«يوميات روز».. محطات شغف وحنين
2/2
المصدر:
التاريخ: 23 أبريل 2023
ت +ت -الحجم الطبيعي
يبدأ الشغف من الصفحات الأولى، حين تأخذنا الروائية ريم الكمالي إلى سحر المكان، الذي يهيمن على سلطان الروح ويغمرها بعبيره، يشدها ويخلد في ذاكرتها التي لم تجد غير القلم صديقاً وشاهداً، يرافقها في حلِّها وترحالها..
«كان الضوء ينسلُّ مع رياحٍ متموجة ومنعشة بعطر أفلاج نخيل قرية ضاية برأس الخيمة، رياح تدغدغ ضوء بشرتي، تجعلني أسرح بدفاتري حتى يراودني شعورٌ غامضٌ ومؤرق: ماذا لو لم أكتب تلك الحكايات؟».
فهل كانت الروائية الإماراتية ريم الكمالي منذ يفاعتها تكتب تلك اليوميات وتجمعها.. تلك اليوميات التي مزجت فيها بين الواقع والخيال، لتكون في ما بعد المادة الخام لروايتها الجديدة «يوميات روز»؟ أم أن ريم احتاجت خيطاً للرواية، كي تنسج من خلاله ما راودها من أحداث وحكايات زمن الستينيات في دولة الإمارات، فكانت الكتابة هي ذلك الخيط الرفيع لبناء الرواية؟ وهو سؤال لا بد أن يخطر على بال من يقرأ هذه اليوميات.
تبدأ حكاية روز بعد وفاة أمها، وانتقالها إلى بيت أخوالها، ولم يستقر الحال حتى تنتقل لدبي في بيت كان لجدها، ثمَّ آلَ لأعمامها، وهناك تتفاعل الأحداث حين ينبض قلبها بحب شقيق زوجة عمّها، الفارس الوسيم ذي العين الواحدة.
ولقد أبدعت ريم في تصوير حكاية الحب في مجتمع الستينيات في الإمارات، حيث لا اختلاط، وحيث لا وسائل اتصال ولا تواصل، بل النظرة الأولى، وما يتبعها من شغف وهيام، حتى تنضج الرؤى، ويبدأ الطرف الراغب بالتحرك، لتنتهي الحكاية بالزواج... «قالت لي إن شقيقها يريد التقدم لخطبتي.. وما إن غادرت غرفتي، حتى قفزت في منتصف الغرفة الواسعة، مطوقة حول نفسي كمروحة خفيفة، أرشرش من ماء الورد على شعري، على كتفي، إذن، فهو يعشقني! ما أجمل روحي اليوم...».
لكننا بعد حكاية العشق تلك، نفاجأ في يوم الزفاف بسقوط الفارس من الفرس ووفاته، ثم تصحو الأميرة من نومها، لتكون كل الحكايات التي سردتها والدفاتر التي كتبتها، ليس سوى حلم لتصحو منه، تاركةً المفاجأة كقفص مليء بعصافير الأسئلة..
فما الذي أرادت أن توصله الروائية ريم من خلال تلك المذكرات؟.
هل لتقول لنا إن القلم رافق مسيرة الإنسان الإماراتي، وكان شغفه للدراسة والعلم مبكراً، وكانت المرأة كما الرجل في ذلك الشغف؟ نعم هو كذلك..
وهل أرادت أن نتعرف إلى الأمكنة والمواقع التي عاشت فيها، وتجولت ووصفتها بأجمل الصور (جبل جيس، قلاع جلفار، جزيرة قيس، قرية ضاية، الشندغة، الخور، البحر..) وغيرها؟ نعم كذلك..
وهل كانت تريد تعريفنا بما تقادم عليه الزمن من حرف ومواد وأسماء (الكندورة، خيوط التلي، وأنواع الأقمشة وسوق الخلقان والمربع)، نعم كذلك.
وهل كانت تريد استذكار علوم البحر ورحلات الغواصين ومفردات رحلات صيد اللؤلؤ، التي كانت تجارة الأجداد في ذلك الزمان، وتلفت نظرنا إلى اعتزاز الإماراتي بمهنته، حتى تذكر أن مما كان يضايق الربابنة وملّاك السفن، أن «الغرباء حين يصلون رصيف الخور، لا يميزون بين ربّانٍ وصيّاد، وبين حضري وبدوي، وبين سركال وسردار، ونهّامٍ وجلّاس، وطوّاشٍ وغوّاص..»، نعم كذلك..
والأجمل أننا عرفنا أن هنالك طبيباً للؤلؤ..
كما عرفنا من خلالها العادات والتقاليد الاجتماعية، وحرص الجيل الأول على الجيل الذي بعده.
إن ريم الكمالي الروائية الإماراتية، التي أبدعت روايتين سابقتين، هما «تمثال دلما»، والتي حصلت من خلالها على جائزة الشارقة للإبداع، ورواية «سلطنة هرمز»، التي حصلت على جائزة العويس للإبداع، لم تغادر نهجها في توثيق الأماكن وخصوصيتها الجغرافية والطبيعية، وسعي الإنسان على مدارجها في رحلة الوجود، وما يكتنف تلك الرحلة من أنواء وأحوال، وإقامةٍ وترحال، ومن أشواقٍ وآمال.
وخاتمة القول، إن رواية ريم الكمالي «يوميات روز»، الصادرة عن دار الآداب ببيروت، كانت ممتعة، رغم أن الحلم كان طويلاً، تاركةً للقارئ متعته في السفر عبر الزمن رجوعاً، وحيرته في تأويل ما جرى لروز.
- 1
- 2
2/2
المصدر:
- دبي - البيان
التاريخ: 23 أبريل 2023
ت +ت -الحجم الطبيعي
يبدأ الشغف من الصفحات الأولى، حين تأخذنا الروائية ريم الكمالي إلى سحر المكان، الذي يهيمن على سلطان الروح ويغمرها بعبيره، يشدها ويخلد في ذاكرتها التي لم تجد غير القلم صديقاً وشاهداً، يرافقها في حلِّها وترحالها..
«كان الضوء ينسلُّ مع رياحٍ متموجة ومنعشة بعطر أفلاج نخيل قرية ضاية برأس الخيمة، رياح تدغدغ ضوء بشرتي، تجعلني أسرح بدفاتري حتى يراودني شعورٌ غامضٌ ومؤرق: ماذا لو لم أكتب تلك الحكايات؟».
فهل كانت الروائية الإماراتية ريم الكمالي منذ يفاعتها تكتب تلك اليوميات وتجمعها.. تلك اليوميات التي مزجت فيها بين الواقع والخيال، لتكون في ما بعد المادة الخام لروايتها الجديدة «يوميات روز»؟ أم أن ريم احتاجت خيطاً للرواية، كي تنسج من خلاله ما راودها من أحداث وحكايات زمن الستينيات في دولة الإمارات، فكانت الكتابة هي ذلك الخيط الرفيع لبناء الرواية؟ وهو سؤال لا بد أن يخطر على بال من يقرأ هذه اليوميات.
تبدأ حكاية روز بعد وفاة أمها، وانتقالها إلى بيت أخوالها، ولم يستقر الحال حتى تنتقل لدبي في بيت كان لجدها، ثمَّ آلَ لأعمامها، وهناك تتفاعل الأحداث حين ينبض قلبها بحب شقيق زوجة عمّها، الفارس الوسيم ذي العين الواحدة.
ولقد أبدعت ريم في تصوير حكاية الحب في مجتمع الستينيات في الإمارات، حيث لا اختلاط، وحيث لا وسائل اتصال ولا تواصل، بل النظرة الأولى، وما يتبعها من شغف وهيام، حتى تنضج الرؤى، ويبدأ الطرف الراغب بالتحرك، لتنتهي الحكاية بالزواج... «قالت لي إن شقيقها يريد التقدم لخطبتي.. وما إن غادرت غرفتي، حتى قفزت في منتصف الغرفة الواسعة، مطوقة حول نفسي كمروحة خفيفة، أرشرش من ماء الورد على شعري، على كتفي، إذن، فهو يعشقني! ما أجمل روحي اليوم...».
لكننا بعد حكاية العشق تلك، نفاجأ في يوم الزفاف بسقوط الفارس من الفرس ووفاته، ثم تصحو الأميرة من نومها، لتكون كل الحكايات التي سردتها والدفاتر التي كتبتها، ليس سوى حلم لتصحو منه، تاركةً المفاجأة كقفص مليء بعصافير الأسئلة..
فما الذي أرادت أن توصله الروائية ريم من خلال تلك المذكرات؟.
هل لتقول لنا إن القلم رافق مسيرة الإنسان الإماراتي، وكان شغفه للدراسة والعلم مبكراً، وكانت المرأة كما الرجل في ذلك الشغف؟ نعم هو كذلك..
وهل أرادت أن نتعرف إلى الأمكنة والمواقع التي عاشت فيها، وتجولت ووصفتها بأجمل الصور (جبل جيس، قلاع جلفار، جزيرة قيس، قرية ضاية، الشندغة، الخور، البحر..) وغيرها؟ نعم كذلك..
وهل كانت تريد تعريفنا بما تقادم عليه الزمن من حرف ومواد وأسماء (الكندورة، خيوط التلي، وأنواع الأقمشة وسوق الخلقان والمربع)، نعم كذلك.
وهل كانت تريد استذكار علوم البحر ورحلات الغواصين ومفردات رحلات صيد اللؤلؤ، التي كانت تجارة الأجداد في ذلك الزمان، وتلفت نظرنا إلى اعتزاز الإماراتي بمهنته، حتى تذكر أن مما كان يضايق الربابنة وملّاك السفن، أن «الغرباء حين يصلون رصيف الخور، لا يميزون بين ربّانٍ وصيّاد، وبين حضري وبدوي، وبين سركال وسردار، ونهّامٍ وجلّاس، وطوّاشٍ وغوّاص..»، نعم كذلك..
والأجمل أننا عرفنا أن هنالك طبيباً للؤلؤ..
كما عرفنا من خلالها العادات والتقاليد الاجتماعية، وحرص الجيل الأول على الجيل الذي بعده.
إن ريم الكمالي الروائية الإماراتية، التي أبدعت روايتين سابقتين، هما «تمثال دلما»، والتي حصلت من خلالها على جائزة الشارقة للإبداع، ورواية «سلطنة هرمز»، التي حصلت على جائزة العويس للإبداع، لم تغادر نهجها في توثيق الأماكن وخصوصيتها الجغرافية والطبيعية، وسعي الإنسان على مدارجها في رحلة الوجود، وما يكتنف تلك الرحلة من أنواء وأحوال، وإقامةٍ وترحال، ومن أشواقٍ وآمال.
وخاتمة القول، إن رواية ريم الكمالي «يوميات روز»، الصادرة عن دار الآداب ببيروت، كانت ممتعة، رغم أن الحلم كان طويلاً، تاركةً للقارئ متعته في السفر عبر الزمن رجوعاً، وحيرته في تأويل ما جرى لروز.