «القوانين» لأفلاطون أنه أول من اعترف بأن للعب قيمة عملية. وقال أرسطو إن الأطفال ينبغي أن يشجَّعوا على اللعب بما سيكون عليهم أن يفعلوه على نحو جدي كراشدين. وقد نادى كبار المصلحين التربويين مثل كومينيوس Comenius وروسو[ر] Rousseau وبستالوتزي[ر] Pestalozzi وفروبل [ر] Froebel بالأخذ بميول الطفل وأهمية اللعب في التعليم.
وقد أولى الإسلام اللعب عناية متميزة، واعترف بفطرة الإنسان التي خلقه الله عليها، وحث على تعليم الأولاد فنوناً من اللعب والرياضة، فقد روى البيهقي: عن عمر بن الخطابt قال: «علموا أولادكم السباحة والرماية ومروهم فليثبوا على ظهور الخيل وثباً». وقال الغزالي: و«ينبغي أن يؤذن للصبي بعد الانصراف من الكتَّاب أن يلعب لعباً جميلاً، يستريح إليه من تعب المكتب بحيث لا يتعب في اللعب، فإنَّ منْع الصبي من اللعب وإرهاقه بالتعليم دائماً يميت قلبه ويبطل ذكاءه، وينغص عليه العيش، حتى يطلب الحيلة في الخلاص منه رأساً».
نظريات اللعب:
1 ـ نظرية الاستجمام أو الراحة: يرى أصحاب هذه النظرية وعلى رأسهم لازاروس (1824-1903) Lazarus، وشيللر (1759-1805) M.Schiler اللذان ألَّفا كتباً عن اللعب، أن وظيفة اللعب إعطاء المراكز العصبية والعضلات المرهقة فرصة للراحة والتخلص مما تراكم فيها جراء إجهادها من الأحماض والمواد السامة الضارة.
2 ـ نظرية فصل الطاقة الزائدة عن الحاجة: ومن الذين قالوا بهذه النظرية شيللر، وهربرت سبنسر (1820-1903)H.Spencer ويرون أن صغار الإنسان والحيوانات الراقية ليس لديها من الأعمال الجدية ما يستنفد طاقاتها الحيوية وأنشطتها الجسمية، لأنها تستمد حاجاتها من كبارها، ولما كان توافر طاقات زائدة عن الحاجة يتعارض والطبيعة البيولوجية لحياة الصغار جسمياً ونفسياً، لذلك تميل الحيوانات الصغيرة إلى القيام بحركات تلقائية تسمى اللعب.
3 ـ النظرية التلخيصية: وتقوم هذه النظرية على الرأي القائل إن الأطفال هم حلقة في السلسلة التطويرية من الحيوان إلى الإنسان، وأنهم يمرون في حياتهم بمراحل التطور كلها، ويرى أصحاب هذه النظرية وعلى رأسهم ستانلي هول Stanley Hall، أن ما يزاوله الإنسان من ألعاب وحركات منذ ظهوره حتى اليوم ليس سوى تذكر أو استعادة لما مر به عبر مراحل تطوره التاريخي.
4 ـ نظرية الإعداد للحياة المستقبلية: يرى أنصار هذه النظرية أن الألعاب التي يقوم بها صغار كل طائفة من الحيوانات الراقية تشبه أعمال الكبار الجدية التي يمكن أن يزاولها الصغار في مستقبل حياتهم، وعليه فاللعب حسب هذه النظرية هو إعداد العضوية الفتية للحياة.
5 ـ نظرية النمو الجسمي: تعد هذه النظرية اللعب من أهم العوامل التي تساعد على نمو أعضاء الجسم، ولاسيما الدماغ وأعضاء الجهاز العصبي الأخرى، إذ يتكون جراء تكرار اللعب وبالتدريج ما يعوز خلايا الدماغ العصبية، مما يسهم بإعداد الدماغ لوظائفه على الوجه الأكمل.
6 ـ نظرية التوازن: ترى هذه النظرية أن اللعب بحركاته غير الجدية يغذي طائفة من غرائز الطفل وميوله، وهذا لا تقوم به حياته الجدية، وبذلك يستقر التوازن بين مختلف قواه النفسية.
7 ـ نظرية التنفيس أو التهدئة: تستند هذه النظرية إلى مبدأ مفاده أن اللعب يهدئ الرغبات المكبوتة، فاللعب بالشطرنج أو الملاكمة أو غير ذلك يهدئ غريزة المقاتلة لدى الفرد.
8 ـ نظرية سيغموند فرويد: يعتقد فرويد Freud أن اندفاع الطفل إلى اللعب هو نتيجة معاناة الشعور بالنقص، فانعدام قدرته على أن يكون طبيباً أو سائقاً أو مربياً فعلياً يدفعه إلى القيام بهذا الدور في اللعب، وفي هذه الحياة الخيالية يحتال الطفل على أهوائه ورغباته.
9 ـ نظرية جان بياجيه: يرى جان بياجيه J.Piaget في اللعب تعبيراً عن تطور الأطفال ومتطلباً لهذا التطور. ولكل مرحلة عمرية عند الإنسان ألعابها الخاصة بها، ويعد اللعب مقياساً لتطور الأطفال العقلي.
فوائد اللعب: يحقق اللعب فوائد كثيرة يُذكر منها:
1 ـ فوائد بنائية (اللعب نمو): يخلق اللعب شروطاً مناسبة لبناء النمو الجسمي لدى الطفل، ويتضمن أيضاً مثيرات باعثة على تكوين قدراته وخصائص شخصيته، ويساعده على إدراك العالم الذي يعيش فيه والتحكم به، فعندما يلعب الطفل يثري حياته العقلية والمهارية بمعارف عن العالم المحيط به، ويؤدي ذلك إلى نضجه الاجتماعي واتزانه الانفعالي.
2 ـ فوائد تربوية: يفسح اللعب المجال للطفل كي يتعلم متفاعلاً مع موضوع التعليم، مستكشفاً وملاحظاً ومجرباً، فيتعلم شيئاً من فنون الحياة، ويغدو اللعب خبرة تربوية منظمة ومدخلاً لتعلم فعال، إذا وظِّف توظيفاً مناسباً للطفل.
3 ـ فوائد علاجية: يحتاج الطفل إلى التخفيف من المخاوف والتوترات التي توجدها الظروف المفروضة عليه من بيئته. والعلاج باللعب بشكليه الفردي والجماعي والمتمثل في انضواء الطفل في نشاط اللعب، يحقق عملية علاجية جراء تفريغ الطفل لرغباته المكبوتة ونزعاته وتوتراته باللعب، فنراه يعاقب دميته أو يصرخ فيها أو يحطمها. فاللعب والحال هذه يضطلع بالتشخيص والعلاج، وهو في الوقت ذاته طريقة لدراسة الطفل ومعرفته.
4 ـ فوائد إبداعية: إن مناخ الحرية الذي يسيطر على اللعب والمرونة التي يتسم بها ولاسيما اللعب التخيلي، وقلب الأدوار ومخالفة المألوف يشجع الإبداع، والخروج من نطاق الأطر الجامدة للتفكير، فاللعب من هذه الناحية يساعد الطفل على تنمية الخيال المبدع، وعلى اكتشاف نفسه وقدراته ومكانته في جماعته.
خصائص اللعب:
يتميز لعب الأطفال بخصائص كثيرة أهمها:
ـ يعد اللعب انعكاساً لحياة الراشدين المحيطين بالطفل، فهو يزاول دور الطبيب أو المعلم، أو الزوج. وغالباً ما يختار الأدوار التي يميل إليها أو تلك التي تشعره بالمتعة أكثر من غيرها.
ـ تتناقض أنشطة اللعب من حيث كميتها مع تقدم عمر الطفل، ويعزى ذلك إلى أن وقت الطفل الفائض يتناقص مع ظهور اهتمامات وأنشطة تشغله عن اللعب مثل الواجبات المدرسية والبيتية.
ـ يتناقص النشاط الجسمي المبذول في اللعب مع تزايد عمر الطفل، وتزداد عنده الألعاب ذات الطابع العقلي والمعرفي، وعليه فإنه يأخذ بانتقاء ألعاب معينة دون غيرها.
ـ اللعب انعكاس مبدع لواقع الطفل، فهو لا يقلد بلعبه وحسب، وإنما يضيف إلى ألعابه من تصوراته وتخيلاته وإمكاناته الذاتية مما يضفي على لعبه إبداعاً خاصاً به، وقد يلاحظ أحياناً تشويهات مقصودة للواقع مثيرة للدهشة، لكن في ذلك ما يرضيه ويحقق ذاته.
ـ اللعب استخدام للمعارف، ووسيلة لتدقيقها وإغنائها، وطريق لنمو قدرات الطفل وقواه المعرفية والأخلاقية.
ـ اللعب في شكله الواسع نشاط جماعي، فالمشاركون فيه يشتركون في فكرة واحدة، ويحمل كل منهم قسطاً من الخبرة والفعالية، ويخضع للقواعد التي يمليها عليه دوره في اللعب.
مراحل اللعب:
1 ـ المرحلة الاستكشافية: تبدأ هذه المرحلة في المتوسط من الشهر الثالث لنمو الطفل حيث يبدأ الطفل باستكشاف العالم ونفسه، ويعبر عن متعته عند اكتشافه الجديد. ولما كانت الألوان والحركة والأصوات تجذب الطفل في هذه المرحلة، لذلك فإن توافر الألعاب التي تلفت حاسة البصر مثل الكرات والأسماك، إضافة إلى الألعاب التي يمكن إمساكها باليد مثل الدمى وغيرها تعد مناسبة لهذه المرحلة. أما الألعاب الكبيرة ذات الألوان الزاهية التي تصدر أصواتاً كصوت الديك والكلب، فإنها تساعد الطفل على تطوير الكلام عنده.
2 ـ مرحلة اللعب الفردي: وتبدأ هذه المرحلة في العام الثاني عندما يبدأ الطفل إتقان المشي، وقيامه بأنشطة تتناسب مع مستوى نموه الذي وصله. وتتخذ أنشطة الطفل في هذه المرحلة أشكالاً متعددة مثل الجري، والتسلق، والقفز، وصعود السلالم، وركوب دراجة ذات ثلاثة عجلات. والطفل حتى نهاية السنة الثالثة يلعب وحده حراً، ويعبر من خلال ألعابه عن نفسه ويكتشف قدراته ويعتني بألعابه على نحو جدي.
3 ـ مرحلة اللعب الجماعي: تعد المراحل السابقة في اللعب تمهيداً لمرحلة اللعب الجماعي ومشاركة الأطفال الآخرين. فالطفل يلعب مع أمه وأبيه منذ السنة الأولى، ولكن دائرة اللعب هذه تتسع لتشمل من يحب أو يعرف من الأفراد المحيطين به. وكما أن اللعب الجماعي يرتبط بالنمو العقلي والاجتماعي والحركي ويبدو هذا واضحاً منذ سنته الرابعة أو الخامسة وهي السن التي يقضي الطفل فيها جزءاً من حياته في روضة الأطفال. وفي هذه المرحلة من اللعب يبدأ الطفل بتنسيق حركاته وتوافقها، فيزداد طول خطواته وتغدو أكثر توازناً. ويزداد اللعب الجماعي في حياة الطفل نتيجة تخليه عن تمركزه حول ذاته، ويزداد حبه للألعاب ذات الطابع القصصي التمثيلي. وبعد سن الخامسة يميل الطفل إلى اللعب التخيلي إذ يفترض أنه يلعب مع رفاقه، ويبدأ ميله إلى العبث بالألعاب وتخريبها.
أنواع اللعب:
تصنف الألعاب عند الأطفال [ر. ألعاب الأطفال] بحسب نموهم إلى الألعاب التلقائية التي يبدأ بها الطفل بغياب القواعد المنظمة للعب. واللعب التمثيلي (بالأدوار) المتمثل بتقمص الطفل لشخصيات يعرفها، وهي تنطوي على كثير من الخيال الذي يذهب الطفل إلى ما وراء القيود الواقعية وتخليصه من الضيق والسخط والغضب. والألعاب التركيبية، وهي الألعاب التي لا تعتمد على خطة منظمة مسبقة، حيث يبدأ الطفل منذ السادسة باستخدام مواد مثل العجائن للبناء والتشييد وبأشكال مختلفة. أما الألعاب الفنية فيغلب عليها رسوم الأطفال، وهي من الأنشطة الأكثر تعبيراً عند الأطفال، إضافة إلى الألعاب الثقافية التي يكتسب الطفل من خلال مزاولتها أنماطاً من الثقافة مثل القراءة والاستماع إلى القصص. ويزاول الأطفال كذلك الألعاب الترويحية وهي تبدأ منذ النصف الثاني من العام الأول مع الأم (ألعاب الأم)، ثم تنتقل من جيل إلى آخر.
وتحتل ألعاب العيد أهمية خاصة لدى الأطفال، وتأخذ حيزاً كبيراً من اهتماماتهم، لأن في العيد يتوافر تنوع كبير في الألعاب، وبذلك يتحقق للطفل فرصة اختيار اللعبة التي يحب، سواء تلك التي تنسجم مع ميوله أو التي تثير عنده الفضول والدهشة.
وتختلف ألعاب العيد من بلد إلى آخر بحسب الواقع الثقافي والاجتماعي لكل مجتمع. ويغلب على ألعاب العيد صفة الترويحية والثقافية في آن واحد، وهي تساعد على تنمية الطفل وتطويره اجتماعياً وثقافياًَ. إن ركوب الخيل والعربات والأراجيح والجري والتسلق وغير ذلك تساعد على الترويح عن الطفل والتخفيف من قلقه وتوتره، وتنشيط جسمه. أما الألعاب الذهنية أو الثقافية مثل مسرح العرائس،وكراكوز وعواظ، وصندوق الدنيا[ر] وما يمكن تقديمه وعرضه بوساطتها من قصص شعبية وتاريخية وسياحية كالزير سالم وعنترة وغيرهما، فإنها تساعد على رفع مستوى الطفل، وصقل قدراته الفكرية، وتعمل على إطلاق عنان خياله وتشجيعه على المبادرة والابتكار، وتعظيم الفضيلة والبطولة وفهم المروءة والتضحية ونكران الذات، إضافة إلى إطلاعه على شيء مهم من تاريخه، وربطه بتقاليد شعبه وعاداته.
العوامل المؤثرة في اللعب:
يخضع الخط النمائي العام الذي تتميز به اهتمامات الأطفال لكثير من عوامل التباين أهمها:
1 ـ العوامل الجسمية: فالأطفال في العمر الواحد يختلفون فيما بينهم بفروق فردية. وهي فروق بعضها وراثي والآخر بيئي. وعليه فتأدية الألعاب ومهارات الأطفال في اللعب تختلف من طفل إلى آخر.
2 ـ العوامل العقلية: يتأثر اللعب بمستوى نمو القدرات العقلية لدى كل طفل أي بمستوى ذكاء كل منهم، فالطفل الأكثر ذكاء ينتقل من لعبة إلى أخرى بسرعة أكثر من الأقل ذكاء. ويكون عنصر الخيال عند الأكثر ذكاء أكثر من غيرهم، والأطفال الأذكياء يستطيعون إتقان لعبة ما بسرعة تفوق الأطفال الأقل ذكاء.
3 ـ عامل الجنس: تبدأ الفروق بين الجنسين (ذكر، أنثى) في اللعب منذ سن مبكرة، ولاسيما إذا كان الأطفال في أوساط ثقافية متباينة تبدو فيها الألعاب مختلفة باختلاف الجنسين. ويلعب الجنس دوراً في النشاط اللعبي عند الأطفال منذ السنوات الأولى من حياتهم فيُقْدِم الذكر على ألعاب تختلف في أغلب الأحيان عن الألعاب التي تقدم عليها الأنثى.
4 ـ العوامل البيئية: تبدو العوامل البيئية في:
ـ المكان: يتأثر اللعب عند الأطفال بالمكان الذي يوجدون فيه، فمعظم الأطفال يلعبون في السنوات الأولى مع الأطفال الذين يجاورونهم، وبعد زمن ينتقلون إلى الشوارع والساحات المجاورة. وللبيئة المحلية أثر واضح في اختيار الأطفال أنواع ألعابهم وطرائقها.
ـ المناخ: يختلف نوع اللعب من مكان إلى آخر بحسب المناخ السائد، ففي المناطق الباردة التي يسود فيها الثلج تكثر ألعاب الأطفال بالتزلج على الثلج، في حين يكثر لعب الأطفال في الحدائق في المناطق ذات المناخ الحار أو المعتدل.
ـ الحالة الاجتماعية والثقافية: تؤثر الحالة الاجتماعية والثقافية والقيم السائدة بالمجتمع في نوع الألعاب التي يزاولها الأطفال، ويتوارث الأطفال عن الأجيال السابقة أنواعاً من الألعاب الشائعة في المجتمع تبعاً لأحوالهم الاجتماعية والثقافية. إضافة إلى ذلك فإن الوضع الثقافي للأسرة يؤثر تأثيراً واضحاً في اختيار الألعاب لأطفالها. فالأسر الميسورة مادياً وذات المستوى الثقافي المتميز يزاول أطفالها، على سبيل المثال، الموسيقى والأنشطة المنظمة كالرحلات والمعسكرات، في حين أن أطفال الأسر الفقيرة والمتوسطة يزاولون الألعاب المتناسبة مع مستوياتهم الثقافية والمادية، وتتمثل في صنع أراجيحهم اعتماداً على أغصان الأشجار، أو مزاولة الألعاب التي تعتمد على الركض والسباق.
فياض سكيكر
Play - Le jeu
اللعب
اللعب play نشاط حر موجَّه أو غير موجَّه، يطلق على الحركات أو الأعمال الجسمية والنفسية، يزاوله الإنسان والفصائل الحيوانية تحت تأثير ميل فطري، وتختلف مدته باختلاف أمد الطفولة، فكلما طالت مدة الطفولة ـ وهي طويلة لدى الإنسان ـ طال الزمن الذي تستغرقه نزعة اللعب. وينظر إلى اللعب على أنه جزء مهم من حياة الطفل.
يتضح من كتاب «القوانين» لأفلاطون أنه أول من اعترف بأن للعب قيمة عملية. وقال أرسطو إن الأطفال ينبغي أن يشجَّعوا على اللعب بما سيكون عليهم أن يفعلوه على نحو جدي كراشدين. وقد نادى كبار المصلحين التربويين مثل كومينيوس Comenius وروسو[ر] Rousseau وبستالوتزي[ر] Pestalozzi وفروبل [ر] Froebel بالأخذ بميول الطفل وأهمية اللعب في التعليم.
وقد أولى الإسلام اللعب عناية متميزة، واعترف بفطرة الإنسان التي خلقه الله عليها، وحث على تعليم الأولاد فنوناً من اللعب والرياضة، فقد روى البيهقي: عن عمر بن الخطابt قال: «علموا أولادكم السباحة والرماية ومروهم فليثبوا على ظهور الخيل وثباً». وقال الغزالي: و«ينبغي أن يؤذن للصبي بعد الانصراف من الكتَّاب أن يلعب لعباً جميلاً، يستريح إليه من تعب المكتب بحيث لا يتعب في اللعب، فإنَّ منْع الصبي من اللعب وإرهاقه بالتعليم دائماً يميت قلبه ويبطل ذكاءه، وينغص عليه العيش، حتى يطلب الحيلة في الخلاص منه رأساً».
نظريات اللعب:
1 ـ نظرية الاستجمام أو الراحة: يرى أصحاب هذه النظرية وعلى رأسهم لازاروس (1824-1903) Lazarus، وشيللر (1759-1805) M.Schiler اللذان ألَّفا كتباً عن اللعب، أن وظيفة اللعب إعطاء المراكز العصبية والعضلات المرهقة فرصة للراحة والتخلص مما تراكم فيها جراء إجهادها من الأحماض والمواد السامة الضارة.
2 ـ نظرية فصل الطاقة الزائدة عن الحاجة: ومن الذين قالوا بهذه النظرية شيللر، وهربرت سبنسر (1820-1903)H.Spencer ويرون أن صغار الإنسان والحيوانات الراقية ليس لديها من الأعمال الجدية ما يستنفد طاقاتها الحيوية وأنشطتها الجسمية، لأنها تستمد حاجاتها من كبارها، ولما كان توافر طاقات زائدة عن الحاجة يتعارض والطبيعة البيولوجية لحياة الصغار جسمياً ونفسياً، لذلك تميل الحيوانات الصغيرة إلى القيام بحركات تلقائية تسمى اللعب.
3 ـ النظرية التلخيصية: وتقوم هذه النظرية على الرأي القائل إن الأطفال هم حلقة في السلسلة التطويرية من الحيوان إلى الإنسان، وأنهم يمرون في حياتهم بمراحل التطور كلها، ويرى أصحاب هذه النظرية وعلى رأسهم ستانلي هول Stanley Hall، أن ما يزاوله الإنسان من ألعاب وحركات منذ ظهوره حتى اليوم ليس سوى تذكر أو استعادة لما مر به عبر مراحل تطوره التاريخي.
4 ـ نظرية الإعداد للحياة المستقبلية: يرى أنصار هذه النظرية أن الألعاب التي يقوم بها صغار كل طائفة من الحيوانات الراقية تشبه أعمال الكبار الجدية التي يمكن أن يزاولها الصغار في مستقبل حياتهم، وعليه فاللعب حسب هذه النظرية هو إعداد العضوية الفتية للحياة.
5 ـ نظرية النمو الجسمي: تعد هذه النظرية اللعب من أهم العوامل التي تساعد على نمو أعضاء الجسم، ولاسيما الدماغ وأعضاء الجهاز العصبي الأخرى، إذ يتكون جراء تكرار اللعب وبالتدريج ما يعوز خلايا الدماغ العصبية، مما يسهم بإعداد الدماغ لوظائفه على الوجه الأكمل.
6 ـ نظرية التوازن: ترى هذه النظرية أن اللعب بحركاته غير الجدية يغذي طائفة من غرائز الطفل وميوله، وهذا لا تقوم به حياته الجدية، وبذلك يستقر التوازن بين مختلف قواه النفسية.
7 ـ نظرية التنفيس أو التهدئة: تستند هذه النظرية إلى مبدأ مفاده أن اللعب يهدئ الرغبات المكبوتة، فاللعب بالشطرنج أو الملاكمة أو غير ذلك يهدئ غريزة المقاتلة لدى الفرد.
8 ـ نظرية سيغموند فرويد: يعتقد فرويد Freud أن اندفاع الطفل إلى اللعب هو نتيجة معاناة الشعور بالنقص، فانعدام قدرته على أن يكون طبيباً أو سائقاً أو مربياً فعلياً يدفعه إلى القيام بهذا الدور في اللعب، وفي هذه الحياة الخيالية يحتال الطفل على أهوائه ورغباته.
9 ـ نظرية جان بياجيه: يرى جان بياجيه J.Piaget في اللعب تعبيراً عن تطور الأطفال ومتطلباً لهذا التطور. ولكل مرحلة عمرية عند الإنسان ألعابها الخاصة بها، ويعد اللعب مقياساً لتطور الأطفال العقلي.
فوائد اللعب: يحقق اللعب فوائد كثيرة يُذكر منها:
1 ـ فوائد بنائية (اللعب نمو): يخلق اللعب شروطاً مناسبة لبناء النمو الجسمي لدى الطفل، ويتضمن أيضاً مثيرات باعثة على تكوين قدراته وخصائص شخصيته، ويساعده على إدراك العالم الذي يعيش فيه والتحكم به، فعندما يلعب الطفل يثري حياته العقلية والمهارية بمعارف عن العالم المحيط به، ويؤدي ذلك إلى نضجه الاجتماعي واتزانه الانفعالي.
2 ـ فوائد تربوية: يفسح اللعب المجال للطفل كي يتعلم متفاعلاً مع موضوع التعليم، مستكشفاً وملاحظاً ومجرباً، فيتعلم شيئاً من فنون الحياة، ويغدو اللعب خبرة تربوية منظمة ومدخلاً لتعلم فعال، إذا وظِّف توظيفاً مناسباً للطفل.
3 ـ فوائد علاجية: يحتاج الطفل إلى التخفيف من المخاوف والتوترات التي توجدها الظروف المفروضة عليه من بيئته. والعلاج باللعب بشكليه الفردي والجماعي والمتمثل في انضواء الطفل في نشاط اللعب، يحقق عملية علاجية جراء تفريغ الطفل لرغباته المكبوتة ونزعاته وتوتراته باللعب، فنراه يعاقب دميته أو يصرخ فيها أو يحطمها. فاللعب والحال هذه يضطلع بالتشخيص والعلاج، وهو في الوقت ذاته طريقة لدراسة الطفل ومعرفته.
4 ـ فوائد إبداعية: إن مناخ الحرية الذي يسيطر على اللعب والمرونة التي يتسم بها ولاسيما اللعب التخيلي، وقلب الأدوار ومخالفة المألوف يشجع الإبداع، والخروج من نطاق الأطر الجامدة للتفكير، فاللعب من هذه الناحية يساعد الطفل على تنمية الخيال المبدع، وعلى اكتشاف نفسه وقدراته ومكانته في جماعته.
خصائص اللعب:
يتميز لعب الأطفال بخصائص كثيرة أهمها:
ـ يعد اللعب انعكاساً لحياة الراشدين المحيطين بالطفل، فهو يزاول دور الطبيب أو المعلم، أو الزوج. وغالباً ما يختار الأدوار التي يميل إليها أو تلك التي تشعره بالمتعة أكثر من غيرها.
ـ تتناقض أنشطة اللعب من حيث كميتها مع تقدم عمر الطفل، ويعزى ذلك إلى أن وقت الطفل الفائض يتناقص مع ظهور اهتمامات وأنشطة تشغله عن اللعب مثل الواجبات المدرسية والبيتية.
ـ يتناقص النشاط الجسمي المبذول في اللعب مع تزايد عمر الطفل، وتزداد عنده الألعاب ذات الطابع العقلي والمعرفي، وعليه فإنه يأخذ بانتقاء ألعاب معينة دون غيرها.
ـ اللعب انعكاس مبدع لواقع الطفل، فهو لا يقلد بلعبه وحسب، وإنما يضيف إلى ألعابه من تصوراته وتخيلاته وإمكاناته الذاتية مما يضفي على لعبه إبداعاً خاصاً به، وقد يلاحظ أحياناً تشويهات مقصودة للواقع مثيرة للدهشة، لكن في ذلك ما يرضيه ويحقق ذاته.
ـ اللعب استخدام للمعارف، ووسيلة لتدقيقها وإغنائها، وطريق لنمو قدرات الطفل وقواه المعرفية والأخلاقية.
ـ اللعب في شكله الواسع نشاط جماعي، فالمشاركون فيه يشتركون في فكرة واحدة، ويحمل كل منهم قسطاً من الخبرة والفعالية، ويخضع للقواعد التي يمليها عليه دوره في اللعب.
مراحل اللعب:
1 ـ المرحلة الاستكشافية: تبدأ هذه المرحلة في المتوسط من الشهر الثالث لنمو الطفل حيث يبدأ الطفل باستكشاف العالم ونفسه، ويعبر عن متعته عند اكتشافه الجديد. ولما كانت الألوان والحركة والأصوات تجذب الطفل في هذه المرحلة، لذلك فإن توافر الألعاب التي تلفت حاسة البصر مثل الكرات والأسماك، إضافة إلى الألعاب التي يمكن إمساكها باليد مثل الدمى وغيرها تعد مناسبة لهذه المرحلة. أما الألعاب الكبيرة ذات الألوان الزاهية التي تصدر أصواتاً كصوت الديك والكلب، فإنها تساعد الطفل على تطوير الكلام عنده.
2 ـ مرحلة اللعب الفردي: وتبدأ هذه المرحلة في العام الثاني عندما يبدأ الطفل إتقان المشي، وقيامه بأنشطة تتناسب مع مستوى نموه الذي وصله. وتتخذ أنشطة الطفل في هذه المرحلة أشكالاً متعددة مثل الجري، والتسلق، والقفز، وصعود السلالم، وركوب دراجة ذات ثلاثة عجلات. والطفل حتى نهاية السنة الثالثة يلعب وحده حراً، ويعبر من خلال ألعابه عن نفسه ويكتشف قدراته ويعتني بألعابه على نحو جدي.
3 ـ مرحلة اللعب الجماعي: تعد المراحل السابقة في اللعب تمهيداً لمرحلة اللعب الجماعي ومشاركة الأطفال الآخرين. فالطفل يلعب مع أمه وأبيه منذ السنة الأولى، ولكن دائرة اللعب هذه تتسع لتشمل من يحب أو يعرف من الأفراد المحيطين به. وكما أن اللعب الجماعي يرتبط بالنمو العقلي والاجتماعي والحركي ويبدو هذا واضحاً منذ سنته الرابعة أو الخامسة وهي السن التي يقضي الطفل فيها جزءاً من حياته في روضة الأطفال. وفي هذه المرحلة من اللعب يبدأ الطفل بتنسيق حركاته وتوافقها، فيزداد طول خطواته وتغدو أكثر توازناً. ويزداد اللعب الجماعي في حياة الطفل نتيجة تخليه عن تمركزه حول ذاته، ويزداد حبه للألعاب ذات الطابع القصصي التمثيلي. وبعد سن الخامسة يميل الطفل إلى اللعب التخيلي إذ يفترض أنه يلعب مع رفاقه، ويبدأ ميله إلى العبث بالألعاب وتخريبها.
أنواع اللعب:
تصنف الألعاب عند الأطفال [ر. ألعاب الأطفال] بحسب نموهم إلى الألعاب التلقائية التي يبدأ بها الطفل بغياب القواعد المنظمة للعب. واللعب التمثيلي (بالأدوار) المتمثل بتقمص الطفل لشخصيات يعرفها، وهي تنطوي على كثير من الخيال الذي يذهب الطفل إلى ما وراء القيود الواقعية وتخليصه من الضيق والسخط والغضب. والألعاب التركيبية، وهي الألعاب التي لا تعتمد على خطة منظمة مسبقة، حيث يبدأ الطفل منذ السادسة باستخدام مواد مثل العجائن للبناء والتشييد وبأشكال مختلفة. أما الألعاب الفنية فيغلب عليها رسوم الأطفال، وهي من الأنشطة الأكثر تعبيراً عند الأطفال، إضافة إلى الألعاب الثقافية التي يكتسب الطفل من خلال مزاولتها أنماطاً من الثقافة مثل القراءة والاستماع إلى القصص. ويزاول الأطفال كذلك الألعاب الترويحية وهي تبدأ منذ النصف الثاني من العام الأول مع الأم (ألعاب الأم)، ثم تنتقل من جيل إلى آخر.
وتحتل ألعاب العيد أهمية خاصة لدى الأطفال، وتأخذ حيزاً كبيراً من اهتماماتهم، لأن في العيد يتوافر تنوع كبير في الألعاب، وبذلك يتحقق للطفل فرصة اختيار اللعبة التي يحب، سواء تلك التي تنسجم مع ميوله أو التي تثير عنده الفضول والدهشة.
وتختلف ألعاب العيد من بلد إلى آخر بحسب الواقع الثقافي والاجتماعي لكل مجتمع. ويغلب على ألعاب العيد صفة الترويحية والثقافية في آن واحد، وهي تساعد على تنمية الطفل وتطويره اجتماعياً وثقافياًَ. إن ركوب الخيل والعربات والأراجيح والجري والتسلق وغير ذلك تساعد على الترويح عن الطفل والتخفيف من قلقه وتوتره، وتنشيط جسمه. أما الألعاب الذهنية أو الثقافية مثل مسرح العرائس،وكراكوز وعواظ، وصندوق الدنيا[ر] وما يمكن تقديمه وعرضه بوساطتها من قصص شعبية وتاريخية وسياحية كالزير سالم وعنترة وغيرهما، فإنها تساعد على رفع مستوى الطفل، وصقل قدراته الفكرية، وتعمل على إطلاق عنان خياله وتشجيعه على المبادرة والابتكار، وتعظيم الفضيلة والبطولة وفهم المروءة والتضحية ونكران الذات، إضافة إلى إطلاعه على شيء مهم من تاريخه، وربطه بتقاليد شعبه وعاداته.
العوامل المؤثرة في اللعب:
يخضع الخط النمائي العام الذي تتميز به اهتمامات الأطفال لكثير من عوامل التباين أهمها:
1 ـ العوامل الجسمية: فالأطفال في العمر الواحد يختلفون فيما بينهم بفروق فردية. وهي فروق بعضها وراثي والآخر بيئي. وعليه فتأدية الألعاب ومهارات الأطفال في اللعب تختلف من طفل إلى آخر.
2 ـ العوامل العقلية: يتأثر اللعب بمستوى نمو القدرات العقلية لدى كل طفل أي بمستوى ذكاء كل منهم، فالطفل الأكثر ذكاء ينتقل من لعبة إلى أخرى بسرعة أكثر من الأقل ذكاء. ويكون عنصر الخيال عند الأكثر ذكاء أكثر من غيرهم، والأطفال الأذكياء يستطيعون إتقان لعبة ما بسرعة تفوق الأطفال الأقل ذكاء.
3 ـ عامل الجنس: تبدأ الفروق بين الجنسين (ذكر، أنثى) في اللعب منذ سن مبكرة، ولاسيما إذا كان الأطفال في أوساط ثقافية متباينة تبدو فيها الألعاب مختلفة باختلاف الجنسين. ويلعب الجنس دوراً في النشاط اللعبي عند الأطفال منذ السنوات الأولى من حياتهم فيُقْدِم الذكر على ألعاب تختلف في أغلب الأحيان عن الألعاب التي تقدم عليها الأنثى.
4 ـ العوامل البيئية: تبدو العوامل البيئية في:
ـ المكان: يتأثر اللعب عند الأطفال بالمكان الذي يوجدون فيه، فمعظم الأطفال يلعبون في السنوات الأولى مع الأطفال الذين يجاورونهم، وبعد زمن ينتقلون إلى الشوارع والساحات المجاورة. وللبيئة المحلية أثر واضح في اختيار الأطفال أنواع ألعابهم وطرائقها.
ـ المناخ: يختلف نوع اللعب من مكان إلى آخر بحسب المناخ السائد، ففي المناطق الباردة التي يسود فيها الثلج تكثر ألعاب الأطفال بالتزلج على الثلج، في حين يكثر لعب الأطفال في الحدائق في المناطق ذات المناخ الحار أو المعتدل.
ـ الحالة الاجتماعية والثقافية: تؤثر الحالة الاجتماعية والثقافية والقيم السائدة بالمجتمع في نوع الألعاب التي يزاولها الأطفال، ويتوارث الأطفال عن الأجيال السابقة أنواعاً من الألعاب الشائعة في المجتمع تبعاً لأحوالهم الاجتماعية والثقافية. إضافة إلى ذلك فإن الوضع الثقافي للأسرة يؤثر تأثيراً واضحاً في اختيار الألعاب لأطفالها. فالأسر الميسورة مادياً وذات المستوى الثقافي المتميز يزاول أطفالها، على سبيل المثال، الموسيقى والأنشطة المنظمة كالرحلات والمعسكرات، في حين أن أطفال الأسر الفقيرة والمتوسطة يزاولون الألعاب المتناسبة مع مستوياتهم الثقافية والمادية، وتتمثل في صنع أراجيحهم اعتماداً على أغصان الأشجار، أو مزاولة الألعاب التي تعتمد على الركض والسباق.
فياض سكيكر