ادارسه
Al-Adarisa - Al-Adarisa
الأدارسة
( 173-375هـ/789-985م)
أسرة حكمت المغرب الأقصى وحملت اسم مؤسسها إِدريس الأول, من ولد عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب من زوجته المخزومية, ويُنعت بإِدريس الأصغر تمييزاً له من أخ له أكبر منه من أم مطلبيّة يحمل الاسم نفسه.
قام أبناء عبد الله بن الحسن بثورات متعددة على العباسيين في المشرق, فقد ثار منهم على المنصور العباسي سنة 145هـ/762م: محمد ابن عبد الله في المدينة, وإِبراهيم في البصرة. وفي زمن الهادي العباسي شارك إِدريس بن عبد الله بالثورة التي قام بها ابن أخته الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب. وقد قتل الكثير من الطالبيين في الموقعة الفاصلة لهذه الثورة في «فخ» بجوار مكة عام 169هـ/786م, ونجا بعضهم بالاختلاط بالحجاج. ومن هؤلاء إِدريس بن عبد الله والمولى راشد اللذان اختلطا بحجاج مصر وسارا برفقتهم إِلى بلدهم. وكان على بريد مصر يومئذ واضح مولى صالح بن المنصور المتشيع للطالبيين, فكتم أمر إِدريس عندما تعرّفه وساعده في الوصول إِلى برقة, حيث تولى مولاه راشد أمر تسييره من هناك ضمن قافلة تجار إِلى أن حلاّ بتلمسان ثمن طنجة, ثم «وَلِيلَى» التي نزلاها في غرة ربيع الأول 172هـ/19 آب 788م, واستضافهما فيها إِسحاق بن عبد الحميد الأوربي المعتزلي شيخ قبيلة أوربة. بقي أمر إِدريس طي الكتمان ستة شهور قضاها في تدبير أمر دعوته وجمع الأتباع لمواجهة الوالي العباسي المقيم في المدينة آنذاك, بدلالة ما ضربه من نقود في ذلك التاريخ. وعندما حانت الفرصة المناسبة عرض إِسحاق بن عبد الحميد ضيفه على وجوه قبيلته «أوربة» فبايعوه على الإِمارة والقيام بأمرهم وصلاتهم وغزوهم وأحكامهم وتبع ذلك بيعة القبائل الأخرى في وَليلى وما حولها.
شرع إِدريس بعد ذلك في توسيع دائرة سلطانه فسار غازياً بين رمضان وآخر ذي الحجة من العام 172هـ/ أيار 788م باتجاه الغرب والجنوب انطلاقاً من قاعدته, فسيطر على مدينة شالة (مدينة قديمة تقع في ضواحي الرباط اليوم, حي المطار) وبلاد تامسنة (المنطقة الممتدة بين نهري بورقراق وأم الربيع). ثم انعطف شرقاًَ ليغزو بلاد تادلة (على وادي أم الربيع وعلى بعد 200 كم جنوب شرق الدار البيضاء اليوم).
ويبدو أن ما استقر في سلطانه آنذاك لم يتجاوز مدينة شالة, في حين عادت السيطرة على تامسنة لبرغواطة المارقة ولعدة قرون بعد هذه الغزوة.
وفي العام التالي 173هـ قام إِدريس بغزوة أخرى باتجاه الجنوب الشرقي أخضع فيها قبائل فندلاوة ومديونة وبهلولة وغياثة النازلة قرب موقع فاس من ناحية وليلى, وبلاد فازاز الواقعة إِلى الجنوب من ذلك الموقع. وفي السنة نفسها توجه إِدريس نحو الشمال من قاعدته وليلى فهاجم سبتة. أما غزو إِدريس باتجاه الشرق فتم على الأرجح في سنة 174هـ/790م. وكان منطلقه هذه المرة من قاعدة بناها عند مدخل ممر تازة بجوار موقع فاس, ونزل على تلمسان قاعدة المغرب الأوسط, حيث أقر أميرها محمد ابن خزر بن صولات المغراوي بالطاعة له, وتنسب المصادر بناء مسجد المدينة إِلى إِدريس بن عبد الله.
توفي إِدريس الأول في نهاية ربيع الأول 177هـ/15 تموز 793م مسموماً بتدبير من الخليفة هارون الرشيد. وكان الرشيد يخشى من اتساع نفوذ إِدريس إِثر سيطرته على تلمسان باب إِفريقية, فاستعان بشخصية معروفة بولائها لآل البيت لدس السم له بإِجماع من أرّخو لهذا الحدث.
توطد الدولة في عهد إِدريس الثاني
توفي إِدريس الأول وليس له ولد إِلا ما كان من حمل جاريته البربرية كنزة في الشهر السابع. وقبل أتباعُه عَرْضَ مولاه راشد بالتريث ريثما تضع الجارية, فإِن كان الوليد ذكراً قدموه مكان أبيه تبركاً بآل البيت, كما قبلوا تكليف المولى تدبير شؤونهم ريثما ينجلي الوضع. وعندما جاء الوليد ذكراً كما كان مأمولاً أعطوه اسم أبيه, وتولى راشد تربيته, وعندما بلغ إِدريس الثاني الحادية عشرة من عمره قُتل المولى راشد على يد بعض خدمه من البرر بتدبير من إِبراهيم ابن الأغلب أمير إِفريقية للعباسيين, في أول ربيع الأول سنة 188هـ/16 شباط 804م, بعد أن أغراهم بمال وفير. فقام بتدبير شؤون إِدريس الثاني أبو خالد يزيد بن إِلياس العبدي وبويع إِدريس بالإِمارة.
كان في مقدمة اهتمامات إِدريس الثاني مواجهة مساعي إِبراهيم بن الأغلب الرامية إِلى تدمير دولته, التي نجحت, إِضافة إِلى اغتيال المولى راشد, في تحويل ولاء بهلول بن عبد الواحد رئيس مدغرة, التي تنتشر منازلها في طرف الدولة الشرقي, من جانب إِدريس إِلى جانب العباسيين, وأدى ذلك إِلى استيحاش إِدريس الثاني من البربر. ولما وفد عليه بعد مدة وجيزة في سنة 189هـ/804م خمسمئة فارس عربي من إِفريقية والأندلس اعتز بهم وبدا له الاعتماد عليهم, وأضاف لذلك بناء حاضرة بديلة عن وليلى هي مدينة فاس على ضفتي الوادي الذي يحمل اسمها. لكن الأدلة التي قدمها ليفي بروفنسال في عام 1938م جعلت من والده شريكاً له في بناء المدينة, فقد أقام أبوه قبله على الضفة اليمنى للوادي قاعدة كانت ضرورية لعملياته في المغرب الأوسط, ويشرف موقعها على المنفذ الوحيد المؤدي إِلى تلك الناحية وهو ممر تازة. أما ما بناه إِدريس الثاني فالجزء الواقع على الضفة اليسرى للوادي مقابل القاعدة التي شيدها أبوه. وقد اختار الموقع عمير ابن مصعب الأزدي من العرب القادمين عليه, وجلهم من القيروان. وتمت عملية البناء عام 193هـ/809م, وأنزل إِدريس العرب بخطط (أحياء) خاصة بكل قبيلة, وكذلك فعل لبعض قبائل البربر ولجماعة من الفرس وردت عليه من العراق في ذلك الوقت, ومع ذلك طغى على الموقع الجديد اسم عدوة القرويين, نسبة للقيروان, موطن الجماعة العربية, وتمييزاً له من القسم المقابل الذي ازداد عمرانه بعد سنة 202هـ/818م عندما نزل به بعض أهل ربض قرطبة, الذين أجلوا عنها إِثر ثورتهم المعروفة. وما تلاها من تخريب الربض, ودعي الموقع بعدوة الأندلسيين.
وفي أثناء عملية البناء تخلص إِدريس الثاني من إِسحاق الأوربي فقتله متهماً إِياه بالاتصال بابن الأغلب, وأعلى من شأن الوافدين في إِدارة شؤون دولته, فاتخذ من عمير بن مصعب وزيراً ومن عامر محمد بن سعيد القيسي قاضياً, وربما كان لتدابير إِدريس الثاني هذه أثر في جعل مستشاري ابن الأغلب ينصحونه بالكف عن أعماله العدائية حياله.
وبعد زوال خطر الأغالبة تفرغ إِدريس الثاني لتوسيع حدود دولته في الجنوب على حساب المصامدة فانتزع منهم مدينة نفيس على الوادي الذي يحمل الاسم نفسه,ويرفد نهر تنسيفت, وكذلك مدينة أغمات الواقعة على مسيرة يوم من المدينة الأولى. ثم توجه عام 199هـ/814م نحو المغرب الأوسط فأخضع قبيلة نفزة (نفزاوة) واحتل تلمسان, وجعل حكمها لأسرته وخص بها ابن عمه محمد بن سليمان بن عبد الله, كما خاض الكثير من المعارك في المغرب الأقصى مع فئتين مارقتين عن الجماعة: وهما الخوارج وبرغواطة. وأدركه أجله ليلة 12 جمادى الآخرة سنة 213هـ/828م.
تجزؤ السلطة في دولة الأدراسة
توفي إِدريس عن اثني عشر ولداً, خلفه منهم ابنه الأكبر محمد الذي وزع حكم مملكة أبيه على الكبار من إِخوته. وبقي هو في العاصمة فاس, فأعطى أخاه القاسم حكم طنجة وملحقاتها بما فيها البصرة, أي القسم الغربي من منطقة المضيق, وأعطى أخاه عمر حكم بلاد صنهاجة وغُمارة في الريف, أي القسم الشرقي من المنطقة نفسها, وأعطى عيسى حكم أُزُمّور وشمال تامسنة حيث مدينة شالة, وأعطى حمزة حكم الأودية وبلاد وَليلى, وأعطى عبيد الله حكم بلاد الجنوب مع بلاد لمطة في أقصاه. وبقيت تلمسان إِقطاعاً لمحمد بن سليمان ابن عم والده. وبقي الأخوة الصغار تحت وصاية أخيهم الأكبر وجدتهم كنزة.