اخطل صغير
Al-Akhtal Al-Saghir - Al-Akhtal Al-Saghir
الأخطل الصغير
(1302-1388هـ/1885-1968م)
بشارة الخوري (الأخطل الصغير)
من أشهر شعراء لبنان في العصر الحديث. ولد في بيروت، وأصل أسرته من قرية أهمج (قضاء جبيل)، وكان بشارة أصغر أخوته السبعة. والده عبد الله كان يمارس الطب على الطريقة العربية، وأمه حلا نعيم تنتمي إلى أسرة بيروتية عريقة.
تلقى بشارة علومه بادئ الأمر في المدرسة الإكليركية الأرثوذكسية ثم انتقل بعد أربع سنوات إلى مدرسة الحكمة فدرس فيها ثلاث سنوات، وفيها بدأت موهبته تتفتح فكان من المتفوقين. وتعرّف في هذه الحقبة جبران خليل جبران، ثم انتقل إلى مدرسة المزار في غزير فمدرسة الأخوة (الفرير) في بيروت. فأتقن اللغة الفرنسية إضافة إلى لغته العربية، وبعدئذ توقف عن الدراسة.
آنس بشارة في نفسه ميلاً إلى الصحافة، فأخذ يتردد على جريدة «المصباح» الأسبوعية، ومنذ عام 1906 أخذ ينشر فيها باكورة أشعاره.
في سنة 1908م أعلن الدستور العثماني الذي توسّم الناس فيه الخير، فأصدر الشاعر جريدة سمّاها «البرق». وتحولت إدارة الجريدة إلى منتدى يضم كبار الأدباء والشعراء ورجال الفكر، وانطلقت الجريدة تناصر حركات التحرر وقضايا الشعوب. ولما طغى الاستبداد التركي في بلاد الشام في عهد جمال السفاح انبرى الشاعر يناهض في جريدته الحكام المستبدّين ويندد بسياستهم الجائرة وظلمهم وإدارتهم السيئة. فعرّض نفسه بذلك لسخط الحكام ومضايقتهم حتى لقد تعرض سنة 1910 إلى محاولة لاغتياله.
ولما نشبت الحرب العالمية الأولى سنة 1914 عمدت الدولة التركية إلى كمّ الأفواه وفرضت الرقابة على الصحف، فاضطر بشارة أواخر عام 1914 إلى إغلاق جريدته ولكنه تابع نشاطه السياسي خفية، حتى إن اسمه ورد في لائحة المغضوب عليهم من قبل الحكومة التركية، فاضطّر إلى التواري في منزل صديقه خليل فاضل حيث تعرّف ابنته أديل التي أصبحت زوجته فيما بعد.
وفي عام 1916 حينما أشاع الحلفاء أنهم سيعملون لنيل الأمة العربية استقلالها واستعادة مكانتها تحركت عواطف الشاعر الوطنية. ولكن خوفه من بطش الحكام الأتراك حمله على اتخاذ لقب «الأخطل الصغير»، وأخذ ينشر مقالاته بهذا التوقيع. ويحدّثنا الشاعر عن سبب اتخاذه هذا اللقب فيقول: «كانت الحرب العالمية الأولى، ثم كان عهد «جمال» في سورية ولبنان، وهو عهد النفي والمشنقة، بل عهد الإرهاب بجميع أسبابه وأنواعه. وانطوت الأعوام بعد الشهور على حالات شتى من البؤس، ومفاجآت مفعمة بالمخاوف، حتى كان تموز من عام 1916، فإذا أنا مطمئن قليلاً إلى نفسي، آنس كثيراً بكتبي بعد طويل وحشة وأليم غربة، ولقد كنت وسائر الناس خلال ذلك نتنسّم الأخبار من البادية حيناً ومن البحر حيناً آخر ولا ندري أيدركنا السلم وفينا رمق من الحياة.
وكانت الفكرة السائدة أن الحلفاء سيبعثون الإمبراطورية العربية، وكانت الحاجة الماسّة إلى إثارة الخواطر في البلاد تعجيلاً ليوم الخلاص، وهو كل أمنية البلاد العربية في ذلك العهد.
ولم يكن ليجرؤ واحدنا ولو في الحلم أن يرسل كلمة في سبيل النهضة، ولو همساً، فكيف به إذا هو شاء أن يرسل في ذلك السبيل قصيدة يترجّع صداها.
وكان يعجبني من الأخطل خفّة روحه وإبداعه في اصطياد المعاني يقودها ذليلة إلى فصيح مبانيه. وفوق ذلك فقد كان الشاعر المسيحي الفذّ تتفتح له أبواب الخلائف، يملؤها لذة وطرباً وإِدلالاً، بل يملؤها ذلك الشرف الذي لا يبلى، والمجد الذي لا يفنى.
فرأيت وأنا أدعو للدولة العربية، وموقفي منها موقف الأخطل من دولة بني مروان، أن أدلّ على حقيقة الشاعر المتنكّر، فلم أر «كالأخطل الصغير» أوقّع به ما كانت تقطره القريحة المتألّمة من شعر لم يبق لي منه إلا كبقية الوشم في ظاهرة اليد».
ولّما وضعت الحرب أوزارها عام 1918 عاود الشاعر إصدار جريدته ولكنه جعلها أسبوعية. وفي هذه المرحلة يحسّ بالاطمئنان والاستقرار النفسي فيتزوج سنة 1920 من أديل فاضل.
وإبّان الانتداب الفرنسي أخذ الشاعر ينظم قصائد يبث فيها عواطفه الوطنية، وعلى أنه اضطّر إلى مهادنة المستعمر الفرنسي.
وفي تموز عام 1925 رشّح نفسه للانتخابات النيابية ولكنه خسر المعركة. وفي العام نفسه انتخب نقيباً للصحفيين اللبنانيين.
وفي عام 1930 عُيّن رئيساً لبلدية برج حمّود، ثم تعرّضت جريدته للإغلاق سنة 1932. وفي العام نفسه انتخب عضواً مراسلاً في المجمع العلمي العربي بدمشق. وفي عام 1946 عُين مستشاراً فنياً للغة العربية في وزارة التربية الوطنية ببيروت.
وفي عام 1953 صدر ديوانه «الهوى والشباب». وفي سنة 1961 أقام أصدقاؤه والمعجبون به حفلاً تكريمياً له في قصر الأونيسكو ببيروت ونودي بلقب «أمير الشعراء». توفي بشارة في بيروت في منزله بالدورة.
الشاعر
صدر للشاعر في حياته ديوانان، أولهما «الوتر الجريح» وقد ضم أشعاره الأولى، والثاني «الهوى والشباب» وقد صدر عام 1953 وقدّم له الأستاذ عادل الغضبان بمقدمة أنيقة العبارة تحدّث فيها عن فنون الشاعر وطريقته الشعرية وجوانب إبداعه.
وفي ديوانه هذا يتجلّى إبداع الشاعر، وتجديده في المعاني والأسلوب، وقد حمل في شعره لواء القومية والشعور الوطني الأصيل إِلى جانب لواء الغزل الرقيق الذي تنبعث منه أصداء العاطفة الصادقة والافتتان بالحسان، فغنّى للجمال كأحسن ما يغنّي العاشقون وأجاد التغزل بالمرأة ووصف مفاتنها حتى عدّ إمام شعراء الغزل في عصره، وغنّى المغنون كثيراً منها، وقد حمل في غزله تبعات الهوى على كتفيه وصوّر أشجان المحبين وخفقات قلوبهم. وكان فؤاده يخفق لكل حسناء يلقاها، وهو القائل:
كفاني يا قلبُ ما أحملُ | |
أفي كلّ يوم هوىً أوّلُ | |
أيخلق منك جديدُ الهوى | |
فؤاداً من السُّكر لا يغفلُ | |
أفي كلّ وجهٍ لنا مرتَع | |
وفي كلّ ثَغرٍ لنا محفلُ |