الأنبـــــــــاط والبتـــــــراء
المهندس جورج فارس رباحية
الأنبــــــــــــــاط : النبط جمع أنباط ونبوط وهو أول ما يظهر من ماء البئر ، أو ما يتحلّب من الجبل كأنه عَرَق يخرج من عروق الصخر . والأنباط هم قبائل بدوية عربية موطنهم الأصــلي الجزيرة العــــربية لكن اختلف الباحثون عن منطقتهم في الجزيرة العربيــــة ، هل هي الحــجاز أم جـــنوب الجوف أم جنوب الجزيرة العربية أم منطقة الخليج ؟ ومن المرجّح أن يكونوا جزءاً من قبائل ثمود التي كانت تنتشر في وسط الجزيرة العربية وشمالها وعُزِّز هذا التــــــــواجد من تراث ديني يتعلّق بآلهتهم ( ذو الشرى والّلات والعـــــــزى وهُبَل ومَناة وبعد ذلك اعتنقوا الديانة المسيحية ) وأســــماء الأعلام لديهم عربيــــة مثل : ( حارث ، عبادة ، مالك ، قصي ، جميلة ، خلود ، صالح ، ... الخ ) إن أقدم أخبارهم أنهم تجمّعوا وانتقلوا إلى جنوب فلسـطين منطقــــــة الصخرة ( البتراء ) حوالي القرن الرابع قبل الميلاد وأظهرت الحفــــــــريات وجود اســتيطان آدومي في المنطقة منذ القرن السابع قبل الميلاد ن هذا ما يُشير إلى أن الأنباط حــــلّوا تدريجياً محل الآدوميين وتنبيـــط الأقوام الأخرى كالمؤابيين والثموديين فهم لم يُحـاربوهم أو يطردونهم بل عن طريق علاقات الدم والتزاوج لقد اكتشفت حضارتهم عام 1812 م من قبل الرحـــــلة المستكشف السويسري جوهان بيركهارد .
لعبت المملكة النبطية بسبب موقعها الجغرافي على طــــــول طريق البخور دورًا مميزًا في تسهيل حركـــــة مرور القوافل القادمة من الجزيرة العربيّة للعالمين اليوناني والرومـــــــاني وبالعكس، حيث بذل الأنباط جهودًا كبيرة لغايات إدارة هذه التجارة بالشكل الأمثل، فوفّــــرت الأمن والأمان والماء والمأوى وكافة الاحتياجــــات لأفراد هذه القوافل، وازدهـــــــر عدد من المحطات الحضارية المهمة على طول هذا الطريق، وأصبــــحت هذه المحطات مراكز إشعاع حضاري متميزة، وما زالت أطلال هذه المحطات والمدن ماثلة للعيان، تروي فصلًا من فصول تاريخ المنطقة في حقبة مهمة من التاريخ . اتّسع نفوذ هذه المملكة شمالاً حتى دمشق والــــبقاع وغرباً وجنوباً حتى النقب وخليج العقبة وأجزاء من سيناء وجزء من الجزيرة العربية .
امتازت حضارتهم بالرقي لا سيما العمرانية فقاموا بتحسين وترميـــــــم المنطقة وبناء الأبنية المنـــــحوتة في الصخر والقصور والبيوت المبنية من الحجر المُشذّب وبناء المصــــــــــاطب الزراعية والسدود وخزانات المياه والبرك المائيـــــة وأنظمة الري المتقدّمة التي تعتبر عبقرية هندسية بالغة . إن سياسة التســامح والانفتاح التي اتبعها الأنباط أعطتـــــهم شهرة في التجارة فبالإضافة إلى لغتهم النبطية التي هي لهجة عربية شمالية تأثّرت بالآرامية كانوا يتكّلمـــــون الآرامــية لاسيما في الأعمال التجارية حتى أصـبحت منطقتهم ممــرّاً رئيسياً للقوافل التجارية الآتية من الشرق إلى أوروبا . أهم ملوك الأنباط هم :
1 ـ الحارث الأول : 169 ـ 120 ق . م 2ـ الحارث الثاني : 120 ـ 95 ق . م
3 ـ عبــــادة الأول : 95 ـ 88 ق . م 4ـ رب إيل الأول : 88 ـ 87 ق . م
5 ـ الحارث الثالث : 87 ـ 62 ق . م 6ـ مـــــالك الأول : 62 ـ 30 ق . م
7 ـ عبــــادة الثاني : 30 ـ 9 ق . م 8 ـ الحارث الرابع : 9 ق . م ـ 40 م
9 ـ مـــــالك الثاني : 40 م ـ 70 م 10ـ رب إيل الثاني : 70 ـ 106 م
شهدت هذه المملكة محاولات متكررة من السلوقيين والبيزنطيين والرومان للسيطرة عليها وإخضاعــــها ولكنها ظلت عصية على الخضوع حتى عام 106 م.حيث أخضعها الإمبراطور الروماني تـــراجان ( 53 ـ 117 ) م حيث اسـتطاع الرومان دخولها بالحيلة والسيطرة عليها وظلت مركزاً مهماً للإمبراطورية الرومانية دخلها العرب سنة 636 م وعــاش من تبقّى من سكانها على الزراعة . لكن الزلزال الذي أصابها عام 748م والزلازل التي تلته من أفرغتها من ســـكانها .
البتـــــــــــراء : تقع جنوب الأردن غرب مدينة معان اســـــــمها القديم سَلَع أو الصخرة تقع جنوب الأردن نحتها العرب الأنبــاط في الصـــــخر وجعلوا منها موقعاً اســـتراتيجياً هاماً . إن الدخـــول إلى قلب المدينة مـدهش ومثير بحيث لا يتم إلاّ بالمسير عبر ( السيق ) وهو شــــــق صخري هائل يصل ارتفاعه لأكثر من 80 متراً من الصخور الملوّنة والمتنوّعة الشكل أرضيّته من الحصى ويمتدّ نحو كيلو متر يقطعه الســـائح سيراً على الأقدام أو استئجــــار خيل أو جمال أو عربة تجرّها الخيول ، وعلى يسار السيق حفر الأنباط قناة تحمل مياه عيون موسى إلى وسط المدينة . وفي نهاية السيق ينكشف مشهد رائع إنّها ( الخزنة ) المنحوتة في الجبل الصــــــخري الوردي يبلغ ارتفاعـــها 43 متراً وعرضها 30 متراً يعود تاريخــــها إلى القرن الأول الميلادي حيث صُمِّمَت لتكون قبراً لأحـد أهم ملوكهم . تعتبر الخزنة بداية المدينة الورديـــــــة وعليك أن تسير داخل المدينة مسـافة 10 كم ذهاباً وإياباً لتشـــاهد معالمها وأهمها : المدافن المحفورة بالصــــخر والمسرح والمدرج الذي يتكوّن من 33 صفاً منحـوتة في الصـخر ويتّســـــــع لأكثر من 3000 متفرّج ومبني على الطــراز الروماني وترى المـعابد والشــــوارع المبلّطة المحـــــاطة بالأعمدة ونشاهد الدير الذي يُعَدّ من المـــواقع المثيرة وقد نحت من الـصخر الوردي بأشكال فنيّة ولا يمكن الوصـول إليه إلاّ عبـر درج (سلّم) حجري يبلغ عدد درجاته 800 درجة يــبلغ عرض الدير50 متراً وارتفاعه 45 متراً وارتفـاع بابه 8 أمتار وعلى واجهتيه رسماً لأسدين ونرى المذبح الذي يقع بين خزنة فرعون والمدرج الروماني وأمامه ساحة واسعة فيها بئر لتنظيف المـــذبح . كما نـــجد متحفان ، الأول متحف البتراء الأثري والثاني متحف البتراء النبطي وهناك أضـــــرحة تاريخية منها ضريح الجرّة ( المحكمة ) وضريح القبر الكورنثي وضريح القصر . وفي أيام المسـيحية الأولى جاء إلى البتراء النُسّاك والرهبان وعاشوا في كهوفها وصلّوا في ديرها .
البتراء هي واحدة من التراث العالمي صنّفتها ( اليونيسكو ) عام 1985 واعتبرت أيضاً من عجائب الدنيا السبع في 7/7/2007 .
يمكن مشاهدة فيديو عن البتراء على الوصلة :
www.youtube.com/watch?v=AdI5ViKN4Jw
المهندس جورج فارس رباحية
المصــــــادر والمــــــــراجع :
ــــ الأنباط حضارة وتاريخ ، الجزء 1 : عزام أبو الحمام
ــــ المنجد في اللغة والأعلام : بيروت 1973
ــــ نشرات سياحية أردنية
ــــ مواقع على الإنترنت :
تعليق