#يوميات_مخرجة_مستجدة_5
تكتبها: بثينة الناصري
قضيت الأيام التالية أبحث عن حافلة مناسبة. كلمت كل الشركات التي تعثرت بها ليلا ونهارا على صفحات الفيسبوك ومن خلال الأصدقاء الذين يتعاملون مع مثل هذه الشركات، وكانت الأجوبة دائما من نوع (تفضلي يا فندم) ( آسفين يا فندم) . أخيرا وجدت الطريق مسدودا وبدأت أفكر في أشكال الإعتذارات التي يمكن أن أقدمها لفريق التمثيل الذين وعدتهم بكل ثقة أن أملهم لن يخيب في صناعة هذا الفيلم. كما بدأت أفكر في تغيير السيناريو مرة أخرى، كيف يمكن تبديل وضعية جلوس العائلتين الى جانب بعضهما البعض؟ والنظرات المتبادلة بين الحبيبين السابقين؟ فكرت في كل الخيارات. ثم في نهاية الإسبوع، تذكرت المبلغ المودع لدى تلك الشركة السياحية في أطراف المدينة البعيدة. سأذهب غدا واسترده. هاتفت صاحب الشركة فقال بنفس طريقته الناعمة "تفضلي في اي وقت يا فندم. الشركة تفتح من الساعة 9 صباحا".
ذهبت في صباح اليوم التالي . كانت السكرتيرة اللطيفة هي الموجودة. استلمت المبلغ وانطلقت بسيارتي وأنا أشعر بالضياع مرة أخرى.
كنت طوال الطريق افكر في ورطتي. ارتكبت عدة أخطاء. كنت كاتبة قصة اجلس في اي مكان (صحرا إن كان او بستان) واخلق قصتي. الآن علي ان أعمل مع فريق ومع لوجستيات لا على البال ولا الخاطر، فريق موهوب اشعر بمسؤوليتي في تحقيق أحلامه في جزئية فيلمي على الأقل. ولكن هل هذه أخطاء حقا؟ ام مغامرة جديدة علي، صعبة لكنها في نفس الوقت ممتعة. ربما الخطأ الأكبر هو اني لم استعن بمدير إنتاج متمرس أطلب منه المستحيل فيأتيني به في غمضة عين. ولهذا سبب.
في آخر فيلم قصير عن قصة من قصصي نفذه مخرج مصري صاعد في 2019 ، ولم اكن قد درست الإخراج ليكون تنفيذ افلامي (بيدي لا بيد عمرو)، استعنت بمدير إنتاج قدم لي ميزانية زائفة مضاعفة عشرات المرات. أقلها انه بدلا من أن يأتي بوجبات طعام لفريق الفيلم الذي كنا نصوره في غرفة بواب عمارة (حقيقي) وجدته يقدم وجبات – على حساب انتاج الفيلم – لأهل الحارة كلهم. الآن وانا أفكر في حالي المشتت بين الأمل واليأس من شركات السياحة والرحلات، اقول لنفسي "لقد صدق المثل المصري – إدي العيش لخبازه ولو أكل نصه". مع أنه في الواقع اكل اكثر من نصه!
كانت هذه الافكار اليائسة تدور في خاطري وانا على جسر سريع يؤدي الى المدينة التي أقيم فيها، حين جاورتني حافلة ركاب. التفت اليها اتفحصها بفضول بحكم العادة التي رافقتني طوال البحث عن حافلات مناسبة، وجدت مفاجأة صاعقة. يلوح لي من خلف الزجاج اربع مقاعد متقابلة تجلس عليها فيما يبدو أم واطفالها. اسرعت بسيارتي الى محاذاة السائق وانا اشير اليه مثل مجنونة ان يقف. كان الطريق مزدحما بالمركبات المسرعة وربما احتار السائق من طلبي المفاجىء ، فأشار لي أن ابطىء واقف الى جانب الطريق واوقف حافلته. نزلت من سيارتي واسرعت اليه. دخلت الحافلة وانا اتفحص داخل الحافلة لأتأكد من المقاعد المتقابلة وسألته بلهفة "ما اسم الشركة؟" أجابني وهو ينظر الي بحيرة وتساؤل. قلت له اني اريد استئجار الباص، وسألته عن مقر الشركة. وكانت المفاجأة الاخرى فقد ذكر لي اسم منطقة قريبة من بيتي. مستحيل!!
وهكذا بدلا من الرجوع الى البيت، وصلت الى كراج الشركة واكتشفت ان نصف حافلاتهم لها هذه الميزة (المقاعد المتقابلة) وهي التي يتطلبها سيناريو الفيلم. لم يكن المدير موجودا. قيل لي انه يأتي بعد ساعتين. كان الوقت ظهرا. لا مفر من انتظاره.
انتظرت في غرفة جانبية حتى وصل المدير والتقيت به. وكنت اتمنى في وقتها لو كان لدي في تلك اللحظة مدير انتاج مصري. لأني كنت اعرف نتيجة ما سيحدث: اول ما انطق بأي كلمة سيعرفون من نبرتي اني لست مصرية، وحين اذكر سبب الاستئجار (تصوير فيلم سينمائي) ، سيزيد السعر اضعافا. هذا ماكان. ولكن السعر هذه المرة زاد 3 اضعاف فقط (افضل من 5 أضعاف طلبتها الشركة الأولى التي تفاوضت معها) ولن يفهم أي مدير شركة معنى اني احمل الجنسية المصرية وأعيش على معاش مصري وليس لدي موارد اخرى، وان الفيلم قصير وبميزانية منخفضة ولن يباع ويشترى في سوق الأفلام. ولكن ما باليد حيلة . اتفقنا.
كلمت مدير التصوير ان يهيء نفسه وفريقه للتصوير في اليوم التالي. فالوقت يوشك على النفاد حيث انه كان متعاقدا على عمل خارج البلاد وسوف يسافر بعد ثلاثة أيام، ولن يعود قبل ستة اشهر. وكان هذا الشاب الموهوب والطموح (أبالي سامي) قد صور لي فيلمين عن قصتين لي (سبق صحفي) الذي اخرجه بيتر فؤاد في 2017، وفيلم تخرجي (حظ السلاحف) في 2022 وميزته الى جانب إبداعه الإحترافي أنه يستطيع العمل في كل الظروف كما يمكنه التغلب على أي مشكلة طارئة اثناء التصوير.
تكتبها: بثينة الناصري
قضيت الأيام التالية أبحث عن حافلة مناسبة. كلمت كل الشركات التي تعثرت بها ليلا ونهارا على صفحات الفيسبوك ومن خلال الأصدقاء الذين يتعاملون مع مثل هذه الشركات، وكانت الأجوبة دائما من نوع (تفضلي يا فندم) ( آسفين يا فندم) . أخيرا وجدت الطريق مسدودا وبدأت أفكر في أشكال الإعتذارات التي يمكن أن أقدمها لفريق التمثيل الذين وعدتهم بكل ثقة أن أملهم لن يخيب في صناعة هذا الفيلم. كما بدأت أفكر في تغيير السيناريو مرة أخرى، كيف يمكن تبديل وضعية جلوس العائلتين الى جانب بعضهما البعض؟ والنظرات المتبادلة بين الحبيبين السابقين؟ فكرت في كل الخيارات. ثم في نهاية الإسبوع، تذكرت المبلغ المودع لدى تلك الشركة السياحية في أطراف المدينة البعيدة. سأذهب غدا واسترده. هاتفت صاحب الشركة فقال بنفس طريقته الناعمة "تفضلي في اي وقت يا فندم. الشركة تفتح من الساعة 9 صباحا".
ذهبت في صباح اليوم التالي . كانت السكرتيرة اللطيفة هي الموجودة. استلمت المبلغ وانطلقت بسيارتي وأنا أشعر بالضياع مرة أخرى.
كنت طوال الطريق افكر في ورطتي. ارتكبت عدة أخطاء. كنت كاتبة قصة اجلس في اي مكان (صحرا إن كان او بستان) واخلق قصتي. الآن علي ان أعمل مع فريق ومع لوجستيات لا على البال ولا الخاطر، فريق موهوب اشعر بمسؤوليتي في تحقيق أحلامه في جزئية فيلمي على الأقل. ولكن هل هذه أخطاء حقا؟ ام مغامرة جديدة علي، صعبة لكنها في نفس الوقت ممتعة. ربما الخطأ الأكبر هو اني لم استعن بمدير إنتاج متمرس أطلب منه المستحيل فيأتيني به في غمضة عين. ولهذا سبب.
في آخر فيلم قصير عن قصة من قصصي نفذه مخرج مصري صاعد في 2019 ، ولم اكن قد درست الإخراج ليكون تنفيذ افلامي (بيدي لا بيد عمرو)، استعنت بمدير إنتاج قدم لي ميزانية زائفة مضاعفة عشرات المرات. أقلها انه بدلا من أن يأتي بوجبات طعام لفريق الفيلم الذي كنا نصوره في غرفة بواب عمارة (حقيقي) وجدته يقدم وجبات – على حساب انتاج الفيلم – لأهل الحارة كلهم. الآن وانا أفكر في حالي المشتت بين الأمل واليأس من شركات السياحة والرحلات، اقول لنفسي "لقد صدق المثل المصري – إدي العيش لخبازه ولو أكل نصه". مع أنه في الواقع اكل اكثر من نصه!
كانت هذه الافكار اليائسة تدور في خاطري وانا على جسر سريع يؤدي الى المدينة التي أقيم فيها، حين جاورتني حافلة ركاب. التفت اليها اتفحصها بفضول بحكم العادة التي رافقتني طوال البحث عن حافلات مناسبة، وجدت مفاجأة صاعقة. يلوح لي من خلف الزجاج اربع مقاعد متقابلة تجلس عليها فيما يبدو أم واطفالها. اسرعت بسيارتي الى محاذاة السائق وانا اشير اليه مثل مجنونة ان يقف. كان الطريق مزدحما بالمركبات المسرعة وربما احتار السائق من طلبي المفاجىء ، فأشار لي أن ابطىء واقف الى جانب الطريق واوقف حافلته. نزلت من سيارتي واسرعت اليه. دخلت الحافلة وانا اتفحص داخل الحافلة لأتأكد من المقاعد المتقابلة وسألته بلهفة "ما اسم الشركة؟" أجابني وهو ينظر الي بحيرة وتساؤل. قلت له اني اريد استئجار الباص، وسألته عن مقر الشركة. وكانت المفاجأة الاخرى فقد ذكر لي اسم منطقة قريبة من بيتي. مستحيل!!
وهكذا بدلا من الرجوع الى البيت، وصلت الى كراج الشركة واكتشفت ان نصف حافلاتهم لها هذه الميزة (المقاعد المتقابلة) وهي التي يتطلبها سيناريو الفيلم. لم يكن المدير موجودا. قيل لي انه يأتي بعد ساعتين. كان الوقت ظهرا. لا مفر من انتظاره.
انتظرت في غرفة جانبية حتى وصل المدير والتقيت به. وكنت اتمنى في وقتها لو كان لدي في تلك اللحظة مدير انتاج مصري. لأني كنت اعرف نتيجة ما سيحدث: اول ما انطق بأي كلمة سيعرفون من نبرتي اني لست مصرية، وحين اذكر سبب الاستئجار (تصوير فيلم سينمائي) ، سيزيد السعر اضعافا. هذا ماكان. ولكن السعر هذه المرة زاد 3 اضعاف فقط (افضل من 5 أضعاف طلبتها الشركة الأولى التي تفاوضت معها) ولن يفهم أي مدير شركة معنى اني احمل الجنسية المصرية وأعيش على معاش مصري وليس لدي موارد اخرى، وان الفيلم قصير وبميزانية منخفضة ولن يباع ويشترى في سوق الأفلام. ولكن ما باليد حيلة . اتفقنا.
كلمت مدير التصوير ان يهيء نفسه وفريقه للتصوير في اليوم التالي. فالوقت يوشك على النفاد حيث انه كان متعاقدا على عمل خارج البلاد وسوف يسافر بعد ثلاثة أيام، ولن يعود قبل ستة اشهر. وكان هذا الشاب الموهوب والطموح (أبالي سامي) قد صور لي فيلمين عن قصتين لي (سبق صحفي) الذي اخرجه بيتر فؤاد في 2017، وفيلم تخرجي (حظ السلاحف) في 2022 وميزته الى جانب إبداعه الإحترافي أنه يستطيع العمل في كل الظروف كما يمكنه التغلب على أي مشكلة طارئة اثناء التصوير.