محب دين خطيب
Muhib Ad-Din al-Khatib - Muhib Ad-Dine al-Khatib
محب الدين الخطيب
(1303 ـ 1389هـ/1886 ـ 1969م)
محب الدين بن أبي الفتح محمد ابن عبد القادر بن صالح الخطيب، من كبار الكتاب الإسلاميين والسياسيين، يتصل نسبه بعبد القادر الجيلاني الحسني، وهو خال العلامة الأديب علي الطنطاوي.
ولد في دمشق لأسرة عريقة في التقوى والعلم والخطابة والتدريس في مساجد دمشق، وكان أبوه «الشيخ أبو الفتح الخطيب» أمين دار الكتب الظاهرية منذ تأسيسها سنة 1879 حتى وفاته سنة 1897.
تلقى محب الدين الخطيب تعليمه الابتدائي في مدرسة الترقي النموذجية بدمشق، ثم تحوّل إلى مكتب عنبر لإتمام تحصيله الثانوي.
وبعد وفاة أبيه اتصل بالعلامة الشيخ طاهر الجزائري، وانضم إلى حلقته الصغيرة التي كانت تضم كبار علماء الدين واللغة والتاريخ، فأفاد منهم كثيراً.
ثم يمم وجهه نحو الأستانة حيث انتسب إلى مدرسة الحقوق فيها، وعمد هو وصديقه عارف الشهابي إلى إنشاء «جمعية النهضة العربية» السرية في 24/12/1906م/1324هـ؛ لتعمل على بعث الأمة واستعادة أمجادها وكان من أعضائها صلاح الدين القاسمي. وفي الأستانة التقى طلائع الشباب العرب الثائرين على الاستبداد والتواقين إلى الحرية، وتعاهد الجميع على النهوض بالعربية وتعليمها. ولكن ما لبثت عيون السلطة التركية أن تنبهت له، وأخذت تلاحقه، وتضيق الخناق عليه وعلى رفاقه؛ وكان هذا سبباً في توقفه عن إتمام دراسة الحقوق في الأستانة، فرحل إلى اليمن في تشرين الأول 1907، وعمل معلّماً وموظفاً في بعض مدارس صنعاء وغيرها.
ولما أعلن الدستور العثماني سنة 1908 عاد إلى دمشق، ويبدو أنه لم يتيسر له طيب الإقامة أينما حلّ، ولهذا زار الأستانة، ومنها قصد إلى القاهرة سنة 1909، فاشتغل بالصحافة، وأصبح واحداً من محرري جريدة «المؤيد».
وبدأ - وهو في مصر - بالاشتراك مع بعض الوطنيين السوريين هناك عام 1913 في تأسيس حزب اللامركزية الإدارية، واختير أميناً للسر ثانياً للجنته العليا. وهو الذي جمع مادة «كتاب المؤتمر العربي الأول»؛ أي مؤتمر باريس العربي الذي عقد في حزيران 1913، وكتب مقدمته.
وفي ذلك العام أيضاً انضم محب الدين إلى جمعية «العربية الفتاة السرية»، وكان العضو الثامن والعشرين فيها. وانتدبته هذه الجمعية في أوائل الحرب العالمية الأولى للاتصال بأمراء العرب، فسافر في تشرين الأول 1914 بالباخرة من مصر إلا أن الإنكليز قبضوا عليه في البصرة، ووضعوه قيد الاعتقال مدة سبعة أشهر، ثم أعيد إلى مصر، وبقي في القاهرة إلى أن أعلنت في مكة الثورة العربية الكبرى في 10/3/1916 بقيادة الشريف حسين، فغادر محب الدين القاهرة، وقصد إلى مكة، وتولى إصدار جريدة «القبلة» هناك، وراح يهاجم الأتراك؛ ويفضح سياستهم المعادية للعرب، فصدر الحكم عليه بالإعدام غيابياً.
ولما جلا العثمانيون عن دمشق، وتولّى الحكم الفيصلي السلطة فيها سنة 1918 عاوده الحنين إلى دمشق، فغادر الحجاز في حزيران 1919؛ ليستقر في دمشق، وتولّى هناك إدارة جريدة «العاصمة» الناطقة باسم الحكومة العربية في العهد الفيصلي، وهي أول صحيفة عربية حكومية في دمشق وبقي في دمشق، حتى دخول الفرنسيين إليها في تموز 1920 بعد معركة ميسلون، فتوارى عن الأنظار، ثم تمكّن من مغادرة دمشق عائداً إلى القاهرة، فاستقر فيها، واتخذها دار إقامة دائمة.
وفي القاهرة عمل محرراً في جريدة «الأهرام»، وأصدر مجلّتيه «الزهراء» الشهرية و«الفتح» الأسبوعية، وتولّى رئاسة تحرير مجلة «الأزهر» ست سنوات، وكان من أوائل مؤسسي «جمعية الشباب المسلمين» في القاهرة.
وأنشأ إلى جانب ذلك «المطبعة السلفية ومكتبتها» وأشرف على نشر عدد كبير من كتب التراث وغيرها وتحقيقه، منها: «العواصم من القواصم» لابن العربي، و«الغارة على العالم الإسلامي». ولم يتوقف عن العمل حتى آخر لحظة من حياته. وقد ضمّت خزانة كتبه نحو عشرين ألف مجلّد مطبوع، تغلب فيها الكتب النادرة.
وهكذا كان الخطيب في خضم هذا البحر الزاخر يعمل ليل نهار بهمة لا تعرف الكلال؛ مسخّراً قلمه وفكره من أجل قضية الأمة، محارباً دعاة التغريب معلناً أن الغرب لا يريد خيراً للعرب، فعلى الأمة العربية والإسلامية أن تصحو لنفسها، وتأخذ ما ينفعها في تطورها، وتنبذ ما يسيء إلى قيمها.
وكان على الرغم ممّا تستنفد المجلات التي يشرف عليها من جهده ووقته - يجد الوقت للتأليف والتحقيق، فنشر من مؤلفاته «اتجاه الموجات البشرية في جزيرة العرب»، و«الأزهر، ماضيه وحاضره، والحاجة إلى إصلاحه»، و«تاريخ مدينة الزهراء بالأندلس»، و«ذكرى موقعة حطين»، و«الرعيل الأول في الإسلام»، و«الحديقة» وهي مجموعة كبيرة في أجزاء صغيرة، أصدر منها 13 جزءاً؛ اشتملت على روائع اللغة والأدب العربي، و«دفاع عن الحديث النبوي» (بالاشتراك مع غيره)، وترجم عن التركية كتاب «سرائر القرآن».
محمود فاخوري
Muhib Ad-Din al-Khatib - Muhib Ad-Dine al-Khatib
محب الدين الخطيب
(1303 ـ 1389هـ/1886 ـ 1969م)
محب الدين بن أبي الفتح محمد ابن عبد القادر بن صالح الخطيب، من كبار الكتاب الإسلاميين والسياسيين، يتصل نسبه بعبد القادر الجيلاني الحسني، وهو خال العلامة الأديب علي الطنطاوي.
ولد في دمشق لأسرة عريقة في التقوى والعلم والخطابة والتدريس في مساجد دمشق، وكان أبوه «الشيخ أبو الفتح الخطيب» أمين دار الكتب الظاهرية منذ تأسيسها سنة 1879 حتى وفاته سنة 1897.
تلقى محب الدين الخطيب تعليمه الابتدائي في مدرسة الترقي النموذجية بدمشق، ثم تحوّل إلى مكتب عنبر لإتمام تحصيله الثانوي.
وبعد وفاة أبيه اتصل بالعلامة الشيخ طاهر الجزائري، وانضم إلى حلقته الصغيرة التي كانت تضم كبار علماء الدين واللغة والتاريخ، فأفاد منهم كثيراً.
ثم يمم وجهه نحو الأستانة حيث انتسب إلى مدرسة الحقوق فيها، وعمد هو وصديقه عارف الشهابي إلى إنشاء «جمعية النهضة العربية» السرية في 24/12/1906م/1324هـ؛ لتعمل على بعث الأمة واستعادة أمجادها وكان من أعضائها صلاح الدين القاسمي. وفي الأستانة التقى طلائع الشباب العرب الثائرين على الاستبداد والتواقين إلى الحرية، وتعاهد الجميع على النهوض بالعربية وتعليمها. ولكن ما لبثت عيون السلطة التركية أن تنبهت له، وأخذت تلاحقه، وتضيق الخناق عليه وعلى رفاقه؛ وكان هذا سبباً في توقفه عن إتمام دراسة الحقوق في الأستانة، فرحل إلى اليمن في تشرين الأول 1907، وعمل معلّماً وموظفاً في بعض مدارس صنعاء وغيرها.
ولما أعلن الدستور العثماني سنة 1908 عاد إلى دمشق، ويبدو أنه لم يتيسر له طيب الإقامة أينما حلّ، ولهذا زار الأستانة، ومنها قصد إلى القاهرة سنة 1909، فاشتغل بالصحافة، وأصبح واحداً من محرري جريدة «المؤيد».
وبدأ - وهو في مصر - بالاشتراك مع بعض الوطنيين السوريين هناك عام 1913 في تأسيس حزب اللامركزية الإدارية، واختير أميناً للسر ثانياً للجنته العليا. وهو الذي جمع مادة «كتاب المؤتمر العربي الأول»؛ أي مؤتمر باريس العربي الذي عقد في حزيران 1913، وكتب مقدمته.
وفي ذلك العام أيضاً انضم محب الدين إلى جمعية «العربية الفتاة السرية»، وكان العضو الثامن والعشرين فيها. وانتدبته هذه الجمعية في أوائل الحرب العالمية الأولى للاتصال بأمراء العرب، فسافر في تشرين الأول 1914 بالباخرة من مصر إلا أن الإنكليز قبضوا عليه في البصرة، ووضعوه قيد الاعتقال مدة سبعة أشهر، ثم أعيد إلى مصر، وبقي في القاهرة إلى أن أعلنت في مكة الثورة العربية الكبرى في 10/3/1916 بقيادة الشريف حسين، فغادر محب الدين القاهرة، وقصد إلى مكة، وتولى إصدار جريدة «القبلة» هناك، وراح يهاجم الأتراك؛ ويفضح سياستهم المعادية للعرب، فصدر الحكم عليه بالإعدام غيابياً.
ولما جلا العثمانيون عن دمشق، وتولّى الحكم الفيصلي السلطة فيها سنة 1918 عاوده الحنين إلى دمشق، فغادر الحجاز في حزيران 1919؛ ليستقر في دمشق، وتولّى هناك إدارة جريدة «العاصمة» الناطقة باسم الحكومة العربية في العهد الفيصلي، وهي أول صحيفة عربية حكومية في دمشق وبقي في دمشق، حتى دخول الفرنسيين إليها في تموز 1920 بعد معركة ميسلون، فتوارى عن الأنظار، ثم تمكّن من مغادرة دمشق عائداً إلى القاهرة، فاستقر فيها، واتخذها دار إقامة دائمة.
وفي القاهرة عمل محرراً في جريدة «الأهرام»، وأصدر مجلّتيه «الزهراء» الشهرية و«الفتح» الأسبوعية، وتولّى رئاسة تحرير مجلة «الأزهر» ست سنوات، وكان من أوائل مؤسسي «جمعية الشباب المسلمين» في القاهرة.
وأنشأ إلى جانب ذلك «المطبعة السلفية ومكتبتها» وأشرف على نشر عدد كبير من كتب التراث وغيرها وتحقيقه، منها: «العواصم من القواصم» لابن العربي، و«الغارة على العالم الإسلامي». ولم يتوقف عن العمل حتى آخر لحظة من حياته. وقد ضمّت خزانة كتبه نحو عشرين ألف مجلّد مطبوع، تغلب فيها الكتب النادرة.
وهكذا كان الخطيب في خضم هذا البحر الزاخر يعمل ليل نهار بهمة لا تعرف الكلال؛ مسخّراً قلمه وفكره من أجل قضية الأمة، محارباً دعاة التغريب معلناً أن الغرب لا يريد خيراً للعرب، فعلى الأمة العربية والإسلامية أن تصحو لنفسها، وتأخذ ما ينفعها في تطورها، وتنبذ ما يسيء إلى قيمها.
وكان على الرغم ممّا تستنفد المجلات التي يشرف عليها من جهده ووقته - يجد الوقت للتأليف والتحقيق، فنشر من مؤلفاته «اتجاه الموجات البشرية في جزيرة العرب»، و«الأزهر، ماضيه وحاضره، والحاجة إلى إصلاحه»، و«تاريخ مدينة الزهراء بالأندلس»، و«ذكرى موقعة حطين»، و«الرعيل الأول في الإسلام»، و«الحديقة» وهي مجموعة كبيرة في أجزاء صغيرة، أصدر منها 13 جزءاً؛ اشتملت على روائع اللغة والأدب العربي، و«دفاع عن الحديث النبوي» (بالاشتراك مع غيره)، وترجم عن التركية كتاب «سرائر القرآن».
محمود فاخوري