لمبليات (داء) Lambliasis - Lambliase
اللمبليات (داء ـ)
ينجم داء اللمبليات lambliasis ـ الذي يدعى أيضاً داء الجيارديات giardiasis ـ عن تطفل كائن حي وحيد الخلية من شعيبة السوائط subphylum mastigophora، شاهده أول مرة أنتون فان لوفينهوك Anton Van Leeuwenhoek عام 1681عند فحصه برازه المصاب بالإسهال بمجهره البدئي، وذكر بأنها حويناتanimalcules دقيقة سريعة الحركة ذات جسم متطاول يزيد طولها قليلاً على عرضها. وبقي الكائن مجهولاً حتى عام 1859 عندما شاهده فالم ديوسن لمبل D.Lambl ـ وهو طبيب تشيكي عاش بين عامي 1824ـ 1895ـ في أثناء فحصه براز أحد المرضى. ثم شاهد كانستلر Kunstler عام 1882 كائناً من السوائط المتناظرة في أمعاء شرغوف في فرنسا مشابهاً لما شاهده لامبل فأطلق عليه اسم جياردية giardia، ثم اقترح بلانشار Blanchard عام 1888 أن يطلق على الجنس لمبلية lamblia نسبة إلى لمبل على أن يضاف اسم النوع. ثم أقر ستيل Stiles عام 1915 كلمة جياردية اسم جنس واقترح للنوع المشاهد في الإنسان كلمة لمبلية ليصبح الاسم الكامل للنوع المشاهد في البشر الجياردية اللمبلية.
شكل الطفيلي
جنس الجياردية من الأوالي المعوية الواسعة التوزع يشاهد في الأسماك والحيوانات البرمائية amphibian والزواحف والطيور والثدييات والإنسان. وقد افترض في البدء أن الذراري الموجودة في الكائنات الحيوانية المختلفة ذات ثوية نوعية (مضيف نوعي)host specific مما جعل الباحثين يذكرون نحو أربعين نوعاً لها، ولكن تبين أن لجميعها بنية واحدة وشكلاً واحداً سواء في طورها الناشط الأتروفي أم في طورها الكيسي.
شكل الأتروفة
فتبدو الأتروفة trophozoite حين فحصها حية في قطرة معلقة كفلقة كمثرى قطعت طولاً ونزع منها بزرها، ولها نهاية أمامية مدورة وخلفية دقيقة ووجه ظهري محدب، يزداد تحدبه مع نمو الأتروفة، ووجه بطني مستوٍ يضم في قسمه الأمامي انخفاضاً محجمياً كبيراً، وتكون حافات القرص المحجمي مرتفعة لاحتوائها خيوطاً محورية، وتتوضع بالقرب من مركز القرص على جانبي المحور الطولي المتوسط للجسم وبالقرب من الوجه البطني نواتان بيضاويتان يشاهد في كل منهما ـ إذا كانت الجياردية في فترة عدم التكاثر ـ كتلة لونية مركزية هي الجسيم النووي karyosome، كما توجد بين النواتين وعلى نحو متناظر لمحور الجسم أربعة أزواج من مناشئ السياط blepharoplasts ويمتد إلى خارج جسمها أربعة أزواج من السياط. وتحيط بالأتروفة طبقة رقيقة شفافة تغلف الهيولى مشكلة غشاء يحفظها. وتبدو نهاية الأتروفة الخلفية ملتوية أحياناً على الوجه الظهري المحدب. تبلغ أبعاد الأتاريف 9ـ21 مكرومتر طولاً و1ـ 5 عرضاً و2ـ4 ثخانة.
ويمكن تمييز أنواع الجياردية بعضها من بعض بأبعادها. أما الأكياس وهي الأشكال المقاومة فتبدو بالفحص المجهري بشكل بيضوي أصغر قليلاً من الأتاريف إذ تقيس 8ـ14 طولاً و6ـ10 عرضاً ويغلفها جدار ناعم وصلب، ويضم الكيس المتشكل حديثاً في داخله كائناً ذا نواتين ثم بعد فترة تنقسم عناصره الداخلية فيصبح ذا أربع نوى.
دورة حياة الجياردية
تطرح أتاريف الجياردية وأكياسها مع براز المخموج فتتوقف الأتاريف عن الحركة وتموت بعد بضع ساعات. وتبقى الأكياس المقاومة حية في الماء البارد مدة تزيد على شهرين في حين يموت محتواها إذا تعرضت لدرجة حرارة 564 سلسيوس. وأثبت روت Root عام 1921 أن الأكياس تقاوم داخل أمعاء الذباب مدة 16 ساعة كما ذكر مارتن Y.D.Martin عام 1937 أنها تبقى حية داخل أمعاء الصراصير المنزلية مدة 12 يوماً. ويقاوم محتوى الأكياس تراكيز الكلور chlorine المستعملة عادة في أنظمة المياه.
كان الإنسان في السابق يُعد المستودع الوحيد للجياردية اللمبلية الخاصة بالإنسان إلا أنه ثبت مؤخراً انتشارها في القطط والكلاب الأهلية والثديات البرية مما يجعلها مستودعاً للخمج البشري.
وتنتقل الأكياس الحية من براز المصاب إما مباشرة بالأيدي الملوثة بها، وإما بطريقة غير مباشرة بوساطة الذباب الذي يحملها بأطرافه أو يطرحها مع مفرغاته ويضعها على الطعام في أثناء وقوفه عليه. ومن طرق الانتقال الرئيسة النقل المائي water-borne وأقل منه النقل الطعامي؛ لذلك تعد البحيرات غير المعالجة ومياه الأنهار وشبكات المياه الملوثة بمجاري الصرف الصحي أهم مصدر للخمج البشري.
تدخل أتاريف الجياردية وأكياسها عن طريق الفم، فتتلف الأتاريف في المعدة لعدم تمكنها من مقاومة حموضتها في حين تنتقل الأكياس المقاومة إلى الأمعاء حيث ينطلق منها الكائن وتنقسم هيولاه مباشرة لتعطي أتروفتين بنتين تبدأان بعد ذلك بالتكاثر لتستعمر القسم العلوي من الأمعاء الدقيقة فتسكن منطقتي الاثنا عشري والصائم وأحياناً الطرق الصفراوية فتسبح بحرية في لمعة الأمعاء، أو تتعلق بمساعدة قرصها المحجمي على الحافة الفرشاتية brush border للظهارة المعوية. أما الأتاريف غير الملتصقة والتي لا تسبح بفعالية عكس تيار المحتوى المعوي فيجرفها جريان السائل المعوي إلى الأمعاء الغليظة. وهناك إذا تناقص زمن العبور ضمن القولون النازل انكمشت السوائط ضمن غمد هيولي cytoplasmic sheath ثم أفرزت حولها جداراً كيسياً ناعماً وصلباً. وهكذا تطرح الأكياس مع البراز، وإذا كان العبور في القولون سريعاً ومترافقاً بإسهال طرحت الأتاريف مع البراز قبل تكيّسها، ولدى وصول الأكياس إلى خارج الثوي تبدأ بإعادة دورة حياتها.
إمراض داء اللمبليات
لم يتضح حتى اليوم ما يشاهد من تبدل كبير في مدة الإصابة بهذا الداء وشدتها وآلياتها الإمراضية. فيمكن للخمج أن يتحدد ذاتياًself-limited من دون معالجة أو أن يستمر عدة سنوات. ويمكن للأعراض أن تكون شديدة أو لا تترافق بأي عرض سريري. فالتظاهرات المرضية لهذا الطفيلي تنتج من مشاركة معقدة بين اللمبليات والجراثيم المعوية واستجابة الثوي. فهي تتعلق بسوء الامتصاص المعوي وخاصة المواد الدسمة والسكريات كما اتضح ترافق الإصابة بعوز الدي سكاريداز disaccharidase وعدم تحمل اللاكتوز وتبدل مستويات الببتيداز peptidase المعوية ونقص امتصاص الفيتامين ب12(B12) لكن الآلية الدقيقة المسؤولة عن هذه التبدلات ما زالت غير واضحة.
ومما يوحي بحدوث التظاهرات حصار blockade مخاطية الأمعاء آلياً وإعاقتها عن عملها بأعداد الجياردية الكبيرة وأذية غلاف الزغيبات بالأقراص المحجمية وإحداثها تشوهاً في خلاياها الظهارية وتثلماً في الزغيبات وجعلها قصيرة للتنافس بين الجيارديات والثوي على الأغذية وعدم تصريف deconjugation أملاح الصفراء نتيجة توضع الجيارديات في قناة الصفراء وغزو الطفيلي للمخاطية وتبدل الحركة المعوية.
كما يهيئ سوء الامتصاص الوخيم حدوث استعمار صائمي بالجراثيم والخمائر المعوية مما يوحي أيضاً أن هذه الكائنات قد تتشارك مع الجيارديات في إحداث الأعراض.
وتُظهر خزعة الصائم أحياناً تسطحاً في الزغابات villi وارتكاساً التهابياً خلوياً في الطبقة تحت المخاطية يضم تزايداً في عدد اللمفاويات وكثيرات النوى. وترتبط وخامة هذه التبدلات مع الأعراض السريرية.
يتعلق الاستعداد للإصابة بداء اللمبليات بعدة عوامل تضم فوعة الذرية وعدد الطفيليات المتناولة وعمر المصاب وتعرضه لإصابة سابقة، وفقد حموضة المعدة أو نقصها والشذوذات المناعية. ففي دراسة تجريبية على أشخاص متطوعين بإطعامهم مقادير مختلفة ومتزايدة من أكياس الجياردية بدءاً بعشر أكياس حدثت أصابتهم بالخمج بصورة متماثلة عندما أطعموا مئة كيس أو أكثر. كما لاحظ عدد من الباحثين تواتر ظهور داء اللمبليات عند المصابين بفقد حموضة المعدة أو نقصها، وشيوع عودة العدوى وتردد ظهور المرض لدى المصابين بأدواء مناعية وندرته عند المسنين الكبار مما يوحي بنمو مناعة واقية ـ وإن تكن غير كاملة ـ في الإنسان.
الوبائيات
داء اللمبليات منتشر في جميع أنحاء العالم لكن انتشاره أشد في المناطق الفقيرة التصحاح، وبين الأفراد غير القادرين على المحافظة على صحتهم بصورة كافية. فتبلغ نسبة الخمج به في البلاد النامية نحو 15ـ30% من السكان وترتفع هذه النسبة كثيراً في الأطفال بعمر 1ـ2 سنة، وتشاهد أكياس الجياردية في سورية ضمن 10% من البراز المرسل لتحري الطفيليات فيه، وهو يصيب جميع الأعمار وعلى نحو خاص الأطفال الصغار والشباب. كما أن الأطفال المصابين بعوز الغلوبولين المناعي هم أكثر ملاءمة للإصابة به. كما تنتشر الإصابة به بين القائمين على خدمة مراكز الرعاية day-care centers وبين أفراد الأسرة، كما تكثر الإصابات لدى الرحالة travelers عند سفرهم إلى المناطق الموبوءة. وإن الرضاعة الثديية من أمهات ممنعات تقي إصابة الأطفال لأن الأنسجة اللمفاوية المعوية المشحونة بأضداد الجياردية تهاجر في فترة الإرضاع إلى الثدي مما يجعل الأم المرضع معرضة لتكاثر الأتاريف في أمعائها الدقيقة التي أصبحت غير ممنعة.
التظاهرات السريرية
تبين بالفحوص المخبرية والدراسات السريرية أن ثلثي المخموجين بالجياردية اللمبلية في مناطق توطن الطفيلي لايظهرون أعراضاً، وتنقلب هذه النسبة عند حدوث فاشية حادة.
وتبدأ الأعراض بالظهور بعد 1ـ3 أسابيع من التعرض للإصابة. والعرض النمطي المهم في الإصابة الحادة هو: إسهال فجائي البدء انفجاري explosive كريه الرائحة دهني القوام يطفو على الماء وخالٍ من الدم والمخاط، ومن الشائع ترافقه بمعص cramp في القسم البطني العلوي أو إيلام tenderness معمم خفيف الشدة، وتتشكل في الأمعاء كمية كبيرة من الغازات مسببة تمدداً بطنياً وزيادة في فعالية الأصوات المعوية وحدوث تجشؤات eructations كبريتية الرائحة وأرياح flatus كثيرة وقد تترافق بتشنجات بطنية وقياء وارتفاع خفيف بدرجة الحرارة.
وتنصرف الهجمة الحادة في خلال 1ـ4 أسابيع، ويمكن على الرغم من ذلك أن تستمر عند الأطفال أشهراً فتترافق عندئذ بسوء امتصاص ينجم عنه سوء التغذية ونقص الوزن وعوز السكريداز الثنائية والفيتامين ب12(B12) مع سوء امتصاص الزيلوز D (D-xylose).
ويتبع الطورَ الحاد غالباً عند كثير من البالغين طورٌ مزمن يستمر أسابيع أو أشهراً متصفاً بهجمات متقطعة لبراز طري وتطبل البطن flatulence وحرقة الفؤاد heartburn وفقد الوزن ونقص نمو الأطفال. وكثيراً ما يشكو المخموجون من أعراض الطور المزمن من دون إصابتهم سابقاً بالمتلازمة الحادة، وتختفي أخيراً الأعراض والطفيليات تلقائياً عند أغلب المخموجين مع بقاء عدم تحمل اللاكتوز على الرغم من الاستئصال التام للطفيليات فتختلط الحالة عندئذٍ مع خمج لا عرضي مستمر ويتعرض الشخص لمعالجة غير ضرورية.
تشخيص داء اللمبليات
تشخص الإصابة بالجياردية اللمبلية برؤية أكياسها في البراز أو أتاريفها في البراز المسهل وفي مفرزات الاثني عشري أو خزعة الصائم. ويمكن في الإصابة الحادة رؤية الطفيليات بفحص 1ـ3 نماذج من البراز إذا استعمل تركيز ملائم أو إجراءات تلوينية. أما في الحالة المزمنة فتطرح الطفيليات غالباً على نحو متقطع مما يجعل إثبات التشخيص أكثر صعوبة. لذا يستلزم كشف الطفيلي تكرار فحص البراز 4ـ5 مرات بفاصلة أسبوع بين الفحص والآخر أو يجري فحص مفرزات الاثني عشري لتحري الأتاريف فيها بعد الحصول عليها وتهيئة لطاخات منها ملونة بغيمزا أو بملون ثلاثي الألوان. ويوجد حالياً في الأسواق عدد من المقايسات المناعية immunoassay الإنزيمية المعول عليها والمتوافرة تجارياً لكشف المستضد الطفيلي مباشرة في البراز. أما الاختبارات المصلية (الأيج M المضاد للجياردية النوعية anti-Giardia specific IgM) فما زالت قيد الدراسة كما أن طريقة الزرع غير مطبقة حالياً في الأعمال التشخيصية المنوالية.
المعالجة والوقاية
هناك عدة أدوية لمعالجة داء اللمبليات منها: هيدروكلوريد الكيناكرين quinacrine hydrochloride، والمترونيدازول metronidazole ونسبة الشفاء بهما 70ـ 95%، والفورازوليدون furazolidone المتوافر بشكل معلق سائل لذا يستعمل من قبل أطباء الأطفال بالرغم من أن نسبة الشفاء به أقل من الدوائين السابقين، والتينادازول tinadazole، وألباندازول albendazole في الأخماج الحرونة refractory على الأدوية السابقة.
وبسبب قدرة داء اللمبليات على الانتشار من إنسان لآخر فمن الواجب فحص الملامسين للمرضى كأتراب الطفل في مدارس الحضانة وأفراد الأسرة ومعالجتهم عند الضرورة ولما كانت المعالجة الدوائية تخفق لدى 5 ـ20% من المرضى فلابد من تكرارها. ويجب أن يمسك عن إعطاء هذه الأدوية للحوامل لإمكانية حدوث إمساخ teratogenicity بها.
وللوقاية يجب الامتناع عن تناول المياه السطحية غير المعالجة حتى في المناطق البعيدة عن السكان لإمكانية تلوثها ببراز الحيوانات المصابة ولابد أن يتم تطهيرها بوساطة حبوب الهالوجين halogen. ويجب معالجة المصابين لإنقاص المستودع الإنساني وتحسين وسائل تنقية المياه ونظام الصرف الصحي.
برهان الدين الحفار
اللمبليات (داء ـ)
ينجم داء اللمبليات lambliasis ـ الذي يدعى أيضاً داء الجيارديات giardiasis ـ عن تطفل كائن حي وحيد الخلية من شعيبة السوائط subphylum mastigophora، شاهده أول مرة أنتون فان لوفينهوك Anton Van Leeuwenhoek عام 1681عند فحصه برازه المصاب بالإسهال بمجهره البدئي، وذكر بأنها حويناتanimalcules دقيقة سريعة الحركة ذات جسم متطاول يزيد طولها قليلاً على عرضها. وبقي الكائن مجهولاً حتى عام 1859 عندما شاهده فالم ديوسن لمبل D.Lambl ـ وهو طبيب تشيكي عاش بين عامي 1824ـ 1895ـ في أثناء فحصه براز أحد المرضى. ثم شاهد كانستلر Kunstler عام 1882 كائناً من السوائط المتناظرة في أمعاء شرغوف في فرنسا مشابهاً لما شاهده لامبل فأطلق عليه اسم جياردية giardia، ثم اقترح بلانشار Blanchard عام 1888 أن يطلق على الجنس لمبلية lamblia نسبة إلى لمبل على أن يضاف اسم النوع. ثم أقر ستيل Stiles عام 1915 كلمة جياردية اسم جنس واقترح للنوع المشاهد في الإنسان كلمة لمبلية ليصبح الاسم الكامل للنوع المشاهد في البشر الجياردية اللمبلية.
شكل الطفيلي
جنس الجياردية من الأوالي المعوية الواسعة التوزع يشاهد في الأسماك والحيوانات البرمائية amphibian والزواحف والطيور والثدييات والإنسان. وقد افترض في البدء أن الذراري الموجودة في الكائنات الحيوانية المختلفة ذات ثوية نوعية (مضيف نوعي)host specific مما جعل الباحثين يذكرون نحو أربعين نوعاً لها، ولكن تبين أن لجميعها بنية واحدة وشكلاً واحداً سواء في طورها الناشط الأتروفي أم في طورها الكيسي.
شكل الأتروفة
فتبدو الأتروفة trophozoite حين فحصها حية في قطرة معلقة كفلقة كمثرى قطعت طولاً ونزع منها بزرها، ولها نهاية أمامية مدورة وخلفية دقيقة ووجه ظهري محدب، يزداد تحدبه مع نمو الأتروفة، ووجه بطني مستوٍ يضم في قسمه الأمامي انخفاضاً محجمياً كبيراً، وتكون حافات القرص المحجمي مرتفعة لاحتوائها خيوطاً محورية، وتتوضع بالقرب من مركز القرص على جانبي المحور الطولي المتوسط للجسم وبالقرب من الوجه البطني نواتان بيضاويتان يشاهد في كل منهما ـ إذا كانت الجياردية في فترة عدم التكاثر ـ كتلة لونية مركزية هي الجسيم النووي karyosome، كما توجد بين النواتين وعلى نحو متناظر لمحور الجسم أربعة أزواج من مناشئ السياط blepharoplasts ويمتد إلى خارج جسمها أربعة أزواج من السياط. وتحيط بالأتروفة طبقة رقيقة شفافة تغلف الهيولى مشكلة غشاء يحفظها. وتبدو نهاية الأتروفة الخلفية ملتوية أحياناً على الوجه الظهري المحدب. تبلغ أبعاد الأتاريف 9ـ21 مكرومتر طولاً و1ـ 5 عرضاً و2ـ4 ثخانة.
ويمكن تمييز أنواع الجياردية بعضها من بعض بأبعادها. أما الأكياس وهي الأشكال المقاومة فتبدو بالفحص المجهري بشكل بيضوي أصغر قليلاً من الأتاريف إذ تقيس 8ـ14 طولاً و6ـ10 عرضاً ويغلفها جدار ناعم وصلب، ويضم الكيس المتشكل حديثاً في داخله كائناً ذا نواتين ثم بعد فترة تنقسم عناصره الداخلية فيصبح ذا أربع نوى.
دورة حياة الجياردية
تطرح أتاريف الجياردية وأكياسها مع براز المخموج فتتوقف الأتاريف عن الحركة وتموت بعد بضع ساعات. وتبقى الأكياس المقاومة حية في الماء البارد مدة تزيد على شهرين في حين يموت محتواها إذا تعرضت لدرجة حرارة 564 سلسيوس. وأثبت روت Root عام 1921 أن الأكياس تقاوم داخل أمعاء الذباب مدة 16 ساعة كما ذكر مارتن Y.D.Martin عام 1937 أنها تبقى حية داخل أمعاء الصراصير المنزلية مدة 12 يوماً. ويقاوم محتوى الأكياس تراكيز الكلور chlorine المستعملة عادة في أنظمة المياه.
كان الإنسان في السابق يُعد المستودع الوحيد للجياردية اللمبلية الخاصة بالإنسان إلا أنه ثبت مؤخراً انتشارها في القطط والكلاب الأهلية والثديات البرية مما يجعلها مستودعاً للخمج البشري.
وتنتقل الأكياس الحية من براز المصاب إما مباشرة بالأيدي الملوثة بها، وإما بطريقة غير مباشرة بوساطة الذباب الذي يحملها بأطرافه أو يطرحها مع مفرغاته ويضعها على الطعام في أثناء وقوفه عليه. ومن طرق الانتقال الرئيسة النقل المائي water-borne وأقل منه النقل الطعامي؛ لذلك تعد البحيرات غير المعالجة ومياه الأنهار وشبكات المياه الملوثة بمجاري الصرف الصحي أهم مصدر للخمج البشري.
تدخل أتاريف الجياردية وأكياسها عن طريق الفم، فتتلف الأتاريف في المعدة لعدم تمكنها من مقاومة حموضتها في حين تنتقل الأكياس المقاومة إلى الأمعاء حيث ينطلق منها الكائن وتنقسم هيولاه مباشرة لتعطي أتروفتين بنتين تبدأان بعد ذلك بالتكاثر لتستعمر القسم العلوي من الأمعاء الدقيقة فتسكن منطقتي الاثنا عشري والصائم وأحياناً الطرق الصفراوية فتسبح بحرية في لمعة الأمعاء، أو تتعلق بمساعدة قرصها المحجمي على الحافة الفرشاتية brush border للظهارة المعوية. أما الأتاريف غير الملتصقة والتي لا تسبح بفعالية عكس تيار المحتوى المعوي فيجرفها جريان السائل المعوي إلى الأمعاء الغليظة. وهناك إذا تناقص زمن العبور ضمن القولون النازل انكمشت السوائط ضمن غمد هيولي cytoplasmic sheath ثم أفرزت حولها جداراً كيسياً ناعماً وصلباً. وهكذا تطرح الأكياس مع البراز، وإذا كان العبور في القولون سريعاً ومترافقاً بإسهال طرحت الأتاريف مع البراز قبل تكيّسها، ولدى وصول الأكياس إلى خارج الثوي تبدأ بإعادة دورة حياتها.
إمراض داء اللمبليات
لم يتضح حتى اليوم ما يشاهد من تبدل كبير في مدة الإصابة بهذا الداء وشدتها وآلياتها الإمراضية. فيمكن للخمج أن يتحدد ذاتياًself-limited من دون معالجة أو أن يستمر عدة سنوات. ويمكن للأعراض أن تكون شديدة أو لا تترافق بأي عرض سريري. فالتظاهرات المرضية لهذا الطفيلي تنتج من مشاركة معقدة بين اللمبليات والجراثيم المعوية واستجابة الثوي. فهي تتعلق بسوء الامتصاص المعوي وخاصة المواد الدسمة والسكريات كما اتضح ترافق الإصابة بعوز الدي سكاريداز disaccharidase وعدم تحمل اللاكتوز وتبدل مستويات الببتيداز peptidase المعوية ونقص امتصاص الفيتامين ب12(B12) لكن الآلية الدقيقة المسؤولة عن هذه التبدلات ما زالت غير واضحة.
ومما يوحي بحدوث التظاهرات حصار blockade مخاطية الأمعاء آلياً وإعاقتها عن عملها بأعداد الجياردية الكبيرة وأذية غلاف الزغيبات بالأقراص المحجمية وإحداثها تشوهاً في خلاياها الظهارية وتثلماً في الزغيبات وجعلها قصيرة للتنافس بين الجيارديات والثوي على الأغذية وعدم تصريف deconjugation أملاح الصفراء نتيجة توضع الجيارديات في قناة الصفراء وغزو الطفيلي للمخاطية وتبدل الحركة المعوية.
كما يهيئ سوء الامتصاص الوخيم حدوث استعمار صائمي بالجراثيم والخمائر المعوية مما يوحي أيضاً أن هذه الكائنات قد تتشارك مع الجيارديات في إحداث الأعراض.
وتُظهر خزعة الصائم أحياناً تسطحاً في الزغابات villi وارتكاساً التهابياً خلوياً في الطبقة تحت المخاطية يضم تزايداً في عدد اللمفاويات وكثيرات النوى. وترتبط وخامة هذه التبدلات مع الأعراض السريرية.
يتعلق الاستعداد للإصابة بداء اللمبليات بعدة عوامل تضم فوعة الذرية وعدد الطفيليات المتناولة وعمر المصاب وتعرضه لإصابة سابقة، وفقد حموضة المعدة أو نقصها والشذوذات المناعية. ففي دراسة تجريبية على أشخاص متطوعين بإطعامهم مقادير مختلفة ومتزايدة من أكياس الجياردية بدءاً بعشر أكياس حدثت أصابتهم بالخمج بصورة متماثلة عندما أطعموا مئة كيس أو أكثر. كما لاحظ عدد من الباحثين تواتر ظهور داء اللمبليات عند المصابين بفقد حموضة المعدة أو نقصها، وشيوع عودة العدوى وتردد ظهور المرض لدى المصابين بأدواء مناعية وندرته عند المسنين الكبار مما يوحي بنمو مناعة واقية ـ وإن تكن غير كاملة ـ في الإنسان.
الوبائيات
داء اللمبليات منتشر في جميع أنحاء العالم لكن انتشاره أشد في المناطق الفقيرة التصحاح، وبين الأفراد غير القادرين على المحافظة على صحتهم بصورة كافية. فتبلغ نسبة الخمج به في البلاد النامية نحو 15ـ30% من السكان وترتفع هذه النسبة كثيراً في الأطفال بعمر 1ـ2 سنة، وتشاهد أكياس الجياردية في سورية ضمن 10% من البراز المرسل لتحري الطفيليات فيه، وهو يصيب جميع الأعمار وعلى نحو خاص الأطفال الصغار والشباب. كما أن الأطفال المصابين بعوز الغلوبولين المناعي هم أكثر ملاءمة للإصابة به. كما تنتشر الإصابة به بين القائمين على خدمة مراكز الرعاية day-care centers وبين أفراد الأسرة، كما تكثر الإصابات لدى الرحالة travelers عند سفرهم إلى المناطق الموبوءة. وإن الرضاعة الثديية من أمهات ممنعات تقي إصابة الأطفال لأن الأنسجة اللمفاوية المعوية المشحونة بأضداد الجياردية تهاجر في فترة الإرضاع إلى الثدي مما يجعل الأم المرضع معرضة لتكاثر الأتاريف في أمعائها الدقيقة التي أصبحت غير ممنعة.
التظاهرات السريرية
تبين بالفحوص المخبرية والدراسات السريرية أن ثلثي المخموجين بالجياردية اللمبلية في مناطق توطن الطفيلي لايظهرون أعراضاً، وتنقلب هذه النسبة عند حدوث فاشية حادة.
وتبدأ الأعراض بالظهور بعد 1ـ3 أسابيع من التعرض للإصابة. والعرض النمطي المهم في الإصابة الحادة هو: إسهال فجائي البدء انفجاري explosive كريه الرائحة دهني القوام يطفو على الماء وخالٍ من الدم والمخاط، ومن الشائع ترافقه بمعص cramp في القسم البطني العلوي أو إيلام tenderness معمم خفيف الشدة، وتتشكل في الأمعاء كمية كبيرة من الغازات مسببة تمدداً بطنياً وزيادة في فعالية الأصوات المعوية وحدوث تجشؤات eructations كبريتية الرائحة وأرياح flatus كثيرة وقد تترافق بتشنجات بطنية وقياء وارتفاع خفيف بدرجة الحرارة.
وتنصرف الهجمة الحادة في خلال 1ـ4 أسابيع، ويمكن على الرغم من ذلك أن تستمر عند الأطفال أشهراً فتترافق عندئذ بسوء امتصاص ينجم عنه سوء التغذية ونقص الوزن وعوز السكريداز الثنائية والفيتامين ب12(B12) مع سوء امتصاص الزيلوز D (D-xylose).
ويتبع الطورَ الحاد غالباً عند كثير من البالغين طورٌ مزمن يستمر أسابيع أو أشهراً متصفاً بهجمات متقطعة لبراز طري وتطبل البطن flatulence وحرقة الفؤاد heartburn وفقد الوزن ونقص نمو الأطفال. وكثيراً ما يشكو المخموجون من أعراض الطور المزمن من دون إصابتهم سابقاً بالمتلازمة الحادة، وتختفي أخيراً الأعراض والطفيليات تلقائياً عند أغلب المخموجين مع بقاء عدم تحمل اللاكتوز على الرغم من الاستئصال التام للطفيليات فتختلط الحالة عندئذٍ مع خمج لا عرضي مستمر ويتعرض الشخص لمعالجة غير ضرورية.
تشخيص داء اللمبليات
تشخص الإصابة بالجياردية اللمبلية برؤية أكياسها في البراز أو أتاريفها في البراز المسهل وفي مفرزات الاثني عشري أو خزعة الصائم. ويمكن في الإصابة الحادة رؤية الطفيليات بفحص 1ـ3 نماذج من البراز إذا استعمل تركيز ملائم أو إجراءات تلوينية. أما في الحالة المزمنة فتطرح الطفيليات غالباً على نحو متقطع مما يجعل إثبات التشخيص أكثر صعوبة. لذا يستلزم كشف الطفيلي تكرار فحص البراز 4ـ5 مرات بفاصلة أسبوع بين الفحص والآخر أو يجري فحص مفرزات الاثني عشري لتحري الأتاريف فيها بعد الحصول عليها وتهيئة لطاخات منها ملونة بغيمزا أو بملون ثلاثي الألوان. ويوجد حالياً في الأسواق عدد من المقايسات المناعية immunoassay الإنزيمية المعول عليها والمتوافرة تجارياً لكشف المستضد الطفيلي مباشرة في البراز. أما الاختبارات المصلية (الأيج M المضاد للجياردية النوعية anti-Giardia specific IgM) فما زالت قيد الدراسة كما أن طريقة الزرع غير مطبقة حالياً في الأعمال التشخيصية المنوالية.
المعالجة والوقاية
هناك عدة أدوية لمعالجة داء اللمبليات منها: هيدروكلوريد الكيناكرين quinacrine hydrochloride، والمترونيدازول metronidazole ونسبة الشفاء بهما 70ـ 95%، والفورازوليدون furazolidone المتوافر بشكل معلق سائل لذا يستعمل من قبل أطباء الأطفال بالرغم من أن نسبة الشفاء به أقل من الدوائين السابقين، والتينادازول tinadazole، وألباندازول albendazole في الأخماج الحرونة refractory على الأدوية السابقة.
وبسبب قدرة داء اللمبليات على الانتشار من إنسان لآخر فمن الواجب فحص الملامسين للمرضى كأتراب الطفل في مدارس الحضانة وأفراد الأسرة ومعالجتهم عند الضرورة ولما كانت المعالجة الدوائية تخفق لدى 5 ـ20% من المرضى فلابد من تكرارها. ويجب أن يمسك عن إعطاء هذه الأدوية للحوامل لإمكانية حدوث إمساخ teratogenicity بها.
وللوقاية يجب الامتناع عن تناول المياه السطحية غير المعالجة حتى في المناطق البعيدة عن السكان لإمكانية تلوثها ببراز الحيوانات المصابة ولابد أن يتم تطهيرها بوساطة حبوب الهالوجين halogen. ويجب معالجة المصابين لإنقاص المستودع الإنساني وتحسين وسائل تنقية المياه ونظام الصرف الصحي.
برهان الدين الحفار