سعدي الشيرازي
(القرن السابع الهجري)
سعدي الشيرازي أحد أشهر شعراء فارس وأدبائها في القرن السابع الهجري.
اختلف الرواة في اسمه واسم أبيه، وتعددت الروايات في ذلك، ولم يتوصل الباحثون إلى رأي فصْلٍ، فقيل: هو مشرّف الدين بن مصلح الدين السعدي، وشرف، ومصلح، وعبد الله، وغير ذلك، ومنهم من جعل مشرف الدين ؛أو شرف الدين، ومصلح الدين» لقباً له. أما السعدي فهو الاسم الذي اشتُهر به نسبة إلى سعد بن زنكي حاكم شيراز، وقيل غير هذا أيضاً. ويُسبَق اسمه بلقب «الشيخ». واختلفوا أيضا في كنيته؛ فقيل: أبو عبد الله، وأبو محمد.
ولد في شيراز من بلاد فارس فنُسب إليها، وكانت ولادته سنة 606هـ وقيل سنة 589، وقيل غير ذلك، وكله تقدير من الباحثين.
بدأ سعدي حياته في شيراز، واهتم أبوه بتربيته وتعليمه ؛ ولاسيما حفظ القرآن الذي تمثَّله مضموناً وأسلوباً وظهر ذلك في أدبه وسلوكه فيما بعد، ولما بلغ الثانية عشرة توفي أبوه، فكفله جده لأمه مسعود الكازروني؛ واعتنت أمه به، ثم صحبته إلى بغداد فأخذ قسطاً من العلم في المدرسة النظّامية ثم في المدرسة المستنصرية، ثم تتلمذ على يد أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي، وعمر السهروردي (ت632) وغيرهما، وتأثر بالغزالي. وآثر السياحة والتجوال في البلاد مطّلعاً وطالباً للعلم ؛ مما أكسبه خبرة كبيرة وعلماً غزيراً، فارتحل إلى أصفهان ثم الهند والحجاز والشام، وقد أسره الصليبيون قرب بيت المقدس، وبقي مدة إلى أن افتداه رجل يعرفه، فأطلق سراحه وتزوج بنت هذا الرجل إلا أن زواجه منها لم يدم طويلاً لغلظة في طباعها، فطلّقها واتجه إلى مصر فالمغرب، ثم عاد إلى تركيا فشيراز لما وَليها الملك أبو بكر بن سعد زنكي، وبقي فيها حتى وفاته التي اختُلِف في تحديد سنتها أيضاً، إذ بنى لنفسه زاوية قرب شيراز اعتكف فيها، وكان الناس وأولو الأمر يدلفون إليه.
كان سعدي الشيرازي شافعي المذهب متصوفاً، أثيراً لدى العامة والخاصة، وكان نبيهاً فطِناً مرهف الإحساس، فألّف الكتب ونظم الشعر بالعربية والفارسية.
ومن أشهر مؤلفاته: «بوستان» و«كَلستان» أهداهما إلى حاكم شيراز سعد بن زنكي وامتدحه فيهما، وقد بلغت شهرتهما أقصى درجات الشهرة والذيوع في الأدب الفارسي عامة، ويعد الكتابان من أجلّ ما تهتم به الشعوب الإسلامية خارج البلاد العربية في تربية الناشئين والناشئات. وقد تُرجم الكتابان إلى الإنكليزية والفرنسية والألمانية وأكثر اللغات الحية » إضافة إلى الترجمة إلى العربية، وقد كان تأثره بالغزالي واضحاً في كتابه «كَلستان» الذي كان مزيجاً من الأخبار والقصص شعراً ونثراً بالفارسية والعربية، وربما جعله بعضهم من باب المقامات، وممن ترجمه إلى العربية الشاعر محمد الفراتي. وله أيضاً كتاب «كيماوي سعادت» لخّص فيه كتاب «إحياء علوم الدين» للغزالي، وله ست رسائل منها: «الديباجة»، و«المجالس الخمسة»، و«التقريرات الثلاثة».
وتميز نثره بأنه انطوى «على محتوى فكري ومخزون شعوري وموروث ثقافي ومبادئ أخلاقية صقلتها نشأة دينية ودراسات علمية في شتى الميادين وتجارب مكتسبة باعتراك الحياة ومكابدة الغربة..كما انطوى من جانب آخر على أسلوبه النثري المميز الذي بلغ فيه ما لا يضاهيه فيه أديب إيراني آخر، فارتقى فيه سلم الفصاحة، وطاول عنان البلاغة بنبوغه الخارق وموهبته الأخاذة وقلمه الفذ وأدبه الرفيع».
أما شعره فلم يكن دون نثره منزلة وقيمة، وفي مقدمته «البوستان»، وهو ديوان منظوم يُعد درّةً يتيمةً في عقود سعدي الفريدة، انتظمت في حكايات بديعة سامية ترمي إلى مدينة فاضلة شيّدها سعدي، وله غزليات أقرب إلى دواوين صغيرة تحت أسماء متعددة: «الغزليات القديمة»، و«الطيبات»، و«البدائع»، و«الخواتيم».
ومن غزله:
متى جمْعُ شملي بالحبيب المغاضَب
وكيف خلاصُ القلبِ من يد سالب
أظن الذي لم يرحمِ الصبَّ إذ بكى
يقايسُ مسلوبَ الفؤادِ بلاعب
فقـدتُ زمانَ الوصلِ والمرءُ جاهل
بقدْر لذيذِ العيش قبل المصائب
ومن شعره قوله في الورد:
نظرتُ إلى أوراق غصنٍ على الثَّرى
بَراهـا نحـولاً ما براني من الوجـد
ذوَى حسنُها والعطرُ باقٍ كما نأى
عن الصحْب خِلٌّ وهو باقٍ على العهد
فقلت لها: هل كنتِ في هذه الربى
وروداً تُذيبُ الحسنَ في حُمرة الخـد؟
أجابت وقالت:لم أكن قطّ وردةً
ولكنْ حفظتُ العطرَ من عشرة الورد
ومن عاشر النفسَ الكريمةَ لم يزل
يَزيدُ بها حسناً على القرْب والبعـد
ومن خمرياته:
يا نديمي قُمْ تَنـبّه
واسقِني واسقِ الندامى
اِسقياني وهديرُ الر
عْدِ قد أبكى الغماما
وشفاهُ الزهر تَفترْ
رُ من الضحك ابتساما
علي أبو زيد
(القرن السابع الهجري)
سعدي الشيرازي أحد أشهر شعراء فارس وأدبائها في القرن السابع الهجري.
اختلف الرواة في اسمه واسم أبيه، وتعددت الروايات في ذلك، ولم يتوصل الباحثون إلى رأي فصْلٍ، فقيل: هو مشرّف الدين بن مصلح الدين السعدي، وشرف، ومصلح، وعبد الله، وغير ذلك، ومنهم من جعل مشرف الدين ؛أو شرف الدين، ومصلح الدين» لقباً له. أما السعدي فهو الاسم الذي اشتُهر به نسبة إلى سعد بن زنكي حاكم شيراز، وقيل غير هذا أيضاً. ويُسبَق اسمه بلقب «الشيخ». واختلفوا أيضا في كنيته؛ فقيل: أبو عبد الله، وأبو محمد.
ولد في شيراز من بلاد فارس فنُسب إليها، وكانت ولادته سنة 606هـ وقيل سنة 589، وقيل غير ذلك، وكله تقدير من الباحثين.
بدأ سعدي حياته في شيراز، واهتم أبوه بتربيته وتعليمه ؛ ولاسيما حفظ القرآن الذي تمثَّله مضموناً وأسلوباً وظهر ذلك في أدبه وسلوكه فيما بعد، ولما بلغ الثانية عشرة توفي أبوه، فكفله جده لأمه مسعود الكازروني؛ واعتنت أمه به، ثم صحبته إلى بغداد فأخذ قسطاً من العلم في المدرسة النظّامية ثم في المدرسة المستنصرية، ثم تتلمذ على يد أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي، وعمر السهروردي (ت632) وغيرهما، وتأثر بالغزالي. وآثر السياحة والتجوال في البلاد مطّلعاً وطالباً للعلم ؛ مما أكسبه خبرة كبيرة وعلماً غزيراً، فارتحل إلى أصفهان ثم الهند والحجاز والشام، وقد أسره الصليبيون قرب بيت المقدس، وبقي مدة إلى أن افتداه رجل يعرفه، فأطلق سراحه وتزوج بنت هذا الرجل إلا أن زواجه منها لم يدم طويلاً لغلظة في طباعها، فطلّقها واتجه إلى مصر فالمغرب، ثم عاد إلى تركيا فشيراز لما وَليها الملك أبو بكر بن سعد زنكي، وبقي فيها حتى وفاته التي اختُلِف في تحديد سنتها أيضاً، إذ بنى لنفسه زاوية قرب شيراز اعتكف فيها، وكان الناس وأولو الأمر يدلفون إليه.
كان سعدي الشيرازي شافعي المذهب متصوفاً، أثيراً لدى العامة والخاصة، وكان نبيهاً فطِناً مرهف الإحساس، فألّف الكتب ونظم الشعر بالعربية والفارسية.
ومن أشهر مؤلفاته: «بوستان» و«كَلستان» أهداهما إلى حاكم شيراز سعد بن زنكي وامتدحه فيهما، وقد بلغت شهرتهما أقصى درجات الشهرة والذيوع في الأدب الفارسي عامة، ويعد الكتابان من أجلّ ما تهتم به الشعوب الإسلامية خارج البلاد العربية في تربية الناشئين والناشئات. وقد تُرجم الكتابان إلى الإنكليزية والفرنسية والألمانية وأكثر اللغات الحية » إضافة إلى الترجمة إلى العربية، وقد كان تأثره بالغزالي واضحاً في كتابه «كَلستان» الذي كان مزيجاً من الأخبار والقصص شعراً ونثراً بالفارسية والعربية، وربما جعله بعضهم من باب المقامات، وممن ترجمه إلى العربية الشاعر محمد الفراتي. وله أيضاً كتاب «كيماوي سعادت» لخّص فيه كتاب «إحياء علوم الدين» للغزالي، وله ست رسائل منها: «الديباجة»، و«المجالس الخمسة»، و«التقريرات الثلاثة».
وتميز نثره بأنه انطوى «على محتوى فكري ومخزون شعوري وموروث ثقافي ومبادئ أخلاقية صقلتها نشأة دينية ودراسات علمية في شتى الميادين وتجارب مكتسبة باعتراك الحياة ومكابدة الغربة..كما انطوى من جانب آخر على أسلوبه النثري المميز الذي بلغ فيه ما لا يضاهيه فيه أديب إيراني آخر، فارتقى فيه سلم الفصاحة، وطاول عنان البلاغة بنبوغه الخارق وموهبته الأخاذة وقلمه الفذ وأدبه الرفيع».
أما شعره فلم يكن دون نثره منزلة وقيمة، وفي مقدمته «البوستان»، وهو ديوان منظوم يُعد درّةً يتيمةً في عقود سعدي الفريدة، انتظمت في حكايات بديعة سامية ترمي إلى مدينة فاضلة شيّدها سعدي، وله غزليات أقرب إلى دواوين صغيرة تحت أسماء متعددة: «الغزليات القديمة»، و«الطيبات»، و«البدائع»، و«الخواتيم».
ومن غزله:
متى جمْعُ شملي بالحبيب المغاضَب
وكيف خلاصُ القلبِ من يد سالب
أظن الذي لم يرحمِ الصبَّ إذ بكى
يقايسُ مسلوبَ الفؤادِ بلاعب
فقـدتُ زمانَ الوصلِ والمرءُ جاهل
بقدْر لذيذِ العيش قبل المصائب
ومن شعره قوله في الورد:
نظرتُ إلى أوراق غصنٍ على الثَّرى
بَراهـا نحـولاً ما براني من الوجـد
ذوَى حسنُها والعطرُ باقٍ كما نأى
عن الصحْب خِلٌّ وهو باقٍ على العهد
فقلت لها: هل كنتِ في هذه الربى
وروداً تُذيبُ الحسنَ في حُمرة الخـد؟
أجابت وقالت:لم أكن قطّ وردةً
ولكنْ حفظتُ العطرَ من عشرة الورد
ومن عاشر النفسَ الكريمةَ لم يزل
يَزيدُ بها حسناً على القرْب والبعـد
ومن خمرياته:
يا نديمي قُمْ تَنـبّه
واسقِني واسقِ الندامى
اِسقياني وهديرُ الر
عْدِ قد أبكى الغماما
وشفاهُ الزهر تَفترْ
رُ من الضحك ابتساما
علي أبو زيد