راهب (هاني)
Al-Rahib (Hani-) - Al-Rahib (Hani-)
الراهب (هاني -)
(1939-2000)
هاني محمد الراهب من أبرز كتّاب الرواية في سورية، ولد في قرية مشقيتا في اللاذقية في عائلة شديدة الفقر، توفي أبواه وهو يافع لكنه حصل على منحة دراسية لإتمام دراسته ونيل الدكتوراه ثم أصبح مدرساً في كلية الآداب، قسم اللغة الإنكليزية في جامعة دمشق. كما قضى قرابة العشر سنوات مدرساً في جامعة الكويت في المرحلة الأخيرة من حياته.
منذ خطواته الروائية الأولى التي بدأها سنة 1961 أثار ضجة كبيرة في الأوساط الثقافية بحصوله على الجائزة الأولى عن روايته «المهزومون» في مسابقة الرواية التي أجرتها مجلة «الآداب» اللبنانية، وهو بعد طالب في قسم اللغة الإنكليزية. كتب عدداً من الروايات والقصص والبحوث وقدم الكثير من الترجمات إضافة إلى عشرات المقالات التي نشرها في الصحف والمجلات السورية والخليجية لاسيما جريدة «القبس» الكويتية ومجلة «العربي». غير أن الرواية ظلت أرقه الدائم وشغله الشاغل، فهي لديه «مصْل مضاد للجنون»، وهو يريدها «أن تقلق القارئ وتزعجه أحياناً»، ولابد لها من «تكثيف الواقع وتخييله وترميزه وأسطرته».
اعتمد الراهب في روايتيه «المهزومون» (1961) و«شرخ في تاريخ طويل» (1970) الحدث والسرد والفرد (البطل)، وجعل كلاً من «بشر» في الأولى و«أسيان» في الثانية يمثلانه شكلاً وموضوعاً تقريباً، لكنه في روايته الثالثة «ألف ليلة وليلتان» (1977) تمرد على هذه التقليدية النمطية ليدخل عالم التجريب، مؤكداًُ على الهمّ العام الذي تمثله المجموعات لا الأفراد، وجاعلاً اللغة وسيلة لا غاية، فاستقبل الخاصة من المثقفين هذا النص استقبالاً حسناً، وكتبوا عنه دراسات موسعة. بيد أن القارئ العادي أعرض عنه لصعوبته، الأمر الذي أحزن المؤلف الذي أراد لنصّه هذا أن يحقق معادلة إرضاء الخاص والعام معاً. وفي روايته الرابعة «الوباء» (1981) حاول تحقيق هذه المعادلة؛ فعلى الرغم من طولها وكبر حجمها، ظل القارئ العادي مشدوداً إليها، كما أن خاصة المثقفين تفاعلوا معها، سوى أنهم ميزوا بين قسمها الأول الذي قدّم فناً، وقسمها الثاني الذي امتلأ بالمباشرة، واليومي، والصراخ عبر شخصية «العميد عَبْسي».
نحا الراهب منحى تجريبياً أوسع في روايته «بلد واحد هو العالم» (1985)، متكئاً على «فاوست» غوته، محاولاً بذلك تجاوز «ألف ليلة وليلتان»، لاسيما أنه لم يستطع تجاوزها بروايته «الوباء» على الرغم من الاهتمام الواسع بها، وعلى الرغم من حصوله على جائزة اتحاد الكتّاب العرب بدمشق. إلا أن هذه الرواية لم تحقق لمؤلفها ما سعى إليه. وهذا فيما يبدو هو الذي حدا به إلى التوقف ملياً مع روايته «التلال» (1989) التي كانت بمثابة مغامرة ومقامرة، ينشد فيها تجاوز أعماله الروائية كافة، وتأسيس رواية عربية تمثل عصرها وتنتقل به إلى المستقبل.
لم يكتف الراهب في رواية «التلال» بإلغاء الحدث والسرد والشخصية فحسب، بل عمد إلى الجغرافية. وقد جعل هذه الرواية تمور بالأخيلة والأسطورة والمجموعات البشرية التي تحمل التاريخ السياسي العربي المعاصر وتنوء به؛ حتى أضحت هذه الرواية بمثابة أحجية جعلت كلاً من المثقفين خاصة، والقرّاء عامة، يعرضون عنها. أما الأعمال التي أخذت تسمية «خضراء»: «خضراء كالمستنقعات» (1992) و«خضراء كالحقول» (1993) فقد كانت محطة عابرة للوصول إلى نصه الروائي الأقوى والأنضج الذي أعطاه عنوان «رسمتُ خطاً في الرمال» والذي استحضر إليه من التراث شخصيتي «أبو الفتح الاسكندري» و«عيسى بن هشام»، مازجاً فيه الأخيولي بالواقعي؛ في رواية ساخطة وعنيفة تشكل نمطاً جديداً في سيرته، وتشكل مع قليل من الروايات سواها فتحاً جديداً لآفاق الرواية العربية لطرحها هموم وقضايا لم يجرِ تناولها بهذا العمق والتحديد، فهي تصور واقع الحياة العربية، وتأثير النفط فيها عموماً، وفي حياة وبنية المجتمعات الخليجية خاصة. وقد صدر هذا النص في الخامس من حزيران عام 1999، ولهذا اليوم من حزيران دلالته في المصير العربي.
وكتب الراهب أيضاً «علي بابا والأربعون سمساراً» وهي الجزء الثاني لروايته «التلال» لكن لم يشأ نشرها، وقد أبقاها مخطوطة لدى صديقه الباحث عبد الرحمن الحلبي منذ العام 1991، ومن أعماله القصصية أيضاً «المدينة الفاضلة» (1969) و«جرائم دون كيشوت». ومن أعماله البحثية الرسالة التي نال عليها درجة الدكتوراه من جامعة إكستر «الشخصية الصهيونية في الرواية الإنكليزية» (1974)، كما ترجم الكثير من الأعمال من مثل «الرمزية في الأدب الأمريكي» Symbolism and American Literature للكاتب تشارلز فيدلسون الابن، و«مدخل إلى الرواية الإنكليزية» An Introduction to the English Novel للكاتب أرنولد كيتل. وقد أصيب الكاتب بمرض السرطان، وتوفي بعد مدة قصيرة في دمشق ودفن في مسقط رأسه.
عبد الرحمن الحلبي
Al-Rahib (Hani-) - Al-Rahib (Hani-)
الراهب (هاني -)
(1939-2000)
هاني محمد الراهب من أبرز كتّاب الرواية في سورية، ولد في قرية مشقيتا في اللاذقية في عائلة شديدة الفقر، توفي أبواه وهو يافع لكنه حصل على منحة دراسية لإتمام دراسته ونيل الدكتوراه ثم أصبح مدرساً في كلية الآداب، قسم اللغة الإنكليزية في جامعة دمشق. كما قضى قرابة العشر سنوات مدرساً في جامعة الكويت في المرحلة الأخيرة من حياته.
منذ خطواته الروائية الأولى التي بدأها سنة 1961 أثار ضجة كبيرة في الأوساط الثقافية بحصوله على الجائزة الأولى عن روايته «المهزومون» في مسابقة الرواية التي أجرتها مجلة «الآداب» اللبنانية، وهو بعد طالب في قسم اللغة الإنكليزية. كتب عدداً من الروايات والقصص والبحوث وقدم الكثير من الترجمات إضافة إلى عشرات المقالات التي نشرها في الصحف والمجلات السورية والخليجية لاسيما جريدة «القبس» الكويتية ومجلة «العربي». غير أن الرواية ظلت أرقه الدائم وشغله الشاغل، فهي لديه «مصْل مضاد للجنون»، وهو يريدها «أن تقلق القارئ وتزعجه أحياناً»، ولابد لها من «تكثيف الواقع وتخييله وترميزه وأسطرته».
اعتمد الراهب في روايتيه «المهزومون» (1961) و«شرخ في تاريخ طويل» (1970) الحدث والسرد والفرد (البطل)، وجعل كلاً من «بشر» في الأولى و«أسيان» في الثانية يمثلانه شكلاً وموضوعاً تقريباً، لكنه في روايته الثالثة «ألف ليلة وليلتان» (1977) تمرد على هذه التقليدية النمطية ليدخل عالم التجريب، مؤكداًُ على الهمّ العام الذي تمثله المجموعات لا الأفراد، وجاعلاً اللغة وسيلة لا غاية، فاستقبل الخاصة من المثقفين هذا النص استقبالاً حسناً، وكتبوا عنه دراسات موسعة. بيد أن القارئ العادي أعرض عنه لصعوبته، الأمر الذي أحزن المؤلف الذي أراد لنصّه هذا أن يحقق معادلة إرضاء الخاص والعام معاً. وفي روايته الرابعة «الوباء» (1981) حاول تحقيق هذه المعادلة؛ فعلى الرغم من طولها وكبر حجمها، ظل القارئ العادي مشدوداً إليها، كما أن خاصة المثقفين تفاعلوا معها، سوى أنهم ميزوا بين قسمها الأول الذي قدّم فناً، وقسمها الثاني الذي امتلأ بالمباشرة، واليومي، والصراخ عبر شخصية «العميد عَبْسي».
نحا الراهب منحى تجريبياً أوسع في روايته «بلد واحد هو العالم» (1985)، متكئاً على «فاوست» غوته، محاولاً بذلك تجاوز «ألف ليلة وليلتان»، لاسيما أنه لم يستطع تجاوزها بروايته «الوباء» على الرغم من الاهتمام الواسع بها، وعلى الرغم من حصوله على جائزة اتحاد الكتّاب العرب بدمشق. إلا أن هذه الرواية لم تحقق لمؤلفها ما سعى إليه. وهذا فيما يبدو هو الذي حدا به إلى التوقف ملياً مع روايته «التلال» (1989) التي كانت بمثابة مغامرة ومقامرة، ينشد فيها تجاوز أعماله الروائية كافة، وتأسيس رواية عربية تمثل عصرها وتنتقل به إلى المستقبل.
لم يكتف الراهب في رواية «التلال» بإلغاء الحدث والسرد والشخصية فحسب، بل عمد إلى الجغرافية. وقد جعل هذه الرواية تمور بالأخيلة والأسطورة والمجموعات البشرية التي تحمل التاريخ السياسي العربي المعاصر وتنوء به؛ حتى أضحت هذه الرواية بمثابة أحجية جعلت كلاً من المثقفين خاصة، والقرّاء عامة، يعرضون عنها. أما الأعمال التي أخذت تسمية «خضراء»: «خضراء كالمستنقعات» (1992) و«خضراء كالحقول» (1993) فقد كانت محطة عابرة للوصول إلى نصه الروائي الأقوى والأنضج الذي أعطاه عنوان «رسمتُ خطاً في الرمال» والذي استحضر إليه من التراث شخصيتي «أبو الفتح الاسكندري» و«عيسى بن هشام»، مازجاً فيه الأخيولي بالواقعي؛ في رواية ساخطة وعنيفة تشكل نمطاً جديداً في سيرته، وتشكل مع قليل من الروايات سواها فتحاً جديداً لآفاق الرواية العربية لطرحها هموم وقضايا لم يجرِ تناولها بهذا العمق والتحديد، فهي تصور واقع الحياة العربية، وتأثير النفط فيها عموماً، وفي حياة وبنية المجتمعات الخليجية خاصة. وقد صدر هذا النص في الخامس من حزيران عام 1999، ولهذا اليوم من حزيران دلالته في المصير العربي.
وكتب الراهب أيضاً «علي بابا والأربعون سمساراً» وهي الجزء الثاني لروايته «التلال» لكن لم يشأ نشرها، وقد أبقاها مخطوطة لدى صديقه الباحث عبد الرحمن الحلبي منذ العام 1991، ومن أعماله القصصية أيضاً «المدينة الفاضلة» (1969) و«جرائم دون كيشوت». ومن أعماله البحثية الرسالة التي نال عليها درجة الدكتوراه من جامعة إكستر «الشخصية الصهيونية في الرواية الإنكليزية» (1974)، كما ترجم الكثير من الأعمال من مثل «الرمزية في الأدب الأمريكي» Symbolism and American Literature للكاتب تشارلز فيدلسون الابن، و«مدخل إلى الرواية الإنكليزية» An Introduction to the English Novel للكاتب أرنولد كيتل. وقد أصيب الكاتب بمرض السرطان، وتوفي بعد مدة قصيرة في دمشق ودفن في مسقط رأسه.
عبد الرحمن الحلبي