في البداهة والبحث عن الشكل الضّائع
الشكل الشعري ليس معطى بذاته تجده في طريقك متى أردت. الشكل حالة. الشكل كان ليتمّ تجاوزه.
ومن ألاعيب الشكل الشعري الناجز أنه يتحول في الكتابة الشعرية عند كثير من الشعراء إلى إغراء فهو يقترح على الشاعر سلفاً لون الماء الذي يأخذ لونه لون الإناء.
الشكل الشعري بارع في الإملاء يملي على متعاطي الشعر قوانينه الجاهزة لتكون القصيدة بفعل الإملاء ميتة في لحظة ولادتها. فالشكلية التي حمّلتْ الشعري ما لا يطاق تحت نظام موسيقي لافت جعل من القول الشعري ألعوبة سهلة وفّرت إمكانية دخول البلاغي إلى ساحة اللُعب الموهومة واحتدام اللّاعبين الّذي احتلّ الملعب متّخذين من البحور الموسيقية ونظام الشطرين الرافعة التي طالما حلم الفراهيدي بوضع نظامها والعمل عليها تلك الرافعة التي دخلت حيّز الأسطرة بفعل التقادم وعدم الاجتراء على فك الارتباط الحاصل بين الشكل والبلاغة الخادمة له ممّا فوّت فرصة حدوث حساسية شعرية تنبض وتخفق دون التفكير بالأدوات.
هذا الاحتدام وضع الشعرية في مقام الغائب فتغلب البلاغي على الإشاري اللّازم المغيَّب.
•••
إذا أخذنا بمبدأ أن الوجود ليس قائماً على هيئة واحدة ومحدّدة من الأشكال بل على الحدوث الطبيعي بمفهومه الفكري وأخذنا بمبدأ أنّ الوجود الشعري في فلسفة ولادة الشكل لا يلتزم شكلاً واحداً محدّداً نستطيع القول أن اللحظة الشعرية في حدوثها الأول تلبس شكل الحالة الحادثة ولغتها وبالتالي من البديهي القول أن الشكل الشعري متعدد بتعدد الحالات الشعرية، تماماً. حتى عند علماء الرياضيات والفيزياء والدارسين لقوانين الكون وحركته الذين يحاولون معرفة نظامه خذلهم الشكل حين وصلوا إلى اقتراح خادع على أن الكون محض مصادفة ثمّ اتّجاهاً إلى مبدأ التفاضل في الكون الذي أربك البشرية وأدخلها في الاطمئنان الماكر وصولاً إلى السببية فالنسبية.
•••
لقد أضحى الشكل مزحة كبرى لا تحتمل وربما سوف يأتي من يقول إنه كذبة كبرى لأن جماليات الكتابة الجديدة أزاحت بجرأة بطولة الشكل من الطريق وأعطت البداهة الشعرية مشروعيتها في التحقق عن طريق تحرير الشعرية من الشكل وسلطته واستبداد المعنى الواحد والانقلاب على سطوته الأحادية والانفتاح على كفاية شعرية متخففة من الوظائف والأغراض والموضوعات باعتبار أن القصيدة في النهاية هي موضوع ذاتها.
•••
وفق قواعد العلم أنت تعرف وتدرك إلى أين تذهب أما في الشعر تأخذك الكتابة من مجهول إلى مجهول. تأخذك اللغة وترميك في أحوال وأهوال شتى لا تجرؤ على مكاشفتها لأن الحقيقة التي تكتشفها كلما توغلت في اللمعان الغامق للكلمات أنك أنت من يقوم بحراسة المعنى بينما اللغة ماضية في شغلها الوظيفي نحو التشكل.
الشكل الواحد لا يصلح لاستيعاب كل ما يمكن أن تقوله الكلمات لأنه ببساطة شديدة يكون قد سبقها إلى هناك وحدد لها اللون والطعم والرائحة دون أن أنسى أنّ ثمة قامات شعرية اقترحوا منذ بداية الطريق على أنفسهم أن يكونوا أمينين للشكل الشعري الواحد دون أن تغيب عنهم لعبة الشكل وإغوائه واستطاعو أن يذللوا الشكل لصالح المعنى ووضعوا الماء المقدس في الإناء المقدس.
•••
الأشكال آخذة في التعدد والتوقد لأن فتنة الشكل هي تماما في عدم الديمومة. فالشكل الواحد كمين يسقط فيه الشاعر فيتلاشى صوته الداخلي ليعلو صوت الأوزان والموسيقى فلا يجد الشاعر حينها ضالته في الصوت فيتحول من خلال لعبة الشكل إلى خادم للشكل أكثر مما هو يخدم صوت الشعر فتتقدم بطولة الشكل على بطولة الشعر وصوت الشاعر فيكون الشعر الغائب الوحيد بينما الشكل هو الحاضر الوحيد بقوة.
•••
إن الكلمات تحتج على الشكل لأنها شديدة التعلق بمصيرها الحر. إنها في بحث دائم عن شكلها الضائع. عن شكلها اللامتوقع. إنها كائن يولد وينمو ويحيا حراً.
•••
الشعر لا يتوسل الأشكال. تنتصر الشعرية دائما لذاتها. فعندما تجد الشعرية كفايتها فإنها تجعل من المعنى شكلاً. فالشاعر يكتب وليس لديه أي تصور عن الشكل الذي هو ذاهب إليه. المعنى يأخذ شكله ويذهب.
في الشكل الواحد المعنى فيه غير منزّه تماماً. هو ينسحب ويتنازل لصالح الشكل.
في القصيدة الكلاسيكية يسبقك الشكل إلى الشعر. أما في الكتابة الجديدة خيانة الشكل ضرورة مثلى.
*الصديق الشاعر أيمن معروف.
Aiman Maaroof.
الشكل الشعري ليس معطى بذاته تجده في طريقك متى أردت. الشكل حالة. الشكل كان ليتمّ تجاوزه.
ومن ألاعيب الشكل الشعري الناجز أنه يتحول في الكتابة الشعرية عند كثير من الشعراء إلى إغراء فهو يقترح على الشاعر سلفاً لون الماء الذي يأخذ لونه لون الإناء.
الشكل الشعري بارع في الإملاء يملي على متعاطي الشعر قوانينه الجاهزة لتكون القصيدة بفعل الإملاء ميتة في لحظة ولادتها. فالشكلية التي حمّلتْ الشعري ما لا يطاق تحت نظام موسيقي لافت جعل من القول الشعري ألعوبة سهلة وفّرت إمكانية دخول البلاغي إلى ساحة اللُعب الموهومة واحتدام اللّاعبين الّذي احتلّ الملعب متّخذين من البحور الموسيقية ونظام الشطرين الرافعة التي طالما حلم الفراهيدي بوضع نظامها والعمل عليها تلك الرافعة التي دخلت حيّز الأسطرة بفعل التقادم وعدم الاجتراء على فك الارتباط الحاصل بين الشكل والبلاغة الخادمة له ممّا فوّت فرصة حدوث حساسية شعرية تنبض وتخفق دون التفكير بالأدوات.
هذا الاحتدام وضع الشعرية في مقام الغائب فتغلب البلاغي على الإشاري اللّازم المغيَّب.
•••
إذا أخذنا بمبدأ أن الوجود ليس قائماً على هيئة واحدة ومحدّدة من الأشكال بل على الحدوث الطبيعي بمفهومه الفكري وأخذنا بمبدأ أنّ الوجود الشعري في فلسفة ولادة الشكل لا يلتزم شكلاً واحداً محدّداً نستطيع القول أن اللحظة الشعرية في حدوثها الأول تلبس شكل الحالة الحادثة ولغتها وبالتالي من البديهي القول أن الشكل الشعري متعدد بتعدد الحالات الشعرية، تماماً. حتى عند علماء الرياضيات والفيزياء والدارسين لقوانين الكون وحركته الذين يحاولون معرفة نظامه خذلهم الشكل حين وصلوا إلى اقتراح خادع على أن الكون محض مصادفة ثمّ اتّجاهاً إلى مبدأ التفاضل في الكون الذي أربك البشرية وأدخلها في الاطمئنان الماكر وصولاً إلى السببية فالنسبية.
•••
لقد أضحى الشكل مزحة كبرى لا تحتمل وربما سوف يأتي من يقول إنه كذبة كبرى لأن جماليات الكتابة الجديدة أزاحت بجرأة بطولة الشكل من الطريق وأعطت البداهة الشعرية مشروعيتها في التحقق عن طريق تحرير الشعرية من الشكل وسلطته واستبداد المعنى الواحد والانقلاب على سطوته الأحادية والانفتاح على كفاية شعرية متخففة من الوظائف والأغراض والموضوعات باعتبار أن القصيدة في النهاية هي موضوع ذاتها.
•••
وفق قواعد العلم أنت تعرف وتدرك إلى أين تذهب أما في الشعر تأخذك الكتابة من مجهول إلى مجهول. تأخذك اللغة وترميك في أحوال وأهوال شتى لا تجرؤ على مكاشفتها لأن الحقيقة التي تكتشفها كلما توغلت في اللمعان الغامق للكلمات أنك أنت من يقوم بحراسة المعنى بينما اللغة ماضية في شغلها الوظيفي نحو التشكل.
الشكل الواحد لا يصلح لاستيعاب كل ما يمكن أن تقوله الكلمات لأنه ببساطة شديدة يكون قد سبقها إلى هناك وحدد لها اللون والطعم والرائحة دون أن أنسى أنّ ثمة قامات شعرية اقترحوا منذ بداية الطريق على أنفسهم أن يكونوا أمينين للشكل الشعري الواحد دون أن تغيب عنهم لعبة الشكل وإغوائه واستطاعو أن يذللوا الشكل لصالح المعنى ووضعوا الماء المقدس في الإناء المقدس.
•••
الأشكال آخذة في التعدد والتوقد لأن فتنة الشكل هي تماما في عدم الديمومة. فالشكل الواحد كمين يسقط فيه الشاعر فيتلاشى صوته الداخلي ليعلو صوت الأوزان والموسيقى فلا يجد الشاعر حينها ضالته في الصوت فيتحول من خلال لعبة الشكل إلى خادم للشكل أكثر مما هو يخدم صوت الشعر فتتقدم بطولة الشكل على بطولة الشعر وصوت الشاعر فيكون الشعر الغائب الوحيد بينما الشكل هو الحاضر الوحيد بقوة.
•••
إن الكلمات تحتج على الشكل لأنها شديدة التعلق بمصيرها الحر. إنها في بحث دائم عن شكلها الضائع. عن شكلها اللامتوقع. إنها كائن يولد وينمو ويحيا حراً.
•••
الشعر لا يتوسل الأشكال. تنتصر الشعرية دائما لذاتها. فعندما تجد الشعرية كفايتها فإنها تجعل من المعنى شكلاً. فالشاعر يكتب وليس لديه أي تصور عن الشكل الذي هو ذاهب إليه. المعنى يأخذ شكله ويذهب.
في الشكل الواحد المعنى فيه غير منزّه تماماً. هو ينسحب ويتنازل لصالح الشكل.
في القصيدة الكلاسيكية يسبقك الشكل إلى الشعر. أما في الكتابة الجديدة خيانة الشكل ضرورة مثلى.
*الصديق الشاعر أيمن معروف.
Aiman Maaroof.