اتروسكيون (انسانيه)
Etruscans - Etrusques
الإتروسكيون (الإنسانية) الإتروسكيون Etruscans شعب قديم سكن منطقة إترورية الإيطالية (بين نهر التيبر ونهر آرنو غربي جبال الأبنين وجنوبيها). وبلغت حضارته أوج ازدهارها واتساعها في القرن السادس قبل الميلاد. وقد اقتبس الرومان الكثير من حضارة هذا الشعب الذي تمكنوا من إخضاعه وطمس آثاره بعد صراع مديد. وكان للإتروسكيين دور كبير في تاريخ شبه الجزيرة الإيطالية من بداية القرن السابع قبل الميلاد حتى نهاية العصر الجمهوري في رومة، إلا أن سيطرتهم السياسية التي كادت توحد إيطالية كلها أخذت تنحسر شيئاً فشيئاً منذ القرن الخامس ق.م مع مزاحمة الإغريق والقرطاجيين، ثم الرومان، إلى أن زالت تماماً بسقوط آخر معاقل الإتروسكيين أمام ضربات الفيالق الرومانية في معركة سنتينيوم Sentenium سنة 195 ق.م.
على أن التراث الإتروسكي، مع كل ما حظي به من اهتمام الدارسين منذ القرن الثامن عشر، لايزال يكتنفه شيء من الغموض إلى اليوم، ولايزال أصل الإتروسكيين ولغتهم وتاريخهم السياسي موضع جدل وبحث. وربما كانت رومة المسؤول الأول عن إخفاء معالم تلك الحضارة للتدمير الشديد الذي ألحقته قواتها بالمدن الإتروسكية، ومحاولة كتابها إغفال ذكر هؤلاء في حولياتهم، بل إن منهم من يعد الإتروسكيين مستعمرين بكل معنى الكلمة.
أصل الإتروسكيين
نهضة الإتروسكيين وانحطاطهممن المتعذر ترتيب تاريخ الإتروسكيين مفصلاً في غياب الوثائق والأساطير التي توارثها هذا الشعب، ولندرة ما تشير إليه الكتابات الإغريقية والرومانية. وكل ما يعرف عنهم أن بلادهم كانت تتألف من مدن - دويلات مستقلة أقامت فيما بينها تحالفاً دينياً وسياسياً كان له أثره في الحياة الاقتصادية والاجتماعية. وأنهم ظهروا في توسكانة (إترورية) في مطلع القرن السابع ق.م وراحوا يمدون نفوذهم شيئاً فشيئاً على المناطق المجاورة، ويشيدون المدن الحصينة، وينشطون زراعياً وصناعياً وتجارياً. فسيطروا على منطقة لاتيوم في وسط إيطالية في العصر الملكي، ويعود إليهم فضل نشوء رومة التي عدت جسراً يربط شمالي إيطالية حيث يقوم الإتروسكيين بجنوبيها الذي كان الإغريق قد وفدوا إليه منذ القرن الثامن قبل الميلاد وأقاموا لهم مستعمرات تجارية وزراعية. وقد استمر الإتروسكيون في زحفهم جنوباً حتى أدركوا ربوع كامبانية وأسسوا مدينة كابوا Capua واصطدموا بالإغريق في هذه البقاع. ووجد الإتروسكيون في القرطاجيين حلفاء طبيعيين لهم فتعاونوا معهم على هزيمة الإغريق في معركة ألريه Aleria البحرية سنة 535 ق.م (تسميها بعض المصادر آلالية Alalia). وتوقف توسع الإغريق مؤقتاً، كما اضطروا إلى الجلاء عن قواعدهم في كورسيكة (قرشقة). وفي الوقت نفسه شرع الإتروسكيون في التوسع شمالاً حتى سهل البو وسواحل الإدرياتي، وهكذا بلغ الإتروسكيون في القرن السادس ق.م أوج سطوتهم عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، وشجعهم وضعهم هذا على محاولة طرد الإغريق من اليونان الكبرى (جنوبي إيطالية) فحاصروا مدينة كوماي Cumae. ولكن هيرو Hiero حاكم سيراكوزة (سرقوسة) الصقلية هب لنجدة المدينة وأجبر الإتروسكيين على رفع الحصار عنها سنة 474ق.م. وبعد تراجع الإتروسكيين عن مدينة كوماي بدء انحسارهم عن جنوبي إيطالية وأواسطها، ومع أنهم لم يخلوا جميع مواقعهم في كامبانية، فقد تعرضت مواصلاتهم مع الجنوب للخطر بسبب المتاعب التي كان يثيرها اللاتين (سكان مقاطعة لاتيوم ومركزها رومة). عندما لجأ الإتروسكيون إلى تأمين مواصلاتهم بحراً انبرى لهم أسطول الإغريق بزعامة مدينة سيراكوزة فقضى على تجارتهم البحرية قضاء تاماً، كذلك استطاع اللاتين، الذين أخذ نجمهم في الصعود، مد سيطرتهم إلى أجزاء كبيرة من لاتيوم وكامبانية والاستيلاء على مدينة كابوا كبرى مدن كامبانية سنة 421ق.م. وتفاقم الوضع تماماً بظهور الأقوام الغالية في أقصى الشمال الإيطالي، التي عبرت جبال الألب واكتسحت سهل البو وهددت إترورية نفسها. بل إن بعض قبائل الغال أوغلت حتى رومة ونهبتها سنة 390 ق.م ولم يحل منتصف القرن الرابع ق.م حتى كان الإتروسكيون قد فقدوا جميع مواقعهم خارج إترورية، وانتقلت المبادأة إلى أيدي الرومان الذين أقاموا لأنفسهم دولة قوية في لاتيوم واستخدموها قاعدة انطلاق لتوسعهم اللاحق. واستطاعت رومة في المدة ما بين بداية القرن الرابع ومنتصف القرن الثالث قبل الميلاد إخضاع معظم المناطق التي كانت في يد الإتروسكيين والغاليين والإغريق، وتوحيد شبه الجزيرة الإيطالية بزعامتها، ولم يفد الإتروسكيين تحالفهم مع شعوب إيطالية القديمة كالسامنيين (من أقوام إيطالية الوسطى) للحد من السيطرة الرومانية المتنامية، فسقطت مدنهم الواحدة تلو الأخرى، واضطر بعضها إلى الدخول في حلف مع رومة ولاسيما المدن الشمالية منها، التي كانت قد بلغت أوج ازدهارها. وفي المرحلة الأخيرة من تاريخ الإتروسكيين فقدت إترورية استقلالها السياسي بعد معركة سنتينيوم (195 ق.م) واندمجت في الاتحاد الإيطالي الروماني مع احتفاظها بطابعها ولغتها، ثم ألحقت برومة إلحاقاً تاماً في بداية القرن الأول ق.م، وحملت سماتها وحقوق المواطنة فيها.