العاطفة
العاطفة Sentiment، حالة إنفعالية معقدة موجهة نحو شخصٍ معينٍ أو شيءٍ محددٍ، تدعو صاحبها إلى القيام بسلوكٍ خاص أمام فكرة أو حالة أو ظرف يتعرض له الإنسان. وعلى الرغم من التداخل بين مفهومي الانفعال والعاطفة في المراجع النفسية، إلا أنّ الفرق يبدو في أنّ الانفعال استجابة معينة لموقف معين، في حين أنّ العاطفة استعداد للقيام بنوعٍ معين من الاستجابات وفقاً للحالة الشعورية الراهنة ولطبيعة الموقف الخارجي. وتعني العاطفة في اللغة الشفقة والحنو والصلة والتحول من حالة إلى أخرى.
وهناك علاقة قائمةٌ بين العاطفة والعقل، ولا يستطيع الإنسان أن يستغني بأحدهما عن الآخر، فالتناسق والتكامل بينهما موجود، ولكنّ لكل منهما مجاله، وكلما اتسع نطاق الإحساس والشعور تغلبت العاطفة على العقل. كما أنّ للعواطف وجهة نظر مستقلة تختلف عن تلك التي للعقول، لأن الشعور والأحاسيس تضطلع بدور في اتخاذ القرارات العقلية السوية، وتستخدم المنطق العقلي مادام في الحياة تحيطنا عددٌ لاحصر له من الخيارات.
وتعد العواطف مرشداً مهماً وضرورياً في الحياة، فالتضحية على سبيل المثال ليست سوى نتيجة لعاطفةِ الحبِّ البعيدةِ عن حبِّ الذات. وما يُشاهد في الحياة، يوضح عمق عاطفة الحب التي يشعر بها الإنسان تجاه أبنائه ووطنه، وعمق عاطفة الكره التي يشعر بها تجاه أعدائه.
وقد تتجه العاطفة نحو شخصٍ أو جماعة أو مثلٍ أعلى أو شيء ما، ولكنّ العاطفة الموجهه نحو شيءٍ، هي في الواقع موجهةٌ نحو شخصٍ من خلال هذا الشيء، وكما قال الشاعر:
وما حبّ الديار ملكن قلبي ولكن حبُّ من سكنَ الديارا
الأساس العضوي للعاطفة
إنّ المكان المخصص في الدماغ للاحتفاظ بالعواطف المتعددة هو النتوء اللوزي (amygdala)، الذي يبدو على شكل لوزة، تتكون من تراكيب متداخلة، تقع أعلى جذع الدماغ. والنتوء اللوزي هو الحارس العاطفي القادر على القيام بتجنيد وظائف الدماغ، وعلى كبح جماح العاطفة. كما يستطيع النتوء اللوزي تخزين الذكريات كونه مستودعاً للانطباعات والذكريات العاطفية وشعور الإنسان بالحب أو الكره أو الحزن أو الغضب.
كما أن إثارة النتوء اللوزي وإيقاظه يعملان على تسجيل لحظات الإثارة الانفعالية. فالخبرات التي تخيف الإنسان أو تهزّه في الحياة، هي أكثر الذكريات التي لا تُمحى من الذاكرة. وهذا يعني أنّ الدماغ يحتوي على جهازين للذاكرة: جهاز ذاكرة خاص بالوقائع العادية، وجهاز ثانٍ خاص بالوقائع المشحونة عاطفياً.
وقد بينت الدراسات أنّ الحيوانات التي أُزيل النتوء اللوزي من دماغها أو انفصل جزء منه، تفتقر إلى الإحساس بالخوف أو الغضب، وتفقد حافز التنافس أو التعاون، كما تفقد الإحساس بموقعها في نظام نوعها الاجتماعي. فالعاطفة عندها عمياء أو غائبة تماماً. وإذا تعرض النتوء اللوزي عند الإنسان لخللٍ ما، تكون النتيجة عجزاً كبيراً في تقدير أهمية الأحداث العاطفية، فلايستمتع بصحبة الآخرين، ويفضل العيش في عزلةٍ عنهم، وليست لديه قدرة معرفة أقربائه وأصدقائه، ويبدو أنّ فقده مركز العاطفة (النتوء اللوزي) قطع كلَّ صلةٍ له بالود والعطف. كما يثير النتوء اللوزي والتلافيف المحيطة به دموع الإنسان التي هي علامة انفعالية فريدة، والتي إذا كُبحت وجفّت في المآقي ساعد ذلك على تسكين هذه المناطق نفسها من الدماغ، فتتوقف التنهدات، فمن دون النتوء اللوزي لايتمتع البشر بنعمة الدموع التي تخفف الأحزان.
أنواع العواطف
لاتنشأ العاطفة منفردة، منعزلة، بل تكون دائماً محاطةً بمجموعةٍ من العواطف الأخرى، بعضها مؤيدٌ لها وبعضها معارضٌ لها. وتتأثر العواطف بالأوضاع الاجتماعية حيناً وبالعقل حيناً آخر، كما أنّ منطق العاطفة يخالف منطق العقل؛ لأن منطق العقل يرى أنّ الضدين لا يجتمعان، ولكنّ في العاطفة يجتمعان، فكلّ عاطفةٍ تحمل في طياتها بذور العاطفة المناقضة لها، فالحبّ يمتزج بشيء من الكره، والتضحية بشيءٍ من الأنانية، والحنان بشيءٍ من القسوة.
ولايمكن حصر العواطف والتعبير عنها جميعاً، ولكن من الممكن تصنيف أنواع العواطف كالآتي:
1ـ الحبّ: وتضم المودة والحنان والعطف والصداقة والثقة.
2ـ الكراهية: وتضم الحقد والبغض والضجر والنبذ والخوف.
3ـ الغضب: وتضم الانزعاج والعداء والاستياء والعنف.
4ـ الحزن: وتضم الأسى والأسف والوحدة.
5ـ المرح: وتضم الفرح والسعادة والسرور.
6ـ الدهشة: وتضم الاستغراب والحيرة والتعجب.
7ـ الازدراء: وتضم التأنيب والتوبيخ والاحتقار.
8 ـ التضحية: وتضم الغيرية والولع بالآخر.
9ـ الغيرة: وتضم المنافسة في الحب، والشك واليأس والحسد.
10ـ الصدق: وتضم الإخلاص والنزاهة والتمسك بالقيم والانتماء وحب العمل.
إنّ عواطف الإنسان متعددة ومتشعبة، وقد تتحول عاطفة إلى أخرى، فقد تنقلب مثلاً عاطفة الغيرة التي أساسها الحبّ إلى كره شديد. ولكن تبقى عاطفتا الحبّ والكراهية أكثر أهميةً وأكثر تعقيداً من جميع العواطف الإنسانية.
الحب والكراهية
إنّ عاطفة الحب هي حالة انفعالية معقدة تتركز حول شخصٍ معين أو شيءٍ محدد، كحبِ الوالدين والوطن وهي قوةٌ تضفي الانسجام، وتتجه نحو الحياة والسعادة.
كما أنّ عاطفة الكراهية هي حالة انفعالية معقدة، يمتزج فيها الخوف والغضب والحقد وتوجّه نحو شخصٍ معين أو شيءٍ محدد، وهي قوةُ تدمير وتفكك، وتتجه نحو الحرمان والموت.
إنّ دراسة تفاعل جميع القوى التي تتداخل في تكوين عاطفتي الحبّ والكراهية، ترشد إلى ملاحظة ذلك عند الرضيع الذي يحبّ أمّه عندما تُشبع حاجاته وخاصة من الغذاء، ويكره أمه عندما لا تلبي له هذه الحاجات. فإذا أحسّ الرضيع بأنّ ثدي أمه أشبعه، فإنّه يشعر بالحبّ للثدي ولأمه، وإذا لم يحقق له الثدي الإشباع فإنّه يهاجمه، وقد يعضه، وقد يشد ثوب أمه بعدوانية ويظهر عليه الغضب. ولكنّ هذه العلاقة بين الأم وطفلها تتطور وترقى مع الأيام، إذ تشعر الأم بالسعادة كلما أبدت لأطفالها حبّاً، وكلما أظهر الأولاد حبّاً لأمهم، كما أن العلاقة العاطفية بين الأم وطفلها تنطبق ولو بصورة أخرى على الأب أيضاً. وقد تظهر عند بعض الأطفال عواطف الكره والغيرة والحقد لأخوتهم، على الرغم من تهيئة الأسرة جوّ المحبّة والألفة والحنان للطفل، وهذا يعود لأسلوب معاملة الأهل لأطفالهم، والتمييز في المعاملة ونقص العدالة في الأسرة.
وينتقل الحبّ والكره إلى العالم الخارجي وإلى حياة العمل، ويؤثر رضا الإنسان عن ذاته وحبّهِ للحياة في علاقته مع الآخرين، وحبّهِ لهم، وتسامحهِ معهم. ويظهر ذلك واضحاً عندما يكبر الإنسان فيصبح أكثر لطفاً وتفهماً وتسامحاً في الحياة.
ويؤدي التطرف في عاطفتي الحب والكراهية إلى تقويض استقرار شخصية الإنسان، لذا لابد من التحكم بهاتين العاطفتين؛ إذ إنّ مفتاح السعادة العاطفية يكمن في ضبط الإنسان عواطفه وتوجيهها نحو الحياة والمجتمع.
العاطفة والحياة
تضفي العواطف على حياة الإنسان الحركة والنشاط والحيوية وتجعل لها قيمة ومعنى، ومن دون العواطف تكون الحياة جامدة صماء، ولايكون للفن أو الأدب وجود، ويغيب الإبداع. والعواطف دعامة أساسية يرتكز عليها بناء العلاقات بين الناس، وإنّ أحداث الحياة الإيجابية تولد السرور والمرح، في حين تولد الأحداث السلبية الغم والحزن.
وحينما يعيش الإنسان حالة الحب،ّ فإنه يتفاءل ويرى الجمال في كل شيء، وحينما يعيش حالة الكره، يرى الأشياءٍ قاتمة حزينة، ويؤدي هذا إلى الخلط بين الحقيقة والخيال، وتشويه الحكم المنطقي على الآخرين؛ لأنّ الحكم على الآخرين مرتبطٌ بالحالة العاطفية الآنية للإنسان، إذ يميل إلى التساهل والعطف إذا كان في حالة فرح وسرور، ويميل إلى القسوة والعنف إذا كان في حالة الغضب والكراهية. وقد يعمِّم أحدهم تجربة عاطفية أدّت إلى خيبة أمل بصديق إلى انعدام الثقة بجميع الأصدقاء.
ويظهر الصراع في مواقف الحياة المتعددة بين العواطف نفسها من جهة وبين العواطف والعقل من جهة ثانية؛ فبعضهم يخضع لسلطان العواطف وهيجانها، وبعضهم يُخضع العاطفة الجامحة للعقل وحكمه بفضل قوة الإرادة والقدرة على ضبط النفس، كما أنّ التنظيم الذاتي للعواطف يبدأ بناؤه عند الإنسان منذ الرضاعة إذ يُلحظ أن الطفل منذ صغره يتعامل مع الآخرين بتعاطف؛ فيبكي لبكائهم ويضحك لضحكهم، ويضحي بإعطاء أشيائه أحياناً للآخرين، ثم يتطور ذلك مع نمو الطفل بصورةٍ تصاعدية في شعوره بالحبّ والحزن وبالتعاطف مع الآخرين. ويُشار هنا إلى أنّ الحبّ والحنان اللذين يقدمهما الأهل لأطفالهم يساعدانهم على التعاطف والعطاء داخل الأسرة وخارجها، كما أنّ برامج الثقافة العاطفية يبدأ تعلمها وتعليمها في مراحل الدراسة المتعددة، بدءاً من رياض الأطفال وتسهم بها الأسرة والمدرسة والمجتمع، فالعواطف تخضع للتغيير والتحسين والتطوير عن طريق عمليتي التعلم والتعليم.
إنّ العلاقات العاطفية الصادقة بين الناس توفر الجوّ الصحي السليم في المجتمع، وتساعد على رفع الروح المعنوية لأفراده وتوجيه تفكيرهم وإدراكهم وسلوكهم ودفعهم نحو العمل والنشاط والإبداع، لما فيه خدمة الفرد والمجتمع.
كمال بلان
العاطفة Sentiment، حالة إنفعالية معقدة موجهة نحو شخصٍ معينٍ أو شيءٍ محددٍ، تدعو صاحبها إلى القيام بسلوكٍ خاص أمام فكرة أو حالة أو ظرف يتعرض له الإنسان. وعلى الرغم من التداخل بين مفهومي الانفعال والعاطفة في المراجع النفسية، إلا أنّ الفرق يبدو في أنّ الانفعال استجابة معينة لموقف معين، في حين أنّ العاطفة استعداد للقيام بنوعٍ معين من الاستجابات وفقاً للحالة الشعورية الراهنة ولطبيعة الموقف الخارجي. وتعني العاطفة في اللغة الشفقة والحنو والصلة والتحول من حالة إلى أخرى.
وهناك علاقة قائمةٌ بين العاطفة والعقل، ولا يستطيع الإنسان أن يستغني بأحدهما عن الآخر، فالتناسق والتكامل بينهما موجود، ولكنّ لكل منهما مجاله، وكلما اتسع نطاق الإحساس والشعور تغلبت العاطفة على العقل. كما أنّ للعواطف وجهة نظر مستقلة تختلف عن تلك التي للعقول، لأن الشعور والأحاسيس تضطلع بدور في اتخاذ القرارات العقلية السوية، وتستخدم المنطق العقلي مادام في الحياة تحيطنا عددٌ لاحصر له من الخيارات.
وتعد العواطف مرشداً مهماً وضرورياً في الحياة، فالتضحية على سبيل المثال ليست سوى نتيجة لعاطفةِ الحبِّ البعيدةِ عن حبِّ الذات. وما يُشاهد في الحياة، يوضح عمق عاطفة الحب التي يشعر بها الإنسان تجاه أبنائه ووطنه، وعمق عاطفة الكره التي يشعر بها تجاه أعدائه.
وقد تتجه العاطفة نحو شخصٍ أو جماعة أو مثلٍ أعلى أو شيء ما، ولكنّ العاطفة الموجهه نحو شيءٍ، هي في الواقع موجهةٌ نحو شخصٍ من خلال هذا الشيء، وكما قال الشاعر:
وما حبّ الديار ملكن قلبي ولكن حبُّ من سكنَ الديارا
الأساس العضوي للعاطفة
إنّ المكان المخصص في الدماغ للاحتفاظ بالعواطف المتعددة هو النتوء اللوزي (amygdala)، الذي يبدو على شكل لوزة، تتكون من تراكيب متداخلة، تقع أعلى جذع الدماغ. والنتوء اللوزي هو الحارس العاطفي القادر على القيام بتجنيد وظائف الدماغ، وعلى كبح جماح العاطفة. كما يستطيع النتوء اللوزي تخزين الذكريات كونه مستودعاً للانطباعات والذكريات العاطفية وشعور الإنسان بالحب أو الكره أو الحزن أو الغضب.
كما أن إثارة النتوء اللوزي وإيقاظه يعملان على تسجيل لحظات الإثارة الانفعالية. فالخبرات التي تخيف الإنسان أو تهزّه في الحياة، هي أكثر الذكريات التي لا تُمحى من الذاكرة. وهذا يعني أنّ الدماغ يحتوي على جهازين للذاكرة: جهاز ذاكرة خاص بالوقائع العادية، وجهاز ثانٍ خاص بالوقائع المشحونة عاطفياً.
وقد بينت الدراسات أنّ الحيوانات التي أُزيل النتوء اللوزي من دماغها أو انفصل جزء منه، تفتقر إلى الإحساس بالخوف أو الغضب، وتفقد حافز التنافس أو التعاون، كما تفقد الإحساس بموقعها في نظام نوعها الاجتماعي. فالعاطفة عندها عمياء أو غائبة تماماً. وإذا تعرض النتوء اللوزي عند الإنسان لخللٍ ما، تكون النتيجة عجزاً كبيراً في تقدير أهمية الأحداث العاطفية، فلايستمتع بصحبة الآخرين، ويفضل العيش في عزلةٍ عنهم، وليست لديه قدرة معرفة أقربائه وأصدقائه، ويبدو أنّ فقده مركز العاطفة (النتوء اللوزي) قطع كلَّ صلةٍ له بالود والعطف. كما يثير النتوء اللوزي والتلافيف المحيطة به دموع الإنسان التي هي علامة انفعالية فريدة، والتي إذا كُبحت وجفّت في المآقي ساعد ذلك على تسكين هذه المناطق نفسها من الدماغ، فتتوقف التنهدات، فمن دون النتوء اللوزي لايتمتع البشر بنعمة الدموع التي تخفف الأحزان.
أنواع العواطف
لاتنشأ العاطفة منفردة، منعزلة، بل تكون دائماً محاطةً بمجموعةٍ من العواطف الأخرى، بعضها مؤيدٌ لها وبعضها معارضٌ لها. وتتأثر العواطف بالأوضاع الاجتماعية حيناً وبالعقل حيناً آخر، كما أنّ منطق العاطفة يخالف منطق العقل؛ لأن منطق العقل يرى أنّ الضدين لا يجتمعان، ولكنّ في العاطفة يجتمعان، فكلّ عاطفةٍ تحمل في طياتها بذور العاطفة المناقضة لها، فالحبّ يمتزج بشيء من الكره، والتضحية بشيءٍ من الأنانية، والحنان بشيءٍ من القسوة.
ولايمكن حصر العواطف والتعبير عنها جميعاً، ولكن من الممكن تصنيف أنواع العواطف كالآتي:
1ـ الحبّ: وتضم المودة والحنان والعطف والصداقة والثقة.
2ـ الكراهية: وتضم الحقد والبغض والضجر والنبذ والخوف.
3ـ الغضب: وتضم الانزعاج والعداء والاستياء والعنف.
4ـ الحزن: وتضم الأسى والأسف والوحدة.
5ـ المرح: وتضم الفرح والسعادة والسرور.
6ـ الدهشة: وتضم الاستغراب والحيرة والتعجب.
7ـ الازدراء: وتضم التأنيب والتوبيخ والاحتقار.
8 ـ التضحية: وتضم الغيرية والولع بالآخر.
9ـ الغيرة: وتضم المنافسة في الحب، والشك واليأس والحسد.
10ـ الصدق: وتضم الإخلاص والنزاهة والتمسك بالقيم والانتماء وحب العمل.
إنّ عواطف الإنسان متعددة ومتشعبة، وقد تتحول عاطفة إلى أخرى، فقد تنقلب مثلاً عاطفة الغيرة التي أساسها الحبّ إلى كره شديد. ولكن تبقى عاطفتا الحبّ والكراهية أكثر أهميةً وأكثر تعقيداً من جميع العواطف الإنسانية.
الحب والكراهية
إنّ عاطفة الحب هي حالة انفعالية معقدة تتركز حول شخصٍ معين أو شيءٍ محدد، كحبِ الوالدين والوطن وهي قوةٌ تضفي الانسجام، وتتجه نحو الحياة والسعادة.
كما أنّ عاطفة الكراهية هي حالة انفعالية معقدة، يمتزج فيها الخوف والغضب والحقد وتوجّه نحو شخصٍ معين أو شيءٍ محدد، وهي قوةُ تدمير وتفكك، وتتجه نحو الحرمان والموت.
إنّ دراسة تفاعل جميع القوى التي تتداخل في تكوين عاطفتي الحبّ والكراهية، ترشد إلى ملاحظة ذلك عند الرضيع الذي يحبّ أمّه عندما تُشبع حاجاته وخاصة من الغذاء، ويكره أمه عندما لا تلبي له هذه الحاجات. فإذا أحسّ الرضيع بأنّ ثدي أمه أشبعه، فإنّه يشعر بالحبّ للثدي ولأمه، وإذا لم يحقق له الثدي الإشباع فإنّه يهاجمه، وقد يعضه، وقد يشد ثوب أمه بعدوانية ويظهر عليه الغضب. ولكنّ هذه العلاقة بين الأم وطفلها تتطور وترقى مع الأيام، إذ تشعر الأم بالسعادة كلما أبدت لأطفالها حبّاً، وكلما أظهر الأولاد حبّاً لأمهم، كما أن العلاقة العاطفية بين الأم وطفلها تنطبق ولو بصورة أخرى على الأب أيضاً. وقد تظهر عند بعض الأطفال عواطف الكره والغيرة والحقد لأخوتهم، على الرغم من تهيئة الأسرة جوّ المحبّة والألفة والحنان للطفل، وهذا يعود لأسلوب معاملة الأهل لأطفالهم، والتمييز في المعاملة ونقص العدالة في الأسرة.
وينتقل الحبّ والكره إلى العالم الخارجي وإلى حياة العمل، ويؤثر رضا الإنسان عن ذاته وحبّهِ للحياة في علاقته مع الآخرين، وحبّهِ لهم، وتسامحهِ معهم. ويظهر ذلك واضحاً عندما يكبر الإنسان فيصبح أكثر لطفاً وتفهماً وتسامحاً في الحياة.
ويؤدي التطرف في عاطفتي الحب والكراهية إلى تقويض استقرار شخصية الإنسان، لذا لابد من التحكم بهاتين العاطفتين؛ إذ إنّ مفتاح السعادة العاطفية يكمن في ضبط الإنسان عواطفه وتوجيهها نحو الحياة والمجتمع.
العاطفة والحياة
تضفي العواطف على حياة الإنسان الحركة والنشاط والحيوية وتجعل لها قيمة ومعنى، ومن دون العواطف تكون الحياة جامدة صماء، ولايكون للفن أو الأدب وجود، ويغيب الإبداع. والعواطف دعامة أساسية يرتكز عليها بناء العلاقات بين الناس، وإنّ أحداث الحياة الإيجابية تولد السرور والمرح، في حين تولد الأحداث السلبية الغم والحزن.
وحينما يعيش الإنسان حالة الحب،ّ فإنه يتفاءل ويرى الجمال في كل شيء، وحينما يعيش حالة الكره، يرى الأشياءٍ قاتمة حزينة، ويؤدي هذا إلى الخلط بين الحقيقة والخيال، وتشويه الحكم المنطقي على الآخرين؛ لأنّ الحكم على الآخرين مرتبطٌ بالحالة العاطفية الآنية للإنسان، إذ يميل إلى التساهل والعطف إذا كان في حالة فرح وسرور، ويميل إلى القسوة والعنف إذا كان في حالة الغضب والكراهية. وقد يعمِّم أحدهم تجربة عاطفية أدّت إلى خيبة أمل بصديق إلى انعدام الثقة بجميع الأصدقاء.
ويظهر الصراع في مواقف الحياة المتعددة بين العواطف نفسها من جهة وبين العواطف والعقل من جهة ثانية؛ فبعضهم يخضع لسلطان العواطف وهيجانها، وبعضهم يُخضع العاطفة الجامحة للعقل وحكمه بفضل قوة الإرادة والقدرة على ضبط النفس، كما أنّ التنظيم الذاتي للعواطف يبدأ بناؤه عند الإنسان منذ الرضاعة إذ يُلحظ أن الطفل منذ صغره يتعامل مع الآخرين بتعاطف؛ فيبكي لبكائهم ويضحك لضحكهم، ويضحي بإعطاء أشيائه أحياناً للآخرين، ثم يتطور ذلك مع نمو الطفل بصورةٍ تصاعدية في شعوره بالحبّ والحزن وبالتعاطف مع الآخرين. ويُشار هنا إلى أنّ الحبّ والحنان اللذين يقدمهما الأهل لأطفالهم يساعدانهم على التعاطف والعطاء داخل الأسرة وخارجها، كما أنّ برامج الثقافة العاطفية يبدأ تعلمها وتعليمها في مراحل الدراسة المتعددة، بدءاً من رياض الأطفال وتسهم بها الأسرة والمدرسة والمجتمع، فالعواطف تخضع للتغيير والتحسين والتطوير عن طريق عمليتي التعلم والتعليم.
إنّ العلاقات العاطفية الصادقة بين الناس توفر الجوّ الصحي السليم في المجتمع، وتساعد على رفع الروح المعنوية لأفراده وتوجيه تفكيرهم وإدراكهم وسلوكهم ودفعهم نحو العمل والنشاط والإبداع، لما فيه خدمة الفرد والمجتمع.
كمال بلان