أسفل عين الزرقا
ارام كربيت
كانوا يسمون النبع الدائري القريب من مدينة رأس العين شعبيًا بعين الرزقا أو الزركَّا، لهذا لا أعرف اسمها الحقيقي هل هو الزرقا أو الزرقاء؟
المهم...
في الصيف، كنت أذهب مرات كثيرة إلى عين الزرقا، برفقة أصدقائي، تمو ومعمو وقيس وأولاد عبد الرحمن باشا.
كان النبع مزنرًا في الأعلى، مقصفه تحته. نمشي بضعة خطوات قصيرة لا تتعدى بضعة أمتار، ننزل الدرج، ونشاهد العمال، ونشم رائحة العرق، بطة بيضا، يتناثر في الهواء ويرقص.
عندما كنت أرى إنعكاس أشعة الشمس على الماء، يأخذني الحنين إلى الحنين، إلى السماء. إلى تجليات القدر، ومكامن الجمال. جمال يأخذ بيدك، ويرحل إلى البعيد. جمال بلوري اللون والسحر، يرفعك من جناحيك، ويشعشع. ويغرز النور والضوء في ذاكرتك، ويضعك في إبداعات الوجود. أنظر إلى انعكاس السماء على الزمن، كيف يتكئ انقسام الجنون على بعضه. وتنفتح الألوان على سحرها. ويرقص قلبي على قلبي ويسرح بي، يحولني إلى طائر، عاشق للأرض، للماء والطبيعة والحياة. النبع شيء من الظلال والجنون والجلال. إنه مجد الوجود، حجه حلم يتداخل في الحلم. طفح من باطن الأرض وجلدها. وينبهق من ذاكرتها، ويضعها في مصاف الآلهة والنجوم والحقيقة.
لم يسمحوا لنا أن نسبح. نتأمل. نحن الأطفال الصغار، العشاق، رسل الفرح، المولودين من رحم الجوهر. الراغبين في دخول جوف الماء والتعمد برسله ورسائله. نقف على حافة الاستغراب، كاستغراب الوجود للوجود، نرى أسماك الشبوط الطويل والبوري، يتمايلون، فتتمايل مع تمايل لون الشمس وانقسامها.وانعكاسها على بعضها.
نزلنا إلى تحت، المكان الذي ينثر الماء من النبع، وينهمر في الماء. خرج الماء الصافي من جوف وحط رحاله في المجرى والفروع التي تذهب به إلى الخابور.
سبحنا هناك، في المكان الضيق، تحت الشلال، ضحكنا وغنينا.
في هذا المكان كانت ترمى بقايا قناني العرق المكسور، وأغطية المياه الغازية وبعض النفايات.
كنا نسبح وننتقل من مكان إلى آخر. أحسست بوخزة، بالألم. اصطدام رجلي اليسرى بشيء حاد. رفعت قدمي، فرأيت دم قانئ يلون الماء. خرجت من الحوض الضيق، لأسد الجرح العميق في منتصف راحة قدمي.
خرج الأطفال معي. ومضوا يساعدوني. ويحاولون إيقاف النزيف. جاء بعض العمال القريبين منّا. وتضامنوا معي. وجلبوا قطعة شاش كبيرة. وربطوا قدمي، بيد أن النزف لم يتوقف. بقي الجرح مفتوحًا وكأن لعنة ما حطت علي.
كنت ألعب كرة القدم بقدمي اليسرى، المكان الذي أضرب فيه الكرة. وتحول إلى وجع ونزف. عرجت مع أصدقائي إلى البيت مسافة كيلو مترين. وبقي الدم نازفًا، والجرح مفتوحًا.
بكت والدتي مطولاً، وعنفتني كثيرًا على لجاجتي، وحيويتي.
في اليوم الثاني أخذني والدي إلى الطبيب. ضمدها جيدًا، وأعطاني مضاد حيوي، إبر بنسلين، كلف الأمر ثلاثة عشرة ليرة ونصف الليرة، كلها على بعضها مع معاينة الطبيب.
ارام كربيت
كانوا يسمون النبع الدائري القريب من مدينة رأس العين شعبيًا بعين الرزقا أو الزركَّا، لهذا لا أعرف اسمها الحقيقي هل هو الزرقا أو الزرقاء؟
المهم...
في الصيف، كنت أذهب مرات كثيرة إلى عين الزرقا، برفقة أصدقائي، تمو ومعمو وقيس وأولاد عبد الرحمن باشا.
كان النبع مزنرًا في الأعلى، مقصفه تحته. نمشي بضعة خطوات قصيرة لا تتعدى بضعة أمتار، ننزل الدرج، ونشاهد العمال، ونشم رائحة العرق، بطة بيضا، يتناثر في الهواء ويرقص.
عندما كنت أرى إنعكاس أشعة الشمس على الماء، يأخذني الحنين إلى الحنين، إلى السماء. إلى تجليات القدر، ومكامن الجمال. جمال يأخذ بيدك، ويرحل إلى البعيد. جمال بلوري اللون والسحر، يرفعك من جناحيك، ويشعشع. ويغرز النور والضوء في ذاكرتك، ويضعك في إبداعات الوجود. أنظر إلى انعكاس السماء على الزمن، كيف يتكئ انقسام الجنون على بعضه. وتنفتح الألوان على سحرها. ويرقص قلبي على قلبي ويسرح بي، يحولني إلى طائر، عاشق للأرض، للماء والطبيعة والحياة. النبع شيء من الظلال والجنون والجلال. إنه مجد الوجود، حجه حلم يتداخل في الحلم. طفح من باطن الأرض وجلدها. وينبهق من ذاكرتها، ويضعها في مصاف الآلهة والنجوم والحقيقة.
لم يسمحوا لنا أن نسبح. نتأمل. نحن الأطفال الصغار، العشاق، رسل الفرح، المولودين من رحم الجوهر. الراغبين في دخول جوف الماء والتعمد برسله ورسائله. نقف على حافة الاستغراب، كاستغراب الوجود للوجود، نرى أسماك الشبوط الطويل والبوري، يتمايلون، فتتمايل مع تمايل لون الشمس وانقسامها.وانعكاسها على بعضها.
نزلنا إلى تحت، المكان الذي ينثر الماء من النبع، وينهمر في الماء. خرج الماء الصافي من جوف وحط رحاله في المجرى والفروع التي تذهب به إلى الخابور.
سبحنا هناك، في المكان الضيق، تحت الشلال، ضحكنا وغنينا.
في هذا المكان كانت ترمى بقايا قناني العرق المكسور، وأغطية المياه الغازية وبعض النفايات.
كنا نسبح وننتقل من مكان إلى آخر. أحسست بوخزة، بالألم. اصطدام رجلي اليسرى بشيء حاد. رفعت قدمي، فرأيت دم قانئ يلون الماء. خرجت من الحوض الضيق، لأسد الجرح العميق في منتصف راحة قدمي.
خرج الأطفال معي. ومضوا يساعدوني. ويحاولون إيقاف النزيف. جاء بعض العمال القريبين منّا. وتضامنوا معي. وجلبوا قطعة شاش كبيرة. وربطوا قدمي، بيد أن النزف لم يتوقف. بقي الجرح مفتوحًا وكأن لعنة ما حطت علي.
كنت ألعب كرة القدم بقدمي اليسرى، المكان الذي أضرب فيه الكرة. وتحول إلى وجع ونزف. عرجت مع أصدقائي إلى البيت مسافة كيلو مترين. وبقي الدم نازفًا، والجرح مفتوحًا.
بكت والدتي مطولاً، وعنفتني كثيرًا على لجاجتي، وحيويتي.
في اليوم الثاني أخذني والدي إلى الطبيب. ضمدها جيدًا، وأعطاني مضاد حيوي، إبر بنسلين، كلف الأمر ثلاثة عشرة ليرة ونصف الليرة، كلها على بعضها مع معاينة الطبيب.