لوكاتش (غيورغي) Lukacs (Gyorgy-) - Lukacs (Gyorgy-)
لوكاتش (غيورغي ـ)
(1885ـ 1971)
غيورغي لوكاتشGyörgy Lukács ، كاتب وفيلسوف وناقد أدبي مجري، ولد في بودابست وتوفي فيها. وهو سليل عائلة برجوازية يهودية ثرية ألمانية الأصل باسم لوفينغر Löwinger. بدأ فيلسوفاً مثالياً وانتهى فيلسوفاً ماركسياً مجدداً وناقداً. انتسب إلى الحزب الشيوعي المجري عام 1918، وتولى فيه أمانة الشؤون الثقافية لجمهورية المجالس المجرية الفتية. عاش في فيينا ردحاً من عمره بعد انهيار الجمهورية إلى أن عاد ليقيم في بودابست، وشارك منذ عام 1945 في تأسيس ثقافة مجرية جديدة. كتب في علم الجمال والأنطولوجيا [ر]، وتاريخ الفلسفة، ونقد الفلسفة، ونظرية الأدب والنقد الأدبي. تطورت منظومة أفكاره منذ صدور مؤلفه البكر: «النفس والأشكال» Die Seele und die Formen (1910)، واكتملت واستقرت في «تحطيم العقل» Die Zerstörung der Vernunft (1952). كانت آلية تفكير لوكاتش تنطلق من حالةٍ ملموسة، لكن معظم أعماله تدور حول مركز مشترك يكوّن نواة فلسفته التي لم تصبح موضوع بحثٍ إلا عندما تقدم في السن. انبثق كتابه الأول «النفس والأشكال» من روح فلسفة الحياة Lebensphilosophie، ويوم صدر كتابه «التاريخ والوعي الطبقي» Geschichte und Klassenbewusstsein في عام 1923 كان وثيقة لفلسفة التاريخ الماركسي. جابه لوكاتش الوضعية المستحدثة Modern Positivism بعنفٍ وشدة، ويلاحظ في تفكيره تجريبية أساسية تظهر واضحةً في غمار الدراسة النظرية، ولاسيما في مؤلفيه «علم الجمال» Ästhetik (1972-1976) و«الأنطولوجيا» Onthologie (1972)، حيث تلتحم معطيات الحياة العامة مع الواقع لتقوم بدور مشخصٍ ومنهج حاسم. عارض لوكاتش مبادئ العقلانية والتنوير اللامعقولية والظلامية، وحَرَّض على بروز التناقض ليُرغم الآخر على توضيح موقفه.
يناقش لوكاتش في كتابه «علم الجمال» مكانة المبدأ الجمالي في إطار فعاليات الإنسان العقلية، ويرى أن هذه الفعاليات ليست كياناتٍ نفسية بل هي لغة مختلفة ينظم الإنسان بموجبها أفعال العالم الخارجي وردود أفعاله التي يتعرض لها دوماً للدفاع عن ذاته وكيانه الداخلي. ويؤكد لوكاتش أن الفن في معناه الأنطولوجي هو إعادة تكوين عملية يستوعب الإنسان في خضمها حياته الذاتية في إطار المجتمع والطبيعة، بما في ذلك من مشكلات ومبادئ، المحرضة منها والعائقة، ولذا فالفن عنده لا ينفصل أنطولوجياً عن نشوئه، كما يؤكد أن الفن ليس له منشأ واحد، وأن جوهره إيجاد التضاد بين ما يتحلى بقيمة وبين ما لا يتحلى بقيمة، وأن التساؤل عن المفيد وغير المفيد، عن الملائم وغير الملائم يُولّد مفهوم القيمة. ويشير لوكاتش إلى أن التقابل (أو التضاد) الماثل بين الواقعية [ر] Realismus والطبيعية [ر] Naturalismus هو أضخم تضاد ماثل في علم الجمال. ولا تتعلق الواقعية واللاواقعية في العمل الفني بالواقع الراهن الذي تحاول أن تعكسه، بل بالمنظور التاريخي، أي بالتطلعات المستقبلية التي يمكن أن تتجلى عبره.
تشكل الأنطولوجيا مفصلاً أساسياً في فكر لوكاتش. ويبدأ الفهم الأنطولوجي عنده من المشكلة النشوئية، التي تعني دراسة العلاقات في الصور الأولى لظهورها وتحديد الشروط التي جعلت تلك الصور أكثر نضجاً وتعقيداً. إن موضوع الأنطولوجيا عند لوكاتش ينحصر في دراسة ما هو موجود من حيث وجوده، وإيجاد المراحل المختلفة لهذا الوجود، والكشف عن الارتباطات الماثلة داخل ما هو موجود.
يُعد لوكاتش واحداً من أبرز منظري النقد الماركسي وممارسيه ومطوِّريه، ويتضح ذلك من الكيفية التي وظَّف فيها ما يعرف بالواقعية الاشتراكية في دراساته، خاصة ما كتبه حول الرواية في كتابه «دراسات في الواقعية الأوربية» Studien zum europäischen Realismus، حيث يشن هجوماً حاداً على عدد من المذاهب السائدة آنذاك، فهو يهاجم المذهب الطبيعي في القصة، خاصة في أعمال إميل زولا[ر]، لأنه يفصل الإنسان - وهو كائن عضوي بيولوجي - عن متغيرات التاريخ والحياة الاجتماعية والأخلاقية. وقد لاحظ لوكاتش هذا الفصل في نقده للتجريب الحداثي في تركّزه حول الذات واندفاعات الشعور، خصوصاً في أعمال بروست [ر] وجويس [ر]، ويقول إن في هذا الفصل تجزيئاً للإنسان وانعكاساً للرأسمالية التي تفصل داخل الإنسان عن خارجه، فتحدث تشويهاً يرفضه الواقعيون الكبار من أمثال بلزاك[ر] وتولستوي[ر].
يرى لوكاتش أن الواقعية تسعى إلى تناول شمولي للإنسان يأخذ في الحسبان الأبعاد الاجتماعية والأخلاقية من دون أن يتجاهل البعد الداخلي الذاتي، «فالنوع والمعيار الأساسي للأدب الواقعي هو النموذج وهو مركب من نوع معين يربط العام والخاص ربطاً عضوياً سواء على مستوى الشخصيات أو الأوضاع». ولا تبحث الواقعية عن المتوسط في الناس والموضوعات على نحوٍ تجزيئي، بل عن الحياة مكتملة في النموذج، فهو أساسي ومشترك وبالغ الاكتمال.
يرفض لوكاتش رفضاً تاماً استغراق الأديب في معاناته وتجربته الذاتية مهما كانت صادقة أو أصيلة، خشية ازدياد تفاقم التمزق في التناسق الفني، وقد رأى لوكاتش أن جويس ومن حذا حذوه من ممثلي الأدب الطليعي أفضوا إلى مجال ضيق يصعب على القارئ فهم ما يجري فيه.
يقول لوكاتش عن الرواية إنها «ملحمة البرجوازية في العصر الحديث»، وكان قوله محصلة لدراسة معمّقة تقصت علاقة الفن بالسياسة والتركيب الاجتماعي الاقتصادي الثقافي، أو الرأسمالي الكلي الذي تتخلق فيه تلك العلاقة بين الحدّين المهمين المذكورين: الإنتاج الإبداعي الكثيف والممارسة السياسية المترابطة بقوة مع الفلسفة الليبرالية وتفرعاتها، ومع المصالح البرجوازية التي دفعت لإنتاج تلك الفلسفة.
يعدّ كتاب «تحطيم العقل» ذروة مؤلفات لوكاتش، وقد صدر في جزأين كبيرين، كان الأول حول بدايات اللاعقلانية الحديثة من شِلنغ [ر] إلى نيتشه [ر]، والثاني حول اللاعقلانية الحديثة من دلتاي إلى توينبي [ر]. تتراكب موضوعات الكتاب ضمن خط السيرورة التاريخية من الردة الإقطاعية أو نصف الإقطاعية والرومنسية ضد الثورة الفرنسية إلى الفاشية، من النضال ضد الجدل المثالي وفكرة التقدم البرجوازية إلى النضال ضد الماركسية والثورة البروليتارية. وقد صدر الكتاب بالعربية في أربعة أجزاء ترجمها عن الفرنسية إلياس مرقص بعنوان «تاريخ اللاعقلانية الألمانية في السياق الاجتماعي - السياسي والأيديولوجي، الألماني والدولي».
من أهم مؤلفات لوكاتش الأخرى «نظرية الرواية» Theorie des Romans (1916)، و«غوته وعصره» Goethe und seine Zeit، و«وجودية أم ماركسية» Existentialisme ou marxisme (1949)، «هيغل الشاب، في العلاقة بين الديالكتيك والاقتصاد» Der junge Hegel. Über die Beziehungen von Dialektik und Ökonomie (1948)، «بلزاك والواقعية الفرنسية» Balzac und der französische Realismus (1952)، «الواقعية الروسية في الأدب العالمي» Der russische Realismus in der Weltlitertur (1953)، «فكر معاش، سيرة ذاتية في حوار. تحرير إسطفان إورسي» Gelebtes Denken. Eine Autobiographie in Dialog, István Eörsi (1980).
رضوان قضماني
لوكاتش (غيورغي ـ)
(1885ـ 1971)
غيورغي لوكاتشGyörgy Lukács ، كاتب وفيلسوف وناقد أدبي مجري، ولد في بودابست وتوفي فيها. وهو سليل عائلة برجوازية يهودية ثرية ألمانية الأصل باسم لوفينغر Löwinger. بدأ فيلسوفاً مثالياً وانتهى فيلسوفاً ماركسياً مجدداً وناقداً. انتسب إلى الحزب الشيوعي المجري عام 1918، وتولى فيه أمانة الشؤون الثقافية لجمهورية المجالس المجرية الفتية. عاش في فيينا ردحاً من عمره بعد انهيار الجمهورية إلى أن عاد ليقيم في بودابست، وشارك منذ عام 1945 في تأسيس ثقافة مجرية جديدة. كتب في علم الجمال والأنطولوجيا [ر]، وتاريخ الفلسفة، ونقد الفلسفة، ونظرية الأدب والنقد الأدبي. تطورت منظومة أفكاره منذ صدور مؤلفه البكر: «النفس والأشكال» Die Seele und die Formen (1910)، واكتملت واستقرت في «تحطيم العقل» Die Zerstörung der Vernunft (1952). كانت آلية تفكير لوكاتش تنطلق من حالةٍ ملموسة، لكن معظم أعماله تدور حول مركز مشترك يكوّن نواة فلسفته التي لم تصبح موضوع بحثٍ إلا عندما تقدم في السن. انبثق كتابه الأول «النفس والأشكال» من روح فلسفة الحياة Lebensphilosophie، ويوم صدر كتابه «التاريخ والوعي الطبقي» Geschichte und Klassenbewusstsein في عام 1923 كان وثيقة لفلسفة التاريخ الماركسي. جابه لوكاتش الوضعية المستحدثة Modern Positivism بعنفٍ وشدة، ويلاحظ في تفكيره تجريبية أساسية تظهر واضحةً في غمار الدراسة النظرية، ولاسيما في مؤلفيه «علم الجمال» Ästhetik (1972-1976) و«الأنطولوجيا» Onthologie (1972)، حيث تلتحم معطيات الحياة العامة مع الواقع لتقوم بدور مشخصٍ ومنهج حاسم. عارض لوكاتش مبادئ العقلانية والتنوير اللامعقولية والظلامية، وحَرَّض على بروز التناقض ليُرغم الآخر على توضيح موقفه.
يناقش لوكاتش في كتابه «علم الجمال» مكانة المبدأ الجمالي في إطار فعاليات الإنسان العقلية، ويرى أن هذه الفعاليات ليست كياناتٍ نفسية بل هي لغة مختلفة ينظم الإنسان بموجبها أفعال العالم الخارجي وردود أفعاله التي يتعرض لها دوماً للدفاع عن ذاته وكيانه الداخلي. ويؤكد لوكاتش أن الفن في معناه الأنطولوجي هو إعادة تكوين عملية يستوعب الإنسان في خضمها حياته الذاتية في إطار المجتمع والطبيعة، بما في ذلك من مشكلات ومبادئ، المحرضة منها والعائقة، ولذا فالفن عنده لا ينفصل أنطولوجياً عن نشوئه، كما يؤكد أن الفن ليس له منشأ واحد، وأن جوهره إيجاد التضاد بين ما يتحلى بقيمة وبين ما لا يتحلى بقيمة، وأن التساؤل عن المفيد وغير المفيد، عن الملائم وغير الملائم يُولّد مفهوم القيمة. ويشير لوكاتش إلى أن التقابل (أو التضاد) الماثل بين الواقعية [ر] Realismus والطبيعية [ر] Naturalismus هو أضخم تضاد ماثل في علم الجمال. ولا تتعلق الواقعية واللاواقعية في العمل الفني بالواقع الراهن الذي تحاول أن تعكسه، بل بالمنظور التاريخي، أي بالتطلعات المستقبلية التي يمكن أن تتجلى عبره.
تشكل الأنطولوجيا مفصلاً أساسياً في فكر لوكاتش. ويبدأ الفهم الأنطولوجي عنده من المشكلة النشوئية، التي تعني دراسة العلاقات في الصور الأولى لظهورها وتحديد الشروط التي جعلت تلك الصور أكثر نضجاً وتعقيداً. إن موضوع الأنطولوجيا عند لوكاتش ينحصر في دراسة ما هو موجود من حيث وجوده، وإيجاد المراحل المختلفة لهذا الوجود، والكشف عن الارتباطات الماثلة داخل ما هو موجود.
يُعد لوكاتش واحداً من أبرز منظري النقد الماركسي وممارسيه ومطوِّريه، ويتضح ذلك من الكيفية التي وظَّف فيها ما يعرف بالواقعية الاشتراكية في دراساته، خاصة ما كتبه حول الرواية في كتابه «دراسات في الواقعية الأوربية» Studien zum europäischen Realismus، حيث يشن هجوماً حاداً على عدد من المذاهب السائدة آنذاك، فهو يهاجم المذهب الطبيعي في القصة، خاصة في أعمال إميل زولا[ر]، لأنه يفصل الإنسان - وهو كائن عضوي بيولوجي - عن متغيرات التاريخ والحياة الاجتماعية والأخلاقية. وقد لاحظ لوكاتش هذا الفصل في نقده للتجريب الحداثي في تركّزه حول الذات واندفاعات الشعور، خصوصاً في أعمال بروست [ر] وجويس [ر]، ويقول إن في هذا الفصل تجزيئاً للإنسان وانعكاساً للرأسمالية التي تفصل داخل الإنسان عن خارجه، فتحدث تشويهاً يرفضه الواقعيون الكبار من أمثال بلزاك[ر] وتولستوي[ر].
يرى لوكاتش أن الواقعية تسعى إلى تناول شمولي للإنسان يأخذ في الحسبان الأبعاد الاجتماعية والأخلاقية من دون أن يتجاهل البعد الداخلي الذاتي، «فالنوع والمعيار الأساسي للأدب الواقعي هو النموذج وهو مركب من نوع معين يربط العام والخاص ربطاً عضوياً سواء على مستوى الشخصيات أو الأوضاع». ولا تبحث الواقعية عن المتوسط في الناس والموضوعات على نحوٍ تجزيئي، بل عن الحياة مكتملة في النموذج، فهو أساسي ومشترك وبالغ الاكتمال.
يرفض لوكاتش رفضاً تاماً استغراق الأديب في معاناته وتجربته الذاتية مهما كانت صادقة أو أصيلة، خشية ازدياد تفاقم التمزق في التناسق الفني، وقد رأى لوكاتش أن جويس ومن حذا حذوه من ممثلي الأدب الطليعي أفضوا إلى مجال ضيق يصعب على القارئ فهم ما يجري فيه.
يقول لوكاتش عن الرواية إنها «ملحمة البرجوازية في العصر الحديث»، وكان قوله محصلة لدراسة معمّقة تقصت علاقة الفن بالسياسة والتركيب الاجتماعي الاقتصادي الثقافي، أو الرأسمالي الكلي الذي تتخلق فيه تلك العلاقة بين الحدّين المهمين المذكورين: الإنتاج الإبداعي الكثيف والممارسة السياسية المترابطة بقوة مع الفلسفة الليبرالية وتفرعاتها، ومع المصالح البرجوازية التي دفعت لإنتاج تلك الفلسفة.
يعدّ كتاب «تحطيم العقل» ذروة مؤلفات لوكاتش، وقد صدر في جزأين كبيرين، كان الأول حول بدايات اللاعقلانية الحديثة من شِلنغ [ر] إلى نيتشه [ر]، والثاني حول اللاعقلانية الحديثة من دلتاي إلى توينبي [ر]. تتراكب موضوعات الكتاب ضمن خط السيرورة التاريخية من الردة الإقطاعية أو نصف الإقطاعية والرومنسية ضد الثورة الفرنسية إلى الفاشية، من النضال ضد الجدل المثالي وفكرة التقدم البرجوازية إلى النضال ضد الماركسية والثورة البروليتارية. وقد صدر الكتاب بالعربية في أربعة أجزاء ترجمها عن الفرنسية إلياس مرقص بعنوان «تاريخ اللاعقلانية الألمانية في السياق الاجتماعي - السياسي والأيديولوجي، الألماني والدولي».
من أهم مؤلفات لوكاتش الأخرى «نظرية الرواية» Theorie des Romans (1916)، و«غوته وعصره» Goethe und seine Zeit، و«وجودية أم ماركسية» Existentialisme ou marxisme (1949)، «هيغل الشاب، في العلاقة بين الديالكتيك والاقتصاد» Der junge Hegel. Über die Beziehungen von Dialektik und Ökonomie (1948)، «بلزاك والواقعية الفرنسية» Balzac und der französische Realismus (1952)، «الواقعية الروسية في الأدب العالمي» Der russische Realismus in der Weltlitertur (1953)، «فكر معاش، سيرة ذاتية في حوار. تحرير إسطفان إورسي» Gelebtes Denken. Eine Autobiographie in Dialog, István Eörsi (1980).
رضوان قضماني