لونغينوس Longinus - Longinus
لونغينوس
(نحو 213 ـ 273م)
هو كاسيوس لونغينوس Cassius Longinus أحد أشهر علماء البلاغة الإغريق في القرن الثالث الميلادي، ولد في إيمِسا Emesa (حمص) في سورية ودرس في الإسكندرية، وعمه الخطيب وعالم البلاغة فرونتو Fronto. برز لونغينوس أيضاً في مجال الفلسفة وترأس أكاديمية أفلاطون[ر] في أثينا بين عامي 250- 267م. وقد وصفه أونابيوس Eunapios في كتابه «سير السفسطائيين» بأنه «مكتبة حية ومتحف متنقل» لكثرة قراءاته وغزارة علمه. ينسب إليه - خطأ- كتاب لمؤلف مجهول بعنوان «حول الأسلوب السامي» في الأدب. قام بأسفار كثيرة تعرَّف في أثنائها عدداً من كبار الفلاسفة آنذاك، وعلى رأسهم الفيلسوف الإسكندراني أمونيوس سَكَّاس Ammonios Sakkas، الذي اشتهر بوصفه أستاذ أفلوطين[ر]، وكذلك أوريغينِس Origines. علَّم لونغينوس الفلسفة والبلاغة وفقه اللغة في أثينا وكان الفيلسوف الأفلاطوني الحديث بورفوريوس [ر. فورفوريوس] Porphyrios من تلامذته.
لبى لونغينوس دعوة زنوبيا ملكة تدمر ليقوم بتثقيف ابنها وهب اللات، فتوجه إلى بلاطها عام 267م تاركاً عمله الأثير على قلبه في الأكاديمية، ولعله أراد بذلك السير على نهج المعلم الكبير أفلاطون - الذي استجاب لدعوة حاكم سيراقوزة ديونيسيوس Dionysios على أمل أن يحقق أفكاره في الدولة المثالية على صعيد الواقع - وقد تلقت زنوبيا عنه دروساً في الفلسفة والآداب الإغريقية، وسرعان ما صار مستشارها السياسي ودعم خططها وسعيها إلى التحرر من حكم الرومان وتكوين امبراطورية تدمرية بزعامتها، ولكنها وجدت في الامبراطور أوريليان [ر] ندّاً قوياً تمكّن أخيراً من الانتصار على تدمر وملكتها عام 273م، وما كان منه إلا أن أمر بإعدام لونغينوس بمنتهى القسوة متهماً إياه بالخيانة، لأنه كان - كما جاء في سيرة أوريليان - صاحب تلك الرسالة التي وصلته من تدمر، المفعمة بالفخر والاعتزاز وترفض دعوته إلى الطاعة والخضوع.
كان لونغينوس فيلسوفاً محافظاً متعلقاً بالتراث ولذلك لقب بـ«محب القديم» Philarchaios، كما ورد في سيرة أفلوطين. إلا أن أفلوطين لم يوافق على استنتاجاته من تعاليم أستاذهما أمونيوس، فقد كان يرى مع التقليديين أن الأفكار موجودات بذاتها وليست وليدة العقل. تبادل مع تلامذة أفلوطين رسائل دافعوا فيها عن آراء أستاذهم كونها - على الرغم من جدتها- تدور في فلك الفلسفة الأفلاطونية، في حين اتهم لونغينوس أفلوطين بأنه يكرر أفكار نومينيوس Numenios الفيلسوف الأفلاطوني ومدرسته في الحياة الفلسفية لذلك العصر.
أما أبحاث لونغينوس عن أفلاطون فتدور في المقام الأول حول اللغة والأسلوب، وأهمها شروحه على حواري تيمايوس وفايدون، وكان ذلك مدعاة للتعريض به من قبل أفلوطين بأن الفلسفة قد انحدرت إلى علم اللغة. إذ كان يتبوأ مكانة مرموقة في محاضراته اللغوية عن هوميروس [ر]، التي أظهر فيها معرفته العميقة بلغة الشاعر الملحمي الكبير.
يذكر سويداس Suidas في قاموسه قسماً من مؤلفات لونغينوس بالاسم، وهي مع الأسف مفقودة اليوم.ولكن أهم مؤلفاته تلك المسماة «المسامرات اللغوية» في 21 كتاباً جعلت القدماء يلقبونه بالفقيه اللغوي Philologos. وقد وصل قسم من تعليقاته على كتاب النحويِّ الإسكندراني هيفايستيون Hephaistion عن بحور الشعر وعلم العروض. كما بقيت أجزاء من كتابه «فن الخطابة» الذي يعدّ شاهداً ثميناً على استمرار الصلة الوثيقة بين الفلسفة والخطابة.
أما المؤلَّف الشهير عن «الأسلوب السامي» (Peri Hypsous) On the Sublimeالمشكوك في نسبته إليه؛ فيمثّل رداً على بحث يحمل العنوان نفسه للعالم اللغوي كايكيليوس Caicilius الصقلي، ويدل على تبحر مؤلفه وسلامة أحكامه، كما يعقد مقارنة قيمة بين زعيمي البلاغة والخطابة عند الإغريق والرومان: ديموستين[ر] وشيشرون[ر] ويستشهد بكثير من الأمثلة من الأدب الإغريقي الكلاسيكي للدلالة على الأسلوب السامي، ولكي يثبت أن الذي يبدع الأفكار العبقرية ليس القواعد المدرسية، وإنما الفكر العظيم الذي يتسامى فوق الأمور اليومية. و يتناسب أسلوب الكتاب تماماً مع الموضوع المطروح، ويعدّ من أفضل إنجازات النقد الأدبي في العصور القديمة.
أما شخص المؤلف فمختلف فيه منذ القديم، لأنه يظهر في مدخل الكتاب نسبته إلى ديونيسيوس أو لونغينوس. ثمة بعض الأمور الواردة في الكتاب - مثل النقد اللغوي والاستشهادات الفلسفية - قد ترجح نسبته إلى لونغينوس، الذي لقب أيضاً بالناقد kritikos، ولكن الأدلة التي تشكك بهذه النسبة لايستهان بها، فلغة البحث وطبيعته تختلف عن تلك المعروفة في مؤلفات لونغينوس، كما أن الكتاب لم يأت على ذكر أهم خطباء عصر الأنطونيين، وإنما يكتفي بذكر خطباء من عهد تِبريوس Tiberius. وهكذا فإن معظم الأبحاث الحديثة تميل إلى نسبة هذا الكتاب إلى مؤلف مجهول عاش في القرن الأول الميلادي يدعى لونغينوس الزائف Pseudo-Longinus، ولأهميته فقد صدر في عدة طبعات محققة. وأشهر ترجمة له هي للشاعر الفرنسي بوالو[ر] Boileau عام 1674 التي كان لها تأثير كبير في النقد الأدبي وعلم الجمال.
محمد الزين
لونغينوس
(نحو 213 ـ 273م)
هو كاسيوس لونغينوس Cassius Longinus أحد أشهر علماء البلاغة الإغريق في القرن الثالث الميلادي، ولد في إيمِسا Emesa (حمص) في سورية ودرس في الإسكندرية، وعمه الخطيب وعالم البلاغة فرونتو Fronto. برز لونغينوس أيضاً في مجال الفلسفة وترأس أكاديمية أفلاطون[ر] في أثينا بين عامي 250- 267م. وقد وصفه أونابيوس Eunapios في كتابه «سير السفسطائيين» بأنه «مكتبة حية ومتحف متنقل» لكثرة قراءاته وغزارة علمه. ينسب إليه - خطأ- كتاب لمؤلف مجهول بعنوان «حول الأسلوب السامي» في الأدب. قام بأسفار كثيرة تعرَّف في أثنائها عدداً من كبار الفلاسفة آنذاك، وعلى رأسهم الفيلسوف الإسكندراني أمونيوس سَكَّاس Ammonios Sakkas، الذي اشتهر بوصفه أستاذ أفلوطين[ر]، وكذلك أوريغينِس Origines. علَّم لونغينوس الفلسفة والبلاغة وفقه اللغة في أثينا وكان الفيلسوف الأفلاطوني الحديث بورفوريوس [ر. فورفوريوس] Porphyrios من تلامذته.
لبى لونغينوس دعوة زنوبيا ملكة تدمر ليقوم بتثقيف ابنها وهب اللات، فتوجه إلى بلاطها عام 267م تاركاً عمله الأثير على قلبه في الأكاديمية، ولعله أراد بذلك السير على نهج المعلم الكبير أفلاطون - الذي استجاب لدعوة حاكم سيراقوزة ديونيسيوس Dionysios على أمل أن يحقق أفكاره في الدولة المثالية على صعيد الواقع - وقد تلقت زنوبيا عنه دروساً في الفلسفة والآداب الإغريقية، وسرعان ما صار مستشارها السياسي ودعم خططها وسعيها إلى التحرر من حكم الرومان وتكوين امبراطورية تدمرية بزعامتها، ولكنها وجدت في الامبراطور أوريليان [ر] ندّاً قوياً تمكّن أخيراً من الانتصار على تدمر وملكتها عام 273م، وما كان منه إلا أن أمر بإعدام لونغينوس بمنتهى القسوة متهماً إياه بالخيانة، لأنه كان - كما جاء في سيرة أوريليان - صاحب تلك الرسالة التي وصلته من تدمر، المفعمة بالفخر والاعتزاز وترفض دعوته إلى الطاعة والخضوع.
كان لونغينوس فيلسوفاً محافظاً متعلقاً بالتراث ولذلك لقب بـ«محب القديم» Philarchaios، كما ورد في سيرة أفلوطين. إلا أن أفلوطين لم يوافق على استنتاجاته من تعاليم أستاذهما أمونيوس، فقد كان يرى مع التقليديين أن الأفكار موجودات بذاتها وليست وليدة العقل. تبادل مع تلامذة أفلوطين رسائل دافعوا فيها عن آراء أستاذهم كونها - على الرغم من جدتها- تدور في فلك الفلسفة الأفلاطونية، في حين اتهم لونغينوس أفلوطين بأنه يكرر أفكار نومينيوس Numenios الفيلسوف الأفلاطوني ومدرسته في الحياة الفلسفية لذلك العصر.
أما أبحاث لونغينوس عن أفلاطون فتدور في المقام الأول حول اللغة والأسلوب، وأهمها شروحه على حواري تيمايوس وفايدون، وكان ذلك مدعاة للتعريض به من قبل أفلوطين بأن الفلسفة قد انحدرت إلى علم اللغة. إذ كان يتبوأ مكانة مرموقة في محاضراته اللغوية عن هوميروس [ر]، التي أظهر فيها معرفته العميقة بلغة الشاعر الملحمي الكبير.
يذكر سويداس Suidas في قاموسه قسماً من مؤلفات لونغينوس بالاسم، وهي مع الأسف مفقودة اليوم.ولكن أهم مؤلفاته تلك المسماة «المسامرات اللغوية» في 21 كتاباً جعلت القدماء يلقبونه بالفقيه اللغوي Philologos. وقد وصل قسم من تعليقاته على كتاب النحويِّ الإسكندراني هيفايستيون Hephaistion عن بحور الشعر وعلم العروض. كما بقيت أجزاء من كتابه «فن الخطابة» الذي يعدّ شاهداً ثميناً على استمرار الصلة الوثيقة بين الفلسفة والخطابة.
أما المؤلَّف الشهير عن «الأسلوب السامي» (Peri Hypsous) On the Sublimeالمشكوك في نسبته إليه؛ فيمثّل رداً على بحث يحمل العنوان نفسه للعالم اللغوي كايكيليوس Caicilius الصقلي، ويدل على تبحر مؤلفه وسلامة أحكامه، كما يعقد مقارنة قيمة بين زعيمي البلاغة والخطابة عند الإغريق والرومان: ديموستين[ر] وشيشرون[ر] ويستشهد بكثير من الأمثلة من الأدب الإغريقي الكلاسيكي للدلالة على الأسلوب السامي، ولكي يثبت أن الذي يبدع الأفكار العبقرية ليس القواعد المدرسية، وإنما الفكر العظيم الذي يتسامى فوق الأمور اليومية. و يتناسب أسلوب الكتاب تماماً مع الموضوع المطروح، ويعدّ من أفضل إنجازات النقد الأدبي في العصور القديمة.
أما شخص المؤلف فمختلف فيه منذ القديم، لأنه يظهر في مدخل الكتاب نسبته إلى ديونيسيوس أو لونغينوس. ثمة بعض الأمور الواردة في الكتاب - مثل النقد اللغوي والاستشهادات الفلسفية - قد ترجح نسبته إلى لونغينوس، الذي لقب أيضاً بالناقد kritikos، ولكن الأدلة التي تشكك بهذه النسبة لايستهان بها، فلغة البحث وطبيعته تختلف عن تلك المعروفة في مؤلفات لونغينوس، كما أن الكتاب لم يأت على ذكر أهم خطباء عصر الأنطونيين، وإنما يكتفي بذكر خطباء من عهد تِبريوس Tiberius. وهكذا فإن معظم الأبحاث الحديثة تميل إلى نسبة هذا الكتاب إلى مؤلف مجهول عاش في القرن الأول الميلادي يدعى لونغينوس الزائف Pseudo-Longinus، ولأهميته فقد صدر في عدة طبعات محققة. وأشهر ترجمة له هي للشاعر الفرنسي بوالو[ر] Boileau عام 1674 التي كان لها تأثير كبير في النقد الأدبي وعلم الجمال.
محمد الزين